الأحد ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم الحسان عشاق

مول الزرواطة والبائع المتجول

يدفع العربة المحملة بالتفاح والموز بقوة، تتساقط حبات طازجة تتدحرج، يستمر في الدفع بأقصى سرعة، يلتفت الى الوراء، صاحب الحذاء العريض يتعقبه، تتارجح العصا السوداء، صياد قاسي متربص بالفريسة، الاصبع الكبير على الزناد، في سحنته ينفجر الغضب، لا شيء يوقف اصراره، زفراته تلسع من بعيد، عينه على العربة، مصدر الرزق الوحيد، يتعرق، ينشف الحلق، يحس بالخشب ينغرز في يديه، كفتا الميزان سقطتا، رمق السيارة الموشومة في اخر الزقاق، وقع في المصيدة، خارت القوى، الأسفلت يهرب من تحت القدمين، الدمع يقترب من المآقي، الهزيمة تصلب الجسد، المخلوقات الفولاذية تجهز الكفن، يتبادلون التحايا، يركبون الوقت المفخخة بالتعليمات على اجنحة التنفيذ ، والفقراء يسيرون على حبل الموت، يهربون من الجوع والشحاذة ويحاصرهم زمن ملطخ بالفساد. القوي يفعص الضعيف، نظر الى السماء مستعطفا، ينتظر معجزة، الرعونة تكبس على الدرب، والجرح المكبل بالضعف ينفجر في الحوباء، الرزق ضاع، يراهم يحملون عربة اليد في الشاحنة، الهبت وجهه المتجهم صفعة، الاف النجوم اشتعلت في الراس، قبل ان تخبو شعلة الالم ،صفدوه ورموه في السيارة الموشومة، مند زمان يتوشح بالصبر، ينحت في الصخر رغيفا له وللعائلة، باحثا عن جواز سفر ليعبر الى رغد العيش، يعلق الخوف المتربص في الذاكرة على حبل الامان، يضاجع الشمس ويحرس الا يخرج الشرير القابع في دواخله.

 لم اعد قادرا على حفر الاساسات وحمل مواد البناء جسدي يخذلني

 اشتر يا عيسى عربة وبع الخضر والفواكه على ناصية الشوارع

 اصحاب العربات بالعشرات يحتلون جميع الاماكن

 الرزاق الله

باع اقراط وخاتم ام الاولاد، اشترى عربة وميزان قديم، بدل الاطارات المتآكلة التي تخرج من جنباتها اثداء، في الصباح الباكر دخل السوق، اقتنى صندوقين من التفاح و الموز، في الدماغ طرح العملية الحسابية، في كل كيلو ثلاثة دراهم ربح، يستفيق الفرح في النفس، ألف نافذة تنفتح على قسمات الوجه، يكتظ الكلام المنمق والطيب، تزدحم الاجساد، تطير الفواكه، يمتلا الجيب بالأوراق، تنفرج الاسارير، السكينة ترجع الى فضاء الروح، تستقيم الاشياء في المخيلة، تهرب من سواحل العطش الطويل، وقساوة شق الخنادق ورفع اكياس الاسمنت، كم اخفى من تعب ومشقة في جسد مكبل بمطالب الحياة المستعصية، يبتلع مر الكلام من صاحب الورشة، يطمر الانكسارات، ليضمن الخبز الحلال، كل يوم يعود محملا باطنان التعب، تذوب امام ضحكة الابناء وغنج الزوجة، الصحة لا تدوم تهرب مع انتحار السنوات من الهيكل، تتقاطر على ضربات الفأس، بدأت تلاحقه صفارات الانذار، ارهاق، رعشات في القلب ، تعرق والم في الظهر، عضلات الامس نزفت على صدر الايام، الوهن طرق باب وجوده التائه، تسرب تحت الجلد والعظام، لابد من البحث عن مصدر عيش اقل اجهادا، لم ينفع في عمل الحقول، ولا نادلا في المقاهي، يريد ان يهرب من سلطة رب العمل بلونه العدمي والجسد المضمخ بالعطر الفاجر، يريد ان يتحرر من الاوامر، من لعنة عقارب الساعة، وسراط الاستعباد والترويض.

المدينة اصغر من القفص ، مدينة للنوم والفقر والتوالد، اعداد الباعة الجائلين يتزايدون، يهربون من رحم الفاقة، من صرخات الصمت، بحثا عن شواطئ دافئة على ناصية الشوارع، امام ابواب المساجد، عيسى يؤمن بالقدر لكنه لا يمارس اية شعائر ولا طقوس دينية، الفقر هبة وابتلاء من الله، جاء الى الدنيا لكي تضرب به الامثال في الصبر والجلد، الجوع والمرض امتحان من الرب، ان تطعم اربعة افواه والخامس في الطريق بالعضلات معجزة، يعود الخيال من شرنقة المخيلة، كنورس يزف مراكب الصيد، تندس اليد بين الفاكهة، تزيل الحبات التي تسلقها الاصفرار والجفاف، تجمعها في كيس لتصنع العصير، ما الذ عصير التفاح والموز، غير بعيد يظهر اصحاب البدلة الكاكي و الخضراء الباهتة، تفر الدماء من الخوف، الرؤوس تشرئب والاعناق تتلوى، هل جاؤوا متبضعين ام جاؤوا لمصادرة الارزاق...؟ يلتفتون كحيوانات مفترسة ، يشيعون اصحاب العربات، اكثر جهوزية للإغارة، في الوطن بدل بناء المستشفيات والمدارس يتم بناء السجون والمخافر وزيادة اعداد العساكر والجواسيس وحملة الزرواطة، تطير البسمة من الوجوه، عيسى يقبض على جوانب العربة بقوة، اصبح اكثر استعدادا للغارات، لم يعد ينتعل خفا عاديا، اشترى حذاءا رياضيا من سوق المتلاشيات، في الاسبوع الماضي تمت الاغارة على الباعة وصودرت السلع، واعتقل بائع هدد رجل امن بالسلاح الابيض.

 راكم تحتلون الملك العمومي...؟

 عدنا وليدات خصنا نعيشوهم

 تخرقون القانون

 واش بغيتونا نموتو بالجوع

 كنفذو التعليمات خويو الارصفة

تطير الفرحة المؤقتة المسروجة من لحظات السهو، يفور الدم، صوت الاحذية يقضم المسافات، عيسى ترعبه الكلمات الملغزة والمشفرة، تعري تفاصيل الاحتكاك القادم في صرخة الوقت، عيسى اصبح محتلا في وطنه، عليه ان يحتضن الجوع لتسقط عنه تهمة الاحتلال، يسافر قهرا في عناقيد الاذعان، لم ينهض بعد من تحت الركام، والهيكل المطمور في بركة القار يتلمس الخروج، واليد لا زلت تحمل خرائط واوشام قبضة الفأس، كم يكره الوجوه المكشرة النابتة في الازقة، تقنص نبع العصافير من دم الاموات/ الاحياء، تغتال عرائس الاحلام، يتمنى ان تكنس الشوارع من قراصنة الارض، تختفي الآهات في الصدور و الادمغة، ينتهي عمر التشاؤم والخوف من القادم، لا وطن لك يا عيسى سوى دمك ودروب معبدة بالوجع، قرنفلات القلب تورق في بركة العتاب، ورزمة احلام تحبو في الضلوع، تكفر بالدنيا والحياة، لكنه لا يستطيع ان يسرج البعير ويرحل، جميع المدن متشابهة في الوطن اللقيط، تدخل البيت متلفعا بالغم، تخرج من الدهشة والقنوط، الطفلتين تغرسان في الصدر ابتسامة الشوق، ينسكب الضوء في الحوباء، ينكمش الوقت الذميم ، تأتى البراءة بملامح النبوءة، تضحك للدغدغات والشغب الجميل، تغسل الهواء المتعفن في الجمجمة، يذوب التذمر ووجع الزمن العابث، تنزرع في صحراء الضجر مواقيت الانشراح واعراس الغد.

تصحو المدينة شاهرة القسوة والعنف، اطارات العربة مزقت بسكين، الميزان اختفى، الناطور يحلف بأغلظ الايمان ان الفعل وقع اثناء نومه، اراد ان يصرخ في وجهه انه يدفع له اجرا لكي يحرس لا لكي ينام، حتى السلعة طالها السطو، وحده يصلي في حقول الشماتة، يتزلزل كهف السكينة، تسقط في وعيه الحيرة، الفعل يحتاج الى ردة الفعل.

 غادي نخلص لك كلشي

 هي الاولى ..دابا هاد صباح ما غادي نبيع والو

 الرزاق الله اسي عيسى

 سي هو المنشار.. واش رزقي مشى وانت كتعطيني في المواعظ

ينكمش الناطور، يبتلع الاهانة متلفعا بالصمت، يخاف ان تكبر الفقاعة، يرتفع اللغط، تهتك طبلة الاذن، ترعبه الجمهرة، كلما كثر النافخون في الكير يفشل الصلح، يسحب رزمة اوراق، عوضه عن الخسارة بالتمام، تنفرج الاسارير وتصفو النظرات، سال هواء الاحترام والخجل، يختفي الغضب ويهرب سالما من طقس البوار والرجم، تجوب مصارين المدينة، تكنس الغضب رويدا رويدا، تتلاشى الصور المعتمة ويشع الالق، ضمنت مصروف اليوم، وربحت يوم راحة، تتفرس في الوجوه باستغراب، وجوه غرقى في التيه، سحنات تتدثر بالانتظار يخنقها البكاء المتقطع، ثاويه على ارصفة القهر، ترتدي ثوب المذلة، الكبرياء هاجر الرؤوس، الضمير معروض على الجباه، يباع بأبخس الاثمان، عجوز تعرض بضاعة لا تتعدى بضعة دراهم، حمص، وبيض ، مقدنوس وكزبر، في جنبها تجلس شابة تغرق في التبرج، عيناها ليستا بريئة، تحاورها العيون، تمطرها بالكلمات المشفرة، تندلق على شرفتها اطنان الرغبات، تأتى نار الاشتهاء متبخترة بين الضلوع والجلد، فتح المزاد في السر، الحيزبون تقبض وتحدد زمن الولوج، تحرس دقائق الحشرجة، الرحلة لا تطول، الزورق ينهكه الذهاب والاياب، والشط ينزوي خلف الضباب، يتماوج السفر على مرافئ الشفاه، وتحمل ذروة اللقاء الخاطف لقاحات محترقة من هيكل الرجولة المصلوبة على أرجوحة الفحولة، تسكب فوق الجسد قطرات الموت المشتهى، على مقربة من الماخور مسجد، اجسام مسربلة بالبياض، اخرى مقمطة في ازياء غريبة، قيل انها استقدمت من افغانستان وباكستان..؟ تدلف الى بيت الله، لتؤدي الطقوس في استسلام، تآلف غريب في زمن غريب.

يسير بقلب مفجوع وسط الزحام، محاصرا بالزمن الرديء، تتسابق الخيول الهمجية على لقمة العيش ، كل شيئ مسترخص في المدينة الداعرة، اللحم البشري بلا قيمة، الانسانية عملة نادرة، شابان يسلبان مسنة حقيبة اليد، تطلق استغاثة مدوية، يطلقان سيقانهما للريح، ترتفع الصرخات واللعنات، محاصران في الزقاق، يرميان الحقيبة، ينطان بخفة الى دار مهجورة، لا وجود لاصحاب البدلة الكاكي، ولا السيارات الموشومة، عندما يحتاج الضعيف الى الحماية لا يجدها.

- اين البوليس ...؟ عيب وعار الاعتداء على امرأة مسنة

 البوليس يشتغل بمزاجية...لا يتدخل حتى يسيل الدم

 أتساءل من نحن ...؟ لا نحن مسلمين ولا مسيحيين ولا يهود ولا هندوس...؟

- نحن من سلالة بني كلبون وبني قردن.. مزيج من جميع الديانات والتقاليد والاعراف...نحن امة حربائية

يستيقظ فجرا لاقتناء السلع، لم يعد يمشي لسوق الجملة، هناك مخازن سرية تبيع خارج القانون بأسعار معقولة، تتهرب من دفع الضريبة، بدأ يستوعب اسرار الحرفة ،الايام تمضي بائسة، تطحن الجيوب والبدن، الامل يتخثر في الراس كل صباح، الخوف من الاجساد الفولاذية حاضر، الشارع يغلي، الزبون اكثر نرفزة وتشكيكا، الغضب يعزف في الشرايين ، لأتفه الاسباب تنشب العراكات ، عراكات تترجم انين الكادحين ،اشتد الكساد على القوس وانكسر السهم على ابواب الخبز، عيسى اقسم ان يهرول صاعدا نحو السحاب، متوضئا بالصبر كاتما الغيض، يستريح على ربوة يرتديها الهدوء، تدق مسمار الوجود امام قاضي الزمان، يولد الرزق من مخاض الجمر، والجابي يحضر متجهما يجرح خد الصباحات، يقتص من دمه دراهم، لا يهمه ان يمشي عاريا او كسيحا، يجوع اولاده او يمرضوا، يفرمون عظامه بالإتاوات، قضم حبات الفاكهة بدون رضاه، حين تسطر الهجمة يرمونه جهرا بالمحتل، قيود ثقيلة تشل دماغه، لا سبيل للهرب من اقفاص المدينة الذميمة، ولا وقت لخلع السواد والوقوف في وجه الاعصار، مكبل بأغلال العائلة الصغيرة، يخاف ان تتشرد، ان تجوع وتتعرى، لمن سيشكي ويلجأ حين تقع الواقعة.

انت تتلاعب في الميزان، انت عديم الاخلاق والتربية، لطمه الاتهام كقبضة شرطي، يرفع عقيرته بالصراخ، يرفع يده في الهواء، دائما المشاكل تأتي من وراء المتأنقين، ليست المرة الاولى التي يرمى البائع الجائل بتهمة التلاعب في الاوزان، لم تنبس ببنت شفة، تركته يسب ويشتم، يتوعد ويهدد، تكبح جماح المارد الداخلي، في المخيلة تسدد له الضربات واللكمات، تقضم اذنيه، ينبجس الدم الاحمر القاني، يسقط على الاسفلت متكورا متوجعا، افقت على صوت زميل يحمل كيس الفاكهة، يضعه في الميزان امام الزبون، ويحمله مرة اخرى الى ميزان اخر، الكمية وافيه لا ينقصها شيئ، عاب عليه الناس التصرف الاخرق، اصحاب البذل دائما بخلاء انانيون، تكره التعامل مع هذه العينة المتعالية، وودت لو حملت فوق الاجنحة الى ارض طاهرة، تخلو من الخيانة والاهانة، الشر مجثوث من الجدور، تكره ان تترجل أجراسك عن صهوة الكرامة، الا تقعي صاغرا متضرعا على عتبات الانذال.

 مول الزرواطة جاي

 راه غير بوحدو ما كاين لا فاركو لا كاميو

 عطيوه التدويرة خليوه يخوي

 هذا عيبنا خصنا نقتلو الامني في عقولنا باش نتحررو من الخوف

 الخوف ماشي منو ولكن الخوف على ولادنا من التشرد

في داخله شرفة تطل على الضوء ، تشتعل حين تدخل البيت، حاملا هموم الدنيا، تعلق المعطف والرداء، تخلع الحذاء الرياضي، تتمدد على الفراش، تغيب في رحلة بريئة لا تنام
على هضاب الغش ولا على حرف الخطيئة، تفرك جلد الظهر الذي اعاده الشرطي مزخرفا بالسوط والحذاء، يستريح الدم الشقي الذي هاجر الاوردة في لحظات انفعال، تئن المخيلة من لعنة الوجوه الفولاذية الخبيثة، في البيت تعيش الحرية المطلقة، في شرايين المدينة ينغمس الجسد في لجة الفوضى، تتوزع بين السوق والشوارع والمنزل، تتمرد الطرقات والامكنة، السماء تسكب دمعا مذرارا، ترشق الارض رعدا وبرقا، قطرات تلعق الاسمنت، تغسل البيوت والناس، تدفع العربة بقوة، تحتمى ببروزات المقاهي والدكاكين، البرد يلسع الاشلاء، البخار يخرج من الافواه، الانسان ضعيف امام الطبيعة، تتوحد صورة الالم والخوف، عربة مجرورة بالأحصنة تسابق الريح، تمطر الحوذي اللعنات، ماذا لو تقطعت الفرامل، فقدت السيطرة على العربة...؟ تدثر الفواكه بقطع بلاستيك المشدودة بالحبل ،تدفع العربة في اتجاه مرآب الفضاء الواسع، الامطار غزيرة، قطرات في حجم حبات الرمان، تبللت الملابس، تحس بالماء يتسرب الى الاماكن التي لا تراها الشمس، تغرق الاطارات في الوحل، تخلصها بصعوبة، تهرب الى المنزل، اهل الدار مكورون حول موقد النار، رائحة الدخان تكبس على المكان، السقف شانه التقطير، تخلط الطين بالتبن، تبلط السقف بالوحل، مستعينا بقطع الخشب والقصدير لسد الثقوب، توزع الاواني لجمع المياه، مياه ستستعمل في الغسيل، كم انت صبور يا عيسى، تتلقى اللكمات تباعا ولا انفجار، تعثرت الطيور الجارحة في مهاوي الريح، لم تعد عيناه تشتهي الغضب، ضحكات البنتين تضمد الجراح النابتة فوق الوريد، طبق العدس المطهو باللحم المقدد شهي، تبلط عصافير المعدة باللقم، تسبح في رحم الفراغ، لم تأكل شيئا مند الصباح، تشعر بالدفئ، تحتضن البنتين، تشيع البطن المطلة على الشهر التاسع، قريبا سيستقبل البيت ضيفا جديدا، تمعن النظر، تتسكع المخيلة في خرائط الرغبة، شهقة السرير تنادي، تتراجع، تستسلم، لسعات البرد القارس تطمر الشوق المتأكل، تخبئ الوجع تحت وقع قطرات المطر، تضاجع اللحظات في ومضات الشرود.

للمرة الرابعة يصادرون سلعه، للمرة الرابعة ينام في المخفر، للمرة الرابعة يدفع الذعيرة، تكاليف المحجز ليخلص العربة، ينساب نهر التذمر في الشرايين، النفس البكماء التي تتقن الاذعان يجب ان تنتفض، عينا الشرطي تجيئ بالخطيئة والدمار، يرى فيه خطرا يمتد في اقبية المدينة، يغتصب الجمال المعماري المخضب برائحة قنوات الصرف الصحي، يرشف من دمه، يجوع اولاده، يرميه الى الشارع، لعبة القط والفار يجب ان تنتهي، ينتهي التيه في الدماغ، له حق في وطن بلون اليد المتشققة، يقنعه النشيد والراية انه يتنفس الحرية، فكر في قيمة الوجود والانتماء للوطن، يلبس فيه ثوب الحداد، يمشي خائفا من حملات التفتيش والاغارة، يكظم الغيض والاهانة.(ادعوهم الى الله) قالت له الزوجة التي ينام على صدرها الرضيع، ملايين المرات يدعو عليهم بالهلاك والشتات واللعنات، لكن الله في عطلة لا يستجيب، لم تنفع اللقاءات والحوارات، مواقف المسؤول لم تتغير، الشوارع والارصفة يجب ان تتحرر من الاحتلال العشوائي و الأوساخ، عيسى يرتقي الى مرتبة النفايات، في القلب يحتضر الهدوء الاخرس كالصمغ، من يده في النار ليس كمن يده في الماء البارد، المارد ينتظر الخروج من القمقم، قرر الدفاع عن رزقه، لن يبقى مقموع البوح، يترك عسس الوطن يصلبونه على قارعة الطريق، يقلمون اظافر غده، متروكا بين زوايا الاهمال والقمع، تمشي الكلاب فوق الجباه، مكشرة عن الأنياب، تقترب، تحيط بطابور من العربات، تحاصرها، تغرس الانياب في الفواكه، بخفة يسحب صفيحة بنزين، يصبها على العربة، يضغط على الولاعة تشتعل النار، اللهب يأكل العربة، يحس بنشوة غريبة، الفرحة تهزه، تهدهده، تحلق به بعيدا في السماء الواسعة، يطلق ضحكات عالية... عيسى يمارس فعل الاحتجاج.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى