الأربعاء ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم الحسان عشاق

مول الشفنجة

تظلم الدنيا من حوله، تتصاعد رائحة الأجساد العارية التي تبحث عن النقاوة والطهارة، إزالة الأوساخ، لتخرج الجثة نظيفة مصقولة كالذهب، لكن الأدمغة أكثر اتساخا، تحمل رواسب وندوب متقيحة، المصباح يقيئ ضوءا خافتا،بخار يتصاعد يطبق على المكان الأشبه بالسرداب،يحجب الرؤية،لا يسمع سوى صبيب الماء وانسكابه، وآهات الكتل اللحمية المغلفة بالبخار، رائحة الصابون ومحاليل غسل الشعر تغتصب المكان، في ركن من الحجرة تمدد مول الشفنجة على بطنه،محاطا بدزينة من الدلاء السوداء،المصنوعة من بقايا إطارات الشاحنات، راح الكسال يمرر يده المندسة في كيس اسود على ظهره طلوعا وهبوطا بحركات نشيطة،يستلذ بهذه الحركات يستلطفها، يرش الجسد الغائب بحفنات الماء الدافئ، يزيل بقايا الصابون، يعيد الكرة أكثر من مرة، يرتعش منه البدن، توغل المسح على تضاريس الظهر، يدعك أطراف الجثة المسجية أمامه، يصدر اصواتا أشبه بالصفير، فحيح الافاعي، يضغط بقوة يكاد يفصل الكتف عن الجدع، يمسك ذراعيه يضع رجله في وسط الظهر،يصفر تصفيرة طويلة، يتمزق اللحم ينفرم، ينعجن، يعيد تركيب الجسد، يدخل مول الشفنجة في غيبوبة لذيذة، انسلت يد الكسال إلى السافلة، تستيقظ الشهوة الرابضة بين الضلوع، شيطان المحرم يناديه، تستهويه شجرة الزقوم،لا تسورها طوابي التين الشوكي ولا شجر الطلح، لهاثه يصفع أذنيه، لسانه الخشن كالحلفاء يلعق الرقبة،الرغبة الجامحة تستبد به، سحب التبان، دس يده الأخرى تحت بطنه ارتفعت الربوة،ارتفاع مناسب للتصويب والطلق،الأمواج بداخله ترغي وتزبد،عنترة بن شداد يسحب سيفه،يستعد لقطع الرؤوس للدود عن عبلة،لا تهمه القبيلة وساكني القبيلة، مرر السيف وسط الفجين، ودفعه في الماسورة بتؤدة،احكم قبضة على اللجام،أسرج الفرس وانطلق، مكر مفر مقبل مدبر معا قال امرئ القيس، لم يعد يشعر بأي شيئ، يحلق في الفضاء بعيدا، يطوي المسافات، أظلمت الدنيا في عينيه،ندت عنه زفرة، يرتخي ويضمحل ويتلاشى، يتضاءل كصيحة كتمت في الصدر قبل الانقذاف، تمدد على الأرض لاهثا مرتخيا، المعركة لم تنته لا زال في الجولة الأولى،يراقب بعينين محمرتين الجسد العاري، يشتهيه لكن الحرارة داخل الحجرة التي أفرغت عن آخرها من المستحمين لم تعد تطاق، الحرارة تفسد الرغبات المكبوتة، يتسلل دخان حار إلى الحجرة، يخنق الأنفاس، الكسال يستحضر تجربته الطويلة في التحميم لإرضاء الزبون خوفا من ضياع الأجر، لكنه بحاجة إلى استنشاق هواء نقي.لعب مبارتين بدون توقف.

 نوض نمشيو للصالة الأخرى...الصهد قلبي غادي يسكت

 هي الأولى

يدب على الأرض بعجرفة،لا يخرج للشارع إلا في كامل الزينة، مكحلا معطرا يضع احمر شفاه خفيف، يلبس ملابس داخلية نسائية، يجلس لساعات أمام المرآة، يحرس دائما على بروز المؤخرة، لإثارة الانتباه للإيقاع بالفحول الشرسة، لو لا الخوف لارتدى حذاء ذي الكعب العالي، يخاف من ردات فعل المتشددين، أصحاب اللحي الطويلة، يريد ممارسة حريته بالكامل، المجتمع لا يتسامح مع الاختلاف، الاختلاف لا يفسد للرعشة الكبرى قضية، يختار الزبائن بعناية، من الحدائق والمقاهي والأسواق، مفتولي العضلات،يعانون الفقر والحاجة،يقبلون بالعطايا بدون شروط أو أطماع مسبقة.

منذ الصغر يرتدي ملابس الفتيات، يلعب ألعابهن، يضمخ يديه ورجليه وشعره بالحناء،في المدرسة اكتشف الأطفال حركاته الأنثوية، شككوا في أمره، تربص به تلميذ منحرف مدمن للمخدرات، ضاجعه بعنف، شعر بعذوبة الألم تماما مثل فتاة تفتض بكارتها، تكرر الفعل مرات عديدة، أفشى سره لباقي الأصدقاء، تحول إلى مبولة حقيقية، يتناوبون عليه في المراحيض في وقت الاستراحة،اكتشفت الإدارة انحرافه ففصلته نهائيا، تجاوزت شهرته أسوار المدرسة، مطلوب في جميع الأحياء، مزار للفتيان والكبار، يجربون فحولتهم، يفترشونه كما يفترش الحصير، لا احد يستطيع الجزم بأسباب تحوله إلى وعاء للتفريغ،كلما يذكره أترابه انه مند الصغر، يأتي به احد الأقارب إلى ملاعب الكرة، يتركه هناك وحيدا طوال النهار،الجوع يفتك به،تربص به أبناء الحارة الأكبر سنا،وحولوه إلى أنثى لا يصلح سوى للمضاجعة، آلف مقايضة لحمه بالخبز والمرق وبضعة دراهم، لم يكن يرفض طلبا، أصبحت هوايته النوم على البطن،ثني الركبتين واستقبال البارود البشري.

يتذكر كيف كانت أمه تخرج الفضلات من مصارين الخروف،يستعيد بها سره الذي لم يعد سرا، تدفع فيه عصا زيتون ملساء، تضحكه الصورة بحق، كما تفعل صورة طاهي الشفنج، يراقبه بانبهار شديد، يقبض العجين بين يديه بحركات سريعة محبوكة بعناية،يدعك العجين الرخو يحممه بالزيت، يصنع منه دوائر يضعها في المقلاة التي ترتاح فوق النار المستعرة، الزيت يغلي يبقبق،عندما تطلع الحمرة على القطع المقلية التي يتوسطها ثقب،يقوم بقلبها على الوجه الآخر بقضيب حديدي ينتهي على شكل هلال.يتحرش بأمه يغمز لها بعين، تضحك، يلقي كلاما على عواهنه لم يفهم معناه.

 الشفنجة خصها المخطاف باش تقلب وطيب مزيان

 خصها لحرايفي والمبلي

تجذبه الوجوه السمجة الكريهة، مدمني المخدرات،المهووسين بالشواذ، سلالة قوم لوط،فيهم يرى خلاصه ومصدر إشباع الرغبات، يتشوق لحضن رجل بقوة ألف حصان، كثيرا ما تخيله يداعبه يثير فوهات براكينه عند الإيلاج تتفجر الحمم،يهدأ الوحش الرابض في السرج، يستعيد توازنه النفسي، يدخل في غيبوبة.. ليلة بعد أخرى يرتدي ملابس شفافة، يتمنى في قراره نفسه أن تنبث له نهود،تأتيه ألام الحيض،يخرج للشارع لابسا تنورة، املس الوجه، متعة للناظرين، لقنص الزبائن واستدراجهم إلى المنزل، تعمل الزوجة على أرضاء الضيف، يداعب المناطق التي لا تراها الشمس،يستنفر حواسه، لكنه بحاجة إلى أنفاس حارة وإحساس بالثقل، وأسنان حادة تشق لحمه تفترسه،تناهت إلى مسامعه صيحات العشيق وآهات أمه وأصداء ضحكاتهما الداعرة.يعرف ما يفعلان،يسترجع هذه اللحظات العصيبة كلما اختلا بنفسه،لم تهتم به إطلاقا،كانت مشغولة بطلبات جسدها، قذفت به في زحمة الحياة، تركته وحيدا فريسة سهلة ينهش لحمه الأتراب،يحس بالانكماش،ليس ذنبه أن أصبح منحرفا، يمارس عليه فعل الهوى،كلما دفع بسخاء كلما اشبع الغريزة،يخاف من قسوة العمر،المومسات يلفظهن الزبون كلما ركبتهن التجاعيد ويفقدن الطراوة والرشاقة، سيلقى نفس المصير،ولن يجد من يطفأ عطشه.جاءه صوت أجش أعاده من التيهان والشرود.

 اهلا سي مول السفنجة

 كيف الحال

المنافقون يعرفون انه منحرف جنسي،ولا يخجلون من إرفاق اسمه بكلمة (سي) التي تعني الوقار والاحترام،كانت شمس الأصيل قد بدأت في الانزواء خلف المباني العالية، شيع بنظرة خاطفة مئات الأشخاص يتحلقون حول قبر داخل المقبرة، يعدو بدون اتجاه بلباسه الرياضي،يحلم بجسد رشيق، يريد ان يهزم الكبر،تتنازعه الأفكار المرعبة وتستبد به المخاوف من بوار السلعة ويغدو مرفوضا،الخوف من الغد يبعثره كزفير حاد، ماذا سيفعل حين يصبح جسده مترهلا متفسخا متحللا لا يصلح للقطاف...؟ العملة الجديدة تطرد العملة الرديئة من السوق، مسح بعينيه الشجرات الميتة على جنبات الطريق؟..همس قريبا ستتحول إلى أخشاب للطهو وتسخين الحمامات والأفران،استوقفه في خلاء حمار يتربص باتان،يعضها، ترفسه،ينهق بشدة يغطي صوته على جميع الأصوات، عيونه تدعك في اشتهاء سلاح أنكر الأصوات،اكبر عضو تناسلي.اغتسل وخرج إلى الشارع يبحث عن ضالته،توقف أمام واجهة زجاجية لدكان بيع أدوات التبرج والزينة،ينقل بصره بين السلع باحثا عن شيء ما، قيل له أن الأعضاء التناسلية يستوردها التجار، تباع سرا إلى الزبائن. أشبه بالأحذية تتنوع المقاسات والاحجام.

 شرفنا يا عمي

 كل زرع عندو كيالو

غير بعيد شاهد الكسال بمعية شاب أمرد داعر، يمشيان جنبا إلى جنب، يحملان كيسا مليئا بالخضر والفواكه واللحم، ويمكن بضعة قنينات من الخمر الرخيص،شرارة الغيرة المسمومة تنبلج من العينين الجاحظتين،وتاه في مصارين وتجاويف التساؤلات الغبية،أعاده صوت شابات يافعات تتعالى ضحكاتهن، ثمرات مهيأة للقطف،يملان الدنيا بصخب الأنثى ونزقها، عيون تلعق الأجساد البضة، تتسلل إلى ما تحت التنانير والاقمصة الضيقة الملتصقة بالجذوع،يتحسس نفسه، يحاول أن يحدد في وعيه معنى لوجوده،يفهم قيمته ومن يكون،مجرد وعاء للتفريغ يزاحم النساء،قدره أن يجثو على الركب، ويستقبل المياه اللزجة طوال عمره المزدحم بالمتناقضات،يتوسل المارة في دواخل يسكنها مارد يستزيد وحشية أنات الجسد،الروح تائهة في منعرجات المجهول...؟يدخل البيت عابسا متجهما منقبضا،تعد الزوجة أطباق الأكل،انه لا يشعر بالجوع،رائحة الأكل تغثيه،يعصره الخواء والهزيمة،تتمزق أنفاسه المعتقلة في كبت رهيب، يتلوى كمن يعاني من إسهال حاد، يرتخي ويضمحل ويتضاءل يتلاشى،تتآكل تضاريس روحه ببطء، يعلوه الضجر حتى قمة الرأس، يئن بفزع متقطع في صمت، تنفطر روحه، تتشابك كحسابات ذهنية عصية على الحل، لا شيء يكبح جماح انهياراته وعذاباته،جراحاته غائرة عميقة كالأخاديد،دواء وحيد قادر على إعادة البسمة والحيوية والنشاط، الأرض عطشى للمطر،تضيع الرجولة بين الفاعل والمفعول، وطحالب الارتياب والشك والغيرة لا تنمو على سرير الزوجية المدنس،ما يرتكبه ليس خيانة ولا نزوة عابرة،انه مريض،ولله في خلقه شؤون،تعرف انه لم يحصل على الحقنة اليومية،جسده مات وبات بغير روح مجرد لحم على عظام،تعرضت للمعاكسة والنظرات الثاقبة من الفحول التي يحضرها، لكنها أبدا لم تضعف أمام رغبات المتعة وجوع ممارسة جنس لذيذ رغم أنها عاهرة محترفة. لا تريد مشاركة نفس الرجل مع الزوج، في السابق تتعرى لأي رجل يرغب بقطعة من لحمها.تستوي جالسة فوق عتبة الباب، جارتها الثخينة لا تكف عن الثرثرة،تقصف الجميع، وتفشي أسرار الرجال والنساء المتزوجات والمطلقات والعازبات.عشرون عاما لم تتبدل ملامحها القاسية إلا من بعض التجاعيد، عرفت الكثير من الرجال، دخلوا حياتها وخرجوا،فاتحتها في موضوع الزوج.حدجتها بنظرة ثاقبة.

 طلقي عليك رويجل... انه ينافس النساء

 مسكين انه مريض

 زوجيه وارتاحي

قالت الكلمات وقهقهت بصوت عالي ارتج منها الصدر شبه العاري،تلاشت القهقهات وسط الزقاق..غير بعيد يعلو صوت أطفال يلعبون الكرة...خرج مول الشفنجة من الباب محمر العينين،مطاطا الرأس يمشي بخطو وئيد إلى الشارع وغاص في زحمته...


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى