مُنْـتَـزَه و مُـتَـنَـزَّه
يقول ابن السِّـكِّـيت في (إصلاح المنطق):
"ومما تضعه العامة في غير موضعه قولهم: خرجنا نتنزه- إذا خرجو إلى البساتين، وإنما التنزُّه التباعد عن المياه والأرياف، ومنه فلان يتنزه عن الأقذار أي يتباعد عنها"- ص 287، ويكرر تحفظه بكلمات أخرى ص 314، وعلى مثل هذا الرأي جرت المعاجم القديمة.
لكن ابن قُتَيبة في (أدب الكاتب، ص 39) يردّ على ذلك، فيقول:
"وليس هذا عندي غلطًا، لأن البساتين في كل مصر وفي كل بلد إنما تكون خارج المصر، فإذا أراد الرجل أن يأتيها فقد أراد أن يتنزّه- أي يبعد عن المنازل، ثم كثر هذا واستعمل حتى صارت النزهة القعود في الخُضَر والجِنان".
الفعل (تنزّه) واسم المكان (المُـتَنَـزَّه) شاعا، وثمة مئات النماذج منهما مما ورد في الأدب العباسي وما بعده، أذكر منها:
ابن طَباطَبا العَلَوي:
فيا حسنَ هذا السطحِ من مُتَنَزّهٍللعين ما تلتذّ فيه وتشتهي
علي بن الجَهْم:
سقى الله باب الكرْخِ من مُتَنـزَّهٍإلى قصرِ وضّاحٍ فبركة زلزلِ
ومُنْـتَزَه:
في تصفّحي ترجمة أسامة بن مرشد بن منقذ في (معجم الأدباء) لياقوت الحموي وجدت شاهدًا للفظة (مُنْـتَزه):
ما بعد جِلَّقَ للمرتاد منزلةٌولا كسكّانها في الأرض سكّانُفكلها لمجال الطَّرْف مُنْـتَـزَهٌلكلهم لصروف الدهر أركان
(ج 5، ص 232).
وكان بشار بن برد قد استخدم الكلمة:
وملعبٍ لـجَوارٍ ينتقِـدن بهوكل مُنتزهٍ للهو منتَـقدُ
في كتاب (الأغاني- دار الفكر) نماذج كثيرة للفظتين، سأذكر من (مُـنْـتَزَه):
".. الحزين الديلي خرج مع ابن لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف إلى منتزه لهم فسكر الحزين وانصرف" ج 15، ص 320).
أما في كتاب المَقَّـري (نفح الطيب) وفي مادة "متنزهات قرطبة"، فهو لا يمايز بين اللفظتين، فتارة يستخدم هذي وطورًا تلك.
فإذا قبلنا (تنزّه) فلم لا تٌقبل (انتزه)، ومنها اسم المكان (مُـنْـتَـزَه)؟
حسنًا فعل مجمع اللغة العربية في دورته الحادية والأربعين إذ أجاز اللفظتين:
مُـتَـنَـزَّه، و مُـنْـتَـزَه (وهذه لشيوع استعمالها)،
وفي تقديري أن هذا عين الصواب، فاقرأ ثانية نهاية ما ذكره ابن قتيبة- "ثم كثر هذا واستعمل...".
من كتابي (البديل من العبرية):
טַיֶּילֶת = مـَـنْــزَه
هذه اللفظة العبرية تعني الطريق المرصوفة قرب شاطئ البحر أو في أماكن أعدت للراحة، وللنزهات أو للتمتع بالطبيعة، إنها لفظة لا بد لها من ترجمة إلى العربية بعد أن أغفل أصحاب المعاجم تحديد لفظة لها.
لم أجد لها أقرب من اشتقاق اسم المكان من الفعل (نَـزه) = مَنْزَه، وقد خصصنا (المُـنْـتَـزَه) أو (المُـتَـَـنَزّه) للحديقة الواسعة = park.
إن اشتقاق النزهة والمنتزهات والنزاهة وما إلى ذلك من معان كان بدءًا يعني الابتعاد عن المكروه والقبيح. فنحن في المَنْـزَه نبتعد عما قد يرهقنا، فلعل في هذا المنزه راحة البال، ونحن نشاهد الرائحين والغادين في تجوالهم، وفي تمتعهم بالطبيعة الخلابة.
في مصر يستخدمون اللفظ الفرنسي- cornice (كورنيش) لما هو قرب البحر، ولا أظن اللفظ ملائمًا لنا إطلاقًا، ذلك لأن اللفظة العبرية (التي نسمعها كثيرًا) قد تطلق على مكان ليس له علاقة بالبحر.
(مَـنْـزَه) كلمة جديدة أقترحها، عل ألسنة الزوار تتعودها، وذلك حتى نتخلص من اللفظة العبرية القوية، وحتى لا نظل نقول (طييلت) حيفا وعند (الطييلت) في رأس العين، فهل لديكم اقتراح آخر؟