نبع ضوء...
منَ رَمادِيَ المُنطَفِئ نهضَ جلاَّدي
جِثّتي مُحاصَرةٌ بآلافِ السَّكاكينِ
والخَناجرِ
« ـ ما ذنبُهُ سيِّدي؟
ـ لا تسألُوا، اقتلوهُ، زنديقٌ... »
شَاهَدْتُهم يرجمونَ جثَّتي،
ويلعنونَ عقلي...
كنْتُ أسمعُهم يشتمونَ شِعريَ
وشفتايَ ترتجفانِ، تريدانِ الصُّراخَ:
قد تبرَّأْتُ منكم، ومن طغيانكم..
فكيفَ تحاسبونَني بشريعتكمُ الحمقاءِ؟
تمشَّيْتُ قليلاً حولَ جسديَ المُمدَّدِ أمامَ سكاكينهم
طُفْتُ في المكان، ودَّعْتُ نَسْمةً رقيقةً
لثمَتْ شَفتيَّ البُنيَّتَينِ...
وأطبقْتُ جَفْنيَّ على شُعاعِ ضوءٍ بلَّلَ أهْدابي
ثمَّ سمعْتُهم يصرخونَ:
"حزمةٌ من لَهَبٍ تخرجُ من فيهِ، اتركُوهُ وانصرفُوا الآنَ"
كانَ وقعُ أحذيتِهم، وهو يُغادرون، يَنغرسُ في ذاكرتي
مازالَ جسديَ مُلقًى أمامَ بُصاقهم، وشَتائمِهم،
يمدُّ عُنقَهُ صَوبَ غيمةٍ ألقتْ حمولتَها على جبينِهِ الدَّامي
لم أسمعْ بعدَها ما قالُوا، لم أشعرْ بضرباتِهم...
دخلْتُ في نبعِ ضوءٍ
اغتسلْتُ من جراحيَ،
وتطهَّرْتُ من آثامِهِم، وتعمَّدْتُ بالنُّورِ
ورفَعني مَلاكانِ
بأجنحةٍ من زهرٍ
إلى فضاءٍ في الملكوتِ الأعلى...
تقدَّسَ سرُّكَ أيُّها الحزنُ العظيم..
«اللَّهمَّ مَنِ الّذي يُشبِهُكَ؟»
«مُستعِدٌّ قلبي يا الله، مُستعِدٌّ قلبي»
أَختزنُ شوقاً جمَّاً لملاقاةِ رحمتكَ، وحبَّاً بقربكَ
«لكَ ينبغي التَّسبيح»، وعليكَ ينبغي التَّوكُّل
قد مُتُّ مُستعجِلاً لقاءَكَ، هكذا يصبحُ اللقاءُ أجملَ
لم أكترثْ بأوجاعيَ، ومساميرِهم التي دقُّوها في قلبي
جِئتُكَ مُتبرِّئاً منْهم، ومن خَطاياهم.
اغفرْ لهم يا أبتي،
واسكبْ في قلوبِهم شُعاعاً من رَحمتِك.