عصفورةٌ قالت لجاراتـــــــها |
ذات ربيعٍ مُخمليٍّ قَشــــيبْ |
والأرضُ قد جادت بمكنونها |
ونافسَ الوهدةَ منها الكثيـــبْ |
ومالت الأغصانُ في دلِّــــها |
من فَنَنٍ غضٍ وعودٍ رطيــب |
وكلما هزّت صبــــــــا بلبلاً |
جاَوَبهُ في شَدوهِ عندليــــــــب |
تُنغِّمُ الطيـــرُ بترنيـــــــــمةٍ |
فينتشي السربُ سميعاً مُجيب |
واستيقظت من نومها نشوةٌ |
أخمدها بردُ الشتاءِ القريــــب |
والتمّت الأطيارُ في جَوقــةٍ |
لم يبقَ في غُربته من غـريب |
تعانقت نشوى مناقيــــرها |
في قُبَلٍ صميمها من لهيــــب |
يا روعةَ الطيـــرِ ويا دفأه |
إذ يحضنُ المحبوبَ منهُ الحبيب |
ومرَّ آذارُ بديـــــعَ الرُؤى |
ينفحُ أنفَ الكونِ من كل طيــب |
وشمسُهُ تُبطئ في سيرها |
كأنما قد نَسيت أن تغيــــــــــب |
والطير فوق البيض في تَوقهِ |
كلٌ على ليلاهُ حانٍ حسيــــــب |
عصفورةٌ قد رفعت رأسها |
واحتضنت فرخاً صغيراً زغيب |
باهت به جاراتِها تزدهـــي |
إذ إنه أولُ فرخٍ تُصـيــــــــــــب |
لكنها أفضتْ على رغمـها |
في لحظةِ الوجدِ بأمرٍ مُريــــب |
يا جارتي: بين قُطوف المُنى |
يومضُ في الخاطر برقٌ كئيـــب |
هذا البديعُ الناضرُ المُجتبَى |
أغذوهُ من لحمي ودمعي الصبيب |
وأبتني من خافقي مَسكنـــاً |
ترنيمةُ النومِ تَوالي الوَجـــــــيب |
أُطعمهُ عينيّ أو مهجتــــي |
إن مرّ في الأيام يومٌ جَديـــــــب |
لكنني يا أختُ أخشى الذي |
لا بدّ آتٍ في نهارٍ قريـــــــــــب |
يوم يفرُّ الحِبُ من سربـــهِ |
ذات صباحٍ نحو حقلٍ خصـــيب |
تتبعهُ عينيَّ في لهفــــــــةٍ |
لكنهُ يُوغـــــــلُ حتى يغيــــــــب |
إني أرى الناسَ ودُنياهُــمُ |
كل ُ غريبٍ ذات يــــــومٍ يؤوب |
فما الذي جئناهُ من أمـرنا |
فمسّنا يا أختُ هذا اللغــــــــوب |
وانتُزعت أكبادنا عُنـــوةً |
فانصدعت تحت الحنايا قلـــوب |
يا حسرةً ما ذقتُ أهوالها |
لكنَّ قلبي إن تبدَّتْ يَـلـــــــــــوب |
قالت لها: يا أختُ لا تحزني |
وتبصري قبل الجروحِ النُــدوب |
يكفيكِ من دنياكِ يا حُلوتي |
أنك ِ أمٌ رغم كل الخطـــــــــوب |
حنانُكِ الغامرُ طوبى لــهُ |
بُوركتِ من أمٍ حنونٍ وهــــوب |
ولينطلقْ فرخكِ في أفقِهِ |
ما من محبٍ يأسرُالمحبــــــــوب |
هذا هو الكــون وأسرارُه |
كل شـــــــــــروقٍ سائرٌ للمغيب |
وكلما هبت شماليـــــــةٌ |
أو نفحت ريّا رياح الجـنــــــوب |
تراقص الطيرُ وغنّى لها |
ما ابتسمت شمسٌ و وافى غُــروبْ |