الأربعاء ٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٨
بقلم عمرو صابح

نــــــــاصر وعـــــــامر

كلما حلت الذكرى الكئيبة لهزيمة 5 يونيو 1967، يخرج علينا فلاسفة تكريس الهزيمة لينعقوا كالغربان فى وجوهنا عن مسئولية جمال عبد الناصر عما جرى فى المعركة، ويتباكون على المشير عبد الحكيم عامر الذى قام الرئيس عبد الناصر بتلبيسه مسئولية الهزيمة، وجعله كبش فداء لأخطائه، ولم يكتف عبد الناصر بذلك بل أمر بقتل صديق عمره، ورفيق كفاحه عبد الحكيم عامر لكى يدفن معه فى قبره أسرار الهزيمة إلى الأبد.

تبدو تلك الأسطوانة المشروخة مكررة علينا سنويا منذ تمت الردة على الثورة فى سبعينيات القرن الماضى.

فى السنوات الأخيرة،خرج علينا البعض بإدعاءات جديدة عن وجود مذكرات للمشيرعبد الحكيم عامر كتبها بخط يده تحتوى على تقييمه لمعركة 1967، وأرائه فى الرئيس عبد الناصر، ومخاوفه من أن يتم اغتياله لطمس حقيقة ما جرى أثناء الحرب، والطريف فى الأمر إننا لم نر أو نقرأ ورقة واحدة بخط يد المشير الراحل تثبت صحة هذه الإدعاءات، بل كل ما رأيناه كان مجموعة أوراق مطبوعة من الإنترنت منقولة عن مجلة لايف الأمريكية.

أثناء مراجعتى لكتاب (جمال عبد الناصر.. أخر العرب) للكاتب الفلسطينى الأمريكى / سعيد أبو الريش، والصادر عن "مركز دراسات الوحدة العربية"، كتب سعيد أبو الريش فى صفحة (361) من الكتاب:

" قام السعوديون،على وجه الخصوص، بنشر مذكرات زائفة تعزى إلى عامر، تحمل عبد الناصر الذنب عن حالة عدم تهيئة الجيش المصرى، وتشرح الإستراتيجية التى أنتجت النكسة.

هذه المذكرات الكاذبة هى من تلفيق المخابرات السعودية، مع أرجحية مساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى إعدادها.

لقد سلم المذكرات إلى والدى الذى كان مراسل مجلة تايم نواف بن عبد العزيز الذى أصبح فيما بعد مساعدا لأخيه الملك فيصل الذى تظاهر بتفضيله صديقا قديما يعمل فى الصحافة.

لقد قرر والدى ومعه زمرة من القراء، أن وثيقة المذكرات صادقة لا غبار عليها.

لكن مجلة لايف بعد نشرها مقتطفات ثلاثة منها، اكتشفت أنها غير صحيحة،وهو ما أثار دهشة محررى لايف وأبى على السواء.

فقد أبلغهم اللواء راضى عبد الله، رئيس المخابرات الأردنية، أنه شارك فى إعدادها،وقد جاءت هذه المذكرات، بجانب جملة من النشاطات الأخرى، مثل دعم الإخوان المسلمين بالمال، لتقنع عبد الناصر أن ينحى قمة الخرطوم جانبا، ويقتنع أن السعوديين مازالوا مصممين على الإطاحة به، فإن لم يكن فتقزيمه على الأقل.

وهكذا أصبح مؤتمر الخرطوم مجرد لعبة تآمرية قصد منها استرضاء الجماهير العربية لا أكثر".

وفى هامش الصفحة أشار الكاتب إلى التوضيح التالى "حتى لا يبدو هناك تناقض فأن مجلتي تايم ولايف الأسبوعيتين كانتا تصدران عن مؤسسة صحفية أمريكية واحدة باسم تايم-لايف، وذلك قبل أن تتوقف لايف عن الصدور نهائيا فى عام 1972 بعد أن كانت تحولت إلى مجلة شهرية لبعض الوقت".

والآن طالما لم تظهر ورقة واحدة بخط يد المشير عبد الحكيم عامر بعد مرور نصف قرن على وفاته؛ فيمكننا القول بعدم وجود أى أساس من الصحة لتلك الأقاويل عن وجود مذكرات مكتوبة بخط يد المشير عبد الحكيم عامر ؛وإلا فأين ذهبت تلك المذكرات ؟ ومن يمتلكها ؟ ولماذا يخفيها حتى الآن ؟!! ربما يقول البعض أن المشير عامر أستطاع الاحتفاظ بتلك الأوراق والمذكرات مع رجاله المخلصين ؛لأن ظروفه بعد النكسة، وعقب فشل محاولته للانقلاب على جمال عبد الناصر، منعته من الاحتفاظ بمذكراته بمعرفته.

هنا نصل إلى الرجل الثانى فى الجيش المصرى بعد المشير عامر، السيد/ شمس بدران وزير الحربية أثناء حرب 1967،وأقرب الناس للمشير الراحل، والذى تم اتهامه وإدانته لاشتراكه فى محاولة المشير عامر عقب نكسة 1967.

فى أثناء قراءاتي لكتاب (عمر فى العاصفة..سيرة ذاتية) للكاتب الأستاذ أحمد عباس صالح، وجدت المعلومات التالية عن علاقة كاتب السيرة برجال المشير عامر،ولقاءاته مع السيد/ شمس بدران فى لندن فى منصف السبعينيات.

يقول الأستاذ أحمد عباس صالح أنه كان صديقا للضابط محمد أبو نار -أحد أقرب الضباط للمشير عامر- والذى كان أخوه أحمد أبونار مديرا لمكتب المشير، مما أتاح لكاتب السيرة أن يطلع على بعض خفايا العلاقة بين الرئيس عبد الناصر والمشير عامر عن طريقهما.
وفى الفصل رقم 17 من السيرة الذاتية وعنوانه(كتبت استقالة المشير عبد الحكيم عامر)، يقول كاتب السيرة أن الضابط محمد أبو نار طلب منه عام 1962 أن يكتب استقالة المشير عبد الحكيم عامر الشهيرة،وأنه كتبها بالفعل، وفوجئ بأنها طبعت ووزعت على أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس قيادة الثورة وضباط الجيش.

ولكن ما يتعلق بموضوعنا ليس أمر كتابة استقالة المشير الشهيرة، بل ما جاء فى الفصل رقم 40 من السيرة الذاتية وعنوانه (شمس بدران يتاجر فى الجبنة)؛ يقول صاحب السيرة أنه تعرف على السيد/شمس بدران الذى كان يعيش فى لندن بانجلترا فى منتصف السبعينيات ومازال هناك حتى الآن عن طريق صديقهما المشترك الضابط عبد الحى شعبان،ويضيف الأستاذ أحمد عباس صالح، أنه لاحظ أن السيد/ شمس بدران يعيش حياة أبعد ما تكون عن الثراء،ويقطن فى شقة متواضعة فى حى "بتنى" الإنجليزى من ضواحى لندن،ولكنه كما يقول الكاتب كان يعيش على أى حال، ويمتلك سيارة رينو صغيرة،ويعمل فى التجارة.

لذا يقول صاحب السيرة أنه سعى لدى القيادة العراقية التى كان على علاقة طيبة بها لكى تدعو السيد/ شمس بدران إلى العراق، وتساعده فى مشاريعه التجارية، وبالفعل سافر السيد/شمس بدران إلى العراق،وقابل صدام حسين؛الذى كان راغبا فى وراثة دور الرئيس عبد الناصر فى العالم العربى،وتصور أن لدى السيد/شمس بدران كنز من المعلومات عن عهد عبد الناصر،ولكن كما يضيف صاحب السيرة فوجئت القيادة العراقية أن السيد/ شمس بدران كان يريد إنشاء مصنع لإنتاج الجبنة فى لندن فقط، ولم يمكث السيد/ شمس بدران فى العراق أكثر من أسبوعين،عاد بعدهما إلى لندن،وروى لصاحب السيرة عن بعض مقابلاته مع صدام حسين الذى تعامل معه بغطرسة،ورد عليه شمس بدران بنفس السلوك.

وفى صفحة 301 من السيرة الذاتية للأستاذ أحمد عباس صالح، يقول أن السيد/ شمس بدران صارحه برغبته فى كتابة مذكراته،وبيعها لصحيفة إنجليزية تقوم بنشرها ثم يتم نشرها بعد ذلك فى جريدة عربية.

ويضيف صاحب السيرة أنه أنبهر الفكرة، وفى ذهنه أن ظهور مذكرات لشخصية بالغة الأهمية فى عهد عبد الناصر مثل شمس بدران ستحتوى على العديد من الأسراروالمعلومات الكاشفة لتاريخ مصر المعاصر،خاصة وأنه كان يعتقد أن أنصار المشير عامر قد قاموا بتهريب وثائق ذات شأن عن تاريخ وتفاصيل العلاقة بين الرئيس و المشير،وأن شمس بدران بالذات لعمق صلته بالمشيرعامر هو الذى يمتلك هذا الملف الخطير من وثائق تلك الحقبة.

يقول الأستاذ أحمد عباس صالح أنه سأل السيد/ شمس بدران عن الوثائق التى يمتلكها،ومذكرات المشير عامر التى بحوزته لكى يتم الاستعانة بهما فى كتابة مذكراته، وهنا فوجئ صاحب السيرة أن السيد/ شمس بدران يصارحه أنه لا يمتلك أى وثائق ولا توجد مذكرات للمشير عامر معه، ويشير له إلى رأسه، ويقول:

(المعلومات كلها فى رأسى).

وهنا يعبر صاحب السيرة عن دهشته وخيبة أمله وانعدام حماسه لكتابة مذكرات السيد/شمس بدران، بعدما أدرك أنه لا توجد وثائق ولا مذكرات للمشير عبد الحكيم عامر مع شمس بدران.

وفى نهاية الفصل يضيف الأستاذ أحمد عباس صالح أن مذكرات السيد/ شمس بدران لم تظهر للوجود على أى حال حتى الآن.

والحقيقة أن الوثيقة الوحيدة المكتوبة بخط يد المشير عبد الحكيم عامر، والتى ظهرت حتى الآن هى مشروع البيان الذى أعده المشير، لكى يذيعه من الإسماعيلية فى حال نجاح الخطة التى كانت مرسومة لوصوله إلى موقع القوات المسلحة هناك أثناء محاولة الانقلاب التى كان يعد لها مع رجاله عقب النكسة، وقد قام الأستاذ محمد حسنين هيكل بنشر هذا البيان فى كتابه (الانفجار 1967)- طبعة الأهرام فى الصفحات من 1081 إلى.1089

وفى هذا البيان المكتوب بخط يد المشير الراحل، يقول عبد الحكيم عامر:
"نتيجة لكل ذلك.. اضطررنا لإصدار أمر الانسحاب إلى غرب القنال لإنقاذ قواتنا البرية من طيران العدو المسيطر ومنعه من تدميرها وحتى يعاد تنظيمها واستعدادها لاستئناف القتال".

هذا اعتراف صريح من المشير الراحل بأنه هو الذى أصدر قرار الانسحاب غرب القناة، وفيه رد مفحم على بعض الأقلام التى مازالت تصر على أن الرئيس عبد الناصر هو الذى أصدر قرار الانسحاب، وفرضه على المشير عامر.

من المحزن أن شهداء مصر فى اليوم الأول للقتال كان 294 شهيدا، وبعد قرار المشير المنفرد بالانسحاب يوم 6 يونيو 1967 وبالطريقة التى تم تنفيذ القرار بها، وصل عدد الشهداء المصريين إلى 6811 شهيدا مساء يوم 8 يونيو 1967 عندما قبلت مصر قرار وقف إطلاق النار.

لقد أقر الرئيس عبد الناصر فى خطاب تنحيه عن السلطة يوم 9 يونيو 1967 بمسئوليته الكاملة عن الهزيمة،وبخطأ تقديراته، وباستعداده للعقاب من شعبه، لم يتنصل من مسئوليته ولم يلق بها على المشير عامر رغم أن المشير عامر لم يعارض خطوة واحدة فى عملية التصعيد نحو الحرب، بل كان سباقا فى التحريض عليها، وبرقيته من الباكستان للرئيس عبد الناصر فى ديسمبر عام 1966 التى تطالب بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء خير دليل على رغبته فى خوض معركة عسكرية ضد إسرائيل قبل انفجار الوضع فى منتصف شهر مايو 1967، كما أن المشير عامر وكل قادة الجيش المصرى حضروا اجتماع الرئيس عبد الناصر معهم يوم 2 يونيو1967، وهو اجتماع مسجل بالصوت والصورة،وفيه قال الرئيس عبد الناصر للمشير ولكل القادة المجتمعين.

 إسرائيل سوف تبدأ عدوانها يوم 5 يونيو 1967.

 إسرائيل سوف تبدأ عدوانها بضربة جوية.

 إسرائيل تعتمد على عنصر المفاجأة والمرونة وتريد معركة قصيرة.

وقد تثبت الرئيس عبد الناصر من المشير والقادة المجتمعين فردا فردا عن استيعابهم لتحذيراته، ولكن الغريب أن تحذيرات الرئيس لم تتجاوز فى تبليغها خارج قاعة الاجتماع، فقد أستمع القادة للتحذيرات ولم يتخذوا أى إجراء لتنفيذها، فقد أتضح عقب الهزيمة أن اللواء محمد عبد الحميد الدغيدى قائد الطيران والدفاع الجوى فى سيناء، لم يعرف بتحذير الرئيس إلا بعد وقوع الهزيمة، بل أن الفريق عبد المحسن مرتجى قائد الجبهة المصرية، والفريق عبد المنعم رياض قائد الجبهة الأردنية، ووزير الدفاع السورى حافظ الأسد، لم يقم المشير بإخطارهم بتحذيرات الرئيس.

وقد ذكر الفريق أول محمد فوزى واللواء حسن البدرى واللواء عبد المنعم خليل، إن المشير عامر قال للقادة العسكريين المجتمعين بعد أن غادر الرئيس عبد الناصر جلسة الاجتماع ما معناه "هو الريس نبى.. ولا بيعلم الغيب".

وبخصوص موضوع الضربة الجوية الأولى وتأثيرها على المعركة، فى نفس الاجتماع المذكور،أوضح الرئيس عبد الناصر للقادة المجتمعين أن الظروف السياسية تمنعنا من توجيه الضربة الأولى، وعندما أعترض الفريق صدقى محمود قائد القوات الجوية على ذلك، وقال أن ذلك سيصيب قواته بالشلل، سأله الرئيس عبد الناصر عن سبب ذلك،فقال الفريق صدقى محمود لأن خسائره ستبلغ من 10% إلى 15% من حجم القوات الجوية، وعندما سأله الرئيس لماذا هذه النسبة ؟، قال الفريق لوجود طائراتنا فى مطارات سيناء، فطلب منه الرئيس سحب الطائرات من مطارات سيناء إلى داخل البلاد، وتشغيل المظلة الجوية لتلافى الخسائر بقدر الإمكان، وقد وافقه المشير عامر على ذلك ولم يعترض، ولكن للأسف بحجة عدم التأثير على الروح المعنوية للمقاتلين وللطيارين، لم يتم سحب الطائرات من مطارات سيناء، بل وقرر المشير صباح يوم 5 يونيو 1967 الذهاب إلى سيناء لقيادة المعركة من هناك، مما أدى لتعطيل شبكة الدفاع الجوى لوجود طائرته فى الجو، وخروج قادة القوات من مواقعهم فى سيناء، واصطفافهم فى مطار بيرتماده انتظار لوصوله، وقد فاجأت الطائرات الإسرائيلية المهاجمة طائرة المشير فى الجو وهى فى طريقها إلى سيناء، مما أضطر المشير أن يأمر بالعودة إلى القاهرة.

والحديث عن أخطاء المشير عامر فى إدارة المعركة تطول،وليس معنى ذلك عدم مسئولية الرئيس عبد الناصر عن الهزيمة، لقد أعترف الرئيس عبد الناصر بأخطائه كلها بداية من ثقته المطلقة فى المشير عامر، إلى عدم تدخله فى سير المعركة العسكرية وتنحية المشير بعد يوم 5 يونيو 1967، وفى النهاية تحمل الرجل مسئوليته كاملة عما تم، وبدأ الإعداد للثأر والانتقام مما حدث فى يونيو 1967.

تبقى قضية وفاة المشير عبد الحكيم عامر يوم 14 سبتمبر 1967، وحتى الآن مازال البعض يصر على أن المشير عامر تم قتله غدرا بأمر عبد الناصر وبأيدى رجاله، ولكن لنحاول تقديم قراءة موضوعية لما حدث بالفعل.

تجمع كل المصادر و الشهادات على أن المشير عبد الحكيم عامر فكر وحاول أكثر من مرة أن ينتحر.

كانت البداية كما روى الأستاذ هيكل فى برنامجه "مع هيكل" محاولة يوم 6 يونيو 1967، فعقب إصدار المشير لقرار الانسحاب الكارثى بدون علم الرئيس عبد الناصر، أتصل مساء نفس اليوم وزير الحربية شمس بدران بالرئيس عبد الناصر يرجوه الحضور لمركز القيادة لأن المشير سينتحر، وبالفعل ذهب عبد الناصر إلى هناك وقال للمشير أنه هو المسئول عن الهزيمة، ورجاه ألا يضيف الفضيحة إلى الهزيمة وظل معه حتى أقنعه بالعدول عن قرار الانتحار.

وكانت المرة الثانية التى قرر فيها المشير الانتحار يوم 8 يونيو 1967،حيث ذكر الدكتور ثروت عكاشة فى الجزء الثانى من مذكراته، أنه تلقى اتصال هاتفى من مدير المخابرات العامة صلاح نصر ابلغه فيه بنية المشير عامر أن ينتحر، ورجاه صلاح نصر إن يذهب للمشير ليقنعه بالعدول عن قراره لعلمه بصلته الطيبة به، وبالفعل ذهب الدكتور ثروت عكاشة له ورغم إصرار المشير على قراره بالانتحار يومها، يقول الدكتور ثروت عكاشة أنه أخذ يحادثه ويسرى عنه، ويذكر له موقف الدين من المنتحر حتى أثناه عن قراره.

وفى الجلسة التى جمعت المشير بالرئيس عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة يوم 25 أغسطس 1967 فى منزل عبد الناصر، وبعد مصارحة الرئيس للمشير أنه أجهض انقلابه وقبض على رجاله وحدد إقامته فى منزله، حاول المشير الانتحار للمرة الثالثة ولكنه فشل بعد تدخل السيدين حسين الشافعى وأنور السادات وطبيب الرئيس الدكتور الصاوى حبيب.

وكان كل الحاضرين شهودا على تلك المحاولة.

وكانت المرة الرابعة التى حاول فيها المشير أن ينتحر يوم 13 سبتمبر 1967 بعدما تم تحديد إقامته باستراحة المريوطية بالهرم، فعندما ذهب الفريق محمد فوزى لاصطحابه إلى مقر إقامته لاحظ أن المشير يلوك شيئا فى فمه وعلى الفور قام بنقله إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة حيث تم علاجه وعمل غسيل معدة له.

نحن هنا أمام رجل حاول أن ينتحر أربع مرات، وفى كل مرة كان يفشل لتدخل الرئيس عبد الناصر ووزراءه وأجهزة حكمه و إنقاذهم لحياته دائما.

فى يوم 14 سبتمبر 1967 ينجح المشير أخيرا فى الانتحار فى مقر إقامته باستراحة المريوطية بالهرم حيث تناول جرعة من السم وفشلت كل محاولات علاجه ولقى حتفه.

تولى عصام الدين حسونة وزير العدل وقتها وهو من أصدقاء المشير وأل عامر الإشراف على التحقيق فى قضية وفاة المشير.

وأنقسم التحقيق إلى شقين، شق شرعى تولاه أكبر الأطباء الشرعيين حول نوع السم وكيفية الوفاة.

وشق قانونى تولاه النائب العام وقتها محمد عبد السلام مع عدد من وكلاء النيابة وتم خلاله التحقيق فى كل ظروف الحادث وسماع شهادات كل من له صلة بالمشير الراحل.

أعد خبراء الطب الشرعى تقريرا من 52 صفحة، وقع عليه أربعة من أكبر الأطباء الشرعيين فى مصر، حيث تبين أن المشير انتحر بتناوله سم الأكونتين، وبالبحث عن مصدر حصوله عليه، أثبت التحقيق أنه حصل عليه من صلاح نصر مدير المخابرات العامة الذى أعترف أن السم كان موجودا بالمخابرات، ولكنه نفى أن يكون قد تم استخدامه ضد أى مصرى.

أجمع كل الشهود عدا أبناء المشير عامر أن المشير قد انتحر، وهكذا انتهى التحقيق فى شقيه الشرعى و القانونى بإثبات انتحار المشير عبد الحكيم عامر خاصة وان له أكثر من سابقة حاول فيها الانتحار.

يروى وزير العدل عصام الدين حسونة الذى أشرف على التحقيق فى قضية وفاة المشير،أنه تقابل عام 1975 مع صديقه المهندس حسن عامر شقيق المشير الراحل،الذى أخبره انه تقابل مع الرئيس السادات،الذى طلب منه أن يقدم طلب لإعادة التحقيق فى قضية وفاة المشير.
وأخبره السادات أنه سيجد كل مساندة وتأييد منه فى طلبه، بالفعل فى أغسطس عام 1975 تم تقديم طلب بإعادة التحقيق فى قضية وفاة المشير عبد الحكيم عامر، وتم فتح التحقيق فى القضية بسماع أقوال الشهود مرة أخرى.

كما تطوع أحد خبراء السموم بإعداد تقرير عن القضية بعد مرور 8 سنوات على وفاة المشير، والمدهش أن هذا الخبير لم ير المشير لحظة وفاته، ولم يقم بمعاينة جثته أو تشريحها. "فهو مثل شاهد ما شافش حاجة"ولكنه كتب تقرير إنشائى لم يأت فيه بجديد عن تقرير الأطباء الذين عاينوا الجثة لحظة الوفاة.

ولكن ما أثار الريبة أن هذا الخبير (اللى ما شافش حاجة)، رغم كل هذا أنهى تقريره إلى أن المشير قد تم قتله بدس السم له هكذا بدون دليل،ورغم كل الشهادات أصر الخبير الذى لم يرشيئا ولم يعاين شئ أن يختم تقريره بذلك!!

انتهى التحقيق الجديد إلى الحفظ لعدم وجود أدلة جديدة ،كان واضحا أن الهدف من إثارة الموضوع سياسي لتشويه الرئيس عبد الناصر وعهده حتى ولو أستدعى ذلك المتاجرة بجثة المشير الراحل.

فى عام 1975 أصدر النائب العام محمد عبد السلام الذى كان يحقق فى قضية وفاة المشير مذكراته فى كتاب عنوانه (سنوات عصيبة)، هاجم فيه الرئيس عبد الناصر وعهده بضراوة، ولكنه عندما تعرض لقضية وفاة المشير أكد أنه انتحر ونفى احتمالية اغتياله جملة و تفصيلا.

بعد كل هذه الشهادات والوثائق والأدلة،تجد البعض حتى الآن يصر على أن المشير مات مقتولا غدرا.

رغم أنه بالتدقيق فى الأحداث والوقائع، سنلاحظ أنه لو كان الرئيس عبد الناصر يرغب فى قتل المشير، لماذا لم يتركه الرئيس ينتحر يوم 6 يونيو1967 وذهب له ليثنيه عن قراراه وهى الواقعة التى رواها شمس بدران وزير الحربية و أقرب الناس للمشير؟!

لماذا يقتله الرئيس وقد تم عزله وتحديد إقامته وتجريده من كل سلطاته،وإجهاض محاولته الانقلابية والقبض على كل أعوانه المتآمرين؟!

ولماذا رفض الرئيس عبد الناصر أن يتم إعدام الملك فاروق فى بداية الثورة،رغم إصرار زملائه على إعدامه جزاء جرائمه و اكتفى بطرده فقط من مصر؟!

و لماذا لم يقتل الرئيس عبد الناصر اللواء محمد نجيب بعد صراعه معه على السلطة عام 1954،وبعد وصول معلومات لعبد الناصر أن نجيب متواطئ مع الأخوان،وكان على علم بمحاولتهم اغتيال الرئيس عبد الناصر فى أكتوبر 1954، واكتفى بعزله وتحديد إقامته فى فيلا المرج؟

بل والأكثر خطورة من هذا،انه أثناء العدوان الثلاثى عام 1956 وردت معلومات إستخباراتية أن قوى العدوان تخطط لخطف محمد نجيب من فيلته، وإعلانه رئيسا للبلاد والتفاوض معه على التسليم بعد عزل عبد الناصر أو اغتياله؟

ورغم ذلك كان كل ما فعله الرئيس عبد الناصر هو نقل محمد نجيب إلى مكان مجهول ومحصن فى الصعيد بعيدا عن مكان إقامته فى المرج حتى انتهت الحرب فقام بإعادته لمقره.

وإذا صدقنا إن عبد الناصر أغتال المشير ليدفن أسرار الهزيمة معه ويتخذه كبش فداء لأخطائه، ألم يكن من الأولى أن يقتل معه كلا من صلاح نصر رئيس المخابرات العامة و شمس بدران وزير الحربية؟

لقد كان هذان هما الأقرب للمشير، وهما من اشتركا معه فى التخطيط لانقلابه الفاشل عام 1967 من أجل العودة للسلطة، ويعلمان كل الحقائق والأسرار عن الهزيمة.

لماذا لم يقتلهما و اكتفى بمحاكمتهما وسجنهما فقط، لو كانت هناك أسرار خفية يريد عبد الناصر طمسها ؟!!

لقد قال الرئيس عبد الناصر فى خطاب تنحيه عن الرئاسة:

(أنه يتحمل المسئولية كلها عما حدث)،لم يلق بالتهمة على أحد ولم يبحث عن كبش فداء لتبرير ما حدث.

رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، وغفر لهما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى