الأحد ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٨
أهمية الترجمة في
بقلم فاطمة نزال

نقل الثقافات وانصهارها في بوتقة الإنسانية

لم تكن مشاركتي في مهرجان تولوكا العالمي خوسيه ماريا هيريدا في دورته الثانية في المكسيك اعتباطية أو بمحض الصدفة فقد سبق وأن شاركت بأنطلوجيا حدود الملح ومشاكل اللجوء باللغة الإسبانية التي قامت بجمعها الدكتورة الشاعرة سورية الأصل ملك مصطفى المنسقة العامة لمهرجان الشعر العالمي في أوروبا والمقيمة في لندن وقد سبق ذلك مشاركتان في مهرجان شعر المرأة في اسطنبول في دورتيه ٢٠١٦-٢٠١٧

على أثرهما تمت تر جمة مجموعتي الشعرية الأولى إلى التركية وترجمة بعض نصوصي إلى الإيطالية وترشيحها لمسابقة دولية في مدينة ليتشي الإيطالية لتحصد إحداها المركز الثالث وتتم دعوتي لحضور نتائج المسابقة والتكريم من قبل إدارة المسابقة ورئيس بلدية ليتشي.

غير أن مهرجان تولوكا جاء متوجا لهذه المشاركات بعد ترجمبة بعض النصوص إلى الإسبانية ووضعها ضمن أنطلوجيا خاصة بالمهرحان تضم ١٥٦ شاعرا وشاعرة من أمريكا اللاتينية والعالمه.

تولوكا هي عاصمة ولاية مكسيكو سيتي وهي مدينة عريقة تبعد ثلاث وستون كيلو متر عن مركز الولاية ترتفع ٢٨٠٠ متر عن سطح البحر وتشكل بمحيطها محمية طبيعية من الأحراش والأشجار الحرجية والغابات، تعتمد على زراعة الذرة.

تحيط بها الجبال العالية وعلى قمة جبل منطقة ملينالكو المجاورة لها، يتربع هرم أثري يطل على المدينة بمنظر بانورامي ساحر.

وأنت تتجول في تولوكا تأخذك بساطة أهلها وحميميتهم ، وجوههم السمحة والهادئة، بساطة أبنيتها ومنازلها اذ حتى في مركز المدينة لا تجد بنايات عالية بينما تنبسط بوداعة وأناقة على امتداد الأفق

لغة البلد الرسمية هي الإسبانية بينما هناك أكثر من مئة لغة محلية يتداولها السكان الأصليين في مناطق مختلفة منها.

ما لفتني في هذه المدينة الجميلة هو الإهتمام الحقيقي بالثقافة وتنشئة الأجيال بشكل منظم ومدروس فتجد المجلس البلدي يشرف على معظم الأنشطة الثقافية فيها ويدعمها

فقد قام مجلس المدينة برعاية مهرجان تولوكا بنسخته الثانية جنبا إلى جنب مع معهد وجامعة تولوكا

توزعت أنشطة المهرجان على بعض المدارس بكافة مراحلها الإبتدائية والمتوسطة والثانوية إضافة إلى المعاهد والجامعات والمتاحف الفنية والمؤسسات الثقافية الأخرى

طباعة الأنطلوجيا الخاصة بالمهرجان وتوزيعها على الشعراء وعلى المدارس والمعاهد والجامعات المحلية.

كانت مشاركتي في مهرجان تولوكا خوسيه ماريا هيرديا غنية جدا وزاخرة وزودتني بالكثير من المعرفة والإطلاع على ثقافات مختلفة من دول أمريكا اللاتينية كوبا فنزويلا البرازيل السلفادور البيرو كولومبيا بوليفيا إضافة الى حضور من بعض الولايات الامريكية وإسبانيا وإيطاليا ولندن والنمسا ولبنان وتركيا وفلسطين والمغرب.

ما لفتني في هذا المهرجان اهتمام إدارته في توزيع الأنشطة والفعاليات في الفترة الصباحية على المدارس بكل مراحلها والمعاهد والجامعات بينما في الفترة المسائية كانت تتم الندوات في المراكز الثقافية والمتاحف.

وفي الحفل الختامي قام كل شاعر من ١٥٦ بالقاء قصيدة بحضور رئيس البلدية وأعضاء ورئيس جامعة تولوكا وحضورا نوعيا من النخب الثقافية في تولوكا ومحيطها.

كيف لشعب يولي كل هذا الإهتمام بالثقافة والأدب والانفتاح على العالم أن لا نحترمه ونقدره؟!

كيف لأطفال في المرحلة الإبتدائية أن يجلسوا بحماس وترقب ليستمعون إلى ندوة شعرية قد نعتبرها في عرفنا كبيرة على عقولهم ، وعندما تستفسر عن ذلك يردون نحن ننمي حسن الاستماع والذائقة لدى أولادنا.

فترى الطفل والشاب والفتاة متحمسون لهذا الحدث متعطشون للمعرفة والإطلاع على ثقافة الآخر

كنت أعتقد أنني عندما ألقي قصيدة بلغتي الأم أنهم لن يكونوا بنفس الحماس كما لو كانوا يستمعون لها بلغتهم ولكنني وجدت العكس إذ يركزون كل حواسهم مع انفعالاتك وملامحك وبعضهم يبكي دون أن يعي من كلماتك سوى أنها لامست قلبه ووجدانه.

أي ذكريات تريدونني أن احملها عن هدا البلد؟ هذه التجربة نسفت ما تكوّن في اللاوعي بسبب الآلة الاعلامية الأمريكية فصورت أهل المكسيك قطاع طرق ولصوص وتجار مخدرات، ولم تعطي الوجه المشرق لهذه الولايات المتحدة المكسيكية التي تنمو نموا سريعا فتعطي أروع الأمثلة بالرقي والبساطة والجمال.

تولوكا مدت جسورا من الحب لكل من شارك في مهرجانها واحتوت فرحه وحزنه واسبغت عليه من روحها المعجونة بخليط من الثقافات والإرث الحضاري لشعوب أمتها وسكنتها وشكلت موروثها.

شكرا لتولوكا ممثلة برئيس بلديتها البروفيسور فرناندو زامورا موراليس.

شكرا لمهرجان تولوكا ممثلا بمديره الدينامو هورهي كنتريراس

شكرا لمدير مهرجان الشعر الدولي يوري الذي فتح لنا نافذة في تولوكا لنرى من خلالها كل هذا الابداع .

شكرا للأصدقاء الشعراء من أمريكا اللاتينية والعالم الذين أثثوا في روحي لهم متكأ ولشعرهم خلودا.

شكرا لأصدقائي الذين لم يبخلوا علي بنصائحهم وتوجيهاتهم ومباركتهم.

وشكرا أيضا لمن زرع الشوك في دربي وطعنني في ظهري وشكك بي ليمنحني إصرارا على مواصلة الطريق

شكرا لزوجي الذي آمن بي وشجعني ورافقني في رحلتي .

شكرا لنفسي لأنها لم تخذلني يوما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى