الأربعاء ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٤
بقلم
ودَّعتُ وجهكِ
ودَّعتُ وجهَكِ والسَّماءُ تنوحُ | ||
والعطرُ، يا بغدادُ، منكِ يفوح | ||
ودَّعتُ أرضكِ لا ككلِّ مودِّعٍ | ||
توديعَ طيرٍ أثخنته جروحُ | ||
كانت سويعاتُ المساءِ حزينةً | ||
والصَّحبُ صوتُ بكائِهم مفضوحُ | ||
فتركتُ في نهرِ الفراتِ أناملي | ||
تلهو، وشعري داعبتْهُ الرِّيحُ | ||
مُذ جئتُ أرضَ الرافدين وقصتي | ||
معها كعشقٍ لامَسَتْه الروحُ | ||
فدخلتُ بغدادَ العظيمةَ خاشعاً | ||
والثغرُ فيه الذكرُ والتسبيحُ | ||
كان الصَّباحُ على الدُّروبِ، وفي السما | ||
أنوارُ عاصِمَةِ الرشيدِ تلوحُ | ||
صافحتُ طيفَ أبي نواسَ، كأنه | ||
فجراً لحانةِ قُرْطَُبُلَّ يروحُ | ||
ورأيتُ في أرضِ السماوة فارساً | ||
ملأ الدنا، وجنتْ عليه طموحُ | ||
كنا نزورُ الأعظمية في المساءِ | ||
وكان يزخر بالضياءِ ضريحُ | ||
فرأيتُ وجهَ أبي حَنيفةَ ماثلاً | ||
مثلَ الملاكِ وقلبُه مَجروحُ | ||
"بغدادُ شمسٌ يا بُنيَّ ونورُها | ||
في الكونِ يسطعُ مُذ أتاها نوحُ" | ||
فبكيتُ من كلماتِه متألماً | ||
وأخذتُ في وَجهِ الزمانِ أصيحُ | ||
أُغربْ بوجهك يا زمانُ فإنه | ||
وجهٌ كأفعالِ الطغاةِ قبيحُ | ||
أتصيرُ أرضُ القدسِ مثلَ جهنمٍ | ||
وتصيبُ أرضَ الرافدينِ قروحُ؟ | ||
دررُ المدائنِ تُستباحُ أمامَنا | ||
والدهرُ دَوماً بالرِّجالِ شحيحُ | ||
مَنْ للعراقِِ؟ ومنْ لغزةَ هاشمٍ؟ | ||
هل سَوفَ يظهرُ في الزمان مَسيحُ؟ | ||
هل سَوفَ يظهرُ خالدٌ أو طلحة | ||
رَجلٌ عظيمٌ حازمٌ وصَريحُ؟ | ||
أصبحتِ يا بغدادُ، درةَ فكرتي | ||
فالشعرُ دونكِ تافهٌ مقروحُ | ||
لا عاشَ يا بغدادُ من ينساكِ، هل | ||
أنسى عيوناً بالجَمالِ تبوحُ؟ |