وهكذا انتهى الأمر !
جلسا إلى طاولة صغيرة، فوق الطاولة شمعتان، جو رومانسي رائق في المطعم ، ليس من إضاءة غير الشموع المنتشرة كما النجوم في قطعة من السماء، وضعت الزوجة حقيبتها على الطاولة، شابان متزوجان منذ قرابة عام، كلاهما عمل في السرقة والنشل ... وباحتراف، لكنهما اعتزلا ذلك طالما تزوجا، وفتحا صفحة جديدة ... انظف من سابقتها .
قال الزوج:
– يا لها من أمسية جميلة !
أمعنت امرأته النظر في وجهه المكشوف بضوء شمعة:
– وما أجمل ما فيها برأيك؟
بدا غبيا حين قال:
– هه؟ أجمل ما فيها؟ الأجمل هو وجودنا معا .
ثم أردف وقد امسك يدها:
– أنا أحبك يا عزيزتي، وأتمنى لو أحببتني كما أحبك تماما ... لم أنت ساكتة؟ قولي أنك تحبينني !
همست بعد أن اقتربا نحو بعضهما:
– ألم نتوقف عن النشل؟ ها أنت تريد خطف هذه الكلمة مني ..
قال وهو يخفي ضحكة في ملامحه:
– أتذكرين عندما قمنا بنشل محفظة المراة السمينة .. أتذكرين كم كان مضحكا منظرها آنذاك !
ضحك الاثنان بصورة لفتت انتباه الجالسين حولهما، ولما انخفض صوتهما شدّ على يديها قائلا:
– أنت أعز إنسان في حياتي .
هدأ الزوجان دقائق وهما يستمتعان بالأجواء الشاعرية والموسيقى الخافتة التي تداعب المكان .
قال:
– سأخبرك يا حبيبتي بشيء ... عذّب ضميري كثيرا، لكنني سأعترف به الآن .. وأتمنى أن تسامحيني .
– ما هو ؟ قل لي ولا تخف .. أنا زوجتك.
عدّل وضع كرسيه ثم قال بتوتر:
– الخاتم ... خاتم زواجنا .. هه .. لم اشتره كما أخبرتك، انا ... لقد نشلته، آسف !
اصطبغ وجه زوجته بلون رمادي:
– هكذا إذن .. كذبت عليّ .. في اول المشوار !
– اسمعي .. أنا آسف حقا .. وسأعوضك عن ذلك في أقرب فرصة.
قالت بغضب:
– تعوضني؟ تعوضني بماذا؟ أنت رجل كذاب .. لكن ... غير مهم، غير مهم البتة .. بل هذا أفضل .. لأني لن أشعر بالندم عندما أخبرك بما فعلت !
–
قال كمن تورط:
– وماذا فعلت؟!
–
اتشحت بالصمت لتعذيبه قليلا ثم قالت:
– أتذكر ساعة جدك الأثرية ... تلك التي تتعلق بسلسلة؟
– نعم!
– تلك التي أقمت الدنيا وأقعدتها بحثا عنها ... ولم تجدها؟
– نعم .. نعم.
– أنا سرقتها منك وبعتها بثمن غال!
صرخ بها حانقا:
– ماذا ! أنت قمت بذلك ! لا أصدق ! وأنا كدت أجن يوم بعثرت أغراضي كلها وقلبت الشقة رأسا على عقب ولم أجدها !
قالت كدفاع عن النفس:
– نعم أنا ! هذا ليس أقسى من أن يكون خاتم زواجنا مسروقا ! إنك لا تقدر الحياة الزوجية ولا تعيرها اهتماما !
– أنت مجنونة ! كنت أظنك تركت النشل تماما ! لكنه كما يبدو يسري في عروقك !
واصل كلامه بعد ان كتم غيظه وهو يلاحظ أنهما جذبا الأنظار بنبرتهما العالية:
– جيد ! جيد جدا ! على الاقل لن أعتذر لك لأخذي مقصك الذهبي .
فتحت فمها بدهشة ثم قالت:
– أنت فعلت ذلك ؟! مستحيل ! وأنا صرت أبكي يوم ظننت أنني وضعته في الحاوية ! أتعرف كم تبهدلت يومها حين نبشت القمامة ورحت اركض خلف سيارة نقل النفايات ؟! كل هذا بسببك أنت؟
– وما المانع؟! أنت سرقت ساعة جدي الثمينة أولا .
استشاطت غضبا وهي تقول:
– لكنك لم تكن تعلم بأني سرقتها ! ما تزال مهووسا باللصوصية إذن! مريض، أنت مريض، مريض !
نهضت بانفعال وحملت حقيبتها بسرعة فأسقطت شمعة على الطاولة ..
قال الزوج باعصاب هادئة:
– إلى أين ؟
ردت عليه بصرامة :
– عائدة إلى الشقة! ولا تفكر أن تقلني .. سأستأجر سيارة تاكسي، عد وحدك! لم ينطق بأية كلمة ممثلا اللامبالاة، متخذا بكبرياء وضعية مريحة فوق كرسيه . خرجت الزوجة من المطعم بخطوات صاخبة، وعند اول انحناءة في الشارع ابتسمت بخبث وهي تلقي بنظرات خلفها بين الحين والآخر ... اتجهت صوب سيارة زوجها أخرجت من حقيبتها المفتاح الذي نشلته منه فخورة بانتصارها عليه ..
تحركت بالسيارة بعيدا وهي تقهقه بصوت عال .
هناك في المطعم الرومانسي الشاعري الجميل ..
كان الزوج مسترخيا يشرب القهوة، يتأمل اصابعه بزهو تتلاعب بمفتاح الشقة الذي يخص زوجته !