يوسف سامي اليوسف ... سيد وكبير النقاد العرب
أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) سيد وكبير النُقاد العرب على حد تعبير الأديبة الدكتورة (سلمى الخضراء الجيوسي) مديرة مؤسسة (بروتا) الأميركية في الولايات المتحدة لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.
يوسف سامي اليوسف (1938 ـ 2013) شقيق السيناريست العربي المعروف (حسن سامي اليوسف)، هو المثقف والكاتب والناقد والمدرس والمربي الفلسطيني المعروف، وعضو اتحاد الكتاب العرب، واتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، رحل دون استئذان صباح الثالث من مايو 2013 بعد أن أضنته التغريبة الفلسطينية الثالثة التي انتقل بها من مخيم اليرموك إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان.
فتغريبته الأولى كانت عام 1948 من قريته (لوبية) الواقعة على سفوح ومنحدرات الجليل الشرقي شمال فلسطين المحتلة والتابعة لقضاء مدينة طبرية في فلسطين، باتجاه مخيم (ويفل) للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة بعلبك في لبنان. وتغريبته الثانية بدأت عام 1956 عندما اختار مسار العمل الوطني الفلسطيني في إطار الكتيبة الفدائية الفلسطينية في سوريا والتي كانت تعرف بـ (الكتيبة 68) منتقلاً إلى سوريا التي أحبها وعشقها وأستقر فوق أرضها وفي مخيم اليرموك بالذات إلى حين تغريبته الأخيرة بخروجه من مخيم اليرموك إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان.
أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) انتقل في عمله الوطني الفلسطيني ممارساً لمهنة التعليم كمدرس لمادة اللغة الإنجليزية في مدارس وكالة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) في سوريا في الجولان السوري قبل احتلاله وتحديداً في إعدادية طبرية الواقعة في مدينة القنيطرة السوري التابعة للوكالة حتى العام 1967 ومن ثم في مخيم اليرموك، وتحديداً لأكثر من ربع قرن مضى في إعدادية الكرمل الواقعة وسط المخيم، فتحرج من بين يديه الآلاف من أبناء مخيم اليرموك من الأجيال التي ولدت بعد سنوات قليلة من عمر النكبة الفلسطينية في منافي اللجوء على أرض سوريا، أجيالاً تَذكُر المدرس والمربي والناقد الأدبي والمثقف يوسف سامي اليوسف بكل تقدير واحترام، ولـ (خيزرانته) التي صَنَعَت وعلمت الأجيال المتتالية من أبناء فلسطين في مخيم اليرموك.
يوسف سامي اليوسف، المدرس والمربي، والمثقف الحالم الذي لم يترك موسوعة في النقد أو الأدب العربي والأداب الأجنبية إلا والتهمها، لذلك كان يتمتع بثقافة عربية انجليزية وافية شاملة للتراث والأدب والعلوم الإنسانية والفلسفة، وقد صَرَفَ جل حياته في قراءة الآخرين في الأداب الأجنبية والأدب العربي القديم، إلى حد الإسراف، بانياً لذاته حالة وقامة أدبية عربية اختصت في النقد الأدبي، حالة فريدة جمعت بين المثقف الوطني الملتزم، وصاحب رسالة في التربية والتعليم، وفي بناء مجتمع فلسطيني كاد أن يتحطم وأن يصبح أشلاء مبعثرة بعد النكبة العام 1948.
اشتغل الناقد يوسف سامي اليوسف في تشريح الأدب الجاهلي والشعر العربي القديم في كتابه الشهير (مقالات في الشعر الجاهلي) وعلى ربط النصوص والظواهر الأدبية بالواقع والسيرورة التاريخية في الجزيرة العربية وعموم المنطقة، فكان في لغته النقدية جذاباً بلغة جميلة وسلسلة وعميقة في آن واحد، وكان منها نظريته حول الشعراء العذريين في كتابه (الغزل العذري) وفي كتابه التالي المعنون بعنوان (ما الشعر العظيم).
إن آخر ما كتب في سجله النقدي الثري بحثاً نقديًّا، جاداً ورصيناً عن (ألف ليلة وليلة) بتكليف من مؤسسة (بروتا) الأميركية التي قامت بترجمته للغة الإنجليزية، فكتب هذا البحث بحصافته كاشفاً مجدداً عن رجاحة رؤياه النقدية وأصالتها ورصانتها ولمعانها النادر. كتبه باللغة العربية رغم باعه الطويل في اللغة الإنجليزية وآدابها، وقد ترجم البحث من قبل الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي إلى الإنجليزية. فآراؤه النقدية في هذا المجال، مُنعشة ومتفردة بأسلوبها وفهمها العميق للأدب واختلافها الشاسع عن كتابات الآخرين على حد تعبير الدكتورة سلوى الخضراء الجيوسي.
لقد قيض لي أن أتعرف على أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) عندما كنت طالباً بعمر الفتوة على مقاعد الدراسة في مدارس وكالة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) في مخيم اليرموك، لكنني عرفته عن كثب وعن قرب بعد سنوات طويلة عندما تلازمنا وأصبحنا زملاء في اتحاد الكتاب العرب وفي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
وقد زاد من تلك المعرفة بعض الأصدقاء المشتركين في ميدان العمل والتواصل، الذين غادر بعضهم دنيا الوجود الفانية ومنهم الأخ والأب الكبير والأديب الفلسطيني مطر عبد الرحيم (أبو حسين)، والأديب الفلسطيني، والراحل عضو اتحاد الكتاب العرب الدكتور زهير غزاوي، والأديب والإعلامي الفلسطيني البارز في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا منذ تأسيسهما المرحوم داوود يعقوب، ومنهم من هو على قيد الحياة كالكاتب الفلسطيني محمد أبو عزة، والدكتور حسين عمر حمادة، والدكتور والروائي حسن حميد، والأديب أحمد سعيد نجم، والدكتور حسن الباش .... وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة على إيراد أسمائهم.
كان يوسف سامي اليوسف، صاحب الحضور المؤثر في جلسات كانت القيمة فيها تنبع من مضمون ما يتم طرحه من قضايا ثقافية وأدبية ونقدية ووطنية، ومن رؤى سديدة كان يوسف سامي اليوسف صاحبها الدائم، ففيها كان الجديد دوماً، ومنها كانت تندلع انقداحات وشرارات العقل والمعرفة وإعمال الدماغ.
لم يُزحه البحث والنقد الأدبي عن الفعل السياسي والوطني العام في مجتمعه الفلسطيني داخل مخيم اليرموك وعموم دياسبورا الشتات والمنافي، فهو صاحب مقولة "لم يؤسسني أفلاطون ولا أرسطو، ولا كانط ولا هيجل، ولا الدكتور جونسن ولا (ت.س. إليوت) الناقد، ولا الآمدي ولا الجرجانيان، وإنما أسستني النكبة الفلسطينية، أو الكارثة التي حلت بفلسطين سنة 1948, وفي الصلب من يقيني أن من هو ليس مغترباً في سواء حضارة الأيدز والسفلس، حضارة النهب والعدوان، لا يسعه البتة أن يكون إنساناً، بل هو حيوان بليد وكفى" (في حوار له مع مجلة نزوى العمانية اللعد الصادر بتاريخ 14/7/2009).
إن رعشة المأساة الفلسطينية والدراما الحزينة للتغريبة الفلسطينية المتواصلة، وما يتعرض له فلسطينيو سوريا في هذا الوقت بالذات، تتجسد الآن مع رحيل الناقد والباحث والكاتب والأديب والمربي وأستاذ اللغة الإنجليزية يوسف سامي اليوسف بعد أشهرٍ قليلة من غربته الثالثة من مخيم اليرموك بدمشق باتجاه مخيم نهر البارد شمال لبنان.
رحم الله الناقد والأديب والكاتب يوسف سامي اليوسف، وأسكنه فسيح جناته، فكنزه الدنيوي كبير وثمين عند أصدقائه وأحبابه وجميع طلابه مع كل الأثر الطيب الذي تركه، وكل السيرة العطرة لرجل فلسطيني عصامي، ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته عربيًّا وفلسطينيًّا.