شعراء إيرانيون أنشدوا بالعربية
جواد قرباني: جامعة آزاد الإسلامية في بهبهان
الملخص
لقي الأدب العربي بشکل عام والشعر العربي بشکل خاص، قسطا وافرا من اهتمام الشعراء الإيرانيين، ولاعجب لأن اللغة العربية تعتبر شقيقة اللغة الفارسية، والإيرانيون بعد أن اعتنقوا الإسلام بذلوا جهودهم الوافرة لأجل اعتلاء اللغة العربية.فهناک الکثير من الإيرانيين أصبحوا أئمة في اللغة والدين والأدب.ففي مجال النحو، قام أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بسيبويه، بکثير من الدراسات الأدبية واللغوية، وألّف کتابا سمّاه الکتاب في أربعة أجزاء.ومازال هذا الکتاب يعتبر من أهم الکتب النحوية التي لامثيل لها في الأدب العربي.
الکلمات الدلیلیة: الادب، الشعراء الإيرانيون، الفرس، زياد، بشار، مهيار.
کان الشعر العربي موضع اهتمام الشعراء الإيرانيين منذ أوائل الإسلام بحيث ترعرع في إیران شعراء، أنشدوا الشعر العربي.بالإضافة إلی بعض الشعراء الذين أنشدوا العربية والفارسية معا.کما أن هناک شعراء لم ينشدوا الشعر العربي، ولکن تأثروا في مضامينهم بالأشعار العربية.وهکذا بإمکاننا أن نقسّم الشعراء الإيرانيين المهتمين بالعربية إلی ثلاث فئات:
- الشعراء الإيرانيون الذين لم ينشدوا إلا باللغة بالعربية.
- الشعراء الإيرانيون الذين أنشدوا باللغتين العربية والفارسية.
- الشعراء الإيرانيون الذين أنشدوا بالفارسية بتأثير من الأدب العربي.
يتطرق هذا المقال إلی دراسة الفئة الأولی من الشعراء الإيرانيين، وهو الذين رکزوا جلّ اهتمامهم علی اللغة العربية، وأنشدوا باللغة العربية فقط.فنشير إلی کلّ من زياد الأعجم وبشار بن برد ومهيار الديلمی.
زياد الأعجم
يعتبر زياد الأعجم شاعرا إيرانيا أنشد باللغة العربية واسمه أيضا ينبئ عن فارسيته، إذ لقب بالأعجم وذلک لأنه بالرغم من معرفته الجيدة للغة العربية لم يکن يتمکن من نطق الحروف العربية.يفرد أبوالفرج الإصفهاني في کتابه الأغاني مبحثا خاصا لهذا الشاعر الإيراني، ويطيل فی ذکر أخباره ونسبه وربما يعود السبب إلی أنهما کانا ينتميان إلی مدينة إصفهان، يقول الإصفهاني عن زياد الأعجم ونسبه أنه: «زياد بن سليمان مولى عبد القيس أحد بني عامر بن الحارث ثم أحد بني مالك بن عامر الخارجية، أخبرني بذلك علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري، قال: هو زياد بن جابر بن عمرو، مولى عبد القيس، وكان ينزل إصطخر، فغلبت العجمة على لسانه فقيل له الأعجم، وذكر ابن النطاح مثل ذلك في نسبه وخالف في بلده، وذكر أن أصله ومولده ومنشأه بأصبهان، ثم انتقل إلى خراسان فلم يزل بها حتى مات.» [1] ويواصل الأصفهاني كلامه عن هذا الشاعر مشيرا إلى شاعريته بالإضافة إلى شرح عجمته: «وكان شاعراً جزل الشعر فصيح الألفاظ على لكنة لسانه وجريه على لفظ أهل بلده، أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال حدثت عن المدائني أن زياداً الأعجم دعا غلاماً له ليرسله في حاجة، فأبطأ فلما جاءه، قال له: منذ لدن دأوتك إلى أن قلت لبي ما كنت تسنأ، يريد: منذ لدن دعوتك إلى إن قلت لبيك، ماذا كنت تصنع، فهذه ألفاظه كما ترى في نهاية القبح، واللُّكنة وهو الذي يقول يرثي المغيرة بن المهلب بقوله:
قُلْ للقَوافل والغَزِيِّ إذا غَزَوْاوالباكرين وللمُجِدِّ الرائحإنّ المروءةَ والسّماحةَ ضُمِّناقبراً بمَرْوَ على الطَّريق الواضحِفإذا مررْتَ بقبرِهِ فاعقِرْ بهِكُومَ الهِجانِ وكلَّ طِرْفٍ سابحوانضحْ جوانب قبرِه بدِمائهافلقد يكون أخا دمٍ وذبائحيا مَن بمهوَى الشَّمس من حيٍّ إلىما بين مَطلع قَرْنها المتنازِحماتَ المغيرةُ بعد طولِ تعرُّضٍللموتِ بين أسنّةٍ وصفائحوالقتلُ ليس إلى القتال ولا أرىحَيَّاً يؤخَّر للشَّفيق الناصح»
[2]
وهكذا يشير صاحب الأغاني إلس شاعرية الشاعر وجزالة ألفاظه ونقاء معانيه، ويفند رأي من لا ينسب بعض أشعاره إليه. ويذکر الإصفهاني حديثا طريفا لهذا الشاعر وقصة فيها لطافة خاصة وهي أن الشاعر استطاع أن يحصل علی قصيدة أنشدها بشأن حمامة، علی ألف دينار حيث يقول: «أخبرني وكيع قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة عن أبيه، قال: كان المهلب بن أبي صفرة بخراسان فخرج إليه زياد الأعجم فمدحه، فأمر له بجائزة فأقام عنده أياماً، قال: فإنا لبعشية نشرب مع حبيب بن المهلب في دار له وفيها حمامة إذ سجعت الحمامة فقال زياد:
تَغَنَّيْ أنتِ في ذِممِي وعَهديوذمّةِ والدي إنْ لم تُطارِيوبيتُك فاصلِحيهِ ولا تخافيعلى صُفْرٍ مزغَّبة صِغارِفإنّكِ كلَّما غَنَّيْتِ صوتاًذكرْتُ أحبَّتي وذكرْتُ داريفإما يَقتلوكِ طلبْتُ ثأراًله نبأٌ لأنك في جِواري
فقال حبيب: يا غلام هات القوس، فقال له زياد: ما تصنع بها، قال: أرمي جارتك هذه، قال: والله لئن رميتها لأستعدين عليك الأمير، فأتى بالقوس، فنزع لها سهماً فقتلها، فوثب زياد فدخل على المهلب فحدثه الحديث وأنشده الشعر، فقال المهلب علي بأبي بسطام، فأتي بحبيب، فقال له: أعط أبا أمامة دية جارته ألف دينار، فقال: أطال الله بقاء الأمير إنما كنت ألعب قال أعطه كما آمرك فأنشأ زياد، يقول:
فللّه عينَا مَنْ رأى كَقَضيّةٍقَضَى لي بها قَرْمُ العِراق المهلَّبُرماها حبيبُ بن المهلَّب رميةًفأثبتَها بالسَّهم والسهمُ يغربفألْزَمَهُ عَقْلَ القَتيل ابنُ حُرّةٍوقال حبيبٌ إنَّما كنت ألعبُفقال زيادٌ لا يروَّعُ جارُهوجارة جاري مثل جِلدي وأقربُ
قال: فحمل حبيب إليه ألف دينار على كره منه.» [3]
کان زياد الأعجم شاعرا يميل إلی الهجو وکان شعره الهجائي جيدا، وحديث هجائه الفرزدق معروف في الأدب العربي حيث «لقي الفرزدق زياداً الأعجم، فقال له الفرزدق: لقد هممت أن أهجو عبد القيس وأصف من فسوهم شيئاً، قال له زياد: كما أنت حتى أسمعك شيئاً، ثم قال: قل إن شئت أو أمسك، قال: هات، قال:
وما تَرَكَ الهاجون لي إن هجوْتُهمَصَحّاً أراه في أديمِ الفرزدقِفإنّا وما تُهدِي لنا إنْ هجوْتَنَالكالبحر مَهما يُلْقَ في البحر يَغرقِ
فقال له الفرزدق: حسبك هلم نتتارك، قال: ذاك إليك، وما عاوده بشيء. وأخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا العتبى عن العباس بن هشام عن أبيه قال حدثني خراش وكان عالماً راوية لأبي ولمؤرج ولجابر بن كلثوم، قال: أقبل الفرزدق وزياد ينشد الناس في المربد، وقد اجتمعوا حوله فقال من هذا: قيل الأعجم، فأقبل نحوه فقيل له: هذا الفرزدق قد أقبل عليك، فقام فتلقاه، وحيّا كل واحد منهما صاحبه، فقال له الفرزدق: ما زالت تنازعني نفسي إلى هجاء عبد القيس منذ دهر، قال زياد: وما يدعوك إلى ذلك، قال: لأني رأيت الأشقري هجاكم فلم يصنع شيئاً، وأنا أشعر منه وقد عرفت الذي هيج بينك وبينه، قال: وما هو، قال: إنكم اجتمعتم في قبة عبد الله بن الحشرج بخراسان، فقلت له: قد قلت شيئاً فمن قال مثله، فهو أشعر مني، ومن لم يقل مثله ومد إلي عنقه فإني أشعر منه، فقال: لك وما قلت فقلت قلت:
وقافيةٍ حَذّاءَ بتُّ أحُوكُها
إذا ما سُهيْلٌ في السّماء تَلاَلا
فقال لك الأشقري:
وأقلف صلَّى بعد ما ناك أمَّهيرى ذاك في دِين المجوسِ حَلالا
فأقبلت على من حضر، فقلت: يا لأم كعب أخزاها الله تعالى، ما أنمها حين تخبر ابنها بقلفتي فضحك الناس، وغلبت عليه في المجلس فقال له زياد: يا أبا فراس هب لي نفسك ساعة، ولا تعجل حتى يأتيك رسولي بهديتي، ثم ترى رأيك، وظن الفرزدق أنه سيهدي إليه شيئاً، يستكفه به فكتب إليه:
وما ترَك الهاجُون لي إن أردْتُهمَصَحّاً أراهُ في أديم الفرزدقِوما تركوا لحماً يدقّون عَظْمَهلآكِلِه ألقَوْه للمتعرِّقسأحطِمُ ما أبقَوْا له من عِظامهفأنكتُ عظمَ الساق منه وأنتقِيفإنّا وما تُهدِي لنا إنْ هجوْتَنَالكالبحر مَهما يُلْقَ في البحر يَغرقِ
فبعث إليه الفرزدق لا أهجو قوماً أنت منهم أبداً» [4] وقال أبو المنذر، زياد أهجى من كعب الأشقري، وقد أوثر عليه في عدة قصائد منها التي يقول فيها:
قُبَيِّلةٌ خيرُها شرُّهاوأصدقُها الكاذب الآثمُوضَيفُهُمُ وَسْطَ أبياتهمْوإن لم يكن صائماً صائمُوفيه يقول:إذا عذَّبَ اللهُ الرجالَ بِشِعرهِمْأمِنْتُ لكعبٍ أنْ يُعذَّبَ بالشعرِ
أدرك زياد أبا موسى الأشعري وعثمان بن أبي العاص، وشهد معهما فتح اصطخر وحدث عنهما، ووفد على هشام وشهد وفاته بالرصافة. وعده ابن سلام في الطبقة السابعة من شعراء الإسلام، وطال عمره، ودخل على عبد الله بن جعفر يسأله في خمس ديات، فأعطاه، ثم دعا فسأله في عشر ديات فأعطاه، فقال:
سألناه الجزيل فما تلكاوأعطى فوق منيتنا وزاداوأحسن ثم أحسن ثم عدنافأحسن ثم عدت له فعادامراراً ما أعود إليه إلاتبسم ضاحكاً وثنى الوسادا
وكان المغيرة بن المهلب أبرع ولده وأوفاهم وأعفهم وأسخاهم، فلما مات رثاه زياد الأعجم بقصيدته التي يقول فيها والتي تم ذكرها:
مات المغيرة بعد طول تعرض | للموت بين أسنةٍ وصفائح |
قال محمد بن عباد المهلبي، قال لي المأمون: أي قصيدة أرق؟ قلت: يا أمير المؤمنين أنت أعلم، قال: قصيدة زياد الأعجم التي قالها في المغيرة بن المهلب؛ ثم قال: أتحفظها؟ فقلت: نعم، فقال: خذها علي، فأنشدنيها حتى أتى على آخرها وترك منها بيتاً، قلت: يا أمير المؤمنين تركت منها بيتاً، قال: وما هو؟ قلت:
هلا أتته وفوقه بزاتهيغشى الأسنة فوق نهدٍ قارح
فقال: هاه هاه، يتهدد المنية، ألا أتته ذلك الوقت، هذا أجود بيت فيها، ثم استعاده حتى حفظه.
وكان زياد يلبس قباء ديباج، تشبهاً بالعجم فأنكر ذلك عليه المغيرة بن المهلب، ومزق عليه ثيابه، فقال زياد:
لعمرك ما الديباج مزقت وحدهولكنما مزقت جلد المهلبومن شعره:وكائن ترى من صامت لك معجبٍزيادته أو نقصه في التكلملسان الفتى نصف ونصف فؤادهفلم تبق إلا صورة اللحم والدم
وكانت وفاته في حدود المائة للهجرة النبوية، رحمه الله تعالى. [5]
بشار بن برد
أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء الضرير الشاعر المشهور؛ ذكر له أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ستة وعشرين جدا أسماؤهم أعجمية، أضربت عن ذكرها لطولها واستعجامها وربما يقع فيها التصحيف والتحريف، فإنه لم يضبط شيئاً منها، فلا حاجة إلى الإطالة فيها بلا فائدة، وذكر من أحواله وأموره فصولا كثيرة.
وهو بصري قدم بغداد، وكان يلقب بالمرعث، وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، ويقال: إن بشاراً ولد على الرق أيضا، وأعتقته امرأة عقيلية فنسب إليها، وكان أكمة ولد أعمى، جاحظ الحديقتين، قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخماً عظيم الخلق والوجه مجدراً طويلاً، وهو في أول مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين فيه، فمن شعره في المشورة، وهو من أحسن شيء قيل في ذلك:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعنبحزم نصيح أو نصاحة حازمولا تجعل الشورى عليك غضاضةفريش الخوافي تابع للقوادموما خير كف أمسك الغل أختهاوما خير سيف لم يؤيد بقائموله البيت السائر المشهور، وهو:هل تعلمين وراء الحب منزلةتدني إليك فإن الحب أقصانيومن شعره، وهو أغزل بيت قاله المولدون:أنا والله أشتهي سحر عينيــك وأخشى مصارع العشاقومن شعره أيضاً:يا قوم أذني لبعض الحي عاشقةوالأذن تعشق قبل العين أحياناقالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهمالأذن كالعين توفي القلب ما كانا
أخذ معنى البيت الأول لأب حفص عمر المعروف بابن الشحنة الموصلي من جملة قصيدة عدد أبياتها مائة وثلاثة عشر بيتاً يمدح بها السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى، فقال:
وإني امرؤ أحببتكم لمكارمسمعت بها والأذن كالعين تعشق
«وكان يمدح المهدي بن المنصور أمير المؤمنين، ورمي عنده بالزندقة، فأمر بضربه فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك في البطيحة بالقرب من البصرة، فجاء بعض أهله فحمله إلى البصرة ودفنه بها، وذلك في سنة سبع، وقيل: ثمان وستين ومائة، وقد نيف على تسعين سنة، رحمه الله تعالى.ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه وسلامه، وينسب إليه من الشعر في تفضيل النار على الأرض قوله:
الأرض مظلمة، والنار مشرقة | والنار معبودة مذ كانت النار |
وقد روي أنه فتشت كتبه فلم يصب فيها شيء مما كان يرمى به، وأصيب له كتاب فيه إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهم - فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمسكت عنهم والله أعلم بحاله.ويرجوخ: بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو الساكنة خاء معجمة.والعقيلي - بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام - هذه النسبة إلى عقيل بن كعب، وهي قبيلة كبيرة.والمرعث - بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة وعدها ثاء مثلثة - وهو الذي في أذنه رعاث، والرعاث القرطة، واحدتها رعثة، وهي القرط، قلب بذلك لأنه كان مرعثاً في صغره، ورعثات الديك المتدلي أسفل حنكه، والرعث: الاسترسال والتساقط، وكأن اسم القرطة اشتق منه، وقيل في تلقيبه بذلك غير هذا، وهذا أصح.وطخارستان - بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء مضمومة وبعدها سين ساكنة مهملة ثم تاء مثناة من فوقها وبعد الألف نون - وهي ناحية كبيرة مشتملة على بلدان وراء نهر بلخ على جيحون خرج منها جماعة من العلماء.» [6]
مهيار الديلمي
قال الحر العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العجم، وقال الزبيدي: (الديلمي) شاعر زمانه فارسي الأصل من أهل بغداد، كان منزله فيها بدرب رباح، من الكرخ، وبها وفاته.ومهيار الديلمي من الشعراء المجيدين، كان مجوسياً وأسلم على يد الشريف المرتضى وعظم شأنه، ومن شعره يمدح قوماً شعر:
ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم | يتقارعون على قرى الضيفان |
[7]
ووقع الاختيار على هذا الشاعر في كتاب المجاني الحديثة، وعرف أنه شاعر مكثر جؤل القول، ومع أنه كان ولابد مثقفا بالثقافة الفارسية، لا يحس القارئ في شعره إلا شيئا يسيرا من أثرها، ومن الروح الجديدة، وشعره لايعطينا إلا صورة بارزة عن كبر نفس صاحبه، وفخره بأصله الفارسي، ودينه الجديد. [8]
و يذكر ابن خلكان في كتابه القيم طرفا من حياته، وسيرته معتمدا على مصادر تاريخية كثيرة: «كان مهيار مجوسياً فأسلم، ويقال: إن سلامه كان على يد الشريف الرضي أبي الحسن محمد الموسوي وهو شيخه، وعليه تخرج في نظم الشعر، وقد وازن كثيراً من قصائده. وكان شاعراً جزل القول، مقدماً على أهل وقته، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده.ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد وأثنى عليه وقال: كنت أراه يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات، يعني ببغداد، ويقرأ عليه ديوان شعره ولم يقدر لي أسمع منه شيئاً.وذكره أبو الحسن الباخرزي في كتاب دمية القصر فقال في حقه: هو شاعر، له مناسك الفضل مشاعر، وكاتب، تجلى تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت، يتحكم عليه لو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب؛ ثم عقب هذا الكلام بذكر مقاطيع من شعره وأبيات من جملة قصائده.
وذكره أبو الحسن علي بن بسام في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئاً من شعره. ومن نظمه المشهور قصيدته التي أولها:
سقى دارها بالرقمتين وحياهاملث يحيل الترب في الدار أموالها
ومنها:
وكيف بوصل الحبل من أم مالكوبين بلادينا زرود وحبلاهايراها بعين الشوق قلبي على النوىفيحظى، ولكن من لعيني برؤياهافلله ما أصفى وأكدر حبهاوأبعدها مني الغداة وأدناهاإذا استوحشت عيني أنست بأن أرىنظائر تصبيني إليها وأشباهاوأعتنق الغصن الرطيب لقدهاوأرشف ثغر الكأس أحسبه فاهاويوم الكئيب استرشقت لي ظبيةمولهة قد ضل بالقاع خشفاهايدله خوف الثكل حبة قلبهافتزداد حسناً مقلتاها وليتاهافما ارتاب طرفي فيك يا أم مالكعلى صحة التشبيه أنك إياهافإن لم تكوني خدها وجبينهافإنك أنت الجيد أو أنت عيناها
وله في القناعة، وقد أحسن فيها كل الاحسان:
يلحى على البخل الشحيح بمالهأفلا تكون بماء وجهك أنجلاأكرم يديك عن السؤال فإنماقدر الحياة أقل من أن تسألاولقد أضم إلي فضل قناعتيوأبيت مشتملاُ بها متزملاوأري العدو على الخاصاصة شارةتصف الغنى فيخالني متمولاوإذا امرؤ أفنى االليالي حسرةوأمانيا أفنيتهن توكلا
وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.وفي تلك السنة توفي الرئيس أبو علي ابن سينا الحكيم المشهور رحمهما الله تعالى؛ رأيت في بعض التواريخ أنه توفي سنة ست عشرين، والأول أصح، والله أعلم.وذكر الباخرزي المذكور في كتابه "الدمية" أيضاً ولده الحسين بن المهيار، ونسب إليه القصيدة الحائية التي من جملتها:
يا نسيم الريح من كاظمةشطر ثانيشد ما هجت البكا والبرحا
ومهيار: بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الياء المثناة من تحتها وبعد الألف راء.ومرزويه: بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي والواو وبعدها ياء مثناة من تحتها ثم هاء ساكنة، وهما اسمان فارسيان لا أعرف معناهما.» [9]