الخميس ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم سها جلال جودت

جسر بنات يعقوب "نموذجاً" للسلوكية اليهودية في ممارسة اللاأخلاق

حين يلد رحم المرأة اليهودية مولوداً بشرياً، يعني ذلك ولادة عاشق جديد للمال والجسد يبحث مع أقرانه عن ملذات خاضعة للاأخلاق تعزيزاً لقدرات أسلافه في ممارسة متعه الدونية التي لا تمت إلى العلاقات الاجتماعية الإنسانية بأية صلة، لأنهم كما وصفهم بن غوريون مجموعة مختلطة، كتلة من الطين لا شكل لها ولاهيئة، كما أنهم مختلفو المشارب والميول والأعراف والطباع، بل وحتى في المستويات الحضارية القائمة على العنف والسفك والاغتيال . وإذا أردنا أن نجسد هذه العلائق الاجتماعية بسلوكياتها السلبية السيئة يمكننا أن نعتبر رواية جسر بنات يعقوب للأديب حسن حميد نموذجاً لدراسة اللاأخلاق في السلوكية اليهودية وذلك لسببين هامين
ـ أولهما.. اعتماد الأديب على التاريخ والوثائق.

ـ ثانيهما .. فوز الرواية بجائزة الأديب العربي العالمي نجيب محفوظ وبدقة أكثر ما جاء في إشارة لابد منها: " هذا كتاب فيه مجموعة كتب وصل إلي و بالتوارث عن ثلاثة عشر جد من أجدادي وقد عثروا عليه في خزانة كتب جدنا الرابع عشر العلامة المقدسي المعروف إلياس الشمنذوري الذي عاش في مدينة القدس في بداية القرن الثالث عشر ميلادي أيام المماليك، وفي الكتاب تاريخ حياة المهاجر يعقوب وبناته وأخبارهم وقد عاشوا بجوار الجسر العتيق المبني على نهر الأردن والذي عرف فيما بعد بجسر بنات يعقوب بالقرب من قرية الشماصنة التي كان أهلها يتكلمون اللغة الاّرامية الواقعة إلى الشمال الغربي من القرية طبرية المعروفة ببحرها الواسع ومناخها الدافئ وأهلها اللطفاء " ص7 .

تتحدث الرواية عن قدوم يعقوب وبناته الثلاث إلى قرية الشماصنة للإقامة بجوار الجسر العتيق الذي سمي فيما بعد بجسر بنات يعقوب. ولكن لماذا جاؤوا ؟ ومن أين جاؤوا ؟ حين تتوغل في القراءة تجد الجواب في جملة ( الأمر الذي جعل أبي يهاجر من الشمال بعد ما حقره الاّخرون ) ص 145.

لماذا حقره الآخرون ونبذوه ليقرر الهجرة إلى هذه المنطقة؟ إن دونية ما فعله يعقوب حين وافق على تقديم زوجته إلى الأرمني مقابل تعليمه مهنة الحلاقة وشيوع هذا الخبر بين الناس جعلته في تنقل موجع من مكان إلى أخر، لنقف على عنصرين هامين في بنائها الفني وفي طريقة عرضها للأحداث والشخصيات والأفكار، فالجسد والمال هما الطريق الوحيد لحياة هؤلاء القادمون المطرودون من الشمال في تمثلهم لممارسة اللااخلاق عبر اللقطات والمواقف اللاإنسانية والاسترسالات النفسية، ففي الهامش الثاني ص91، يعقوب وأمثاله ومنذ أن يخلق الواحد منهم تخلق معه جرثومة حب التنقل من مكان إلى اَخر، أي أنهم بلا وطن وبلا هوية وبلا جذور تربطهم بأمة ينتمون إليها، لهذا يتنقلون! ولكن من هو يعقوب ؟ ما عمله ؟ بماذا تمتاز شخصيته؟ نلاحظ في الهامش الثالث ص92 وهو المقدمة للرواية ( بأن ما يفعله الرجل ضرب من الوهم والسحر والشعوذة ؟وفتحن أمامهن بعض الأوراق التي كتبها وقرأ أن فيها كلاماًََ يثير السخرية والمرارة وبين أن كثيراً من الحشائش التي يوحي بالتعامل معها سامة ومضرة بالجسم وتؤدي إلى العقم وقلن أن الواجب يقتضي طرد الرجل لأنه خطير وعدو مسيء !

من هنا نستنتج دونية أعماله وركائز شخصيته القائمة على السحر والشعوذة ، وإذا أردنا تصوير شخصيات الرواية فإننا لا نحتاج إلى تفنيد لأنهم جميعاً على سوية واحدة من حيث اللاأخلاق ، عشق المال ، ممارسة الجنس، انتهاز الفرص، استغلال الآخرين.

جميعهم متوافقون في الطباع المادية والشهوانية البشعة دون أن يهمهم من يذهب ضحية من؟

الذي يثير الدهشة في هذه الرواية اختيار يعقوب واحدة من بناته ليقدمها أضحية للمكان الذي وجده مناسباً للإقامة فيه.
من يقدم على فعل كهذا؟

أيفعله واحد من البشر معترف بحرمة وجود الإنسان في حقه بالحياة ؟
إن ما حصل بعد تراجعه عن ذبح ابنته لم يكن حباً بها أو عطفاً عليها، إنما نتيجة تدخل وسطاء أهل القرية الذين هو بحاجة إليهم ، فهم حين سمعوا بالخبر جاؤوا إليه وطلبوا منه أن يبحث عن البديل، لذلك استعاض عن ذبح ابنته بذبح الحمار، تصوروا حمار مقابل بني آدم ، بعد وجود البديل تسأله إحدى بناته: وهل دمه طاهر ومبارك ص 13 ، فأجاب ببطء وهو يجاهد لكي يكون نشطاً فرحاً: أحتاج إلى التهنئة يا بناتي فقد قبل الرب أضحيتي فباركني وبارك مقامي!!
فالمباركة تعني الوصول إلى بداية الهدف وهو كيفية الحصول على المال عن طريق عبور الناس من فوق الجسر بعدما تمكن من الاستيلاء عليه وقدم القربان الحمار .

إن الكاتب الذي درس شخصيات روايته وتمكن من الغوص في أعماقهم يقدم لنا الدور الهام الذي تلعبه العلاقات الجنسية الوضيعة عند كل من الذكر والأنثى .

فنانا ابنة يعقوب البكر التي نكتشف وجودها فيما بعد كانت تمارس الجنس في غياب الزوج مع عامله بين العنابر والمستودعات والإصطبلات غير مكترثة بالروائح النتنة.

لقاء فعلها الدميم تلقى مصرعها وذلك العشيق ليأخذ الثمن يعقوب ، كيس من المال وبعض الملابس التي صارت لباساً لبناته، الذي يقبض ثمن قتل ابنته ماذا يطلب من زوجته فيما بعد؟ إنه يطلب منها أن تكون زوجة شرعية وعلى مرأى من الناس من ذلك الأرمني الذي يريدها فيقول لها : حاولي إقناعه أن يتم الزواج سراً ص 144.
ثم نلاحظ ما يلي ( مرت أيام كثيرة إلى أن واجهت أمي الأرمني وقد ضاقت بتصرفاته ذرعاً وكأنه زوجها تماماً ! ص 145، هذا الكلام يأتي على لسان واحدة من بناته .

فالحياة بالنسبة ليعقوب وأمثاله من اليهود قائمة على العرض مقابل الطلب ، والعرض هو الجسد والطلب هو المال .

ولأجل هذين العنصران ماذا عن بناته ؟ " سليمان يا بناتي هو الدنيا !!" من دونه لا نستطيع أن نعيش هنا، إذا أعطيناه جوديت وهب الحياة لنا والسعادة !"

إنه يصر على العرض مقابل الطلب الذي هو المال، فتتضح شراسة سلوكه بكل معاييرها الساقطة، والعنصر المساعد على ممارسة الأفعال الدونية الرخيصة وجود الرضا الداخلي في نفوسهم وهذه العجوز النحيلة التي يصفها الكاتب بشعر منكوش أبيض وعصا ذات عقد تحملها في يدها ، تظهر في الأوقات التي تريد هي فيها أن تظهر، كما تختفي بالطريقة ذاتها لظهورها، تقول لسليمان : ستساعده يا سليمان لأن يعقوب سيصبح سيد المكان وفي مساعدتك له ربح لك لا خسارة أتفهمني .. واجعل يدك قرب كيسك وأمدّه قبل أن تخسر الفرصة الممنوحة لك! ص 303.

إن فصول الرواية القائمة على التذييلات والهوامش والحواشي دليل قاطع على أن الكاتب قد اعتمد على الوثائق ليتسنى له أن يفضح علائقهم فيما بينهم ، وبين غوغائية تمردهم على الأخلاق تنتهي حياة يعقوب فالرجل الذي هرس رأس زوجته الملأى بالأطفال هرس رأس يعقوب حين رآهما عاريين تماماً .

( مرات ومرات كان يعيد النسوة اللواتي يأتين بصحبة الرجال، يقول لهن لقد فسد الرب بخطوات الرجال، وكن يعاودن المجيء وحيدات مثل الطيور الشاردة وفي خانه يتجمعن واحدة بعد واحدة فوق فراش يعقوب الوضيع وفي غرفته الخاصة.

(وكأن المهم عندهن، الأولاد أولاً، هؤلاء الذين يسميهم الحكيم يعقوب بالأكرار، ومحبة الأزواج ثانياً ) ص 346 .

تنتهي حياة يعقوب لتستمر حياة بناته، فهن يعشن من بعده بأرخص الصور والتسميات ذلك لأنهن يعشن على بيع الجسد مقابل المال (وبات لكل واحدة منهن صندوقها الخاص وكيسها الخاص ومشاريعها الخاصة) ص 359.

يعقوب هو الجسد المحرك للرواية والأدوات المتحركة هن البنات والعجوز وسليمان عطارة ورحمون وسمعان المعماري وعماله وآخرون مما كان لهم دورهم الثانوي في إكمال هذا العمل الروائي الذي امتاز بتفصيلاته كلها على عنصرين هامين الجسد والمال حتى الموت .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى