الثلاثاء ٥ آذار (مارس) ٢٠٢٤
بقلم ماجد عاطف

حقيبتان

في الجبين يدور العصف كركض النعامة: سريعة ومتماوجة ومتعرّجة. ما مِن خاطر يستطيع اللحاق أو المواكبة. كالصداع على ضوء الشتاء: العينان رماد بارد. والهالتان غائرتان خلسة في المحجرين. القلب مقتلع من الصدر والفجوة عميقة.
تكرّ الذاكرة والأحداث. اللحظة ليست أفضل حالا.

مضت الطفولة بقدرتها على تلقي البرتقال وارساله. إلى بلوغ الرشد ظلّت معركة فادحة مات فيها الباعث والدافع، وتعددت الأنفس.

العقل لم يعد يجد ما يسنده.

الجسم حواس همجية متوحّشة.

(لأهرب من الابادة والتدمير والاغتيالات: إنّي اتذكّر).

كنت غريبا بين غرباء مريحين
أجلسس على مقعد خشبي
أمام المكتبة
في البلدة التي ظلت
إلى الآن
عتيقة.
هربت دون مقدمات
من تعقيد واجهني (مع أنني كنت أكتب
عن "خنازير الدولة").

أطفأت الهاتف لقدميّ الطليقتين
 بحقيبتين ثقيلتين-
تقودانني.
من مدينة مرتجلة
ومركبات أجرة
إلى أخريات
مدن ومركبات
عشواء.
لم أخبر أحدا أين سأذهب
نفسي ذاتها لم تكن تعرف
(أو ربما كانت).

لم افكر بك تماما
ذلك أنك برٌ مترامٍ
كالخواء
وتيه سفليّ.
ريحٌ بعينها ظلت تهبّ
في كل مواسمي
غيّرت التضاريس.

لم أكن افكّر بك تماما
لم أكن مشتاقا
ولا جليديّ المنطق
ولا مدمنا على الأنفاس المتحشرجة
اللوعة حين تصبح
بكل زلزالٍ وامتياز
ذهنية.
لم اخطط تماما.
كان يقتضي الأمر مني
أن أفعلها.
أن اقفز في زمن المكان
عن ارتفاع اختلافات
أو بوثائق مزوّرة.
الرحلة غالباً كانت ستطال السجن
وربما أكثر.
لم اصمّم تماما على مفاجأتك:
أو
مواجهتك:
وضع الحلّ بأي ثمن
على المعضلة المصابة.
لم اكن مشتاقا
البتّة.
اشتققت مشاعر أخرى
من الصدمة والرفض
التشتتِ
وثنائية الكتمان-التظاهر.
لم يعد هناك ما يخيف
وليس لأنني سأسقط
في أوهام المتربّصين المذعورين.

كنت جالساً على المقعد الخشبي أمام المكتبة
حين لمحت سرورا.
تبسّمت للمعنى.
كتمت الانشراح.
أدرت وجهي عن خفايا تواجهني
على الرصيف.
كنت فرحا أضحك.
في اليوم التالي عادت قدماي
بالذكرى والحقيبتين.

أترين: هذا كل ما في الأمر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى