الأحد ١٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٣
بقلم رامز محيي الدين علي

طرائفُ الأطبّاء

نوَّهتُ فيما سبق إلى أنّ الطّرائفَ واللّطائفَ والمواقفَ الحرِجةَ كثيراً ما تقعُ بشكلٍ عفويٍّ في حياتِنا، وتتناقلُها ألسنُ الرُّواة، وربّما يتَوارى الكثيرُ منها هباءً منثوراً طيَّ النّسيان، وقد يَرى بعضُها النّورَ حينَما تخطُّها ريشةُ الكاتب، فيُلقي الضَّوءَ عليها، ويُضْفي عليها جمالاً من روحِه وبهجةً من فؤادِه، وطرافةً من لسانِه، وفلسفةً من فكرِه، وإحساساً من مشاعرِه الجيّاشة، وإليكم بعضَاً ممّا سمعتُ أو قرأتُ، لكنّني أصوغُها صياغةً فنّيّةً بحلّةٍ أدبيّةٍ تمنحُها الحيويَّةَ والحركةَ والحياة.

طبيبٌ وشاعرٌ فكاهيّ

إنّه الطّبيبُ والشّاعرُ الكبير وجيهُ الباروديّ الحمويُّ الّذي عرفَه القاصي والدَّاني، ببراعتِه في الطّبِّ، وإنسانيَّتِه في العِلاج، ورأْفتِه بالمرضَى، فقد خصَّصَ يوماً في الأسبوع للعلاجِ المجّانيّ دون أن يتقاضَى قرشاً واحداً، حتّى عدَّهُ الكثيرون من أعلامِ وطنِه سوريا، وقد قِيل: "حماةُ هي: العاصي والنّواعيرُ ووجيهُ الباروديّ". وقد وصفَ نفسَه قائلاً: "أنا أقْدمُ طبيبٍ في حماة، وأقدمُ سائقٍ في حماة، وأقدمُ شاعرٍ في حماة، وأتعسُ شاعرٍ في حماة".

ولا شكّ في أنَّ مهنةَ الطّبِّ تتيحُ للطَّبيبِ رؤيةَ الطّبيعةِ الإنسانيّة على حقيقتِها بعيداً عن كلِّ ما يُغلّفُها من أقنعةٍ، كما أنّها منجم ثرٌّ يمدُّه بشتّى أنواعِ الخِبراتِ والمهارات؛ فيَسعى إلى توظيفِها في عملِه الإنسانيّ والإبداعيّ؛ ليتجاوزَ حدودَ مهنتِه مُحلّقاً بفكرِه ومشاعرِه في فضاءِ الفنِّ والأدب، ولعلَّ أجملَ وصفٍ نجدُه في الأدب قولُ الشّاعر التشيليّ بابلو نيرودا في وصفِ عملِ الطّبيبِ المبدع: "عندما يُبدعُ الطّبيبُ فنّاً؛ فإنّه يكونُ الأجملَ والأصدقَ والأدقّ، لأنّه لا يتخيّلُ المعاناةَ البشريّة؛ بل يعيشُها ويعالجُها".

من طُرفِه:

أنّه استُدعي ذاتَ يومٍ إلى أحدِ المنازلِ ليعالجَ امرأةً تعثَّرت بها الولادةُ، فعاينَها الدّكتور وجيه الباروديّ، وأدركَ أسبابَ التَّعثُّر، فطلبَ مباشرةً من ذويها طبلةً (دربكـّة)، وبدأ بالنّقرِ عليها والرّقصِ مع الصّبايا؛ حتّى غرِقَت المرأةُ في الضَّحِك، فأنجبَت مولودَها دون أن تشعرَ بآلامِ الولادة، وحينَما سُئلَ الطَّبيبُ وجيه عن سببِ ما فعلَه، أجاب: إنّ المرأةَ مضطربةٌ ومتشنِّجة، وهذهِ الحالةُ ليس لها من علاجٍ سوى الضّحِك!

ومنها أنّهُ اتّصل به رجلٌ حمويٌّ من الطّرازِ الفحوليّ القديم، فأخبرَه أنّ ذكَرَه يؤلمُه قائلاً: إنّ حمامَتي تؤلمُني كثيراً يا دكتور (وكلمةُ حمامة تُستَخدم تهذيباً للأطفالِ حين يتحدَّثُون عن عضوِهم الذّكري).. فطلبَ منه الدّكتور وجيه الحضورَ إلى عيادتِه، وأملَى عليه الكشفَ عن عورتِه كي يفحصَ حمامتَه، فوجد شيئاً يفوقُ الوصفَ، فقال له: أهذهِ حمامةٌ بذمّتِك؟! قلْ إنّه نسرٌ أو صقرٌ أو عُقابٌ.. وضحِك الطّبيبُ وغشيَ المريضُ من الضَّحك.. وعالجَه ووصفَ له الدّواءَ المناسِب.

ومنها أنّه جاء إليه ذاتَ مرّةٍ مريضٌ يشكُو ضعفَ حالتِه الجنسيَّة، وأنّه غيرُ سعيدٍ في حياتِه الزّوجيّة، فكشفَ الطَّبيبُ على حالتِه، ووصفَ له بعضَ الأطعمةِ والأدويةِ المقوّية.. وبعد فينةٍ من الزّمن عاد المريضُ إلى العيادة، فقال له الدّكتور وجيه: بشِّرْ، إن شاء اللهُ تحسَّنَت حالتُك الصّحّيّةُ ورفعتَ رأسكَ عالياً؟ فأجاب المريضُ: لا واللهِ يا دكتور! لم أشعرْ بوجودِه حتّى بعد زيارتي لكَ وبعد كلِّ ما وصفْتَه لي من غذاءٍ ودواء!

وكتبَ له الطّبيبُ وصفةً أخرى من المقوّيّات والأعشابِ والعسَل، وغاب المريضُ أيّاماً، ثمَّ اتّصل إلى العيادة:

 مرحباً دكتور معك فلانٌ..

 فأجابَه الطّبيبُ: آه.. بشِّرْ! بالتّأكيدِ عادتْ إليكَ فحولتُك!

 المريض: يا ليتَ.. لم يحدثْ أيُّ تطوُّرٍ يُذْكر.. لقد تعِبَ اللّعينُ وأتْعسَني معَه!

فومَأَ إليه الطَّبيبُ بمراجعةِ عيادتِه طالباً منه إحضارَ خيطٍ متينٍ من القِنّب دون أن يعرفَ السّببَ.

حضر المريضُ.. فطلبَ منه الطّبيبُ أن يكشفَ عن عورتِه، وأن يربطَ عضوَه الذّكريّ بالخيطِ وأن يشدَّ به نحوَ الأسفل..

 فاعترضَ المريضُ قائلاً: لماذا هذا الفعلُ يا دكتور؟

 فقال الطّبيبُ: افعلْ ما آمرُك به دونَ أيِّ اعتراضٍ.. وبعد كلِّ هنيهةٍ راح يسألُه: أين وصلَ؟ إلى أن قالَ: لقد وصلَ إلى مخرجِ البُراز.. فقال له: تمام.. شيءٌ رائع! فقال المريضُ: وماذا أفعلُ الآن؟ فقال: اخرَ أْ عليه، فلعلَّه يذوقُ ويفهمُ.. فيعودُ إلى وضعِه الطّبيعيّ!

طبيبٌ ريفيٌّ عامّ

كان الطّبيبُ الحمويّ عدنان النّحّاس أوّلَ من افتتحَ عيادةً في بلدةِ عَقْرب، فأصبحَت عيادتُه مزارَ المرضَى من كلِّ القُرى القريبةِ والمجاورةِ، حتّى طارتْ شهرتُه في الآفاق بالرّغم من أنّه طبيبٌ ممارسٌ عامّ.

زارَه أحدُ المرضى من قريتِنا، فعاينَه ووصفَ له الدَّواءَ، ثمَّ سأله: ما أخبارُ مريضِنا (فلان)؟ فأجاب: إنّه جاري ويَجري كالحِصان وصحَّتُه بخيرٍ! فاستغربَ الطّبيبُ قائلاً: أما زالَ حيّاً.. لقد قطعتُ له البطاقةَ الحمراءَ منذ ستّةِ أشهُر.. وعمَّ الضّحكُ العيادةَ!

طبيبُ عيون

روى لي أحدُ الأصدقاء أنّه زارَ عيادةَ طبيبٍ حمصيّ في طبِّ العيون؛ لأنّه كان يشكُو من تراجعٍ في صحّة نظرِه، فعاينهُ الطّبيبُ، ثمّ سألَه: هل أنتَ مدخّنٌ؟ فأجاب: لا أبداً! وسألَه: هل تحتَسي المشروباتِ الرّوحيّةَ؟ فأجاب: لا روحيّةٌ ولا جسديّة! وشطَّ خيالُ الطّبيب: هل تُكثِر من الفُحولةِ؟ فأجاب: نوعاً ما! فقال الطَّبيبُ: فكيف تعيشُ إذن.. ولماذا؟ فغشِي المريضُ من الضّحِك! فقال الطّبيبُ: إنّني أمازحُك! أحسنتَ.. هذه مهلكاتُ الجسد.. لكنّها لذيذةٌ!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى