الاثنين ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٤
بقلم المصطفى السهلي

غربة الرواية في رواية «الغربة»

قراءة في رواية «الغربة» لعبد الله العروي

1 – محاولة تأريخ للرواية:

تطرح مسألة الرواية إشكاليات معقدة، يصعب الحسم فيها. ذلك أن الدراسات المتعددة التي تمحورت حولها خلفت لنا في النهاية تراكما كبيرا من النظريات والآراء، بعضها متناسق إلى حدود التكامل، والبعض الآخر متباين إلى حد التنافر. إن فلسفة نظرية الأنواع تقرر مبدأ عاما يمكن على ضوء منه استكناه العلائق الرابطة بين مختلف الأنواع الأدبية، بقصد الوصول في النهاية إلى تحديد الموقع الصحيح لفن الرواية بين الأجناس الأدبية السابقة عليها، وضبط الصلات التي تجمعها بها. إن هذا المبدأ العام يفيد "أن النوع الأدبي ينشأ ويتطور في وضع تاريخي اجتماعي محدد، وأنه يستمد ماهيته من الخبرات العلمية والتكنيكية في هذا الوضع، كما يستمد مهمته من الوفاء بحاجات جمالية وروحية وفكرية واجتماعية عامة يحددها ذلك الوضع التاريخي الاجتماعي."(1). وفي النتيجة يؤكد هذا المبدأ "أن لكل نظام اجتماعي نوعه الأدبي أو أنواعه الأدبية التي تحقق مثاله الجمالي الأعلى، وتعكس علاقة الإنسان فيه بعالمه الطبيعي والاجتماعي."(2). إن كل نوع أدبي يكون استجابةً لمتطلبات مرحلة تاريخية واجتماعية معينة، وتعبيرا في الوقت نفسه عن مواقف وتطلعات فئة اجتماعية معينة.

ولكن هذا لا يعني إلغاء قدرة بعض الأعمال الأدبية على الخلود والاستمرار، حتى بعد انصرام المرحلة التاريخية التي أفرزَتها، ولا يعني أيضا انقراضَ النوع الأدبي انقراضا نهائيا بمجرد انتهاء المرحلة التي نشأ فيها وتطور. فقد أكد الناقد الفرنسي"فرديناند برونتيير" الذي تَشبَّع كثيرا بالنظرية الداروينية في النشوء والارتقاء وطبقها على الأجناس الأدبية "أن النوع الأدبي كالنوع البيولوجي ينشأ ويتطور وينقرض، لكن المنقرض من الأنواع الأدبية – كالمنقرض من الأنواع والكائنات الحية – لا يفنى تماما، وإنما تتواصل عناصر منه في النوع أو الأنواع التي تطورت عنه"(3). وعلى الرغم من الانتقادات (4) التي وُجهت إلى "برونتيير" عندما حاول تطبيق هذه النظرية على تاريخ الأدب الفرنسي فإننا نلاحظ تقاربا بينها وبين ما ذهب إليه "هيجل" قبله بأكثر من قرن، حين صنَّف الرواية على أنها فرع ثانوي من فروع الملحمة، أي أن الرواية هي بشكل من الأشكال امتداد للملحمة، مع وجود فرق بينهما، وهو أن الملحمة تعتمد لغة شعرية، بينما تعتمد الرواية لغة نثرية.(5). ويعود سبب هذا الاختلاف إلى كون الرواية تعالج واقعا يستغني عن لغة الشعر المرتبطة بالقلب والعواطف، ويستدعي لغة النثر القادرة على تصوير ظروف ذلك الواقع ومختلف العلاقات الإنسانية. ويستخلص "هيجل" أن ظهور الرواية كان متزامنا مع صعود البرجوازية التي وجدت في الفن الجديد خير مُعَبِّر عن هواجسها وطموحاتها. ويقترب من ذلك أيضا ما أكده الناقد"أندري يول" من أن الأشكال الأدبية المعقدة إنما هي تطوير لأشكال أخرى بدائية وبسيطة، مستشهدا بالرواية التي يرى أنها لم تصل إلى مستوى النضج إلا بفضل أشكال سابقة عليها كالرسالة والمفكرة واليومية والرحلات والملحمة. (6). لقد ظلت نظرية "هيجل" سائدة حتى جاء الناقد المجري"جورج لوكاتش" فقام بتطويرها مؤكدا أن ظهور الرواية مرتبط بالانتقال من مرحلة الإقطاعية التي كانت الملحمة نوعها الأدبي المفضل، إلى مرحلة البرجوازية التي وجدت في الرواية خير متنفس للتعبير عن واقعها الجديد. وبذلك أصبح هذا الفن الجديد منافسا للفنون القديمة. (7).

غير أن هذه النظرية سرعان ما سيتم نسفها بظهور كتابات الشكلانيين الروس الذين يربطون بين نشأة الرواية والطبقات الدنيا في المجتمع. فهذا "شلوفسكي" يعتقد أن الأنواع الأدبية الجديدة امتداد لأنواع دنيا يسميها "ما تحت الأدب"، ويقصد بها أنواعا من الأدب الشعبي أو الشفهي. (8). ويزكي الطرح ذاته"ميخائيل باختين" الذي يرى "أن الرواية تمثل نوعا أدبيا دونيا(سفليا)، كان ينطق باسم الطبقات الدنيا والمسحوقة". (9). ويوافقهما الناقد الإيطالي"أنطونيو غرامشي" الذي "لاحظ تزامنا واضحا بين انتعاش الرواية وظهور القوى الديمقراطية والشعبية والوطنية في كل أروبا." (10).

إن استعراضنا لهذه الأطروحات المتعددة يرمي إلى تأكيد الصعوبة التي يواجهها كل مَن حاول التأريخ لنشأة الرواية، فهو يجد نفسه أمام ركام من النظريات النقدية يتسم بالتعدد من جهة، وبالاختلاف من جهة أخرى. ولا نطمح في هذا المدخل المختصر إلى الخوض في هذه المسألة لأنها تحتاج إلى وقت أطول ومجهود أكبر حتى يكون البحث في أصول الرواية متكاملا وشاملا لمختلف التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها أروبا، علما بأنه "لا يمكن أن نفهم الرواية، ما لم نفهم معنى الثورة الأروبية." (أرنولد كيتل). وربما تعود أسباب الصعوبة في هذا المجال إلى حداثة هذا النوع وجِدَّته، فالرواية كما يقول"باختين": "هي النوع الأدبي الوحيد الذي لا يزال في طور التكوين، والنوع الوحيد الذي لم يكتمل بعد." (11). ولا يمكن إنجاز دراسات موضوعية حول هذا النوع، من حيث نشأته وتطوره، إلا بعد تحقيق تراكمات مهمة، سواء على مستوى الإبداع أو على مستوى النقد والتنظير. ولا بد من تأكيد حقيقة ملموسة، وهي هذا الاهتمام الشديد الذي بدأت تحاط به الرواية، هذا الاهتمام الذي جعل ناقدا مغربيا هو"عبد الفتاح كيليطو" يلخص نتائجه في القول: "كانت الرواية بمثابة الفرد الفقير في عائلة الأنواع، إلا أنها أخذت تشق طريقها شيئا فشيئا إلى حد أنها صارت مع مرور الزمن قمة الأنواع. ذلك أنها تستوعب الرسالة والمذكرات والسيرة الذاتية والحوار المسرحي، بل يمكن أن تستوعب حتى الشعر." (12).

2 - عن نشأة الرواية العربية:

إذا كان هذا هو شأن البحث في أصول الرواية الأروبية، فإن البحث في نشأة الرواية العربية – وضمنها الرواية المغربية – أدعى إلى أن يكون أكثر استعصاء وأشد تعقيدا. ويمكننا أن نختزل الجهود التي بُذلت في هذا الصدد في الإشارة إلى تيارين اثنين يتجاذبان هذه المسألة: التيار الأول يعود بجذور هذا الفن عميقا في تاريخ الأدب العربي، ويحَمِّل نصوصا قديمة أكثر من طاقتها حين يعتبرها قصصا أو روايات. إن النقاد الذين ينحون هذا المنحى ينطلقون، في الغالب، من نزعة نرجسية، ترمي إلى تحطيم "الخرافة التي تزعم القصور في العقلية العربية"على حد تعبير أحد أولئك النقاد. (13). أما التيار الثاني فهو يعتبر الرواية معطى من معطيات النهضة العربية الحديثة، هذه النهضة التي هي في حد ذاتها اقتباس من الغرب، إذ كانت الرواية من جملة الفنون التي استعارتها البرجوازية العربية الناشئة من أروبا، لتعبر بواسطتها عن واقعها الجديد، وتمرر من خلالها مختلف شعاراتها ومبادئها. "إن الرواية العربية الحديثة جاءت قريبة في أشكالها ومضامينها من الرواية الأروبية، لأن الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية الموجِّهة للنهضة العربية تدور في فلك الصورة العامة للمجتمعات الغربية، رغم استحالة تحقيق النتائج نفسها." (14). ويمكننا أن نطبق الحكم نفسه على الرواية المغربية، فما شهده المغرب في القرن العشرين، لم يكن، في الحقيقة، إلا امتدادا لما شهده المشرق العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وإنه لأمر ذو دلالة أن تكون أول رواية مغربية مكتوبة ًبالفرنسية، وهي رواية "إدريس" لـ"علي الحمامي" سنة 1948 (15)، وذلك على الرغم من الاختلاف القائم حول أصل الكاتب (16)، بينما لم تظهر الروايات المغربية المكتوبة بالعربية إلا ابتداءً من الخمسينيات، مع ظهور "في الطفولة" لـ"عبد المجيد بنجلون" سنة 1957. ولا تدخل الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية في حقل اهتمامنا، في هذا العرض، لأن ما تحمله من خصوصيات ومن سمات مميزة يحتم تناولها بشكل منفرد ومستقل. وحينما نتأمل الرواية المكتوبة بالعربية من الناحية الكمية، نلاحظ هزالة الإنتاج فيها، فبين 1957 و1980لم تصدر سوى أربع وثلاثين رواية (17)، غير أننا نلمس تصاعدا مهما في الأعداد من عقد إلى آخر. فإذا كانت الخمسينيات لم تعرف سوى روايتين فإن الستينيات عرفت صدور تسع روايات، وشهدت فترة السبعينيات صدور اثنتين وعشرين رواية. (18). إن هذا التطور على مستوى الكم مهم جدا لأن فوائده ستطال الناحية الكيفية، ذلك أن الرواية المغربية الحديثة التكوين لن تشهد التطور المرغوب فيه إلا بعد تحقيق تراكمات مهمة. وقد بدأت تظهر فعلا بوادر هذا التطور في السنوات الأولى من الثمانينيات بظهور روايات تطمح إلى تكسير النمط الكلاسيكي في البناء الروائي وتأسيس طريقة متقدمة في تناول الكتابة الروائية. وتمثل روايات "بدر زمانه" لـ"مبارك ربيع"(1983)، و"رحيل البحر" لـ"محمد عزالدين التازي"(1983)، و"بيضة الديك" لـ"محمد زفزاف"(1984) نماذج جيدة على ذلك. إن هذا الحكم لا يرمي إلى الانتقاص من قيمة الروايات الأخرى، وخاصة منها تلك التي تنتمي إلى الفترات الأولى من حياة الرواية المغربية. فحينما نراجع قائمة تلك الروايات تستوقفنا بعض العناوين التي لا تزال تستفز القراء والنقاد، وتعلن عن نفسها باستمرار... من هذه العناوين رواية"الغربة" لـ"عبد الله العروي، وهي التي وقع عليها اختيارنا في هذا العرض.

3 - لماذا رواية "الغربة"؟

لا شك أن اختيار هذه الرواية بالذات للاستشهاد بها على مستوى الرواية المغربية يثير تساؤلات كثيرة. فنحن لم نختر هذه الرواية لأنها أكثر الروايات المغربية قراءة من قِبَل الجمهور، فعلاقتها بجمهور القراء، في ما يبدو، ليست حميمة، ودليل ذلك أنه على مدى اثنتي عشرة سنة ظهرت منها ثلاث طبعات فقط، بينما ظهر العدد نفسه من الطبعات لرواية "الخبز الحافي" لـ"محمد شكري"، وبمعدل 5000 نسخة في كل طبعة، وكلها بيعت داخل المغرب، وذلك كله في مدة لا تتجاوز السنتين.

ولم نختر هذه الرواية كذلك لأن مؤلفها مشهور، أو لأن له باعا طويلا في مجال الكتابة الروائية، فـ"العروي" معروف كمؤرخ وفيلسوف وكمهتم بالنقد الإيديولوجي، وكانت "الغربة" أول نص روائي يظهر له.

ولم نختر هذه الرواية أيضا لأن النقاد تهافتوا عليها وتلقفوها بمجرد صدورها، فهي لم تثر ضجة نقدية حولها، ولم يكتب عنها الكثير، كما كان الشأن بالنسبة لبعض الروايات المتزامنة معها، مثل "دفنا الماضي" لـ"عبد الكريم غلاب"، أو اللاحقة عليها، مثل "الخبز الحافي" لـ"محمد شكري". فلماذا إذن هذه الرواية بالذات دون غيرها؟

إن"الغربة" نموذج للرواية التي لا تسلم قيادها للقارئ بسهولة، ولمجرد القراءة الواحدة المتعجلة، وهي لذلك تظل تستفزه وتتحداه، لأنها تخرج عن النمط الكلاسيكي الذي ألِفْنا التعامل معه. إن "الغربة" على العكس من ذلك تماما، تستدعي حضورا واعيا ومستمرا للقارئ، بل وتفرض عليه المشاركة في تركيب أجزائها أو إعادة تركيبها، وهي بذلك تثير القلق لديه، ولا تسلمه إلى الاسترخاء، كما هو شأن الكثير من الروايات الأخرى. إن هذه الميزة الفنية بالذات هي التي تجعل هذا النص الروائي "غريبا" بين النصوص الروائية الأخرى، وبذلك تكون غربة "الغربة" هي العامل الأساسي في اختيارنا لها دون غيرها من الروايات.

4 - إشكاليات "الغربة":

وحتى لا يكون هذا التوضيح تقييما سابقا لأوانه نلامس الآن أهم الإشكاليات التي تثيرها هذه الرواية. ولعل الإشكالية الأولى التي تثار هي دافع اللجوء إلى الكتابة الروائية من قبَل كاتب كـ"العروي" له اهتمامات تاريخية وفلسفية، علما بأنه قبل صدور رواية "الغربة" ظهرت أهم أعماله الفكرية، وهي كتابه "الإيديولوجيا العربية المعاصرة". (19). فما السر في هذا الاهتمام بالرواية؟ لقد تحول هذا الاهتمام إلى ظاهرة لافتة للانتباه، إذ نجد الكثير من الكتاب ذوي التكوين الفلسفي يمتطون الرواية للتعبير عن أفكارهم ومواقفهم، فعلى سبيل المثال نذكر "جان بول سارتر" و"نجيب ومحفوظ" و"محمد عزيز الحبابي" و"مبارك ربيع" و"محمد زفزاف" و"الميلودي شغموم" و"عبد الله العروي"...إن هذه الظاهرة تؤكد قدرة الرواية على احتواء شتى المضامين والرؤى، وتؤكد، في الوقت نفسه، أنها أفضل حقل يتم فيه تحطيم الحدود بين الأنواع الأدبية. لقد حاول "العروي" تعليل هذا الاهتمام عنده بالكتابة الروائية، فقال: "إن الغرض منها هو التعبير عن شيء لا أعبر عنه بالتحليل العقلاني. لو كان التحليل العقلاني بالنسبة لي كافيا للتعبير عن كل ما أحس به، لما كان من داعٍ لكتابة القصة." (20). إن الرواية إذن، اعتمادا على هذا الاعتراف، تؤدي مَهَمَّة لا تستطيع التحليلات العقلانية أداءها. وهذه المَهَمَّة هي النقل الأمين والمباشر لشعور الكاتب وإحساساته، والمعطى الشعوري حالة ذاتية لا يمكن التعبير عنها بكيفية موضوعية، ولا يمكن لصاحبها أن يكون موفقا في تبليغها إلا إذا عبر عنها بكيفية مباشرة. وعليه فإن الأعمال الروائية لـ"لعروي" تكشف جانبا مهما من شخصيته، كان سيظل مجهولا لولا هذه الكتابات. هذا الجانب هو الشعور الذاتي والإحساس الخاص الذي هو وليد لحظة تاريخية معينة، وتعبير عنها في الوقت نفسه. وعلى ضوء من هذا المعطى إذًا يمكن مَوْضَعة رواية "الغربة" كامتداد لكتابات "العروي" الإيديولوجية وكمُكَمِّل لها، وليست تكرارا لأطروحاتها أو بديلا عنها.

أما الإشكالية الثانية الذي يطرحها هذا النص الروائي فهي متعلقة بالتصنيف. وقد تبدو هذه المسألة اليوم متجاوزة، ولكننا مع ذلك نلاحظ استمرار التذبذب والاضطراب في تحديد المصطلحات. ألم يضع "العروي" على غلاف الطبعة الأولى من "الغربة" مصطلح قصة؟ فلماذا نجد في الطبعتين الأخريين مصطلح رواية؟ هل هو مجرد تداخل في المصطلحات؟ أم تغيير في الموقف ووجهة النظر؟ إن المسألة مثيرة للقلق لا ريب، ولم يستطع حتى النقد الروائي العربي التخلص من هذا الارتباك بشكل نهائي. فعند صدور"اللص والكلاب" لنجيب محفوظ مثلا، لم يتفق النقاد على تصنيف موحد لها، إذ اعتبرها "لويس عوض" "قصة كلاسيكية القالب، رومانسية المضمون." (21). بينما قال "شكري عياد": "إنها قصة من هذه القصص القصيرة. صحيح أنها شغلت صفحة القصة في الأهرام جملة أسابيع، واستطاعت أن تملأ كتابا متوسط الحجم، ولكن هذا يخرجها عن حدود القصة القصيرة ولا يدخلها في حدود الرواية." (22). وتساءل "أنور المعداوي" بشأن هذا العمل فقال: "هل نضعه في خانة القصة القصيرة الطويلة أم نضعه في خانة الرواية القصيرة؟ أكثر الذين تناولوا هذا العمل بالتحليل والنقد أجمعوا على وضعه في الخانة الأولى، ومن هنا ومن وجهة نظري الخاصة أراني مضطرا إلى مخالفة هذا الإجماع." (23). ويمكن أن نجد أنفسنا أمام الحيرة ذاتها لو أردنا التعامل مع نصوص مغربية أخرى، مثل "أبراج المدينة" لـ"محمد عزالدين التازي" (24)، أو "وردة للوقت المغربي" لـ"أحمد المديني" (24). ومن المسلم به أن حجم النص ليس مقياسا حاسما لتحديد الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، ولكن الذي يحسم في ذلك بالأساس هو طريقة الكتابة وكيفية تناول الأحداث والشخصيات، وتقنية تأطير العناصر الزمانية والمكانية في العمل. فإذا استحضرنا هذا المقياس عند قراءة "الغربة" سنجد أنها أقرب إلى الرواية منها إلى القصة، ونستبعد بذلك حتى الحكم الذي اعتبرها مجموعة قصصية.

إن الإشكالية المتعلقة بالتصنيف في نص"الغربة" تُطرح على مستوى آخر، وهو ما يمكن وصفه بتساكن الرواية والسيرة الذاتية في هذا العمل. هذا التساكن هو الذي جعل بعض الدارسين يطلقون على "الغربة" مصطلح "السيرواية" معتمدين، دون شك، على مفهوم التطابق الموجود بين المؤلِّف و"إدريس"، البطل الرئيس في "الغربة". هذا المفهوم الذي يتجاوز دور الضمائر في تحديد المصطلح بدقة. فقد كان شائعا أن العمل المكتوب بضمير المتكلم (أنا) هو سيرة ذاتية، غير أننا نلاحظ "أن مارسيل بطل رواية "البحث عن الزمن الضائع" يستعمل صيغة المتكلم، ولكن بروست نفسه يصر على أن هذه الصيغة (أنا) هي شيء آخر، ويقدم على ذلك حجة دامغة بقوله: (إنها رواية)." (25). ويعني ذلك أنه يمكن أن نصادف أعمالا مكتوبة بالضمير الأول (أنا) دون أن تكون بالضرورة سيرا ذاتية. وبالمقابل قد نجد أعمالا أخرى مكتوبة بالضمير الثالث (أي ضمير الغائب) وتكون مع ذلك سيرا ذاتية. وهذا "ينفي الاعتقاد السائد بأن السيرة الذاتية لا تقوم إلا باستعمال ضمير المتكلم." (26). ونستطيع أن نعدد نماذج كثيرة في هذا الصدد: "العاشق" لـ"مارغريت دوراس"(الحائزة على جائزة غونكور لسنة 1984)، و"دفنا الماضي" لـ"عبد الكريم غلاب"، و"الطيبون" لـ"مبارك ربيع"، و"أرصفة وجدران"، و"المرأة والوردة" لـ"محمد زفزاف"، و"جيل الظمأ" لـ"محمد عزيز الحبابي". وبذلك تكون "الغربة" واحدة من هذه الروايات الكثيرة التي لم تعتمد كلية على ضمير المتكلم، ولكنها، مع ذلك، تروي تجارب خاصة عاشها مؤلفوها.

5 - المثاقفة والموقف من الغرب:

إن ما أثير حتى الآن من إشكاليات لا يعدو أن يكون مجرد ملامسة خارجية لنص"الغربة"، غير أنها، مع ذلك، تبدو ضرورية في التمهيد لقراءة هذا العمل، لأنها دون شك ستساعدنا على فهمه وتفسيره وتحديد رؤية الكاتب للعالم من خلاله. إن الموضوعة الأساسية التي تطرحها "الغربة" هي مشكلة المثاقفة (27) التي كانت نتيجة طبيعية للاتصال بالغرب، والاحتكاك بفكره، وحضارته. وقد كانت هذه المشكلةُ موضوعًا أثيرا لدى عدد من الروائيين العرب. غير أن زوايا النظر إلى الغرب تباينت عندهم، فأعطى ذلك مواقف مختلفة عبرت عنها تلك الروايات. ولعل أولها رواية "جولة بين حانات البحر الأبيض المتوسط" (28) للكاتب التونسي "علي الدوعاجي". وتقوم هذه الرواية على تصور الغرب وكأنه امرأة، "فكان الكاتب يضفي على نظرته إلى أروبا ’طابعا جنسيا’، وطيلة جولته تلك كان اكتشافه لأروبا اكتشافا للجسد فقط، غير أنه يعتمد في ذلك على أداة ذات أهمية كبرى هي السخرية" (29). ونجد "توفيق الحكيم" في "عصفور من الشرق"(30) يطرح علاقته بالغرب في إطار التقابل الموجود بين مادية الغرب وروحانية الشرق. بينما يجد بطل "الحي اللاتيني" (31) لـ"سهيل إدريس" متنفسا من القمع الذي كان مفروضا عليه في بلده، والذي يكبت في داخله معظم طاقاته الإنسانية والإبداعية، فاستطاع أن يشبع رغبته المقموعة، ولكنه لم يستطع التخلص من التمزق الاجتماعي والحضاري. أما رواية "الطيب صالح" "موسم الهجرة إلى الشمال" (32) فهي تحمل إدانة عنيفة إلى الغرب الذي لم يستطع التخلص من نظرته الاستعمارية إلى الإنسان العربي والإفريقي، القائمة على نوع من الاستعلاء والميز الفظيع بين الأجناس. أما في الروايات المغربية فقد طُرِحتْ مشكلة المثاقفة بحدة أيضا منذ البداية. فالعلاقة مع الغرب تبرز منذ رواية "في الطفولة" (33)، حيث اعتبره الكاتب مكانا للتعلم، وسببا في الإحساس بالغربة، ثم بالغربة المزدوجة بعد عودة البطل إلى وطنه. وبعد هذه الرواية أصبحت مشكلة المثاقفة تُطرَح مرتبطة بالتساؤل عن الوضع الصحيح للمثقف المغربي داخل مجتمعه. ففي "جيل الظمأ" (34) لم يستطع "محمد عزيز الحبابي" التخلص من فكره المثالي، فظهر بطله "إدريس" المتشبع بثقافة الغرب المثالية كذلك، حبيس برجه العاجي، يستهلك وقته في مناقشة مفاهيم كـ"الثقافة"، و"الوعي"، مكرِّسا في الوقت نفسه واقع الاستغلال والتخلف. ويقدم "محمد زفزاف" في روايته "المرأة والوردة" (35) موقفا آخر من الغرب، فهو ليس مجالا فسيحا لممارسة الحرية، والحرية الجنسية، بشكل خاص، فحسب، ولكنه يصبح كذلك مكانا يهيم به البطل، وينتظر أن يمده بأسباب الخلاص. يقول: "سوزي، أحبك، وأحب الدانمارك، وأنتظر أن تأتي لتنقذيني."(36).

6 - نحْوَ فهمِ الرواية:

إن هذه البنية نفسها هي التي تشكل جوهر رواية "الغربة"، فهي تنفتح على الانتظار، وتنغلق على الانتظار. تنفتح الرواية على شخص "شعيب" وهو يترقب عودة زميله "إدريس" من الخارج، بعد غيبة دامت خمس سنوات، ويعلق على هذه العودة آمالا كبيرة، لأن "إدريس" يستطيع أن يحل العديد من المشاكل التي تراكمت طيلة هذه المدة، ويستطيع أن يجيب عن أسئلة متعددة بقيت كذلك معلقة. غير أن "إدريس" بعد عودته يعجز عن حل مشكلته مع خطيبته "مارية"، التي تفضل مغادرته والعودة إلى باريس، فينتظر "إدريس" بدوره أن تعود إليه ليستعيد توازنه وثقته بنفسه، وليستطيع الاندماج في مجتمعه، فتنتهي الرواية، كما بدأت، بحالة انتظار. إن هذه المحاور هي التي تمثل العمود الفقري لهذه الرواية، وتختزل أهم بنياتها. فشعيب (ولا شك أن لهذا الاسم دلالة رمزية بإحالته على كلمة "شعب") كان يلقن الأطفال القرآن، وشارك في المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، "والآن ها هو مع زوجة لا يعرف كيف يعيش معها في مهنة حقيرة... كان سجينا وأصبح كاتبا في السجن."(37). ورغم هذه المفارقة العجيبة فهو "الوحيد الذي يعمل بإخلاص في الدائرة." (38). ويبقى شعيب فريسة لهمومه "هموم طارفة تتراكم على هموم تليدة" (39)، لا يشعر بالاستقرار: ففي العمل يعاني من مضايقات الرئيس وضغوطه، وفي البيت تعرف علاقته بزوجته توترا شديدا: "إني لا أذهب إليه، وكأني أحس أن دخولي سيكون بداية الطلاق."(40). ولما لم يستطع حسم هذه العلاقة فإن زوجته هي التي تولت ذلك "لمّتْ حوائجها وذهبت، ولست أدري هل قصدت فعلا الجنوب أو الشمال."(41). وهذا الإخفاق الذي مُني به "شعيب" لا ينفصل إطلاقا عن الإخفاق الذي تعاني منه الحياة العامة في البلاد ككل. يقول: "واليوم ها الشرطي يلعب الكارتة، ونحن نمشي في الأزقة ليلا، وممثلو الحركة يتخاصمون فيما بينهم، والباشا نائم ليلا ونهارا بين نسائه وبين المشتكين." (42) وكان رد فعله تجاه هذا الإخفاق هو الانصراف إلى نوع من التصوف عن طريق إغراق همومه في الكتب الصفر التي يجد كما قال: "في عَنائها لذة، وفي عمقها نعمة." (43).

إن المصير الذي انتهى إليه "شعيب" يتحمل قسطا من المسؤولية فيه صديقه "إدريس" الذي كان يمثل بالنسبة له حبل النجاة، وهذا ما يوضح سر اللهفة الكبيرة التي كان ينتظر بها عودته. إنهما معا ينحدران من بلدة واحدة، غير أن""إدريس" أتيح له أن يتم تعليمه، وأن يسافر إلى فرنسا لاستكماله هناك حتى قيل "ما سُمّي "إدريس" إلا لكثرة ما كان يدرس الصحائف." (44). ولم تكن مهمة "إدريس" إنقاذ "شعيب" فقط، بعد عودته، بل كان عليه كذلك أن يغير المدينة التي بقيت على حالها. قال "شعيب" حين كان ينتظر عودة صديقه: "انظر إلى هذه المدينة، ماذا جدّ فيها منذ خمس سنوات، سيأتي غدا ويجدها كما تركها نائمة تافهة."(45). وهذا فعلا ما أكده "إدريس: "أجدها كما تركتُها أول الأمر، في حين أن جميع الخطب تقول إننا نعيش فترة حساسة في تاريخ بلادنا."(46). إن "إدريس"، بهذا المفهوم، يصبح نموذجا للبطل الإشكالي الذي يحمل قيما جديدة يواجه بها قيما قديمة ومتخلفة في مجتمعه. فعلى الرغم من اعتقاد العم "أنه رغم التطواف في بلدان الكفر لم يتعلم أي بدعة" (47)، كان "إدريس" في حقيقة أمره يرفض منطق والده المتشبع بالروح السلفية. قال والده: "كان يقال في شبابي: مَنْ أتمَّ القرآن والآجرومية وسيدي خليل فتح الله عليه، وأما من تعاطى للدمياطي صاحَبَه الزلط طول حياته."(48). أدرك "إدريس" من كلام والده "أن مثقفي اليوم هم أصحاب الدمياطي في الماضي"(49)، وأصر، مع ذلك، على رفض هذا المنطق: "يا أبت، إن طرق الماضي مغلقة أمامنا، فاتركنا نبحث عن طرق جديدة... نريدها ضرورية وغير خافية."(50). فإلى أي شيء أفضى هذا البحث؟ هل أفلح "إدريس" في العثور على تلك الطرق الجديدة؟ عندما شرع "إدريس" في استنطاق الواقع، وتقييم الوضع، أحس إحساسا قويا أن السير سيتعثر، وأن ما يحمله من مشاريع مُعَرَّضٌ للإحباط والفشل، ومحكوم عليه بالإخفاق، بسبب انعدام الظروف المواتية "إننا كهذا الطائر قفز من المراح إلى الغصن، وهمَّ أن يطير إلى السطح، لكن خيطا رقيقا يمنعه من الوصول إلى بغيته. كذلك نحن مقيدون بخيط حريري لا يُرى، نحن أحرار طلقاء بين حدود لا يجوز لنا أن نتعداها."(51). إن هذا الاستنتاج يجعل عودة "إدريس" مقرونة بالخيبة والمرارة، وسببا في إحساسه بالغربة بين أهله وأصدقائه، وبأنه زائد عن الحاجة. وكان رد الفعل تجاه ذلك هو محاولة إغراق هذا الإحساس في علاقة الحب التي تجمعه بـ"مارية"، ذلك أنه "حين ينهار المجتمع كمشروع جماعي، فإن كل واحد ينغمس في حب شخص واحد" (52)، غير أن هذه العلاقة التي تنفّست في هذا الجو المشحون، تأثرتْ به، فعرفتْ توترا حادا انتهى بالفشل. لقد كان كل شيء طبيعيا بين "إدريس" وقريبته/خطيبته "مارية"، حتى ظهر شخص ثالث هو "عمر"، فغيَّر مجرى هذه العلاقة التي كان يُتوقَّع أن تنتهي إلى الزواج. تغير كل ذلك من أجل كلمة واحدة "كلمة نطق بها "عمر" الذي كان يفسر لي بين أساطين المكتبة الوطنية أن العواطف من بقايا الحيوانية."(53). هكذا، وتحت تأثير هذه الكلمة، تنفصم عرى هذه العلاقة، وتواجه "مارية" "إدريس" المتعلق بها كثيرا: "لستَ بمُقعَدٍ يا "إدريس"، إنما أنت قادر على الوقوف والمشي، تحرر مني وامض في طريقك."(54). ويبقى "إدريس"، مع ذلك، حريصا على المحافظة على تلك العلاقة "لن أسكب عليك الدموع، ولن أتكفف... اذهبي وغامري وأنا سأبقى وفيا لعهدك.."(55). وتهجره "مارية" لتسافر إلى باريس قاصدة صديقتها "لارا".. ويرفضها "عمر" بعدما تبين له أن بضاعتها مزجاة، ويتزوج من صديقته "مريم"، ربما بتأثير من أستاذه "يوليوس".

وما دمنا في مجال فهم الرواية نستفيد من معطيات اتجاه نقدي متقدم في دراسة الأعمال الروائية، وهو الاتجاه المعروف بسوسيولوجيا النص الأدبي. ونقتصر في ذلك على الجانب الذي يسميه "ميخائيل باختين" بمفهوم الحوارية le dialoguisme) (. ويفيد هذا المفهوم أن النص الروائي يشتمل على أصوات إيديولوجية عديدة، تعبر عن كل صوت منها شخصية من شخصيات الرواية، وتدخل هذه الأصوات الإيديولوجية في صراع عن طريق الحوار الذي يدور بين الشخصيات. وينص هذا المفهوم كذلك على ضرورة التزام المؤلف الحياد في هذا الصراع. (56). وهكذا ففي رواية "الغربة" نجد أصواتا إيديولوجية تظهر من خلال العلاقات الثنائية التي تجمع كلا من "مارية" بـ"لارا"، و"عمر" بأستاذه "يوليوس". جاءت "لارا" إلى باريس أواخر1932 بعد إعجابها بالغرب وحريته، وكانت تحمل مشاعر أممية. (57). إلا أن ظروف الحرب وإخفاقها في تجربة الحب مع شاب إسباني وتبخر آمال الوحدة والإخاء، كل ذلك دفع بها نحو اليأس والضياع، ففضلت أن تغير وطنها وأملها ومهنتها. هذه التجربة التي عاشت "مارية" تجربة مماثلة لها، قرّبتْ بين المرأتين كثيرا. لذلك فنحن لا نجد حوارا بالمفهوم العادي بين "مارية" و"لارا"، ولكننا نجد حوارا آخر يتم على مستوى المشاعر وعلى مستوى الأحداث والتجارب. وهذا الحوار ينتهي بـ"مارية" إلى نوع من الاستلاب من قبل "لارا" وإيديولوجيتها، فتختار هي الأخرى أن تهجر أهلها ووطنها، وأن تحيا حياة العبث والضياع. وهذا الاستلاب تجسده بكيفية واضحة صورة "مارية" الكاريكاتورية التي رسمتها "لارا"، وتحرص أشد الحرص على الاحتفاظ بها إلى جانب صورتها بزيها الوطني، وهي عبارة عن رسم "طوَّلتْ فيه الأنف، ونقصت من الذقن، ووسعت المقلتين، فبرزت "مارية" كالطريدة المذعورة."(58). إن هذا الرسم، في الحقيقة، يختزل واقع "مارية" المستلَب، وتمزقها النفسي والاجتماعي، وعجز إيديولوجيتها عن الصمود والمقاومة، بسبب هشاشة مقوماتها. قالت "مارية" مخاطبة أمها: "علمتمونا الدعة والسكون في عالم الانفجار." (59).

أما "يوليوس" فهو أستاذ "عمر"، وهو نموذج المثقف الأروبي، "الذي سئم بلع الكتب، والنقاش الحار، والمبارزة في الشوارع."(60). حاول احتواء "عمر" "الابن الروحي والتلميذ النجيب" (61)، غير أن هذا الأخير كان مترددا: "لم أنس حرفا واحدا من نصائحك... وعلِمتُ أنها لا تنفع... فهي صالحة لكل المواقف، وأنا في كل يوم أواجه موقفا جديدا." (62). إن "عمر" حائر بين إٌيديولوجية أستاذه "يوليوس" القائمة على تجاهل الواقع واللامبالاة، أي بمعنى التنكر لقضية وطنه، وإيديولوجية إخوانه التي تقربه من هذه القضية "ليس إخواني هم الذين خذلوني بسكوتهم، بل إخوانك الذين نظروا إليّ كأني جئت من المريخ، أو من بقايا أمة دارسة."(63). ورغم هذا التردد فإن "عمر" كان مهيَّأً لأن يستسلم أمام جاذبية الإيديولوجية الأولى، فانتهى به المطاف إلى أن يتزوج "مريم"، وهو أمر يريح أستاذه "يوليوس"، كما استطاع أن يحقق من المكاسب ما لم يستطعه "إدريس" و"مارية".

هكذا إذًا كانت تتحاور هذه الأصوات الإيديولوجية في الرواية. وإذا كان المؤلف قد احترم المفهوم "الباختيني" في هذا المجال، حيث حاول التزام الحياد في هذا الصراع، بتغييب "إدريس" - وهوالشخص المؤهَّل في الرواية لنقل إيديولوجية "العروي" - عن حلبة الصراع وعدم مشاركته فيه، فإننا نلاحظ، مع ذلك، أن الحوار ليس معزولا نهائيا عن الكاتب الذي لا يستطيع، ولن يستطيع، الانسلاخ عن أعماله وكتاباته. وهكذا نستنتج أنه على الرغم من الحياد الذي حاول المؤلف التزامه، إلا أن ذلك الحوار يعبر في نهاية المطاف عن موقف الكاتب، وهو وقوع المثقف المغربي في أسر الإيديولوجيات الغربية، ومعاناته جراء ذلك من الغربة والتغريب الذي "يعني بالتأكيد اغترابا واستلابا، أي أن المرء يصير غيره، يزدوج، ويفقد وحدته النفسية."(64).

7 - محاولة القبض على البنية الفكرية للرواية:

بعد محاولة فهم النص من خلال بنياته الداخلية، ننتقل إلى مرحلة التفسير التي تقوم على ربط النص ببنية أوسع، هي البنية الفكرية التي تحيط به، وبذلك نستطيع أن نتلمس دلالته بالنسبة للمرحلة التاريخية التي كُتِب فيها. وأهم ما يجب أن تقودنا إليه عملية التفسير هذه استخلاص رؤية العالم التي يقدمها هذا النص الروائي، ونقصد برؤية العالم المعنى الذي حدده "لوسيان غولدمان": "هو مجموع التطلعات والأحاسيس والأفكار التي تؤلف بين أعضاء جماعة (وفي أغلب الأحيان طبقة اجتماعية)، وتجعلهم في تعارض مع الفئات الأخرى."(65). إن "إدريس"، كما تمَّ تحديد ملامحه في مرحلة الفهم، هو تعبير عن فئة معينة في المجتمع المغربي، هي الفئة المثقفة داخل البرجوازية الصغيرة. وقد كانت هذه الفئة بحكم ما تحمله من ثقافة ووعي ممكن، مؤهلة للقيام بدور رئيس في الفترة التي أعقبت نهاية الاستعمار مباشرة، وكانت كذلك محط آمال فئات واسعة من الشعب، التي كانت تنتظر منها أن تحل العديد من المشاكل المطروحة. ويعبر عن هذه الفئات الواسعة في العالم الروائي لـ"عبد الله العروي" "شعيب" الذي يأخذ اسمه من تصغير كلمة شعب. وإذا كانت هذه الفئات قد حققت الاستقلال بفضل تضحياتها، فإن النخبة المثقفة كانت منهمكة في النقاش والتنظير، وهو الأمر الذي اعترف به "إدريس" في رسالة وجهها إلى "شعيب"، يقول فيها: "إنما تكلمنا وأنتم عملتم... فهنيئا لكم بما حققتم."(66). إن هذا المكسب الذي تم تحقيقه بهذا الشكل كان دَيْنًا يطوق عنق هذه الفئة المثقفة، وكان عليها أن تسدد هذا الدَّيْن. لكن السؤال الأساسي طرحه "إدريس": "إني مَدين لك يا "شعيب"... لكن كيف أتخلص من هذا الديْن؟"(67). نعم هذا هو السؤال الأساسي: كيف التخلص من هذا الدَّيْن؟ فإذا كانت الفئات الواسعة من الشعب قد أنجزت دورها كما طُلِبَ منها، فإن الفئة المثقفة مطالبة بأن تأخذ بزمام المبادرة لتعميق ذلك المكسب، وإنقاذ تلك الفئات من حيرتها، وحالة الانتظار التي تؤرِّقها. فهل تمَّ ذلك فعلا؟ إن البرجوازية الصغيرة بجميع فئاتها قامت بدور تاريخي في مقاومة المستعمر، إذ كانت حركات المقاومة في معظمها تتشكل من هذه الفئات، وكانت أهم أطر الحركة الوطنية تنتمي إلى الفئة المثقفة داخل البرجوازية الصغيرة، فكان المتوقع، تبعا لذلك، أن تتولى هذه الأخيرة عملية القيادة والتوجيه. ولكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما. فقد تعرضت لإحباطٍ، جعلها عاجزة عن أداء مَهَمَّتها، وتمَّ بذلك إقصاؤها من حلبة الصراع، بعدما سُحِب البساط من تحت أرجلها. قال "شعيب": "إننا لا نأسف على الماضي، بل على عدم التمشي مع الحاضر."(68). إن عدم القدرة على التمشي مع الحاضر هو المؤشر على حالة النكوص التي طبعت رد فعل هذه الطبقة، هذا النكوص الذي نلمس أهم تجلياته في لحظات الانتظار كما بدت عند "شعيب"، ثم عند "إدريس" ("شعيب" ينتظر عودة "إدريس"، و"إدريس" ينتظر عودة "مارية")، كما نلمسها في انغماس "شعيب" في التصوف، وهيام "إدريس" في عشق "مارية". إن هذه التجليات كلها دليل على العجز والسلبية، ومؤدية، في النهاية، إلى نوع من الانعزال والاغتراب داخل المجتمع. وبذلك يتم إزاحة هذه الفئات من الطريق، ويتحول الوعي لدى الفئة المثقفة منها من وعي ممكن إلى مجرد وعي قائم حسب مفهوم "غولدمان"، الذي يرى "أن الوعي القائم(الواقعي) هو نتيجة عوائق متعددة وانحرافات تفرزها عناصر مختلفة من الواقع التجريبي، وتجعلها متعارضة مع ذلك الوعي الممكن، وحائلة دون تحققه."(69). وإذا كانت هذه الفئات، نتيجة عوامل الإحباط، قد وجدت نفسها تجترُّ مرارة الخيبة والندم، فإن هناك، بالمقابل، طبقة برجوازية انتهازية، عرفت كيف تستغل الوضع الجديد وتتكيف معه. ويعبر عن مواقف هذه الطبقة وطموحاتها في "الغربة" "عمر"، الذي تُشَكِّل حروف اسمه الثلاثة الجذر اللغوي لكلمة "استعمار"، ولذلك طبعا دلالة رمزية كبرى. إن ما قاله "عمر" لـ"إدريس" و"مارية" يختزل الكثير من مواقف هذه الطبقة وتصرفاتها "كنتم تدَّعون أنكم مع الجم الغفير وإن أخطأ... وها الجم الغفير اليوم مع ولاة الأمور. لماذا انقلبتم اليوم تفضلون الانعزال؟ ... إني الآن مع الجم الغفير أقتبس منه نورا ونارا، مع الذين يوجِّهونه بتؤدة إلى عتبة المستقبل."(70). وبالإضافة إلى هذه الانتهازية، نجد عند هذه الطبقة شعورا بالنخبوية والاستعلاء. قال"عمر" لـ"إدريس": "لا تذكر لي أبدا الجمهور، لن أنقاد للعامة وأتركهم يصِمون حياتي بالإخفاق."(71).

هكذا إذًا، وفي النتيجة، تقدم البنية الروائية للغربة، على مستوى الشخوص، رؤية جدلية يجسدها التعارض الواضح بين نماذج الشخصية/القضية، والشخصية/النقيض. ف"إدريس" الملتزم بمبادئه وقضيته، يجد نقيضه في "عمر" المتلوِّن والانتهازي. و"مارية" الثائرة على التقاليد، والمتمردة على الأعراف، تجد نقيضها في زوجة "شعيب" الراقدة باستمرار في الفراش. وعلى مستوى الأحداث، وفي سياقها التاريخي، تقدم الرواية رؤية جدلية تاريخية يجسدها انهيار النظام الإقطاعي بفكره الغيبي، والذي تظهر ملامح منه في شخصية والد "إدريس"، وتَصاعُد النظام البرجوازي بفكره الليبرالي المتشبع بروح الغرب، كما يعبر عنها "عمر" في الرواية. وإذا كانت البرجوازية الصغيرة قد غرِقت في همومها الذاتية، تحت تأثير ضربة الإحباط، كما سجلت ذلك الرواية، فإن السيرورة التاريخية ستدفع بها، حتما، نحو التحالف مع الفئات الكادحة للدخول في صراع المواجهة والتغيير ضد القوى الانتهازية والمهيمنة.

8 - البنية الشكلية للرواية:

إن هذه الرؤية التي تشكل البنية العميقة في هذا النص الروائي، لم يُتَح الإمساك بها، إلا بعد التغلب على عناصر التشويش الكثيرة التي كانت تتلبَّس بنية السطح، وتعرقل بذلك الوصول إلى العمق. وهذه العناصر المشوِّشة هي نتيجة لطبيعة الشكل المعقد الذي يتغَمَّد هذه الرواية، والذي جعل دارسيها يُجمعون على وصفها بالصعوبة. فقد قال عنها "إبراهيم الخطيب": إنها "نص ذو تركيب صعب" (72)، واعتبرها "إدريس الناقوري": "عملا صعبا"(73)، ورأى "حميد لحمداني": أنها "تشبه إلى حد كبير نشرة إذاعية، نحس بأهمية الأخبار الواردة فيها، ولكننا بكل أسف نتلقاها من جهاز التقاط رديء ومشوَّش بموجات طفيلية، تبتُر الأخبار في مفاصلها الأكثر أهمية." (74). إن هذه الصعوبة، كما سبق، هي وليدة التقنيات المستعملة في التركيب الفني لهذه الرواية. ووراء هذه التقنيات مؤلف حريص على تنقيح كتابته ومراجعتها بنوع من الإجهاد. فرواية "الغربة" كُتِبت لأول مرة في خريف 1956، تحت عنوان "على هامش الأحداث"، ثم أعيدت صياغتها كليا في صيف 1958، وجزئيا سنة1961 (75)، ولم تُنشَر إلا بعد عشر سنوات من صياغتها النهائية. وهذه المسافة الزمنية الفاصلة بين الكتابة الأولى والنشر، دليل على رغبة "العروي" في تمثل فكرة الرواية واستيعابها، قبل إخراجها إلى القراء "فمن المجرّب – كما يقول – أن الفكرة لا تنضج في ذهن كاتبها إلا بعد أن يعيد كتابتها مرارا، وفي ظروف وأساليب مختلفة." (76). كما أن ذلك مؤشر واضح على أن "العروي" تردَّد طويلا قبل أن يُقدِم على اقتحام عالم الرواية بغربته، وهو الذي لم يكن بمعزل عن هموم الرواية ومشاكلها، إذ ساهم، على مستوى التنظير والنقد، في طرح أهم إشكالياتها. ولعلنا نلتمس علة تردده في اقتحام مجال الإبداع فيها، في ما سجله هو نفسه حين اعتبر أنه "ما مِن أحد حلم بعد عندنا برواية كلية شاملة، موضوعية أو ذاتية، تستعير معمارها من بنية المجتمع، وتفسح مكانا لتتعارض فيه الأنواع والأساليب المختلفة، كما يتضمن المجتمع الجماعات والطبقات المتعارضة جدا." (77). إن هذا الحكم الصارم في حق الرواية العربية يجعل "الغربة" ومؤلفها في محك قوي، إذ إنهما مطالبان بتحقيق ما لم تستطعه الروايات الأخرى بالوصول إلى هذا المطمح الكبير. غير أن "العروي"، شأنه شأن كل الكتاب الجادين، لا يمكن أن يرضى إلا عن العمل الذي لم يكتبه بعد. ومع ذلك فإن رواية "الغربة" إلى جانب نصوص روائية أخرى معدودة على رؤوس الأصابع تحمل نفَسا جديدا، أنعش الرواية العربية بما حققته من نضج على المستويين الإيديولوجي والفني. ويمكن التمثيل لهذا المستوى الأخير من خلال الإشارة إلى بعض عناصر البنية الشكلية كشبكة اللغة، وتقنية السرد، ولعبة الضمائر. فاللغة في رواية "الغربة" تقوم على الاختزال، وهي تقنية جيدة في الكتابة الروائية، لأنها تُخرج القارئ من استرخائه وسلبيته، وتنشط فضوله الذهني لاستقراء الألفاظ واستيحاء الدلالات. إن هذا الاختزال، دون شك، هو الذي تحَكّم في حجم الرواية الذي لا يتعدى 129 صفحة من القطع المتوسط، إذا حذفنا الصفحات وأنصاف الصفحات الفارغة. (78). ويمكن الاستدلال على ذلك بحادثة القتل كما وصفها "إدريس" لصديقه "شعيب": "نظرتُ من جديد إلى الفقيه والسبحة في يديه المرتعدتين، وإذا بصفير حاد معدني ينفجر من أشعة الشمس، كأن عجلةً تفرقعت على عجين الإسفلت، وإذا بعربة الليمون الخشبية تنزلق بعنف وسط الشارع منحدرة نحو حائط المدرسة العمومية والليمون يتساقط على الأرض. وفي رمشة عين خلا الميدان من ضجيج الناس كأنهم انتبهوا في الحين إلى الحرارة وتجنبوها... و"عمر" أيضا اختفى عن نظري والشيخ الفقيه قام بسرعة مستعدا لإقفال دكانه." (79). بمثل هذا الاختزال تقدم الرواية مشهدا قد يستغرق في الروايات الكلاسيكية مساحة شاسعة، وكأن "العروي" لم يستطع التخلص من تأثير الحياد المفروض في الكتابات التاريخية. على أن اللغة في هذه الرواية، بما تحمله من ظلال موحية، تكاد تتحول إلى لغة شاعرية توحي بالمعاني الكثيرة من خلال الألفاظ القليلة. وتمتاز اللغة في هذه الرواية إلى جانب ذلك بكونها تجمع في الحقيقة شبكة من اللغات، حيث استطاع المؤلف أن يتجاوز اللغة ذات البعد الواحد التي تطغى في الروايات الكلاسيكية. ففي"الغربة" تختلف اللغة باختلاف درجات الوعي لدى الشخصيات، وبذلك تعبر اللغة نفسها عن فكر صاحبها، فنجد ملامح من لغة صوفية، وملامح من لغة ليبرالية، وملامح من لغة دالة على الوعي الشعبي المتأثر بالفكر الغيبي. كما عبر "العروي" عن نوع من الغزل اللغوي عندما أصر على استعمال بعض الألفاظ ذات التعبير الدارج، خصوصا وأن الكثير منها فصيح وبليغ "بائع الليمون قدامه يتصاقر مع الميزان الروماني"(80)، "شف واسكت"(81)، "المراح" (82).

أما من حيث السرد فقد استعمل "العروي" تقنية جديدة استفادت من لعبة الضمائر التي تخرج على القاعدة التقليدية في الكتابة الروائية. إن رواية"الغربة" لم تكتب فقط وفق السرد الأفقي الذي يقدم الأحداث في تتابعها الزمني، ولكنها اعتمدت أساسا على سرد عمودي تجسده غزارة الاسترجاعات والحوارات الداخلية. وهذا التقاطع بين السردين الأفقي والعمودي هو المسؤول بالدرجة الأولى عن طبيعة التعقيد التي تتسم بها الرواية. ذلك أنه غالبا ما يتم الانتقال، ودون سابق إشعار، من الضمير الثالث(هو) الذي يمثل الراوي، إلى الضمير الأول(أنا) الذي يمثل إحدى شخصيات الرواية في حالة استرجاع أو في حالة حوار داخلي. وهذا الانتقال المستمر جرد الراوي من "سلطته" التي أكسبته إياها الروايات الكلاسيكية، وحرر القارئ من تبعيته المطلقة لذلك الراوي. إن السرد العمودي في الرواية كشف جانبا مهما من الشخصيات ليس بوسع السرد الأفقي، حتى وإن استخدم شتى الحيل، أن يُطْلِع القارئَ عليه. فعملية الاسترجاع والحوار الداخلي، بالشكل الذي قُدِّمت به في "الغربة" كانت تقوم على استنطاق الذاكرة واستبطان النفس، لا بهدف استعراض الأحداث أو الأحلام، ولكن للدلالة من خلالها على مواقف قد تكون أحيانا مكبوتة في لاوعي تلك الشخصيات. كما تمتد آثار هذه التقنية إلى اللغة التي تمتح، نتيجة ذلك، من عمليتي الاستنطاق والاستبطان، فتغدو مغلّفة بجو شاعري يُغَذيه الحنين من جهة، والحلم من جهة أخرى.

9 - على سبيل الختم:

هكذا إذًا وبهذا المستوى التقني المتطور في مجال الكتابة الروائية عبرت "الغربة" عن لحظة حاسمة من تاريخ المغرب، من خلال رصدها لمواقف شريحة اجتماعية، وتصرفاتها وردود أفعالها. وهذه الشريحة هي فئة من المثقفين داخل البرجوازية الصغيرة المغربية. إن هذه الفئة، ومعها بقية الفئات المشكلة لهذه الطبقة، تحت تأثير الإحباط الذي تعرضت له، فضلت التقوقع داخل ذواتها المهزومة، تعيش حالة من الاكتئاب والخيبة. وإذا كان "العروي" يرفض اعتبار أبطاله مأساويين بناء على "أن البطل الذي يساير التاريخ ويفهمه لا يمكن أن يكون بطلا مأساويا" (83)، فإننا نتساءل إلى أي مدى استطاع أبطاله أن يستجيبوا لحتمية التاريخ؟ وهل تحمل روايته الثانية "اليتيم" بوادر هذه الاستجابة؟ وهل يخرج "إدريس" من سلبيته ليحمل ملامح البطل الإيجابي؟ نرجو أن تتاح لنا، أو لغيرنا، إمكانية الإجابة عن ذلك كله في دراسة أخرى.

إحالات وهوامش:

ملحوظة: لم تأخذ هذه القراءة بعين الاعتبار الحوار المنشور في آخر الرواية بعنوان:"رجل الذكرى"، لأنه ليس سوى تحوير لها (كتابتها في شكل حوار)، وهو بذلك لا يضيف جديدا إلى هيكل الرواية. وما يؤكد ذلك هو استغناء المؤلف عنه في الطبعتين الأخريين للرواية.

* رواية"الغربة": عبد الله العروي – دار النشر المغربية – الدار البيضاء – 1971 –

(1)- "مقدمة في نظرية الأدب": عبد المنعم تليمة – دار العودة – بيروت – ص. 138 –
(2)- المرجع نفسه، والصفحة نفسها –
(3)- نفسه- ص127 -
(4)- "نظرية الأدب": أوستين وارين-رينيه ويليك –ترجمة: محي الدين صبحي –ص.310-
(5)- "علم الجمال": هيجل- القسم الثالث- الفصل الثالث -
(6)- "نظرية الأدب"- مرجع سابق - ص. 310-
(7)- "الرواية كملحمة برجوازية": ترجمة جزئية لنظرية الرواية: جورج طرابيشي-بيروت- 1979 -
(8)- "نظرية الأدب"- م.س. ص. 309 –
(9)- "الملحمة والرواية": باختين - ترجمة: جمال شحيد - معهد الإنماء العربي-بيروت-1982 - ص. 10 -
(10)- نفسه - ص. 11 -
(11)- نفسه - ص. 19 -
(12)- "الأدب والغرابة": عبد الفتاح كيليطو - دار الطليعة -بيروت- 1982 - ص.ص. 18 – 19-
(13)- "في الرواية العربية": فاروق خورشيد - دار الشروق – ط .2 – 1975 -
(14)- "رواية عربية جديدة": محمد برادة - مجلة الآداب – العددان 2 و3 – 1980 – ص. 4 –
(15)- عن محاضرة لأحمد اليابوري - كلية الآداب – فاس – يوم: 08/02/1968 -
(16)- الملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي – العدد57 – بتاريخ: 23/24 دجنبر 1984 -
(17)- دراسة بيبليوغرافية إحصائية: عبد السلام التازي – ص. 26 -
(18)- أحمد اليابوري - أنوال الثقافي – العدد: 2 - 07 يوليوز 1984 -
(19)- "الإيديولوجية العربية المعاصرة": عبد الله العروي – بالفرنسية – ماسبيرو – 1967 -
(20)- مجلة الكرمل - العدد: 11 - ص. 179 -
(21)- "دراسات في النقد والأدب": لويس عوض - مكتبة الأنجلو - مصرية – ص. 349 -
(22)- "تجارب في الأدب والنقد": شكري محمد عياد - دار الكتاب العربي للطباعة والنشر –القاهرة – 1967 - ص. 238 -
(23)- "كلمات في الأدب": أنور المعداوي- المكتبة العصرية- بيروت- 1966ص.115-
(24)- "أبراج المدينة": محمد عز الدين التازي - طبع: دار آفاق عربية - يبلغ عدد صفحاتها 104، بينما تشغل قصة "النار والاختيار" المنشورة ضمن مجموعة خناثة بنونة "النار والاختيار" 115 صفحة. وتطرح الإشكالية نفسها في روايات أخرى مثل "وردة للوقت المغربي" لأحمد المديني - دار الكلمة للنشر بيروت - ورواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، ورواية "البئر" لعبد الفتاح الفاكهاني.
(25)- "بحوث في الرواية": ميشيل بوتور - ترجمة: فريد أنطونيوس - منشورات عويدات - ص. 63 -
(26)- "الميثاق الأوتوبيوغرافي": فيليب لوجون - دار لوسوي – 1974 -
(27)- هو مصطلح سوسيولوجي ذو معان متداخلة وتقريبية. وبصفة عامة يطلق على دراسة التغير الثقافي الذي يكون بصدد الوقوع نتيجة لشكل من أشكال اتصال الثقافات (الاستعمار- المبادلات التجارية والثقافية – الأسفار...) وتؤدي المثاقفة إلى اكتساب عناصر جديدة بالنسبة لكلتا الثقافتين المتصلتين. عن: "في الكتابة والتجربة": عبد الكبير الخطيبي - ترجمة: محمد برادة - دار العودة – بيروت - ص. 67.
(28)- "جولة بين حانات البحر الأبيض المتوسط": علي الدوعاجي - الشركة القومية للنشر والتوزيع- تونس- 1962- (صدرت لأول مرة سنة 1935) -
(29)- "في الكتابة والتجربة": عبد الكبير الخطيبي- ترجمة: محمد برادة - دار العودة – بيروت -ص. 40 -
(30)- "عصفور من الشرق": توفيق الحكيم- سلسلة اقرأ: 389 - دار المعارف -
(31)- "الحي اللاتيني": سهيل إدريس - دار الآداب - الطبعة السابعة -بيروت- مايو 1977 -
(32)- "موسم الهجرة إلى الشمال": الطيب صالح - دار العودة – بيروت - الطبعة الثانية 1972.
(33)- "في الطفولة": عبد المجيد بنجلون - مطبعة الأندلس – 1957 -
(34)- "جيل الظمأ": محمد عزيز الحبابي - المكتبة العصرية – بيروت – 1967 -
(35)- "المرأة والوردة": محمد زفزاف - الدار المتحدة للنشر – بيروت – 1970 -
(36)- نفسه – ص. 84 -
(37)- "الغربة" - مرجع سابق - ص. 71 -
(38)- نفسه - ص. 7 -
(39)- نفسه - ص. 7 -
(40)- نفسه - ص. 72 -
(41)- نفسه - ص. 140 -
(42)- نفسه - ص. 9 -
(43)- نفسه - ص. 6 -
(44)- نفسه - ص. 107 -
(45)- نفسه - ص. 9 -
(46)- نفسه - ص. 114 -
(47)- نفسه - ص. 136 -
(48)- نفسه- ص.110-
(49)- نفسه - ص. 110 -
(50)- نفسه - ص. 110 -
(51)- نفسه - ص. 133 -
(52)- الكرمل: العدد: 11 - ص. 173 -
(53)- "الغربة" - م.س. ص. 25 -
(54)- نفسه - ص.31 -
(55)- نفسه - ص. 32 -
(56)- "شاعرية دوستويفسكي": ميخائيل باختين (بالفرنسية)- الفصلان الأول والثاني، وخاصة الصفحة: 86 -
(57)- "الغربة"- م.س. ص. 14 -
(58)- نفسه - ص. 18 -
(59)- نفسه - ص. 126 -
(60)- نفسه - ص. 44 -
(61)- نفسه - ص. 55 -
(62)- نفسه - ص. 56 -
(63)- نفسه - ص. 58 -
(64)- "أزمة المثقفين العرب": عبد الله العروي - ترجمة: ذوقان قرقوط - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - ص. 153 -
(65)- "الإله المستتر": لوسيان كولدمان - (بالفرنسية) - غاليمار – 1955 - ص. 26 -
(66)- "الغربة" - م.س. ص. 70 -
(67)- نفسه - ص. 113 -
(68)- نفسه - ص. 114 -
(69)- "العلوم الإنسانية والفلسفية": لوسيان كولدمان - (بالفرنسية) - ميدياسيون – 1966 - ص. 124 -
(70)- "الغربة" - م.س. ص. 129 -
(71)- نفسه - ص. 127 -
(72)- "الرواية المغربية المكتوبة بالعربية: الرغبة والتاريخ": إبراهيم الخطيب - مجلة أقلام.
(73)- "الرواية المغربية: مدخل إلى مشكلاتها الفكرية والفنية": إدريس الناقوري - سلسلة دراسات تحليلية1 - دار النشر المغربية 1983 - ص. 74 -
(74)- الكرمل- م.س. ص. 189- (راجع الأصل في "الرواية المغربية ورؤية الواقع: دراسة بنيوية تكوينية" - حميد لحمداني - بحث مرقون لنيل دبلوم الدراسات العليا - كلية الآداب – فاس – 1982 -
(75)- "الغربة" - م.س. ص. 201 -
(76)- "العرب والفكر التاريخي": عبد الله العروي - دار الحقيقة بيروت - 1973- ص. 7 -
(77)- "الإيديولوجية العربية المعاصرة" - م.س. ص. 275 -
(78)- "الفضاء الروائي في الغربة": منيب محمد البوريمي - سلسلة دراسات تحليلية 3 - ص. 37 -
(79)- "الغربة" - م.س. ص. 46 -
(80)- نفسه - ص. 62 -
(81)- نفسه - ص. 88 -
(82)- نفسه - ص. 132 -
(83)- "الكرمل" - م. س. ص. 191 -


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى