فلسطينيات

(1)

هزيم الرعد

يلقب بهزيم الرعد.. صوته حاد ونافذ يخترق الآذان من مسافات بعيدة.. يتقدم دائما صفوف المتظاهرين ويهتف بالنصر العربي وبنصرة الحق.. ويتسابق إلى الميكرفونات وإلى عدسات الكاميرا لإيصال كلمته إلى أقصى الحدود.. وحيث حل ضخه حماسا ونفخا في الهمم ولعنا وسبا للجبناء والعملاء.. وأحيانا يعري صدره للبرد والرياح ويلطمه بقبضاته القوية يزمجر بصوته الرعدي:
– هذا الصدر أولى أن يخترقه الرصاص أو أدكه بيدي إذا استساغ هواء الذل والمهانة ورضي بحياة الجبن ...

استيقظت اليوم أسرته ولا أثر له في البيت.. فصرخت زوجته وولولت على زوجها المختطف من فراشه.. بينما اجتمع الجيران والأقارب يبكونه مستنكرين ما حدث، كانت خادمه قد دلقت عليه سطل ماء ممزوج بمواد التنظيف وقد أمسكت المكنسة لتكنسه من تحت سريره الذي أوى إليه من شدة رعود الليلة...

(2)

فلسـ....ــطين

سأل طفل في الضفة الغربية أباه:
– بابا، لماذا اختارت إسرائيل غزة لتشن عليها غاراتها ؟؟
– لأن البيت الفلسطيني اليوم منقسم يا ولدي وحماس....
تجهم الطفل وقاطع أباه غاضبا:
– الآن إسرائيل بين (فلس) و (ـطين).. ستسيطر على (ـطين) ثم تمد يدها إلى (فلسـ) ـنا
ضمه أبوه إلى صدره يطمئنه قائلا:
– اهدأ يا بني، لن تفرح إسرائيل يوما بـ (طين) ـنا و(فلسـ ) ـنا في جيبها ما ظل فلسطيني على وجه الأرض..

(3)

تشنج

كلما داهمه أبوه في مكتبه إلا وكسر عليه تركيزه بقوله المنقول على مجموعة رفاقه:
– لن يرتدع العدو الإسرائيلي ومن وراءه إلا بالجهاد.
واليوم بعجلة مفرطة وإصرار أشد قال وعيناه على الشاشة:
– بدون الجهاد ودحض العدو في قعر داره سنظل نتوارث الذل والمهانة وستظل هذه المجازر الوحشية تتكرر..
فقال له ابنه الشاب:
– هذا الإرث الممقوت ورثناه عنكم والأحرى أن تخلصوننا منه أنتم..
وراح يضيف:
– ومع ذلك، متى تقدمتم الصفوف ستجدوننا وراءكم
لكن حالة أبيه المفاجئة والغامضة خنقت هذا الكلام في حلقه. فظل متسمرا أمامه جاحظا عينيه عليه محتارا من أمره. وأبوه ما يزداد غير تشنجا.. يعتصر على الكرسي ويحمر يخنق نفسه.. ثم قام مقوسا منكمشا على نفسه يجر خطوه خارجا كأن قذيفة في حجره لو استقام واعتدل في مشيته ستنفجر.. فتبعه ابنه حذرا هلعا مما يخفيه أبوه وانفجار القنابل على الشاشة الصغيرة تهول رعبه. ولما رأى أباه اندس في الحمام المجاور لغرفته، عاد إلى مكتبه يتنازعه الضحك والبكاء وأذناه تتناوب عليهما نوعان من المتفجرات..