الاثنين ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم سمية البوغافرية

ليلى

ما أغرب سر طلاقها!...
ما أن يذكر سبب إصرارها على الانفصال عن زوجها، حتى تجحظ العيون وتزم الشفاه مستغربة... وينصح البعض أبويها على عرضها على طبيب نفساني... كيف يعقل أن يكون البصل أو جدة انمحى أثرها منذ سنين سببا في التطليق بين زوجين ما يزال حبهما بدرا يسطع بريقه من عيونهما؟!..

اقتحمت عليها صديقتها غرفتها التي تعكف فيها ليلى طيلة النهار.. بعد عناق حار وتلطيف جمرة الشوق بادرتها زهرة قائلة:
ـ بصراحة، ليلى، لا أعرف أأهنئك أم أواسيك !؟.. لما شممت رائحتك في البيت شعرت بوردة الطفولة تتفتح في أعماقي... طيلة الإجازة وأنا أفكر في من يملأ علي فراغك ويشغل مقعدك بجانبي... كنت سأعرض عليك أن تقبليني ضرة لنعيش في كنف زوج واحد.. الأستاذ زهير فيلسوف، قلبه يتسع لكل الشقيات أمثالنا لكن...

ما أن جاء اسم زوجها على لسان صديقتها حتى تنهدت ليلى ولمع الدمع في مقلتيها وقاطعتها بزفرة حارقة ثم أردفت:
 اللعنة على البصل وعلى جدتي..
كستها زهرة بنظرة مريبة وهي تسألها:
 ما هذه الدعابة السخيفة التي تدارين وراءها حقيقة ما جرى؟؟
أغمضت ليلى عينيها تبتلع دموعها وردت عليها بنبرة جادة وعيناها سارحتان في البعيد:
 تلك هي الحقيقة وعليك أن تصدقيها..
زلزلتها زهرة من يديها وقالت لها وهي تحاصرها بعينيها:
 البصل أعرف درجة حساسيتك منه أما جدتك التـــــ...
 وما الفرق بين جدتي والبصلة؟؟..
 الآن، عجنتها عجنا.. خلطت الإسمنت بالدقيق بماء فلسفة الأستاذ زهير والرياضيات التي تجري في عروقك... يبدو لا غرابة من حال الجنين حينما تتزوج الفلسفة بالرياضيات..
ثم حضنتها إلى صدرها تضحك لها آملة أن تزيح عنها بعض كتل الغمام المكدسة في عينيها.. فشق صدرها صوت ثقيل حزين.. خيل لزهرة أن بحر كلام صديقتها سينضب قبل أن تنهي حديثها:
 أغلب حكايات جدتي كانت تحكيها لي عن جدي.. والحكاية دائما تبللها بدموع المرارة من أولها حتى آخرها... كلامها كان يسري في قلبي كالمنشار.. هي تبكي وتحكي وأنا أسمع وقلبي ينزف وأحيانا أذرف من الدموع أكثر منها حسرة على قدرها وقدري أن أكون امرأة مثلها... بعد زواجي، وجدتني بين مخالب عراك نفسي لا ينتهي... ما أن أشرع في تعرية أوراق البصلة حتى تنهمر عيني بدموع لا أستطيع حبسها... كأن البصلة، بين يدي ذاكرة جدتي الموشومة بسيوف جدي... ما أن يثيرها أحد حتى يفيض لسانها بآلامها مع أنهار دموعها وتسيل دموع غيرها.. وكل يوم وأنا على هذا الحال...لم أعد أرى غير صورة جدتي وجدي والبصل فقررت الانفصال...

استشعرت زهرة بذات خنجر صديقتها منغرس في صميم قلبها فواستها قائلة وهي تجفف عينيها:
 عليك أن تنفضي من عقلك حكاية جدتك وسيوف جدك وتقبلي على حياتك مرحة كما كنت... ثم أضافت ضاحكة:
 أما عن البصل فاطبخي بدونه أو دعي الفيلسوف يشوف لنا فيه حلا.. ما جدوى الفلسفة والبصل ما يزال يفسد رونق أيامنا؟... ملعون البصل، حتى دموعنا سودها وألبسها زي الحداد... مهما غيرت في "المسكرة" لأعيد لدموعي صفاءها لا جدوى... بدل أن تثير بعض الشفقة صارت تثير الاشمئزاز... كأنها بالفعل دموع تماسيح...
زلزلتها ثانية من يديها تقول لها:
 هيا أريني ابتسامتك وعودي كما كنت وإلا دموعي اليوم مع "المسكرة" الجديدة ستفسد مكياجي على الآخر...

ربتت ليلى على ظهر يد صديقتها تطمئنها وقالت وعيناها تجوبان الأفق من نافذة غرفتها.. "حتما سأفعل وأعود"

تفتحت زهرة قلبها وشعت البهجة من عينيها وودعت صديقتها وهي لا تدري أستعود إلى زوجها أم إلى مقعدها الدراسي الذي أصر قطار الزواج أن يدوس عليه...

ماي، 2008


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى