الأربعاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤
بقلم شادي شحود حلاق

مأدُبة البُكاء

شادي حلاق

الحبُّ عاصمتي، وأنتِ مدائني، وقراي وجهكِ ،
والقرى هِيَ نَشوةُ الأوطانِ وهْيَ مِن الحقيقةِ كالمنامْ
والوجه إنْ هُوَ نشوةُ الجسمِ الذي هوَ منهُ، والعينانِ صحوُ الانتشاء وسُكْرُهُ،
وأنا بلا وطنٍ أفتّش فيكِ عن وطنٍ
وفي وطنٍ أفتّش عنكِ؛ إنّي ضائعٌ
وأنا وهذا الموتُ في جوعٍ يجمّعنا
فيأكلنا الغرامْ
الحُبّ يكسو الأرضَ محمَرّ الحضورِ
وأنتِ يا نَفْسي ـ هنالكَ ـ تحت بردِ الفقدِ وحدكِ
مثل ظلٍّ، دون جسمٍ، حيكَ من جسد الظّلامْ
ودماؤك الحمراء تغلي شهوةً
فتفور منها ـ حسرةً ـ صورُ الملذّةِ؛ تنبتُ الشّهواتُ من نَفْسي
أياديَ جائعاتٍ: لا رغيف النّهدِ موجودٌ ولا ماء الشّفاهِ
ولا بيوت من كلامْ
فأعدّ مأدبَة الصّيامْ
أنا غربةٌ
وجهي بلا وجهٍ ولا جهةٍ ـ
بلا وجهٍ أوجّهني إليكِ، ولا قناعْ
أنتِ الجهاتُ و وجهتي
خيلي خيالي: أمتطي حلمًا،
أهاجر من بقائي في الفناءِ، إلى وجودي فيكِ؛
وجهكِ راحلٌ مثل الوداعْ
وأنا إليهِ راحلٌ ومهاجرٌ
من غير زادٍ أو سلاحٍ أو شراعْ
ورغيفُ وجهكِ ساخنٌ ـ
أطفالُ أحلامي، دروبي، عابراتُ الذّكرياتِ،
فقيرُ أحوالي
جياعْ
فأعدّ مأدبة الضّياعْ
في أضلعِ الوَطَنِ القريبِ
مشيتُ كالغرباء محترقَ الخيالْ
أصطادُ كسرةَ لذّةٍ
بين الأزقّةِ والزّوايا والتّلالْ
تتزاوجُ النّظراتُ في عينيّ
معْ صوَرِ الجمالْ
عيناي سافرتا بجسمِ الأرضِ ما بيني وبينَكِ في غياب الوقتِ
محراثَ اشتهاءٍ لانتماءٍ
ثمّ قسّمتا المسافة نظرتينْ
فتحولت ْ، هذي المسافة ُ، دمعتين ْ
إني المسافر من دمي حتى دمي
وكأنّ أرضيَ كربلاءُ كأنّني خَطْوُ (الحسينْ)
الذّكريات ـ الآن ـ تصحو في صباحِ دمي
فتشرق من دمي شمس الغيابْ
مرآةُ دمّي تعكس المعنى،
وإنّي لا أراكِ ولا أراني
لا أرى إلاّ الخَرابْ
فأعدّ مأدبة السّرابْ
قد سرتُ مغتربًا غريبًا في شوارعِ ذكرياتي، في شوارعِ حاضري
أصطادُ لو جسمًا لظلّي، لو مسافاتٍ لشكلي، لو (فَقَطْ) حتّى أرقّعَ مِنْهُ كلّي
لملمتُ أحلامي، وغلّفتُ المنامَ بواقعي
وعزفتُ في دربي دمي لحنًا بلونِ الحُبِّ
غَنّيتُ السّنينْ
فوجدتُ أغنيتي
سنابلَ خلّفتها الأرضُ، فارغة ً ـ هنالك ـ
في بيادر حزنها
من بعد أن تمَّ الحصادْ
فأعدُّ مأدبة الرّمادْ
في الصبح أخلع ثوب حلْمي
ثمَّ ألبسُ ثوب فقري ثمّ منكسرًا أفتّشُ في المدى
عن كبرياءْ
لكنّ أيّامي انحناءْ.
في الليل ألبس ثوب شوقي وهوَ مشتَعِلُ الحواسِ بنارِ حُبّي
وأراكِ في مرآة قلبي
تتسللين من الوجود إلى الفناءْ
فأعدُّ مأدبة َ البكاءْ
أُلقي بنفْسي في سريرٍ مِنْ قَلَقْ.
وأنامُ: أُبحِرُ فيكِ، ألثُمُ فيكِ، أُبحِرُ ضائِعًا
حتّى الغَرَقْ
وأراك تبتعدينَ .. تبتعدين .. حتّى تدخلي جرحي
كسيفٍ من فراقٍ بينَ أضلاعي نَطَقْ
فأنامُ مذبوح الزمانْ
وأُفيقُ مخلوعَ المكانْ
عيناكِ سِربا أدمع
وأنا على عينيكِ أبني الوهمَ
أنسجُ منهما خبزًا وملحًا طيّبًا
وأمامَ باب النّور في عينيكِ أطلبُ
لو رغيفًا من حنانْ.

شادي حلاق

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى