أتوكأ عليها

وقفت في ساحة المعركة أطالع الدمار والرماد الذي أخلفته نيران قلوب العدو بثوبي النازف، يا لا حقارته!! لقد حشد جل جيشه بالمال والأكاذيب، كيف لهؤلاء الحمقى المغتصبون أن يصدقوا أن هذه أرضهم!! إن جذور شجر الزيتون هنا أعمق وأصدق من أصولهم المجهولة وجذورهم المتعفنة، كل ورقة زيتون هنا تشهد أنها ملك أهلها، وكل زيتونة هنا ترفض أن تثمر إلا إذا زرعت بيد أبناء وطنها، كيف لهم أن يدّعوا أن هذا الوطن ملكهم وكل ذرة تراب به ترفضهم تلعنهم وتأبى أن تكون ملكهم، هؤلاء المتشرذمون التائهون يدّعون أن هذا لهم وطنًا وهو برئ منهم ومن دمائهم وأبنائهم، أووه يا له من ألم!!! إن الألم ينشر بأنيابه كل عضو في جسدي، وتلك عصاي التي أتكئ عليها والتي لطالما شاركتني الألم والسرور الآن تنزف معي في حبور، إنا سعداء بهذا الألم الذي يزف لنا مئات الحسنات ويبشرنا بنهاية السعداء وموت الشهداء، أي شيء سيكون أجمل من ألم الشهادة في سبيل الله!!، سعيد بأني لقيت ما تمنيت فوالله إن هذه أفضل ميتة ولم أحلم بأفضل من ذلك، الآن أعانق تراب هذا الوطن وأقبله قبلة الوداع، الآن أتحرر من سجن الحياة وأصافح حرية الموت، الآن سيزال العبء الآن سأترك هم الوطن لكم وسأكافؤ على رحلة كفاحي الطويلة، الآن سأتدثر بكفن الشهادة، الآن أغمض عيني وأرتاح إلى الأبد الآن تركض الأحلام في سلام، ولكن قبل هذا لي رجاء عندك يا وطن أعلم أنك تنزف منذ زمن بعيد، وأن كل محاولات الإنقاذ لم تسفر عن النتائج التي نريد ولكن وصيتي لك أن تصمد قليلًا فقد مضى كثير الكثير ولم يبقى إلا قليل القليل، فقد أوشك الحر على التحرير وأوشك الليل على الرحيل.

وأنتم شركاء الجهاد: اثبتوا فوالله إنكم على الحق المبين، لا يضركم خذلان من خذلكم ولا ظلم من ظلمكم ولو كان من بني جلدتكم ولو كان ابن أبيكم وأمكم ابتروا العضو الخائن في جسد الوطن وضمدوا الجرح وامضوا حيث تؤمرون، وأما العدو فهيهات هيهات لما يوعدون، أنتم أمل الوطن والمواطنين، أنتم آمان الضائعين والتائهين، أنتم سهام في عيون الخائنين، وأنا هناك سأنتظركم في جنان رب العالمين، وأخيراً وصيتي إلى أهلي لحمي ودمي وفلذات أكبادي هنيئًا لي ولكم الشهادة وتعلمون أن ليس عندي ما أورثه لكم سوى تلك العصا فها هي أرثي أكملوا عني بها هش الألم.