أَزِفَ الرَّحيل
للشاعر: محمد علي الصالح
قيلتْ في الحفل الكبير الذي أُقيمَ لوَداع الأستاذ سعيد بك بُشْناق(1) مدير مدرسة طولكرم (2) سابقاً، اليوم الأربعاء الموافق 9 أيلول عام 1925في قاعة المدرسة، أَلقَيْتُها بنفسي بين يَدَيْ الجمهور، فنالَتْ إعجابَ الجَميع ."
| أَزِفَ الرَّحيلُ ...ولا أُريدُ رَحيلا | ربّاهُ جِئْتُكَ راجياً ودَخيلا |
| لا كانَ يومُ الأربعاءِ إذا بــهِ | تَخِذَ القضاءُ إلى الفِراقِ سَبيلا |
| يا ناعِساتِ الطَّرْفِ أمثالَ الظُّبَى | خَفِّفْنَ مِنْ غَلْوائِكُنَّ قَليــلا |
| القاتِلاتِ إذا أرَدْنَ رمايةً | الشَّارِعاتِ بِلَحْظِهِنَّ نُصـولا |
| الطّائراتِ بِأَجْنُحٍ مِثلَ القَطا | المُحْيِياتِ إذا ابْتَغَيْنَ قَتيــلا |
| أشْفِقْنَ لا تَهْجُرْنَ صَبّاً طالَما | لا يَبْتَغي بِوِصالِكُنَّ بَديــلا |
| يا عينُ سِحّي الدَّمْعَ ...لكنْ كَفْكِفي | فالدَّمْعُ لا يُجْدي الفؤادَ فتيلا |
| مالي أَضَعـْتُ الصَّبْرَ لا ألْقى لهُ | بينَ الضُّلوعِ مكـانةً ومَقيلا |
| أَحْسَسْتُ نَبْضَ القَلْبِ بينَ جَوانِحي | فَوَثِقْتُ أَنَّ القلبَ باتَ عَليلا |
| وَشَعَرْتُ أنّي حامِلٌ في أَضْلُعــي | عِبْئاً تُكَرْدِسُهُ الهمومُ ثَقيـلا |
| أَمُهَذّبَ الأَرْواحِ في كَنَفِ الذي | فَطَرَ المُعَلّمَ كَيْ يكونَ دَليلا |
| جَدَّدْتَ في أحيائِنا مجداً ذَوى | وَغَرَسْتَ ما بينَ القُلوبِ جَميلا |
| عَلَّمْتَنا حُبَّ الفضيلةِ والعُلا | لنُعيدَ عِزّاً للبلادِ أَثيـــلا |
| فانْظُرْ لِغَرْسِ يَديْكَ قد أنْبَتَّهُ | زَهْراً سيصبح مُثْمِراً وَحمَـولا |
| عَلَّمْتَهُ حُبَّ البلادِ فَهاكَهُ | كَلِفٌ بِحُبِّ بلادِهِ مَشْغــولا |
| إنّا نُشَيِّعُ بالدُّمـوعِ مُهَذَّباً | عَلَماً هُماماً ناهِضاً بَهْلــولا |
| شَهْماً لَهُ بين الضُّلوعِ مَكانةٌ | علياءُ أَذْكَتْ في البلاد عُــقولا |
| هَذي جنانُ العِلْمِ قد أَحْيَيْتَها | فَزَهَتْ وَقَدْ كادَتْ تَصيرُ ذُبـولا |
| أَنْبَتَّ شُبّاناً كِراماً للعُــلا | فَغَدَوْا شَباباً ناضِراً مَأْمـــولا |
| وَهَدَيْتَهُمْ سُبُلَ الرَّشادِ فسارَعوا | نحوَ المعالي، يا سعيدُ ،فُحـــولا |
| قد كانَ في وُدِّ الجميع بَقاؤُكُمْ | كيْ تَرْعَوْا الغََرْسَ النَّضيرَ طويـلا |
| إنّا فَقَدْنا في فِراقِكَ باسِــلاً | أَسعيدُ.. كانَ مُهذّباً ونَبيـــلا |
| أَمُهَذِّبَ الأرْواحِ هاكَ جُموعُنا | جاءَتْ تُشَيِّعُ بالثناءِ جَلــيلا |
| جاءَتْ تُوَدِّعُ راحِلاً أَبْقَى لَها | بَيْتَ الفَضيلةِ عامِراً مَأْهـــولا |
| أَسعيدُ إنْ حَزِنَ الجميعُ فإنَّ لي | حُزْناً يُثير عَواطِفي.. وَعَويــلا |
| كَمْ مَرَّةٍ لَكَ قَدْ أنَرْتَ مَسالِكي | فَمَشَيْتُ فيها لا أُريدُ عُــدولا |
| وَغَدَوْتُ مُؤْتََمِراً بِأَمْرِكَ ناهِجاً | سُبُلَ الرَّشادِ مُيَمَّناً مَكْفـــولا |
| فإذا نَظَمْتُ الشِّعْرَ فيكَ مُشَيِّعاً | أَنـي أُوَدِّعُ مُرْشِداً وَخَليــلا |
| أَرُبوعَ غَزَّةَ هَلّلي واسْتَبْشِري | حيِّ السَّعيدَ.. وأَكْثِري التَّبْجيلا |
| سَيُضيءُ في عَلْيا سمائِكِ نَيّرٌ | جَلّى سَمانا في السّنينِ الأولـى |
| أَنْبِتْ بِغَزَّةَ ما أَرَدْتَ مِنَ العُلا | وابْعَثْ معالِمَها وَكُنْ مَسـْؤولا |
| وانشُرْ لواءَ العِلْمِ في أرجائِـها | حتّـى تَجُرَّ مِنَ الفَخار ذيولا |
| روِّ الغِراسِ بِماء فَضْلِكَ بُكْرَةً | لتَرى الثِّـمارَ جَنِيّةً، وأَصيـلا |
| حَسْناءُ يَعْرُبَ تَسْتَجيرُ فَلَبِّها | وانهَضْ وسارِعْ للفَتاةِ كَفيــلا |
| أَسَعيدُ شُكراً عَنْ بَني قَوْمي على | أفعالِكَ الغُرِّ الحِسانِ جَزيـلا |
| أَسَعيدُ لا نَنْسى وِدادَكَ طالمَـا | أَبقَيْتَ فينا للجَميلِ فُصـولا |
| أَطْلَعْتَ بَدْراً في سَمانا مُشْرِقـاً | فَسَرى، وَقَدْ كانَ الضِّياءُ ضَئيلا |
| فِـاذْهَبْ تُشَيِّعُكَ القلوبُ وأَنْفُسٌ | تَـهْوى الثُّرَيّا ..لا تريدُ أُفولا |
للشاعر: محمد علي الصالح
– طولكرم في 9/9/1925م
– (1)سعيد بك بشناق: هو مدير المدرسة في الفترة ما بين 1918م -1925م
– (2) مدرسة طولكرم : هي المدرسة الفاضلية الثانوية للبنين ، قديماً، (مدرسة خالد بن سعيد , حالياً) وهي من المدارس العريقة على مستوى فلسطين، والمعروفة بإداراتها المتميزة ، وطلابها النجباء ، وقد تخرج فيها عدد كبير من الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد ، وزراء وقادة وشعراء ومفكرين وشخصيات اجتماعية ووطنية على مستوى العالم العربي .
