الأحد ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم زهير كمال

التكنوقراط العرب والثورة السودان نموذجاً

ربي على قرارات حكومية جديدة برفع الدعم عن سلع أساسية أو على رفع أسعار المشتقات النفطية أو غير ذلك من قرارات تنغص عليه حياته وتضيق فسحة الأمل في أن يعيش بكرامة.

حجة الحكومة دائماً هي سداد ديونها التي تبتلع الجزء الأكبر من مداخيلها، هذه الديون التي لا يعرف كيف تراكمت على حكومته فلم يكن له فيها ناقة ولا جمل، ولكنه في نفس الوقت يسمع عن صفقات وسرقات تزكم أخبارها الأنوف.

حسناً، فمع هذا الارتفاع الجديد عليه التوقف عن شراء اللحوم يوماً آخر، فسيقتصر شراؤها على يومين بدلاً من ثلاثة، ربما عليه بيع سيارته فلم يعد باستطاعته شراء البنزين لها، رغم معرفته الأكيدة بسوء المواصلات العامة وازدحامها المريع، ربما يستطيع بعد ذلك شراء ملابس العيد لأطفاله، فلا ينبغي أن يعرض أطفاله لمشاكل الكبار.

بعد فترة وجيزة تقرر الحكومة رفعاً آخر للأسعار، لم يعد بوسعه الاحتمال أكثر، لم يعد هناك بارقة أمل في تحسن الأوضاع، فمنذ زمن بعيد لم يسمع خبراً سعيداً على كل المستويات وطنياً، اقتصادياً أو اجتماعياً، فعدد العاطلين عن العمل يزداد ويزداد معه عدد الشباب الواقفين على أبواب السفارات يطلبون تأشيرات هجرة الى بلاد بعيدة. هؤلاء المدركون أنهم لا يستطيعون الحصول على تأشيرة البلد غالباً ما يلجأون الى السفر بطرق غير شرعية، قد يركب البحر في قارب صغير غير مأمون مع عدد كبير من الشباب وربما يغرق قبل وصوله.

وكما يقال فإن شرارة تشعل السهل، وقد كانت هذه الشرارة هي محمد بوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر ومحسن فكري في المغرب.

هذه شعوب ذكية وربما هي من أذكى شعوب الأرض، تعرف تماماً أن المشكلة ليست في رأس النظام فحسب بل في النظام كله، عرفت الخلل فهتفت: الشعب يريد إسقاط النظام وقد عبر عن ذلك مؤخراً شعبنا في الجزائر عندما هتف ( يتنحوا قاع) أي جميعاً.

المرة الوحيدة التي كان هتاف الجماهير يتناول رأس النظام كانت في سوريا فقد سمعناهم يهتفون (ارحل يا بشار) وثبت فيما بعد أن هذا الهتاف كان مدفوع الأجر من قبل أنظمة الخليج الرجعية النظام السعودي والقطري.

كمنت المأساة بعد قيام الثورات الجامحة في عدم وجود أحزاب طليعية تتبنى الثورة، تطوّرها وتوصلها لتحقيق أهدافها وبدأنا نسمع بعض قصيري النظر يلومون ثورات الربيع العربي أو بالأحرى يلومون الجماهير على ثوراتها بدلاً من لوم أنفسهم على التقصير الفادح في أداء واجبهم نحو الثورة.

شعرت الدولة العميقة بالخطر على مصالحها، هذه الدولة التي تكونت حول رأس النظام خلال فترة وجوده الطويلة في الحكم فارتأت التضحية بهذا الرأس حتى تحافظ على هذه المصالح علها تمتص غضب الجماهير، ثم أحضرت من العدم تكنوقراطياً قامت بتلميعه ورسم صورة ثورية له حتى تقنع الجماهير بأن أهدافها على وشك التحقيق على يديه.

والتكنوقراطي رجل لا لون له ولا علاقة له بالسياسة، وهو ينفذ سياسة رؤسائه ويتعامل مع ما هو مكتوب في الورق الذي أمامه ويحاول علاج المشاكل الآنية التي أمامه وليس له علاقة بالنظرة الى المستقبل.

كان أول تكنوقراطي أطل علينا هو عصام شرف رئيس وزراء مصر بعد ثورة يناير، لم يكن لديه علاقة بهذه الثورة سوى مروره مر الكرام على ميدان التحرير. ولقد كان لمصر مستقبل آخر لو تولى مسؤوليتها سياسي طليعي.

والتكنوقراطي الثاني الذي مر على هذه الشعوب هو عمر الرزاز رئيس وزراء الأردن الحالي الذي جاء بعد الحراك الأردني المميز ضد سياسة الملقي في فرض ضرائب تعسفية تنفيذاً لأوامر البنك الدولي. ومن الجدير بالذكر أن الدستور الأردني قد تغير بسبب الملقي فقد أضيفت مادة جديدة تسمح لمزدوجي الجنسية بتولي المناصب العامة في الدولة، ووافق على التعديل المجلس التشريعي بشقيه الأعيان والنواب، دون أن يسأل أحدهم نفسه إن كان أسهل للدولة والنظام أن يتخلى الرجل عن جنسيته الثانية بدل تغيير أهم وثيقة في أي دولة.

لم تحترم الأنظمة العربية دساتير بلادها ويتم تغييرها لمصلحة الحاكم ورغباته كما حدث في مصر لمصلحة السيسي بينما نجد في الدول الأخرى التي تحترم نفسها أن الدساتير قد تتغير لمصلحة الأفكار والحقوق، ولم يكن أبداً لمصلحة أفراد كما في بلادنا.

وما يؤسف له أن نجد أن بعض الذين يتولون المناصب العليا في تونس بعد الثورة هم فرنسيون. أما في الأردن فقد قبلت الجماهير الأردنية بعمر الرزاز ربما بسبب تاريخ أبيه النضالي ولكن هذا التكنوقراطي قام بتنفيذ نفس سياسات الملقي بحذافيرها، وهو لا يستطيع سوى ذلك، فهذه هي قدراته.

التكنوقراطي الثالث هو عبدالله حمدوك رئيس وزراء السودان الحالي.

اهتم رئيس الوزراء السوداني عند تشكيل حكومته بتمثيل كل مناطق السودان وبتمثيل معقول للمرأة، والحقيقة أنه لا غبار على ذلك إطلاقاً، ولوهلة ظننت أن السودان قد أصبح دولة في أوروبا.

وحتى يكون السودان دولة في أوروبا كان أفضل لو كان وزيرا الدفاع والشرطة من المدنيين، ففي فرنسا مثلاً وزير القوات المسلحة هي فلورنس بارلي، أما وزير الدفاع الألماني فهي أنجريت كارينباور، وبالطبع ستكون مبالغة لو تم تعيين وزيرة الخارجية السودانية في منصب وزير الدفاع.

من المؤكد والخشية أن يقوم الوزيران العسكريان بإجراءات تعزز شرطة العسكر بدلاً من تقليصها.

من الصعب الحكم على التكنوقراطي عبدالله الحمدوك في هذه المرحلة المتقدمة ولكن هناك دلائل توضح ما إذا كانت الثورة السودانية تسير في الاتجاه الصحيح أم لا.

1. أن يقوم وزير العدل بناء على توجيه رئيس الوزراء بجمع كشوف ثروة كل من يتولى منصباً بعد الثورة حتى تشعر الجماهير الفقيرة بالفرق بين العهدين.

2. أن يقوم وزير العدل بناء على توجيه رئيس الوزراء بتشكيل لجان تحقيق في حوادث قتل المتظاهرين قبل تنحي البشير وبعده.

3. أن يقوم وزير الدفاع بناء على توجيه رئيس الوزراء بسحب الجيش السوداني من اليمن فالسودان الجديد لا يتدخل فيما لا يعنيه.

4. أن يقوم وزير الدفاع بناء على توجيه رئيس الوزراء بإحالة أعضاء المجلس السيادي من العسكريين على التقاعد إذ لا يجب الجمع بين منصبين.

5. أن يقوم وزير الدفاع بناء على توجيه رئيس الوزراء بإعادة تشكيل الجيش ودمج قوات الدعم السريع إذ لا يجوز وجود أكثر من رأس فيه.

فهل يدرك عبدالله الحمدوك المسؤوليات الجسام نحو شعبه أم سيكون تكنوقراطياً آخر على الطريق؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى