

بين ايران وإسرائيل
عند استعراض تاريخ الحروب بين الشعوب نجد أن الذي استعمل العجلة انتصر على من يجهلها، والذي اخترع البندقية والقنبلة انتصر على من استعمل القوس والرمح والسيف، ولهذا يحاول كل طرف أن لا يتفوق الطرف المعادي باستعمال سلاح كاسر للتوازن، وقد تغيرت المعادلات بعد أن وصلت الدول الى التوازن النووي الذي يعني نموت معاً أو جميعاً اذا تجرأت على استعمال هذا السلاح.
تشكل الحرب الحالية بين ايران واسرائيل نوعاً جديداً من الحروب فهي حرب عن بعد ، فلا مجال اطلاقاً لتدخل المشاة والدبابات والمدرعات واقتصرت حتى هذه اللحظة على الجو وربما ستتدحرج لاحقاً لاستعمال القوات البحرية للطرفين.
تستعمل اسرائيل سلاح الطيران في عملياتها العسكرية بينما تستعمل ايران سلاح الصواريخ، وكلتا الدولتين تحاول حماية أجوائها بالصواريخ المضادة للصواريخ. كما يستعمل الطرفان المسيرات على قدم المساواة.
السؤال المطروح هو من سينتصر في هذه المواجهة الطيران أم الصواريخ؟ رغم علمنا أن تفوق اسرائيل في مجال التكنولوجيا والمخابرات بصفتها دولة من العالم الأول أكبر بكثير من ايران بصفتها دولة من العالم الثالث.
تبلغ المسافة الجوية بين ايران واسرائيل 1740 كيلومتر وقد سمحت التغييرات الأخيرة في سوريا والاحتلال الامريكي للعراق باستعمال اسرائيل للمجالين السوري والعراقي ولم يكن لهذه الحرب أن تحدث لولا ذلك.
استعمال الطيران الإسرائيلي يتطلب جهداً جماعياً منظماً بدءاً من وجود مطار للهبوط والاقلاع، تذخير الطائرة بالقنابل والصواريخ، وجود طيار ماهر، تموين الطائرة بالوقود، منظومة اتصالات فعالة ثم هدف محدد سابقاً، بينما نجد ان استعمال الصواريخ الايرانية يتطلب اخراج المنصة من مخبأها، ووضع الصاروخ على المنصة ثم اطلاقه الى هدفه المحدد سابقاً، وقد لا يستغرق الأمر عدة ساعات.
بينما نجد عدداً كبيراً من نقاط الضعف في استعمال الطيران الإسرائيلي من بينها الدفاع الجوي الايراني، والسيطرة على منظومة الاتصالات، وتدمير طائرات التزود بالوقود الى تدمير المطار الذي انطلقت منه بحيث لا تجد مكانا لهبوط الطائرات بعد مدة طويلة من الإقلاع.
في نفس الوقت لا يوجد سوى منظومات الدفاع الصاروخي بدءاً من القبة الحديدية وحتى منظومات ثاد الامريكية لاسقاط الصواريخ المهاجمة، وقد ظهر عدم تمكن هذه المنظومات، والتي يكلف تشغيلها مبالغ طائلة، من اتمام مهمتها، وربما ستنهار كلية قريباً، إذا استمر زخم الاطلاقات الايرانية.
مما سبق نستنتج ان الاسلحة الأحدث وهي الصواريخ لها حصان السبق في هذه الحرب.
ولكن في هذه العجالة ينبغي الاشارة الى عدة نقاط حاسمة في هذا الصراع ويظهر فيها نقاط الضعف والقوة لكل طرف.
اولاً : التفوق المخابراتي الإسرائيلي المعتمد على التكنولوجيا:
لا أحد يعرف بمن فيهم الولايات المتحدة عدد الأقمار الصناعية التي تملكها إسرائيل، ومعظم هذه الأقمار مخصصة للتجسس، فاذا علمنا أن الكاميرات المجهزة في هذه الأقمار الصناعية تستطيع أن ترى بوضوح عقب سيجارة مشتعلاً في أحد الشوارع، يمكن تحليل أحداث كثيرة جرت مؤخراً، على سبيل المثال اغتيال اسماعيل هنية في طهران حيث مكن تتبع الرجل من القصر الجمهوري الى حيث سكن ونام، ثم أعطيت المعلومات الى صاحب القرار الذي أصدر أمره وهكذا تم تنفيذ الاغتيال. في حالة اغتيال قيادة حزب الله فان متابعة كل فرد على حدة ثم التقاءهم في نقطة واحدة سهل اغتيالهم دفعة واحدة، ونفس الأمر ينطبق على القيادات الايرانية والعلماء النوويين، ولا ينفي هذا وجود عملاء على الأرض ولكن مهمتهم كما يحدث الآن هي اثارة القلاقل ونشر الشائعات، ولكن الأهمية هي الاستفادة القصوى في استغلال التكنولوجيا الى أقصى حد.
ثانياً : المساحة والسكان
بينما تمتد ايران على مساحة 1.6 مليون كيلومتر مربع وعدد سكان يقارب 85 مليون نسمة نجد ان فلسطين المحتلة لا تتجاوز 20 ألف كيلومتر مربع ، مع عدد سكان يبلغ 7 ملايين من الذين يدينون باليهودية ومن الطريف أن عدد سكان محافظة طهران أكبر من عدد السكان اليهود في إسرائيل. ويظهر واضحاً التفوق الواضح للطرف الايراني.
ثالثاً الروح المعنوية للشعوب: بينما نجد أن المجتمع الإسرائيلي بمجمله يقضي معظم وقته في الملاجئ مما شلّ الحياة كلية في هذه الدولة نجد أن الشعب الايراني والشعوب العربية تمارس حياتها الطبيعية، بل انها تجد متعة في التفرج على مجريات الحرب والصواريخ المنهمرة من كل جانب. وهنا يكمن السؤال: الى متى يستطيع المجتمع الاسرائيلي تحمل البقاء والعيش في الملاجيء؟
رابعاً : الموقف الدولي، في العادة تميل الشعوب الى تأييد المعتدى عليه وفي هذه الحالة الطرف الايراني وهذه اضافة هامة للسجل الإجرامي للدولة المعتدية، بعد 7 أكتوبر ووصم قادة اسرائيل بمجرمي الحرب لما اقترفوه وما زالوا من أعمال الأبادة، لكن موقف الحكومات الغربية الذين يرددون بأن من حق اسرائيل الدفاع عن النفس أجده مضحكاً لأن هناك تفوقاً واضحاً في النفاق بلغ حد اللامعقولية.
خامساً: التدخل الأمريكي المباشر في الحرب: رغم أن الولايات المتحدة تدعم بشكل مطلق إسرائيل في هذه الحرب، الا أن تدخلها المباشر مشكوك فيه، وهناك احتمال كبير أن بوتين قد همس في اذن صديقه ترامب بالمخاطر المترتبة على هذا التدخل. وربما كانت تجربة ترامب مع انصار الله في اليمن علمته درساً قاسياً.
سادساً: العامل الشخصي على مدى عدة عقود ونتنياهو ينادي بضرب ايران وتدمير برنامجها النووي ويمكن القول أن الرجل مصاب بعقدة اسمها ايران، وقد زاد من صلفه وغروره وعقدة العظمة لديه الانتصارات الأخيرة التي حققها في التخلص من خطر حزب الله وتغيير الوضع السوري لمصلحته واحتلال أجزاء من سوريا ولبنان ووجود جيشه في غزة، هذه الانتصارات جعلته يتخلى عن حذره المعهود، أن مهاجمة ايران ينبغي أن تكون جهداً مشتركاً مع الولايات المتحدة، فهاجم منفرداً، ظاناً ان ترامب سيلحق به، الأمر الذي لم يحدث وفي اعتقادي أنه لن يحدث.
يعلمنا التاريخ ان من يصاب بعقدة العظمة والغرور يسقط دائماً مهما علا، وخطأ الشاطر كما يقال بالف خطأ.
الفجر دائماً قادم والنصر للشعوب.