الأربعاء ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم نوميديا جروفي

التّاريخ يُعيد نفسهُ

قيل أنّ التاريخ لا يُعيد نفسه و وحده الإنسان من يُكرّر غباءه.

لكن اليوم و وسط مظاهرات العراق من طرف أبنائه الغيارى على الوطن.

من خلال إنتفاضة ثُوار و أبطال يُنادون بالإصلاح و يُطالبون بحقوقهم من حكومة نهبت خيرات الوطن و لم تُحقّق لهم أبسط الأمور من كهرباء و ماء.

العراق الغنيّ بالنفط و المواد الأولية، شعبه لا يملك كهرباء!! و نحن في عصر التكنولوجيا الحديثة، الشعب العراقي محروم من هذا الحقّ الأبسط من بسيط بالنسبة لنا.

أكبر مشكلة لا يتصوّرها العقل البشري، أنّ الشعب العراقي محروم من توفّر المياه و قلّتها.. كيف لبلد ما بين النهرين أن يُعاني من قلّة المياه؟!

هل يتصوّر العقل البشري أنّ نهر الفرات جفّ بسبب الحكومة الفاسدة؟ تلك التي نهبت الوطن طيلة ١٥ عاما و ازداد البلد خرابا من سيء لأسوأ.

اليوم وسط هذه الانتفاضة التي عمّت كل العراق للأسبوع الثاني دون كلل أو ملل أو خوف أو ترهيب رغم رصاص الميليشيات و المندسين و الفاسدين الذين حاولوا و يُحاولون تخريب مظاهرات ثوار شباب انتفضوا غاضبين مندّدين بالفساد و الظلم و الاستبداد و كذا الوعود الكاذبة من الحكومة و الأحزاب السياسية الفاسدة.

شعب يريد إبعاد الأحزاب السياسية الإسلامية عن البرلمان،لأنها السبب في دمار العراق.
التاريخ يُعيد نفسه حقيقة اليوم، فشباب الانتفاضة اليوم هم امتداد للشباب الشيوعيين في السبعينيات، كلاهم يُطالبون بالمساواة بين الأفراد و العدل.

ثمّ ما معنى المطالبة برمي الأحزاب السياسية الإسلامية خارج الحكم؟! إنّ هؤلاء الشباب و الثّوار يُنادون بالعلمانية و فصل الدين عن السياسة.

الشعب العراقي تشتّت بسبب الطائفية و السنة و الشيعة.

كفانا إراقة الدماء الطاهرة البريئة، فنحن لا نريد مجزرة سبايكر جديدة.

قالوا عن الانتفاضة إنّها ثورة الجياع.. لا إنّها ثورة الأبطال الثوار، فالجياع هم السياسيين الذين سرقوا خيرات الوطن و ما شبعوا رغم التّخمة التي وصلوا إليها بينما الملايين من الشعب يعيشون حالة فقر مدقع و لا يجدون قوت يومهم.

التاريخ يُعيد نفسه بنفس بشاعة تعذيب البعث الفاشي أيام المقبور، هذا ما شاهدناه و نُشاهده من صور تعذيب المتظاهرين الذين اعتُقِلوا،و هناك من مات تحت وطأة التعذيب بدون جرم ارتكبه سوى أنّه رفع صوته عاليا مطالبا بعيش كريم و وطن اسمه العراق.

هل تُعتبر ْالمطالبة بالحقوق الوطنية المسلوبة و المنهوبة جريمة يُعاقبُ عليها؟!

أوليس التّاريخ بُعيد نفسه و السّجون امتلأت بخيرة شباب العراق بعمر الزّهور كما حدث مع المنتمين للحزب الشيوعي زمن البعث في الستينات و السبعينات؟

التاريخ يُعيد نفسه و شباب في عمر الورد غدرت بهم رصاصات مندسّين و فاسدين فانتهتْ حياتهم وهم يلفظون أنفاسهم بين أيدي أصدقاءهم.

ها هو التاريخ يُعيد نفسه بمثل هذه البشاعة في القتل كما زمن المقبور. أو ليست أغلب أراضي العراق مقابر جماعية في ذلك الزمن الكابوسي اللامنسي؟

ها هو ذا الأمر يتكرّر بطريقة جديدة فوسط المظاهرات السلمية سيارة هامر تجري بأقصى سرعة لتدهس الجموع كما حدث في السماوة و رشّ المتظاهرين بخراطيش المياه الحارة وسط جوّ حارّ لاهب إضافة للقنابل المسيلة للدموع بالبصرة و النجف و كربلاء و غيرها من محافظات العراق خلال الأسبوعين. و كلّ هذا لم يُردع شبابنا عن التوقّف.

لا ننسى الشيخ الحامل للوحة ابنه الشهيد و هو يقف في وجه تلك السيارة، فكانت نهايته رشه بالمياه حتى أصبح لا يظهر، و كادت تدهسه مع الأسف الشديد، و لم يحترموا لا سنّه و لا شيخوخته و لا صورة ابنه الشهيد الذي قدّم روحه للوطن.. إلى أين هم سائرون؟

15 سنة و الحكومة من فشل إلى فشل.

15 سنة وما عرفت تحلّ مشكلة الكهرباء.

15 سنة وما بنيت الحكومة سد واحد يحمي العراق من العطش حتى قطعت تركيا على العراق كلّه السدّ.

15 سنة والعراق دون الصفر بكل شيء على مستوى العالم لماذا؟

15 سنة و الحكومة تمصّ و تمتصّ دم العراق لآخر شريان متبقّى بها.

15 سنة وكلّ إنجازها أنّها بفضل الأحزاب السياسية الإسلامية قسّمت العراقيين إلى سنّي وشيعي وعربي وكردي والسّنة صاروا سنن والشيعة صاروا شيع.

15 سنة وما عرفت أنّه أكبر محطة كهرباء ممكن تغطّي ضعف حاجة العراق ما تكلّف ربع اللي سُرق و نُهب من الوطن.

15 سنة وما جرّبت الحكومة أن تجد محطة تحلية واحدة على مياه الخليج و بيدها المليارات.
15 سنة مُزّق المجتمع سنة وشيعة و قُضي على الثّقة بين الناس.

15 سنة نشرت الكراهية والحقد والثارات بدل المحبة والتعاون.

15 سنة لا أمان ولا عمل ولا عدل و لا مساواة.

15 سنة لا تعليم ولا صحة ولا طرق ولا مواصلات ولا سدود ولا ماء صالح للشرب.

15 سنة مليشيات وخطف وقتل ونزاعات وفصول عشائرية.

15 سنة ضُيّعت هوية العراق.

و بعد الخمسة عشرة سنة ثار الشعب يُطالب بحقوقه فغضبت الحكومة أو ليست هناك ديمقراطية و حريّة التعبير أو إنها حبر على ورق؟ هل هي انتهاج خطّة: إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب؟

هو ذا الشعب العراقي.

هو ذا الشباب العراقي.

هي ذي إنتفاضة العشرين من تموز 2018.

هو ذا تموز المجيد الذي ستُحفر أحداثه في أوراق التأريخ العراقي للأجيال القادمة ليعرفوا أنّ هناك من ثار لأجل عيشهم الرغيد.

أنّ هناك من رفع صوته عاليا لأجل أن يحيا شعب في كرامة.

ليعرفوا أنّ هناك من ذاق أشدّ أنواع العذاب لأجلهم.

أنّ هناك من دفع روحه فداءا لهم.

أنّ هناك من ثكلت أمّه لأجلهم.

أنّ هناك من تيتّم أبناءه لأجلهم.

أنّ هناك من ترمّلت لأجلهم.

كلّ هذا لأجل وطن اسمه العراق..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى