السبت ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣
بقلم عصام بغدادي

الحب في شعر الراحل رسول حمزاتوف

رسول حمزاتوف يتقلد جائزة من الرئيس بوتين

ولد رسول حمزاتوف في الثامن من سبتمبر – ايلول عام 1923 ، ورجل في هذا العام عن ثمانين عاما ، عمل رسول معلما في شبابه. عام 1950 تخرج في معهد غوركي للآداب، المعهد الذي تخرج فيه حسب الشيخ جعفر وعراقيون وعرب آخرون. صدر له اول ديوان عام حيث كانت بلاده تخوض حرب تحرير عالمية لتطهير الارض من الفاشية عام1943. نعم كانت الحرب مشتعلة الأوار ضد المانيا الهتلرية كما هي الآن مشتعلة مع الحلفاء ضد عراق البعثفاشية. كما نشر ملحمتين: (حوار مع ابي 1953) و(بنت الجبال 1958) وله دواوين وكتب اخرى ناهزت الاربعين كتابا وديوانا اهمها عدا ما ذكرته آنفا: ديوان: (عام ولادتي 1950) و(النجوم العالية 1962) و (كتابات 1963) و(نجم يهمس لنجم 1964) و(السمراء 1966) وكذلك (قلادة السنين 1973 ) غير ان قصته الشعرية المنضومة بعنوان (داغستان وطني) كانت الاكثر شهرة في بلاده والخارج حيث حول الشاعر الموهوب عواطفه الوجدانية الى كلمات تصدح كالموسيقى وترى كالالوان وتذوب عشقا لوطنه داغستان وتثير ذات العشق لدى أي قارئ لوطنه الخاص. كما لا ننسى ديوانه الطافح بحب الارض الداغستانية (قلبي في الجبال) و(أنا والجبال) وغيرهما. وصدرت مؤلفات الشاعر حمزاتوف كاملة ب 18 مجلدا ضمت اربعين مؤلفا هي نصف عدد سنوات عمره باللغة الام الآفارية و8 مجلدات باللغة الروسية هذا الشاعر المبدع والانسان الثري بالروح الفذة. يعرف الشاعر القصيدة بأنها صنعة شعرية حيث لاوجود لهذه الحرفة كما جاء فى قصيدته " طالما الارض تدور" معتبرا الشاعر الحقيقى هو من يرى كل الاحاسيس في العالم وليس من الضرورة الانطلاق في ايما اتجاه لكى يكتب القصيدة فهو قادر على رؤوية كل الاعاجيب قريبة منه ولا يحتاج الا لبذل الجهد.

" القصيدة ..صنعة شعرية

لاوجود في العالم لمثل هذه الحرفة

يوجد السكون وتوجد الحركة

توجد النهاية والبداية

توجد الحياة لبرهة واحدة

والاثر المتخلف لفترة طويلة

والشاعر الحقيقى

هو من يرى الشعر في العالم كله

في الاحاسيس كلها لكن كيف تكتب القصيدة ؟

مازلت باحثاً عن جواب لهذا السؤال

منذ زمن وانا اتلهف لشىء ما

شىء أخر ..غير هذا او ذاك

شىء خفى، غريب

لم يقدر لأحد سواى ان يجده لكنى ادركت

من اجل ان تجد هذا

ليس ضروريا ان تنطلق في ايما اتجاه

الاعاجيب كلها في الجوار يكيفيك لهذا الا تدخر جهداً "

ومن الموروث الانساني يربط الشاعر رسول حمزاتوف بين فن الشعر والموسيقى حينما كانا يستخدمها كعلاج للمرض، كوسيلة هادئة للخروج من ألم المعاناة البيولوجية لكنه يقدم علاجه الامثل " عقار الحب " فهو العقار الوحيد القادر على أخراج الانسان من محنه.

" سمعت ان أبن سينا

كان يكتب للمرضى وصفاته شعراً

وسمعت ان اورفيوس

كان يشفى المرضى بموسيقاه في برهة واحدة

وانا لست بطبيب او مبرىْ اسطوري

مع هذا استطيع ان اقدم نصيحة الى الناس :

أحبوا بعضكم بعضاً بقدر ما تقدرون

الحب هو عقارنا الشافي من المحن "

ويؤكد هذا المفهوم لديه ابياته التالية حيث يكون خُرجه الاول مليئاً بالحب المتفانى على خلاف خُرجه الثاني –النقيض – الملىء بالحقد واللامسالمة لكنه يعطى ويهب من خُرجه الاول دونما أسف او بخل ولكنه يدفع ثمنا غاليا لافراغ الخُرج الثاني .

" ان خُرجى الاول الكبير

لممتلىء بالحب الحق المتفاني

واننى لأنثر دونما أسف على قدميكِ

هذه الخزينة التى لاتحصى

لكن خُرجى الثاني ممتلىء هو الاخر

ممتلىء بالحقد واللامسالمة

واننى أفرغه أحياناً

وبناره اقتص بنفسى من نفسى

في ساعات غير نادرة "

" اننى لأحس بالرثاء لكل بخيل

ان هذا المسكين أكثر تعاسة من أى تعيس

فهو لايبصر بالسفط المكنون

او لايعرف مزاياه الرائعة

وأنا كالحكيم الاسطوري

أمنحك كل شىء ويظل سفطى ممتلئاً "

ماهي نظرة الشاعر للحب؟ انها نظرة فلسفية بسيطة بقدر ماتحتوى من الشمولية الرائعة بمحتواها الايجابى والسلبي المتناقضين معا: والحب لديه معهداً حيث لايدرس فيه كل من يشاء ..لان دروس هذ المعهد تتضمن المتناقضيين الحادين الفرح والحزن معا وهذه هي قوة الحب حيث يمكن التآرجح بين هذين المتناقضيين في اي لحظة ما ورغم ان الشاعر طالباً ابديأ في هذا المعهد لكنه لم ينجح دائماً.

" الحب يزهر مستخفاً بكل شىء في العالم

وهو أيضاً ضعيف كجذع الشجرة امام الفاس "

"أبي كان على حق ، ربما كان الحب معهداً

حيث لايدرس فيه كل من يشاء

حيث الفرح والحزن وحدهما طوال الايام والليالي

هما اللذان يعلمان الطلبة ..

أما أنا تعلمت من المعارف المختلفة

لكنى كنت أزل وأقوم بحماقات

وأرتكب أخطاء موجعة

لم أراجع دروسي ولم اسلك كما ينبغى

قليلا مانجحت مع انى في حقيقة أمري

طالب أبدي في هذا المعهد "

ثم يعيد الشاعر الكشف عما يراه البعض في ان الحب ليس الا لعبة لا نهاية لها الا بالوصول الى حبيبة لكنه يراه الطريق الاكثر وعورة من كل الدروب في العالم فهى طريقا وعرة ومرعبة لكن لا مناص لنا من السير فيها لاننا لا نستطيع البقاء خارج هذه الطريق الابدية مهما كان التعثر والوقوع .

" يرى البعض منا ان الحب لعبة لن تنتهى الا الى حبيبة

وبرعد الكلمة وحده يمكنك ان تحاصر قلعة القلب لتخضعها "

" كثيرة هى الدروب في العالم

ولاعد للطرق الخطرة الوعرة

لكننى ادركت منذ سنين :ان طريق الحب

أكثر الطرق وعورة وأمتداداً

ومع أنها أكثر امتداداً من غيرها

غير أننا لن تستطيع بعيداً عنها

ومع أنها أكثر رعباً من غيرها

فما من طرق تغري أكثر منها

يخيل لى اننى فتى

مادمت أسير في هذه الطريق الابدية

لقد وقعت وأقع ولسوف أقع

غير اننى انهض واجري أو أجر قدمى

انا لا اخشى ان أضل الطريق "

ويعيد الشاعر المبدع حمزاتوف صياغة ايقاعية اخرى لتعريف الحب تحتوى على قوة المتناقض التى يحتويها الحب في جوهره :

" غالباً ما يشبه الحب

معركة قضى علينا القدر

ان نخسرها تماماً

وفجأة ياللمعجزة ها نحن نربح القتال

غالبا ما يشبه الحب معركة يخيل لنا أننا رابحوها تماماً

وفجأة تصلنا الاخبار

أننا قد خسرناها تماماً "

ومن وحي هذه المعركة الغامضة المجهولة يكتب الشاعر نصاً شعريا متدفقا ينفى فيه حاجة الحب الى مكافأت الوفاء أو أوسمة النصر فالحب هو المكافأة بعينها :

" أنا أحب ولهذا فأنا أسير في اللهب

واعرف مضض الهزائم

أنا في حرب حيث لا أجازة ولا تسريح

أنا جندي مكافأتى أقل من حصة الجريح

غير انك لن تجد وأأسفاه أوسمة في الحب

وعلماء القوانين مقتنعون بهذا

ربما كنت سأمنح نوط الوفاء ولكنت ستكللين بوسام النصر

لكن ماحاجة الحب الى المكافأت ؟

الحب :هو المكافأة عينها

المحبون أشبه بالمرضى المقيمين تحت وصاية للاطباء

يسقون ادوية ناجحة

ومع هذا يضعفون من يوم الى أخر

وعليهم ان يعتنوا بانفسهم دائما مهما كلف الامر

كيف يمكننا تجنب الهموم والالم والمعاناة

والزمن المتعجل في سيره حاسباً علينا أيامنا واعمالنا؟

انا غير محترس بطبعي

لكن لا تكونى مثل ساعة الحائط التى تحصي على ذنوبي ..

أقترب من بابك لكنه مقفل والنوافذ مغلقة

وأقفل راجعاً الى بيتى أجر خطاي ثانية في ذهول غريب

اتطلع الى الدمعة السائلة على خدك

لو استطاعت كلاماً ولو لبرهة لعنفتني دونما شفقة

وقد ارغمتها على الجريان

فمنذ الازل كانت النميمة والحقد كل ماتملكه المرأة البائرة

وها نحن نجلس معا الاثنين صامتيين

والعالم كله يكمن في صمتنا

وفي قلبينا ما لانستطيع تعبيرا عنه "

رباعيات منتخبة من شعر الشاعر الراحل

(1) لمن تغدو الحياة مريرة بيننا نحن البشر؟

فادحة هى الحياة لمن لايؤمنون

ولمن تصبح كثر فداحة؟

لمن لا يثق بايما انسان

(2) من هو الاكثر سعادة من رجل

لم يعرف الداء منذ ولادته؟

من لم يعرف الحسد طوال عمره

لا لعدو ولا لصديق

(3) من هو أكثر الناس مشقة في حياته؟

من لا يسمع نصيحة من أيما انسان

من هو أكثر مشقة من هذا؟

من لايعطى نصيحة لأحد

(4) كيف نشأت القوة والتسلط؟

ولدهما الضعف البشري

من اين جاء هذا الضعف البشري؟

ولدته القوة والتسلط

(5) ثلاث طرق لن نحيد عنها جميعاً

الطريق الاولى : هي الحياة

الطريق الثانية: هى الموت

والثالثة هي الطريق الخاص بكل منا

(6) ما الاقل فائدة من ثمرة

غير ناضجة تقطف قبل الاوان؟

الثمرة الساقطة لتتعفن على الارض

ولم تقطف في حينها

(7) اعرف انك لا تشتمني أنا

انت ترى فيّ شخصاً أخر تشتمه

أعرف أنك لا تمدحني أنا

أنت ترى فيّ نفسك فتمدحها

(8) من أكثر لغطاً ؟

فتاة ناضجة لم يجلب جمالها أهتمام أحد ما

من أكثر الناس –لغطاً ؟

شاعراً كتب سنين طويلة ولم يعترف به أحد


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى