الاثنين ١٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم منى نوال حلمي

كرامة الانسان المصرى و«توت عنخ آمون»

لست بالطبع أدعو الى اهمال السياحة، فى بلد مثل مصر، التى تمتلك نسبة كبيرة من آثار العالم، ولها من الشواطئ الفيروزية الساحرة المتفردة عالميا، وحيث الطقس المعتدل طوال السنة.

هذا البناء الداخلى يصنعه البناء الخارجى، وأقصد به جودة التعليم وارتقاء الثقافة والفنون والآداب، والعلاج الصحى الكريم، والسكن الملائم، وفرص العمل المتوافقة مع التعليم والكفاءات الشخصية.

حتى الدول التى تهتم لزيادة عائداتها من السياحة، تفعل ذلك حتى تنفق المزيد على بناء المواطنة والمواطن، وتوفر البناء الداخلى الصلب. بدون لن نستفيد من السياحة أو أى شئ آخر.

وبناء الانسان، يعنى أن يدخل شريكا أساسيا فى مقومات النهضة الحقيقية الدائمة الراسخة لأى دولة. وأقصد الانتاج فى كافة المجالات، الزراعة والصناعة وتشجيع كافة الحرف اليدوية النافعة، والتعمير والتكنولوجيا.

الانتاج السياحى شئ جامد ساكن موروث من الأقدمين المبدعين. لكن، ماذا عن انتاجنا الحى المتحرك من صنعنا نحن فى الحاضر؟؟.

نتكلم دائما عن بناء الانسان المصرى، باعتباره ضرورة لاحداث نقلة نوعية، فى العقل، والمفاهيم، والسلوك، وتغييرا حقيقيا يأخذنا الى دولة مدنية حديثة
ناهضة

ان حا.ل الانسان المصرى، والانسانة المصرية، رغم قيام ثورتين أوضحت المعدن الحر الثمين للشعب المصرى، لا يسر أحدا، ولا يعكس طموحاتنا، ولا ريدل على أن مؤسسات الدولة، تأخذ قضية"بناء الانسان"، كقضية محورية، وأساسية. بل انها أكثر من ذلك. قضية"بناء الانسان المصرى والانسانة المصرية"، قضية حياة، أو موت. قضية وجود، أو لا وجود. قضية بقاء
مشرف، أصيل، على الخريطة الانسانية. بقاء يُلهم الآخرين، ويعطيهم نموذجا واقعيا غير مستحيل، أن القيامة ممكنة بعد الوقوع.. وأن النهضة ممكنة بعدالركود... وأن الورود، والسنابل، والأزهار، تطلع أحيانا من أرض وعرة.

من هنا أناقش قضية فى صلب بناء الانسان المصرى. وهى أننا نهتم بالآثار التى صنعها الانسان المصرى القديم، أكثر من اهتمامنا بالانسان المصرى فى الحاضر.

طوال الوقت تصدمنى المقالات التى ترسخ أن مستقبل مصر فى السياحة، وأن السياحة هى طوق النجاة. كلام غير واقعى ولا أوافق عليه. أصحاب هذه الفكرة لابد أن يقولوا لنا، اذا كانت السياحة هى المستقبل، فماذا سنفعل فى عدد السكان الرهيب، هل يخدمون السياح الأجانب، وينسوا التعليم بمجالاته المختلفة؟؟.

ان اهتمامنا بالآثار كثمرة من ثمار حضارتنا المصرية القديمة، يفوق اهتمامنا بالانسان صانع الحضارة فى الأساس.

غالبية الناس، لا يرون الحضارة، الا تلك الآثار العابرة حدود الزمان.

هم بذلك"يسجنون"الحضارة، فى قالب من"الحجر"، أحادى الرؤية، جامد.

أنا أعتقد، أن الآثار، بكل تفردها، وعظمتها، هى صدى الصوت، وليس الصوت نفسه.

أو هى مجرد الاصبع، الذى يشير الى القمر. لكنها ليست القمر.

أو بمعنى آخر، الآثار، هى الجانب"الساكن"، من الحضارة.

أما الجانب"المتحرك"، فهو عقل، وقلب، الانسان الحى،"هنا والآن"، القادر على احداث التغيير، والابداع. ان حضارتنا، ليست"تركة"، جامدة، من المنحوتات، والتماثيل، والمومياوات، والتوابيت، والمعابد، والأهرامات.

لماذا ننحاز الى حضارة"الحجر"، لا حضارة"البشر"؟. أو لنقل أن هناك اتجاها"سلفيا"، فى الفكر الدينى، كما هو موجود فى الفكر الدينى.

ننشغل، بحماية، أنف أبو الهول، أكثر من حماية الانسان الحى الآن من الفقر والمرض، والجهل. هل من العدل، انفاق مبالغ طائلة على البحث عن قطعة أثرية مغمورة؟ ولا ننفق شيئا يُذكر عن البحث عن المواهب المغمورة؟.

ننفق على"ترميم"، الآثار. ولا ننفق على"ترميم"البيوت، التى تتصدع وتقع على سكانها الآمنين. نهب سريعا لو سُرقت عين"توت عنخ أمون".

بينما لا نفعل شيئا، حين تُسرق، كرامة الانسان.

يقف الناس، يتأملون فى انبهار أحد التماثيل، الموجودة منذ خمسة آلاف سنة، ولا ينبهرون بكفاح انسان مصرى، يناطح الأقدار، ويتحدى أصعب المعوقات لمجرد أن يحافظ على بقائه، لا ييأس من الأزمات، لا تهزمه التحديات.

أنا أعترض على مقولة"السياحة هى مستقبل مصر"، يرددها كثيرون، باعتبار أن مصر تمتلك وحدها ثلث آثار العالم.

عفوا أيتها التماثيل والمومياوات، والتوابيت، والمحنطات، أنتِ لست مستقبل الوطن. يا كل آثارنا الجميلة، والعظيمة. ان مستقبل مصر، فى تنمية حقيقية، وثورة ثقافية، فى"الانتاج".. فى الزراعة وفى الصناعة، وفى تخضير الصحراء وفى الطاقة المتجددة، وفى الفن الراقى، وفى تثوير الفكر الدينى، وفى تحرير النساء من المعتقلات الذكورية.

اذا كان بناء الأهرامات، عجيبة من عجائب الدنيا، ولغزا لم يُفسر حتى الآن، فان"بناء الانسان المصرى"، هو العجيبة الجديدة، التى يمكن أن يفعلها الشعب المصرى، بينما تحاصره عوامل التعرية القاسية، وظروف مناخية غير قابلة للتنبؤ.

العقل المصرى.... الوجدان المصرى... الارادة المصرية.. الابداع المصرى..

هذا هو طريق مصر، الذى ينتظر مرور أول قطار كهربائى جديد الصنع، للقفز اليه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى