الاثنين ٣ آذار (مارس) ٢٠٢٥
بقلم صبحي فحماوي

الحرية، بين الفريدة يلينيك، ومحمد الماغوط!

لا أعتقد أن الروائية، العالمة النفسية النمساوية إلفريدة يلينيك، والحائزة على جائزة نوبل للرواية عام ألفين وأربعة قد قرأت كتاب سأخون وطني للأديب العربي السوري الكبير محمد الماغوط، الصادر عام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانين، عندما كتبت في روايتها العاشقات المترجمة إلى العربية عام ألفين وتسعة، والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة مائتين وسبعة ما يلي:

(الطفل الصغير تُغير له اللفف والكوافيل، إلى أن يمشي ويجري بالدراجة، عندئذ تنهال عليه الصفعات، ويُحمِّلونه أثقال شنط المشتروات، ويحشّونه بالمحشات، ويفتتونه تحت السيارات، أو يسقط في ترعة شيطانية، أو في يد أب مخمور، أو تحت خشب الوقود المفلوق، أو في أيدي بعض هاتكي الأعراض، وعندما ينجو بحياته فقد يرتطم وهو ابن الخامسة عشرة مخموراً راكباً دراجته النارية في عمود الجسر الخراساني.)

عندما قرأت هذه الفقرة، عدت لأقارنها بما قرأت في كتاب الأديب العظيم محمد الماغوط، (سأخون وطني) صفحة مائة وتسعة وأربعين ما يلي: " تنفق الدول العربية المليارات للاهتمام بالطفل العربي ، فعلى صعيد الثقافة، بالإضافة إلى ما يصدر من مجلات ميكي، وسوبرمان، وتان تان، وسمر، وبساط الريح، وسعد وسعدون، وحمد وحمدون، فإن المؤسسات الثقافية ترصد المبالغ الضخمة في ميزانيات كل عام لإصدار المزيد من هذه المطبوعات، لتقدم للطفل العربي الغالي أمتع القصص المصورة التي تغذي خياله، وأنبل المواعظ التي تهذب أخلاقه، والطرف والحزازير التي توسع مداركه...ولا يخلو برنامج إذاعي أو تلفزيوني من ركن يومي للأطفال، يقدم لهم أجمل التمثيليات والأفلام و...، ولم تعد جريدة تخلو من زاوية خاصة بالطفل العربي، ولم تعد حديقة دون أن يكون فيها زاوية خاصة بالأطفال، وكل ذلك من أجل تربية صحيحة ثقافياً ونفسياً لخلق جيل واع في المستقبل، متمسك بأرضه ومستعد للتضحية للوطن..ولكنني أعتقد أن كل هذه الملايين تنفق سدى- والكلام لا يزال للشاعر المرحوم محمد الماغوط - فكل ما يكتسبه الطفل من علوم ومباهج وثقافات أدبية هو بلا طائل، لأنه ما أن يجتاز مرحلة الطفولة، ويدخل الحياة العربية "الكريمة"، فإنه من أول دفشة في باص، وأول كلمة "ارفاع رجلك ولا حمار!" بالعسكرية، وأول لبطة على بطنه في مركز مباحث، سينسى المسكين حتى الحليب الذي رضعه ويبدأ من الصفر!"

ما أردت أن أقوله إن هذا الذي يسمى توارد خواطر، كان السابق فيها هو الماغوط، لَيؤكد على أن العرب قد يسبقون في الكتابة الإبداعية، ولكن دور النشر العالمية وحتى العربية لا تعترف بهم، هكذا زوراً وبهتاناً، تحت باب الفوقية الغربية، وحتى نحن القراء العرب في نفس السياق، لا نثق بكتابنا وكتاباتهم، والتي (قد) يتفوق بعضها على كتابات عالمية نالت شهرة فقط لأنها أجنبية. وأضيف ثانياً:

إن هذا التعامل القاسي مع النشء الجديد، والشباب الذي ينمو حاقداً، هو من أهم الأسباب للثورات التي تعم الوطن العربي حالياً، وأضيف ثالثاً:

إن هذا التناص، والذي كثيراً ما يحصل بين مختلف الكُتّاب، ليوضح أن النفس البشرية هي هي، أينما كانت، في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب، ويؤكد في الوقت نفسه، تماثل إنسانية الإنسان في طموحاته وآلامه وآماله، وإن سعي الإنسان للتحرر من القيود التي تكبله هو حق، يسعى له البشر على السواء، ولكن هات من يمنحهم تلك الحرية، التي قال عنها عمر بن الخطاب:

"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى