الجمعة ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
الضرة ضرورة أم ضرر؟
بقلم خالد المنتصر

الختان عبودية لا عبادة ـ الحلقة العاشرة والأخيرة

الضرة هى الزوجة الثانية وعندما تتأمل فى الكلمة تجد أنها توحى حتماً بالضرر، ولكن المدهش أن المحكمة فى مصر لا تعترف بذلك، وتطلب من الزوجة الأولى إثبات أن الزوجة الثانية ضرر. وهكذا اللغة الدارجة دائما أصدق حتى من القوانين والتى يقال إنها تصاغ بلغة جامعة مانعة، إنها ليست مجرد كلمات ولكنها قبل ذلك مدلولات، فهى الضمير العام للمجتمع والصوت الحقيقى له، والمجتمع الذى غالباً ما يضع مساحيق تجميل على سلوكياته ولكن كثيراً ما تفضحه اللغة الحقيقية التى يتحدث بها ويعبر عما بداخله من خلال مفرداتها.

وبما أننا قد اخترعنا اختراعاً نملك نحن فقط حقوق براءته وتسجيله، وهو اختراع تزويق الكلمات وتجميلها لإبعادها عن معناها الحقيقى وتفريغها من مضمونها الصريح، وذلك بعد تغيير بعض حروفها فمثلاً كما أطلقنا على الهزيمة تعبير نكسة، وعلى رفع الأسعار عبارة تحريك الأسعار، وعلى الكوليرا أمراض الصيف، أطلقنا أيضا على الضرة لفظ ضرورة. وقلنا أن الضرة فى أحوال كثيرة هى ضرورة، وتعمد الكثيرون أن يجعلوا التعدد هو الأصل الذى يجب تشجيعه إلى أن وصلنا إلى الذروة فى رمضان منذ عدة أعوام حين أتحفنا التلفزيون المصرى الرسمى بملحمته المتخلفة الحاج متولى وزوجاته الأربع اللاتى يعشن فى خيره وبحبوحته بلا أية مشاكل، وفى منتهى السعادة والبغددة بل الأدهى أن تحضر الزوجة السابقة فرح اللاحقة وترقص فيه. وكان المبرر فى كل مرة الجملة الخالدة التى يقولها الحاج متولى "ما دام أنا مقتدر والشرع محلل لى أربعة يبقى إيه الضرر"! وكأنه يتحدث عن مواشى لا عن زوجات، وإذا كان هذا هو حال الإعلام الرسمى الذى يمثل الواجهة الثقافية للمجتمع فبالله عليكم ماذا يكون حال باقى المجتمع الذى يئن تحت وطأة الأمية والجهل والتخلف؟.

وإذا كان مجتمع الرجال قد أعجب بالحاج متولى دشنوه رمزاً للرجولة والفحولة، فإن قانون الأحوال الشخصية للأسف قد سيطرت على بعض مواده عقلية الحاج متولى. كيف حدث ذلك؟ هذا هو ما سنعرفه بعد أن نستعرض رحلة الزوجة الثانية مع قانون الأحوال الشخصية.

صدر قانون الأحوال الشخصية فى مصر رقم 25 لسنة 1920، وتعدل بموجب القانون رقم 25 لسنة 1929 وبعدها بخمسين سنة صدر القانون 44 لسنة 1979، أى أننا احتجنا إلى نصف قرن تغيرت فيه الدنيا 180 درجة لكى نصدر قانوناً جديداً ينصف المرأة، ولكن برغم كل هذه المدة الطويلة والمكاسب البسيطة التى تتحقق بسرعة السلحفاة لم يعجب هذا القانون الرجال، وهاجت الدنيا وماجت وخصوصاً من التيارات الرجعية وممثليها الذين شنوا حملة شعواء على القانون، وحاربوه وكأنهم يحاربون الكفار، وأطلقوا سهام سخريتهم من القانون، وأطلقوا عليه قانون جيهان نسبة لقرينة الرئيس الراحل السادات، واتهموا شيخ الأزهر حينذاك بأبشع التهم، وظلوا وراء القانون بالمرصاد حتى تم إلغاؤه. ولكن ماذا كانت تقول مواد هذا القانون حتى تنطلق ضده كل هذه الحملات المسمومة؟.

قانون 1979 فى الحقيقة لم يقيد حق الزوج فى الزواج بأخرى، ولكن كل ما فعله هو مجرد تنظيم ممارسة هذا الحق بأسلوب يحترم آدمية وإنسانية الزوجتين الأولى والثانية حتى لا يتعامل معهما الزوج وكأنهما مجرد كرسيين من حقه التصرف فيهما كيفما يشاء، فالقانون قد ألزم الزوج بالإقرار باسم الزوجة أو الزوجات اللواتى فى عصمته، ومحل إقامتهن قبل عقد الزواج الجديد بكتاب موصى عليه. كما نص القانون على عقاب الزوج بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة 200 جنيه فى حالة مخالفة هذا النص، وعقاب الموثق بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة مقدارها خمسون جنيهاً، كما أجاز عزله أو وقفه عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة فى حالة مخالفته التزاماته.

وقد أعطى القانون الزوجة الأولى حق الطلاق دون إثبات الضرر، إذا طلبت الزوجة ذلك خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج الجديد. وللزوجة الجديدة الحق نفسه إذا أخفى عنها الزوج زواجه بأخرى. وبالطبع هذا النص كما ذكرت المحامية منى ذو الفقار كان يهدف إلى دفع الزوج الذى يرغب فى الزواج ثانية إلى مواجهة الموقف بشجاعة، وتطليق الزوجة الأولى إذا طلبت لتضررها دون الحاجة لإثبات الضرر.

والمسألة الثانية والتى كانت محل اعتراض وسخرية كاسحة لدرجة ظهور أفلام كوميدية تسخر من هذه الفقرة فى القانون، هى الفقرة المتعلقة بحق المطلقة الحاضنة فى الاستقلال بمسكن الزوجية طوال مدة حضانتها للصغار إلا إذا كان من حقه أصلا الاحتفاظ به أى إذا كان مملوكاً أو مستأجراً باسمه، وبرغم أن القانون لم يراع ظروف المرأة غير العاملة أو كبيرة السن بعد خروجها من المنزل بعد انتهاء حق الحضانة والنفقة إلا أنه كان قانوناً تقدمياً وأكثر إنصافاً برغم بعض عيوبه.

وفى مايو 1985 صدر حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون 1979 ولابد أن نعرف أنه رفض لسبب شكلى وليس لسبب فى مضمونه، فهو قد رفض لأنه صدر أثناء إجازة مجلس الشعب، وبعدها ظلت المرأة تخضع ثانية لقوانين العشرينات، ولمدة 6 سنوات، حتى صدر القانون 100 لسنة 1985 وقبل أن ندخل فى تعداد التنازلات التى قدمها القانون الجديد لابد أن نطلع على بحث أجرى على موقف القضاة من قانون 1979 بعد إلغائه، والبحث أجرته الباحثة أمينة شميس، وهذا البحث له دلالته الخطيرة على أن الموقف الثقافى للمجتمع والخلفية الثقافية لأفراده هى التى تشكل الصيغ القانونية وليس العكس. فقد أجاب عشرون قاضياً من سبعة وعشرين قاضياً أن هذا القانون مخالف للشريعة، ويفتح للمرأة المجال لطلب الطلاق، ويحد من حق الزوج فى الزواج بأخرى، وأن المرأة قد خلقت بطبيعة نفسية تقبل التعدد، بل إن البعض أجاب بأن النص الذى يجيز التطليق بسبب الزواج الثانى يشجع على الدعارة، فإذا طلقت الزوجة لهذا السبب وتزوجت بآخر فقد ارتكبت الزنا لأن طلاقها لاغى، وأن هذا القانون لا أخلاقى لأنه يحث الزوجة على الطلاق. والمدهش أنهم اعتبروا أنه من الطبيعى أن الزوجة ما دامت تحرص على سعادة زوجها فلابد أن تكون سعيدة بزواجه من أخرى لأن ذلك سيحميه من الفاحشة. ومع احترامنا الكامل لرأى القضاة موضوع البحث إلا أننا ننبه إلى أن هذا البحث له دلالات خطيرة جداً، فالمجتمع فكر فى الأمر من ناحية الزوج، ولكنهم لم يفكروا للحظة فى موقف الزوجة التى افترضوا افتراضاً عجيباً أنها ستكون سعيدة لأنها منعت زوجها من الوقوع فى الفاحشة، وكأن المهم عند المجتمع هو عدم وقوع الرجل فى الفاحشة، وليس من المهم وقوع المرأة فى فخ الإهمال والضياع والدونية والعجز. وبالطبع كان سند مهاجمى القانون فى كل ما قالوه هو نصف آية اقتبسوها وتناسوا النصف الثانى كما سنذكر فيما بعد.

أدى الهجوم الشرس من التيار الرجعى على مواد القانون 1979 إلى تراجع المشرع عن نظرته المستنيرة السابقة فى صياغته بعض مواد قانون 1985، فقد كان أزيز العاصفة ما زال يصم الآذان ويرعش الأبدان، وقد كان أهم تنازل فى القانون الجديد هو أنه ألزم الزوجة المتضررة من قيام زوجها بالزواج من أخرى دون رضاها والتى ترغب فى الحصول على الطلاق أن تثبت الضرر المادى أو المعنوى الذى لحقها، والذى يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها، وقد كان هذا الضرر مفترضاً فى القانون السابق ولا يحتاج لإثبات. وكما نعرف فمفهوم الضرر مفهوم مطاط، من الممكن أن يتلون بالمناخ الثقافى والاجتماعى الذى غالبا ما يناصر الرجل ويجعله طاووساً منتشياً، ويقهر المرأة ويجعلها فأراً مذعوراً لا يتضرر من المصايد والفخاخ التى تنصب له. أما بالنسبة لحق الاستقلال بمسكن الزوجية فما زال البعض يقدمون الطعون للمحكمة الدستورية العليا لإلغائها، وهذا يدلنا على أن التربص بالحقوق المكتسبة للمرأة شيء من نسيج المجتمع ولا ينفع معه الترقيق والترقيع ببعض النصوص القانونية المنصفة والتى ينتظر المهاجمون والمعترضون الفرصة المناسبة للانقضاض عليها وخنقها وقتلها وذلك كله باسم الشريعة التى هى منهم براء.

ولكى نفهم قصة الزوجة الثانية فى الشريعة الإسلامية لابد أن ننظر إليها فى سياق مجتمع ما قبل الإسلام وما أراد الإسلام أن يحدثه من تغيير فى المفاهيم المستقرة بشكل تدريجى وبرفق وهوادة وعلى مراحل، فقام الدين الجديد بتقييد الزواج اللا محدود، وجعل الأربعة هو العدد الأقصى وهو ما يعتبر انتصاراً فى وقتها وزلزالاً خلخل مفاهيم هذا المجتمع الجاهلى الذى كان يعتبر النساء على الهامش، ومجرد أداة متعة لا يصح أن نقيدها بعدد معين، ولذلك نستطيع الآن بكل اطمئنان وكما فعل فقهاء تونس أن نقيد الزواج الثانى بعد تغير الزمن والأفكار. وانطلاقا من مرونة الدين الإسلامى وسماحته واستجابته لتغير الظروف، والآية التى جاءت فى سورة النساء والتى أعتمد عليها القانون فى إباحة الزواج الثانى والثالث والرابع هى "وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" ويجب أن نفهم أن هذه الآية التى قبلها، ولابد أن نقرأهما معاً حتى يستقيم الفهم. وتقول الآية "وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً"، والقراءة المبتسرة المتعسفة تعطى نتيجة عكسية غير المقصد الحقيقى، وتقود قارئها إلى نتيجة أن تعدد الزوجات مباح على إطلاقه، والحقيقة أن رخصة تعدد الزوجات كان لها دلالتها الاجتماعية والاقتصادية، وأن هذه الرخصة ارتبطت مع زيادة عدد النساء الأرامل فى المجتمع بهدف وضع حد لاضطهاد الأرامل اللواتى تحت الوصاية، والسماح لهن بالحصول على زواج شريف فى ظروف بعض التطورات الموضوعية المباغتة على حد قول المفكر محمد شحرور، فمثلاً من ضمن تلك التطورات المباغتة التى خلقت عدداً كبيراً من الأرامل استشهاد سبعين رجلاً فى موقعة أحد على سبيل المثال، إذن النص القرآنى أجاز هذه الرخصة ووجه الرجال إلى أن تكون الزوجة الثانية والثالثة والرابعة من ضمن تلك الأرامل، ولا يجوز له أن يأخذ الأرملة مثلاً ويترك أولادها إن كان عندها أولاد، وهذا يدل على أن المسألة لم تقنن وقتها للمتعة الحسية، ولكن كان لها غرض فى منتهى السماحة والرحمة حاول البعض أن يحوله إلى غرض فى منتهى القسوة والمهانة، فالغرض كان كفالة اليتيم وانتقال مسئوليته من الأم إلى الزوج الجديد، أى إنها كانت مسئولية جديدة ملقاة على عاتقه، وليست ترفاً حسياً يعب منه ويشرب بلا حساب. ويقول د. شحرور شارحاً ومؤكداً لهذا المعنى فى كتابه "الكتاب والقرآن"، ما يلى: إن جملة جواب الشرط فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ارتبطت بالشرط وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى. هنا نرى أنه أطلق الكم حتى الأربعة، وقيد الكيف بأن تكون الزوجة الثانية حتى الرابعة من الأرامل ذوات الأيتام. ويضيف قائلاً: آيات التنزيل كانت تحض وتشجع الرجال على الزواج من الأرامل، وإنها كانت حريصة كل الحرص على تأمين حياة أسرية مستقرة للأيامى واليتامى حتى لو كانت الأرملة بمرتبة الزوجة الثانية أو الرابعة، وإن أولادها يعيشون فى كنف ورعاية زوج الأم. وهذا يؤكد على أن الأصل فى الإسلام هو الاكتفاء بزوجة واحدة، وأن التعدد هو الاستثناء المحكوم بشرط العدل، والذى يقرر القرآن نفسه أنه أمر يشبه مستحيل، وهو ما يؤكد عليه إمام الاستنارة الشيخ محمد عبده حين قال: إن تعدد الزوجات محرم قطعاً عند الخوف من عدم العدل، وهو ما يؤكد عليه غضب الرسول صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زوج ابنته فاطمة خطب جويرية بنت أبى جهل فلم يسمح له وقام فى المسجد خطيبا وقال إنما فاطمة بضعة منى يسوؤنى ما ساءها، وبالطبع وكما نعرف عن رسولنا الكريم أنه كان لا يفرق بين مسلم وآخر.

كتب الشيخ محمد عبده مهاجماً تعدد الزوجات قائلاً: "فمن تأمل الآيتين (سورة النساء) علم أن إباحة تعدد الزوجات فى الإسلام أمر مضيق فيه أشد التضييق، كأنه ضرورة من الضرورات التى تباح لمحتاجها بشرط الثقة بإقامة العدل والأمن من الجور، وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدد فى هذا الزمان من المفاسد جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربى أمة فشا فيها تعدد الزوجات فإن البيت الذى فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال ولا يقوم فيه نظام، بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت كأن كل واحد منهم عدو الآخر ثم يجيء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتقل من الأفراد إلى البيوت، ومن البيوت إلى الأمة".

ولننظر على الشاطىء الآخر، ولنستمع إلى المؤيدين للتعدد وحججهم الواهية، ولنأخذ مثلا لهم د. مصطفى السباعى، فهو يقول فى كتابه (المرأة بين الفقه والقانون): "إذا كان عند الرجل من القوة الجنسية ما لا يكتفى معه بزوجته إما لشيخوختها، وإما لكثرة الأيام التى لا تصلح فيها للمعاشرة الزوجية، وهى أيام الحيض والحمل والنفاس والمرض وما أشبهها، وفى هذه الحالة نجد الأولى والأحسن أن يصبر على ما هو فيه، ولكن إذا لم يكن له صبر فماذا يفعل؟، أنغمض أعيننا عن الواقع وننكره كما تفعل النعامة أم نحاول علاجه"؟!.

وفى الحقيقة أنا مندهش من أن يكون الدفاع بهذا الشكل، فالدفاع عن تعدد الزوجات يفترض أن الرجل ماكينة جنسية شرهة على المرأة أن تدخل تروسها بكل طاعة وبدون أدنى تبرم، وتتحمل نقصها الناتج عن ظروفها الفسيولوجية التى لا يستطيع الرجل أن يأخذ إجازة أثناءها، وهذا دفاع يحمل فى طياته صورة حقيرة لنوعية من الرجال ممن يفكرون بنصفهم الأسفل فقط، و ينكر أن الزواج فى البداية وقبل كل شيء مودة وسكن ورحمة، وأن الاتصال النفسى والروحى يسبق الاتصال الجسدى والجنسى الذى يشير إليه البعض بأنه سبب الزواج الثانى.

الإخلاص قانون الزواج، ولا نريد إلباس الخيانة ثوب الفضيلة باسم الشرع والقانون، والتعدد استثناء لا ينبغى أن نتحدث عنه بتفاخر، والضرة ضرر حتى لو قلنا أنها ضرورة والحب ليس سلعة تايوانية مقلدة، ولكنه صناعة هاند ميد عليها توقيع قلبين لرجل وامرأة.

جرائم الشرف

شرف البنت وعود الكبريت

شرف البنت زى عود الكبريت مايولعش غير مرة واحدة بس، وشرف الولد زى الولاعة الأتوماتيك ممكن يولع إلى ما لا نهاية!!. ليست هذه جملة مسرحية ليوسف وهبى، ولكنها حصيلة ما خرجت به من خلال قراءتى لعينة عشوائية من صفحات الحوادث فى الجرائد المصرية، والتى لا يكاد يخلو عدد منها من أب يقتل ابنته أو أخ يمزق أخته أو زوج يخنق زوجته لشك فى سلوكها، وهو ما يطلق عليه جرائم الشرف، ودائماً الشرف هو شرف الرجل، ودائما الضحية هى المرأة.

ولأن شرف المرأة عندنا له معنى محدد وواضح وهو غشاء البكارة والجنس، فهو ضيق كثقب الإبرة، ولأن شرف الرجل أول سايز يتسع لكل المعانى، ويختزن كل الاحتمالات، لذلك فهو واسع كالمحيط وغامض كالشبح، فالمرأة غير الشريفة هى التى تفرط فى عرضها، أما الرجل غير الشريف فهو الرجل السارق أو النصاب وماعدا ذلك فهو شريف ولو مارس الجنس مع ثلاثة أرباع نساء الكرة الأرضية، فسيظل شريفاً عفيفاً لا تلوثه هذه العلاقات الطيارى. وقد أجرى الباحث الاجتماعى بحثاً ميدانياً عن معنى الشرف عند المرأة، فاتفق 99% من نساء العينة على أن الشرف هو غشاء البكارة السليم، ولم يذكر سوى 8% أن شرف المرأة مبادىء وقيم ومثل عليا، إذا معنى الشرف يختلف باختلاف الجنس، ولذلك فطريقة الانتقام له والمحافظة عليه وأيضا عقاب من يفرط فيه أو يثأر من أجله، لابد أن تختلف هى الأخرى، وبالتالى لابد أن يتسامح المجتمع ممثلاً فى أعرافه وتقاليده وقوانينه مع هذا المفهوم. ولكى نطبق هذا الكلام بطريقة عملية علينا أن نقرأ صفحة الحوادث فى أية جريدة، وهذه عينة عشوائية نقدمها لكم كبداية لتكوين وجهة نظر حول هذه الجريمة، ولإحصاء نسبة انتشارها فى المجتمع وطرق تنفيذها، والأهم شعور مرتكبيها الذين يشعرون بالفخر غالباً وبالندم نادراً، وإليكم بعض العناوين:

 عاطل فى بنى سويف يقتل زوجته الشابة بمطواة قرن غزال لكثرة خروجها من المنزل وملاحظة بسيطة: هذا العاطل كان متزوجا من اثنتين الأهرام 30/6/1999.
 قتلها شقيقها لسوء سلوكها ودفنها فى برج العرب 13/5/2001
 أب يغتصب ابنته وعندما حملت منه قتلها ليمحو العار الأحرار 4/6/2001.
 خفير يهشم رأس زوجته ببلطة ويذبحها أمام أطفالهما الأربعة بالخانكة لشكه فى سلوكها. الأهرام 10/1/2001.
 إحالة منجد إلى الجنايات قتل ابنته التلميذة بمدرسة المحمدية الإعدادية بالسيدة زينب لسوء سلوكها. الأهرام.
 فى أبو المطامير بالبحيرة ومع انطلاق مدفع الإفطار يقتل شقيقته وزوجها لزواجهما بدون رغبة الأسرة الأهرام 30/12/1998.
 يلقى بابنته من الدور الخامس لعودتها متأخرة ليلاً. الأهرام 9/12/1998.
 فى شبرامنت يقتل شقيقته بإيشارب لسوء سلوكها ويحاول استخراج شهادة بوفاتها. الأهرام 3/5/1998.
 اعترافات قاتل شقيقته.. شوهت سمعتنا فغسلت العار. ضميرى مرتاح. ولست نادماً. الجمهورية 8/2/2000.
 يقتل والدته بمعاونة خاله بقنا لسوء سلوكها. الأهرام 2/10/2000.
 فى المنوفية تقتل ابنتها لحملها سفاحاً. الوفد 19/4/2001.
 يذبح زوجته بسكين المطبخ لوقوفها بملابس مثيرة فى شرفة الشقة بالبلينا بسوهاج. الأهرام 5/10/1999.
 حداد بالمحلة يقتل زوجته لإصرارها على الخروج بدون حجاب. الوفد 6/3/2000.
 يجبر ابنته على تناول السم لشكه فى سلوكها. الوفد 6/8/2000.
 فى أبو النمرس بالجيزة يخنق شقيقته ويدعى انتحارها بالسم لارتباطها بعلاقة عاطفية مع جارها. الأهرام.
 بالإسكندرية مهندس ديكور يقتل زوجته أمام المارة لشكه فى سلوكها. الأهرام 4/9/2000.
 مبيض محارة يمزق جسد زوجته بالسكين فى الشارع لشكه فى سلوكها. الأهرام 12/12/2001.
 فى العمرانية تاجر يقتل ابنته أثناء نومها لسوء سلوكها. الأهرام 5/7/2001.
 فى كفر الشيخ يذبح زوجته ثم ينتحر حزناً عليها.. الحياة 29/3/1998.
 تلميذ بسوهاج يهشم رأس شقيقته ببلطة لطلاقها بعد 7 أشهر من زواجها. الأهرام 7/6/2000.
 اعترافات مثيرة لقاتل شقيقته بإمبابة.. أصدقائى عيرونى بسوء سلوكها فذبحتها بلا ندم ولعبت البلياردو بعد الجريمة. الأحرار 4/8/2001.
 فى الحدائق: زوجة الطباخ عيرته بضعفه شك. فى سلوكها فقطعها طرنشات. وفى الفيوم أشعل مواطن وابن عمه النار فى شقيقته ومنعا أهل البلد من إنقاذها. وفى القليوبية أعمى يسدد طعنة قاتلة لقلب زوجته إثر مكالمة تليفونية كاذبة. المصور 7/7/2000.

هذه بعض المانشيتات التى تحكى قصة الدم الذى يراق على جوانب الشرف حتى يسلم من الأذى كما أوصانا الشاعر العربى القديم. هذا الدم الذى يراق بنفس السهولة التى تراق بها دماء دجاجة، وبنفس الاطمئنان والخشوع الذى يقدم به القربان، وكما سجلت الجرائد هذه الجرائم فى صفحات الحوادث، قامت وزارة الداخلية بتسجيلها فى محاضر أقسام البوليس. وقد بلغ عدد المجنى عليهن فى قضايا القتل العمد بدافع غسل العار، والمبلغ عنها فى مصر على سبيل المثال 52 حالة فى عام 1995. وبالطبع لابد من وضع ألف خط تحت عبارة المبلغ لأنه فى أحيان كثيرة لا يتم التبليغ خوفاً من انتشار الفضيحة، أو لأن الجيران والأهل يعتبرون الفاعل بطلاً مغواراً فيباركون فعلته بل يمجدونها، وبالطبع لا يتم التبليغ.

وإذا كانت محاضر البوليس لا تنتقل إلى وجهات نظر المتهم والشهود التى ما تكون غالباً أراء ذاتية، فإن تقارير الطب الشرعى لا تنقل إلا وجهة نظر العلم والتشريح والتحليل التى تكون غالباً موضوعية. والحكايات والقصص التى يرويها الأطباء الشرعيون تثبت أن سيف الظلم عادة هو الذى يسبق حكمة العقل. وفى أحد التصريحات الصحفية يفاجئنا مدير مشرحة زينهم برقم غاية فى الظلم والبشاعة، فهو يقول إن 80% من القتيلات بدعوى الشرف بريئات تماماً وعذارى. وهو ما يثبت أن هذا الشك الذى يحتل معظم المانشيتات ويمثل الباعث الأساسى لمعظم الجرائد هو شك لا يوجد إلا فى عقل القاتل الذى تحركه غريزته الهستيرية، فيذبح ويخنق ويحرق بدون أن ينصت ولو لثوان قليلة لصوت العقل والضمير. وحكاية أخرى يحكيها طبيب شرعى ممن لمس الظلم الواقع على ضحايا جرائم الشرف وفيها أفضت الأم بالسر الرهيب إلى ابنها.. "الحق أختك انقطعت عنها الدورة أكيد فيه إن.."، وأمام هذه "الإن" لم يكن أمام الشقيق إلا أن يغرس السكين فى صدرها ليريح ويستريح. وفى المشرحة ظهرت الحقيقة، الأخت عذراء، وكل ما فى الأمر أنها كانت تمارس ريجيماً قاسياً مما أثر على مستوى الهرمونات فانقطعت الدورة ولكن ماذا يفعل العقل أمام غريزة التخلف؟.

وكما كشفت المشرحة عن ظلم الأم والشقيق، كشفت أيضاً عن ظلم الأب، فالضحية كانت تعانى من تشوهات خلقية ولدت غشاء بكارتها مسدود لا يسمح بمرور دم الحيض. وتجمعت الدورة الشهرية على مدار شهور عديدة والبنت لا تشكو إلا من مغص وانتفاخ بالبطن وما أدراك ما انتفاخ البطن عندنا، فالبوصلة الجنسية المركبة فى مخيخ أهالينا دائماً ما تشير إلى جبهة الجنس، وتأكد الاتهام أكثر مع وجود الدوخة والإغماء، ولم يتحمل الأب نظرات أهل قريته فى سوهاج، فحز رقبة ابنته بالفأس، وثبت بعد الكشف أن الفتاة بريئة، وأن كل القصة تشوه، حله فى مشرط الطبيب وليس فى فأس الأب.

وإذا كان غشاء البكارة المسدود قد يتسبب فى هذه الحالة، فغشاء البكارة المطاط قد تسبب فى مئات الحالات، وكان سبباً رئيسياً فى مئات الجرائم فنافورة الدم التى ينتظرها الزوج ليلة الدخلة وقبله ينتظرها الأهل، لم تظهر فى الأفق، إذاً وعلى بلاطه وبسرعة البرق توضع لائحة الاتهام، الزوجة فاجرة فقدت بكارتها، وبما أن الزوج هو الوكيل الوحيد لقطع غيار البكارة، فالمؤكد أن أحداً غير سموه وغير فخامته قد فض الغشاء وهتك العرض، ويتم قتل الفاجرة التى تدفع ثمن خطأ لم ترتكبه وغشاء لا يفض إلا بواسطة جراحة، ولكنه الرادار الجنسي المركب فى عقل الرجل الشرقى، والذى يتغافل عن كل الأهداف العسكرية الحيوية ويلتقط دبة النملة الجنسية.

ويعلق د. فخرى صالح كبير الأطباء الشرعيين على جرائم الشرف فيذكر فى حواره ب المصور 7/7/2000:

 الملاحظة الأولى: أن الأهالى لا يبحثون عن الفاعل فهم يكتفون بسفك دم الضحية لتبييض العرض دون تحقق ويساعد على ذلك الجهل والحمق وتحكم العادات القبلية.
 الملاحظة الثانية: أن الدايات لهن دور كبير فى تلك الجريمة الشنعاء لأنهن تحت ضغط الأهل يجدن الخلاص فى اتهام الابنة خصوصاً وأنه غير مقبول منهن غير ذلك والا اتهمن بأنهن يعرفن ويدلسن.
 الملاحظة الثالثة: 99% من أطباء النساء يستطيعون إثبات براءة الفتاة من عدمه مع توفر أجهزة الموجات الصوتية الحديثة التى تكشف الحمل ربما فى الأيام الأولى، لكن المشكلة خوف الأهل والبنت من أصله، وخوف الطبيب نفسه من نتيجة ربما لا ترضى الأسرة التى تأتى وقد جهزت الكفن ولم يتبق إلا تصريح القتل الذى يوقعه الطبيب.
 الملاحظة الرابعة: بالرغم من أن الذى غرر بالفتاة كثيراً ما يعترف بخطئه ويتزوج الضحية، فإن الأهل يصرون على الجريمة وربما يقتلون الفتاة أمام قسم الشرطة الذى تزوجت فيه لأن العار لا يمحوه عقد الزواج بل يغسله سفك الدماء.
 الملاحظة الخامسة: من بين 1610 جرائم قتل عام 1999 فى القاهرة الكبرى و 1793 فى باقى المحافظات فإن 10% من تلك الجرائم تدخل بند جرائم الشرف.

هذه الملاحظات من كبير الأطباء الشرعيين في غاية الأهمية فهى تدق ناقوس الخطر لعلنا نستيقظ كما استيقظت دولة مثل الأردن حين سارت مظاهرات الاحتجاج بقيادة الملكة شخصيا لرفض وتجريم هذه الظاهرة، والمطالبة بتعديل القوانين المخففة للعقوبة بدعوى احترام الباعث النفسى. ولكن لنا تعليق على ملاحظات د. فخرى وهى أن الدايات لسن المتهم الوحيد بل يشاركهن الأطباء الشرعيين، فهناك جرائم كان المجرم فيها والمحرض هو الطبيب نفسه وليس الداية، وفيها قتلت الضحية نتيجة تشخيص خاطىء لطبيب، والقصة بدأت مع ذهاب الشقيق لأحد الأطباء للإجابة عن السؤال الخالد لماذا انتفخ البطن؟، وأجاب الطبيب أنها ليست بكراً. اتهم الأهل الجار بمعاشرة الفتاة فاضطر الرجل المتهم زوراً إلى الزواج منها خوفاً من انتقام الأسرة، وبعد الزواج استمر كبر البطن، رغم أن الزوج لم يدخل بها واعترف لأهلها بذلك، وأجرت الفتاة أشعة عند الطبيب، فكشفت عن ورم ليفى متضخم اضطر الطبيب معه إلى إجراء عملية جراحية ظنها الأهل عملية إجهاض فذبحوها على باب المستشفى.

ومن الذبح إلى الانتحار والذى من خلاله تهرب الفتاة من مصير الموت ذبحاً إلى الموت انتحاراً، وهناك حكاية بنت روض الفرج التى استحمت في بانيو مكان شقيقها عدة مرات فحملت دون أن تدرى، وعندما ظهرت علامات الفضيحة انتحرت بجرعات كبيرة من الأسبرين، وبالكشف عليها اتضح أن غشاء البكارة سليم، وأنها لم تمارس الجنس، وأنها حملت من خلال تسلل الحيوانات المنوية الخاصة بشقيقها فى البانيو.

حكايات وقصص واقعية لطخت ملفات التحقيقات البوليسية وأوراق التقارير الطبية، فيها حرارة وسخونة الدماء التى لا تجف أبداً، والتى تظل شاهدة على الظلم والقسوة والبربرية التى ما زلنا نتعامل بها مع المرأة، ولكن ماذا إذا انتقلت هذه الدماء من الملفات لتصرخ ما بين دفتى رواية تبوح بسرها على شفتى مغنى موال. الكل يمجد متولى الجرجاوى قاتل شقيقته شفيقة ويرفعه على الأعناق ويتمايل مع كلمات الموال وتأخذه النشوة حين يصرخ المغنى مطالبا بالانتقام من شفيقة، وأتذكر دهشتى وأنا مسافر إلى دمياط منذ عدة سنوات عندما وضع سائق البيجو شريط موال "شفيقة ومتولى"، اندهشت وأنا أسمع تأوهات الإعجاب الهيستيرية من ركاب البيجو وكأنهم يتابعون ماتش كورة، ولا أنسى تصفيقهم حين انتهى الموال بقتل شفيقة، وغرقها فى بركة الدم وما زالت كلمات هذا الموال الدموى ترن في أذنى حتى الآن:

قالت له يا أخويا تبت على ايديك
قال تتمحكى وتقولى حا تتوبى
وتقولى وعد ومكتوبى
دى رقعة ما تطلع من توبى.. يا متولى.
الساعة دى بنتظرها..
بالسكين ضيع منظرها..
وعزل الجتة من زورها.. يا متولى.

ويصرخ المطرب:
وقعد يقطع فى شفيقة.. ويرمى فى الشارع..
وجت الحكومة.. قالوا له انزل يا متولى
نزل يضحك ولا على باله.. و م السجاير طلع عباله..
وبوليس وأهالى فى استقباله.. يا متولى.

وينتهى الموال بهذه الحكمة التى تجعل من متولى بطلاً فيقول:

متولى شريف من دى الساعة
وخلص م العار بشجاعة
والحكم ست أشهر ده إشاعة
وصعيدى عنده الشرف غالى
أرى النساء سبب البلاوى
فى مرضهم احنا بنداوى
وعاش بشرفه الجرجاوى
وصعيدى عنده الشرف غالى.

وهكذا يلخص الموال الشعبى الخالد رأى ما يسمى الوعى الجمعى الذى يطفو على السطح وقت الأزمات، فالمرأة هى سبب كل البلاوى، وهن مريضات المفروض علينا أن نداويهن ونضعهن في المصحات. والمهم أن متولى الجرجاوى عندما فصل الرقبة أو كما يقول الموال الزور عن الجسد بذلك يكون قد استرد شرفه الضائع.

ومن شفيقة فى الموال إلى هنادى فى "دعاء الكروان"، هنادى بنت قرية "بنى وركان"، والتى جعلها طه حسين رمزاً لكل الغلابة المقهورات تحت مطرقة الأهل وسندان التقاليد الهاربة من مطاردة ذوى القربى بتخلفهم ونشوتهم للثأر، والهاربة أيضا من رغبة فالنتينو ابن المدينة وعشقه لاقتحام سدود التمنع وشهوته المتأججة، إلى "جميلة" بطلة "البوسطجى"، والتى جعلها يحيى حقى ضحية اختلاف المذهب الدينى، والشك الجاهز، وفضول البوسطجى وتخاذل حبيبها خليل، إلى أن نصل إلى "فاطمة" بطلة "حادثة شرف" ليوسف إدريس وهى فى رأيى أهم من تجسد هذه القضية، وليست فقط لأن القصة تتضمن فى عنوانها كلمة الشرف، ولكن لأنها تناقش بعبقرية مدى هشاشة وسطحية مفهوم الشرف الذى نتبناه ونحصره فى مجرد غشاء، ففاطمة التى اتهموها بارتكاب الفاحشة مع غريب فى غيط الذرة، وظلت القرية تستحث أخاها فرج على أن يتأكد من أنها لم تفقد شرفها أى غشاءها، وطلب فرج من جارتهم أم جورج أن تفحص أخته التى كانت مضرب المثل فى الجمال والخجل أيضا، ويصف يوسف إدريس مشهد الاطمئنان على العفة فيقول:

"تسمرت فاطمة فى مكانها على العتبة ولكن النسوة دفعنها دفعاً لا مجاملة فيه حتى سقط الشاش من فوق رأسها، وتولت أم جورج طرد جورج من البيت وإغلاق الباب الخارجى وباب الحجرة الداخلى وشيش النوافذ وزجاجها. وكانت مقاومة فاطمة مقاومة الخجل الفطرى ولكنهن تكاثرن عليها وأرقدنها على السرير بالضغط والجذب، وتولت إحداهن تقييد يديها وأمسكت امرأتان كل بساق من ساقيها،وامتدت أيد كثيرة، أيد معروفة وجافة، حتى بقايا الملوخية التى عليها جافة، وامتدت عشرات العيون الصادقة فى بحثها عن الشرف والمحافظة عليه امتدت كلها إنغرست وقلبت وتفحصت حتى وهى لا تدرى عم تبحث، أم جورج وقد تولاها ارتباك عظيم وكأنها المكشوف عليها لا الكاشفة تنهر النسوة بلا فائدة، وتطمئن فاطمة بلا فائدة أيضاً، والشد والجذب والصرخات المكتومة تدور فى صمت، وفى همس مروع وسكون الترقب قد خيم على الحجرة، وامتد منها إلى البيت وإلى الخارج وإلى العزبة وإلى الكون، فصمت وفجأة انطلقت زغرودة من الحجرة الداخلية، ترددت على إثرها الزغاريد فى المنزل ثم فى الخارج، والألسنة تردد سليمة إن شاء الله والشرف منصان. والمدهش أن فاطمة ذات الشرف المنصان تغيرت 180 درجة، وأصبحت بعد هذه التجربة وفى نهاية القصة امرأة شبه داعرة لا تعرف الحياء بل تعرف المتهم غريب وتشتهيه".

ومن قصة يوسف إدريس إلى قصة غشاء البكارة نفسه وتاريخه، فتاريخه هو تاريخ الإنسانية والخوف عليه هو المعيار والدافع وأيضا التسلية التى تمنحهم إياها الدمية التى يسمونها المرأة، فمن حزام العفة حتى الختان نستطيع أن نلخص تاريخ هذا العالم الذى كتبت حروفه على جلد المرأة وروحها، وليس كما يقال على أوراق البردى أو جلود الغزلان، فماذا يقول التاريخ عن هذا الغشاء؟ وماذا يحكى عن العذرية؟.

يحكى كتاب ويستر مارك "تاريخ الزواج" عن اختلاف نظرة المجتمعات قديماً وحديثاً وشمالاً وجنوبا بالنسبة للعذرية. والمدهش والغريب أن بعض القبائل تفضل المرأة التى فضت بكارتها على المرأة التى لم تفض، والبعض الآخر يقتل من أجل أن يحتفى بفضه ليلة الدخلة كما يحدث فى بعض قرانا المصرية حين يلوح الزوج بالمنديل الغارق فى الدم، والذى سرعان ما ينتقل إلى أيدى أقارب العروس لكى يتفاخروا أمام البلد بأن بنتهم عذراء واتاخد وشها، وبين الطرفيين المتناقضين ألوان طيف كثيرة، ففى بعض الشعوب تمارس البنات الجنس قبل الزواج للحصول على مهورهن، وعند بعض قبائل إفريقيا يفضون بكارة البنات وهن صغار، وتتولى الأم تلك المهمة أو يتولاها رجل مسن. وعند قبائل أخرى يقوم الأب نفسه بفض بكارة ابنته قبل زفافها كما كان فى بلاد السنغال حتى القرن السابع عشر لأنه من وجهة نظره من حقه أن يجنى ثمرة النبتة التى غرسها. ويحكى الكاتب السورى عبد السلام الترمانينى فى كتابه "الزواج عند العرب" عن أن بعض نصرانيات الشرق قديماً، كانت تفض بكارتهن بواسطة الرهبان المخصصين، وكان الزوج وقتها يرافق الزوجة إلى الدير ليتأكد بنفسه من أن الراهب هو الذى قام بهذه الفعلة، وقد كانت هذه العادة سارية أيضا فى أوروبا حتى القرن السابع عشر. ومن العادات التى كانت تتبعها بعض الشعوب فى مسألة فض البكارة أن يتعهد رجل غريب بهذه المهمة قبل الزفاف، ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن دم البكارة نجس كدم الحيض، وأن فيه خطراً على الزوج، وقد كان فى بابل قديماً تقليد روتينى وهو أن تذهب المرأة البكر إلى المعبد فإذا ألقى رجل غريب فى حجرها قطعة نقود فعليها أن تتبعه ليفض بكارتها فى مكان خارج المعبد، ومن الشعوب من يعهد بهذه المهمة إلى السحرة لأنهم مقدسون ويحولون النجس إلى طاهر، وكان من سعادة النساء أن تحملن من هؤلاء البركة ضماناً للطهارة والمستقبل المشرق.

ولكن المشكلة أن رجال الدين والسحرة والكهان لم يكونوا الوحيدون الذين نالوا هذا الشرف، وحصلوا على هذه الخطوة، وإنما شاركهم فيها أصحاب السلطة السياسية من الملوك القدامى والرؤساء فكان من حق هؤلاء أن يمضوا الليلة الأولى مع كل عروس تزف إلى زوجها، ويسمى هذا الحق حق الليلة الأولى أو حق التفخيذ DROIT DE CUISSA. وكان من الملوك الذين مارسوا هذا الحق الملك مالكوم الثالث ملك إيقوسيا، الذى أصدر قانونا ينص على حقه وحق أخلافه بفض كل عروس قبل أن تنزف إلى زوجها. وقد ظل هذا القانون ساريا حتى ألغاه الملك مالكوم الرابع بتأثير زوجته، واستبدل بهذا الحق مبلغاً يدفعه الزوج إلى الملك، وقد استغل أمراء الإقطاع هذا القرار أسوأ استغلال إذ أخذوا يتنازلون عن حقهم فى الليلة الأولى مقابل هدية أو مبلغ يدفعه الزوج إليهم، وفى روسيا كان للسادة الإقطاعيين حق فض عرائس أتباعهم، وظل هذا الحق قائماً حتى القرن التاسع عشر.

وعادة فض بكارة العذراى بواسطة الملوك والرؤساء كانت معروفة عند العرب القدامى أيضا ومنهم طسم وجديس. وقد قيل إن ملك طسم المسمى عمليق فى إحدى المرات اعتدى على حق ملك جديس ففض بكارة أخته ليلة زفافها، ومن أجل ذلك قامت حروب بين القبيلتين أبادتهما، فعرفوا بالعرب البائدة. ويؤكد ذلك ما روى عن أبرهة الأشرم حين أراد أن يكافىء جنديه أرنجدة على إنقاذه لحياته حين أحتل اليمن وترك له حرية اختيار نوع المكافأة فقال أرنجدة أريد ألا تدخل امرأة بكر على زوجها قبل أن تبدأ بى فأفترعها، فقال أبرهة لك ذلك، فلولا أن عادة إفتراع الأبكار، أو فض بكارتهن من قبل الرؤساء والملوك كانت قائمة حينذاك ما كان لأبرهة أن يقر ويأذن لهذا الجندى بهذا الحق الموقوف على الملوك والرؤساء. وكذلك يروى فى "أخبار الزمان" للمسعودى أن زعيم اليهود فى يثرب والذى كان يدعى القيطون فض بكارة أخت مالك قبل زفافها. والغريب والمدهش كما ذكرنا أنه فى بعض الشعوب تكون البكارة فضيحة كما فى عشائر الواديجو والباكونجو وفى معظم مناطق إفريقيا الاستوائية، ولدى عشائر الأنجامى ناجاس تقليد حيث يعد تقصير الضفائر دليلا على البكارة، وتخجل الفتيات هناك من أن تقصر ضفائرها. وهكذا نرى أنه حتى فى مسألة البكارة الأمور نسبية ولا تتعلق بالشرف على الدوام.

كان هذا هو التاريخ والجغرافيا فماذا عن التشريح والفسيولوجى؟، كتب الطب تقول إن غشاء البكارة هو غشاء رقيق توجد به فتحة لتسمح بنزول دم الدورة الشهرية، وهذه الفتحة تختلف فى الشكل من امرأة إلى أخرى، فقد تكون هلالية أو مستديرة أو ذات فتحات متعددة ويسمى الغشاء الغربالى، وأحيانا لا توجد فتحة على الإطلاق مما يستدعى تدخل الطبيب لعمل فتحة جراحياً وإعطاء شهادة تثبت ذلك. وأخيراً يوجد النوع الكارثة وأطلق أنا عليه هذا الاسم لما يجره على فتياتنا الشرقيات من مصائب واتهامات وأحيانا اغتيالات، وهذا النوع هو النوع المطاطى الذى أشرنا إليه من قبل، والذى ينتظر معه العريس تدفق الدم ولكن بلا جدوى، فيرمى باللوم على المسكينة المظلومة وعلى أهلها اللى ماعرفوش يربوها. وهى فى الحقيقة تمتلك هذا النوع اللى جاب لها الكلام الذى له حكايات وقصص كثيرة، يذكر منها سيدنى سميث فى مجلة "الأمن العام" عدد يناير عام 1972 حالة سيدة تعمل بالدعارة بعد الممارسة لمدة ثلاث شهور، وكذلك حالة امرأة حامل وجد غشاء البكارة فيهما سليماً، كما يذكر تيلور فى العدد نفسه ثلاث حالات لعاهرات زاولن مهنة البغاء لمدة سبع وثمانى سنوات، ووجد غشاء البكارة فى كل حالة سليماً، وأكثر من ذلك فإن سهولة تمدد فتحة غشاء البكارة قد تسمح ليس فقط بالإيلاج الكلى بل أيضا بإخراج الأجنة فى حالات الإجهاض دون أن يتمزق الغشاء. أما فى حالة الحمل الكامل فقد اختلفت الآراء هل يسمح بمرور الجنين أم لا؟. ويرى معظم العلماء أنه يتعذر مرور جنين كامل دون أن يتمزق الغشاء. ويقولون جملة طريفة يصفون بها هذا الفض يقولون يرجع الفضل فى إزالة البكارة للابن وليس للأب! وهنا نتساءل مرة أخرى عن كون الغشاء علامة فارقة ودالة وأمينة ومتفردة على الشرف حيث مارست المذكورات الرذيلة برغم وجود الغشاء الحارس الأمين!.

غشاء البكارة لم يختص به الإنسان بل شاركته فيه بعض إناث ذوات الأربع خصوصا القردة، ولكن المجتمع الإنسانى هو الذى تفرد بالأساطير المنسوجة حول هذا الغشاء، وعن ربطه بالشرف، وأيضا هو الذى أخترع عملية جراحية لتزييفه وهى عملية الترقيع، والتى انتشرت انتشارا كبيراً فى الآونة الأخيرة لدرجة تخصص بعض أطباء النساء فى هذه العملية فقط، والتى تدر عليهم أرباحا كبيرة نتيجة للمتاجرة بفوبيا الشرف. إنه باختصار أغلى مقلب يشربه الرجل الشرقى وبالرغم من أنه هو الذى خلق وصنع هذه الأسطورة فإن هذه الخيوط الجراحية التى تلحم الغشاء تلحم معها كرامته حتى ولو كان متأكداً من أنها مزيفة.

وحكايات الترقيع كثيرة ونلتقط من كتاب "الانفجار الجنسى" للدكتور ياسر أيوب بعض أقوال العاهرات مثل: "قال بيقولوا الشرف لو راح ما بيرجعش"، وحكاية القوادة أم شطة التى طلب منها توفير فتاة بكر لأحد الأثرياء فلم تنشغل أم شطة بالبحث عن بكر فذهبت إلى الطبيب بعاهرة محترفة فأعادها بنت بنوت. وهكذا ظهرت للغشاء فوائد اقتصادية جمة فهو قد حل مشكلة بطالة الأطباء وأيضا العاهرات. وفى الآونة الأخيرة أثيرت قضية ترقيع الغشاء وهل هو حرام أم حلال؟ وهل هو من باب الستر أم من باب تزيين المعصية؟، وثار اللغط ما بين مؤيد ومعارض لدرجة تخصيص جلسات لمناقشة موضوع الرؤية الإسلامية للممارسات الطبية التى عقدت فى الكويت منذ عدة سنوات، وأدلى فيها بالرأى هناك الشيخ محمد الشنقيطى الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والشيخ عز الدين الخطيب التميمى، والدكتور محمد نعيم ياسين وغيرهم، وخلصوا إلى رأيين:

الأول: لا يجوز ترقيع الغشاء مطلقاً، لأنه أولا فى رأيهم يخلط الأنساب، وثانياً فيه إطلاع على منكر، وثالثاً رتق غشاء البكارة يسهل للفتيات ارتكاب جريمة الزنا لعلمهن بامكان رتق الغشاء بعد الجماع، ورابعا لأنه غش ومن غشنا فليس منا. وكل هذا فى رأى الرافضين اعتماد على قاعدتين فقهيتين هما درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والضرر لا يزال بالضرر.

أما القول الثانى الموافق على إجراء الترقيع فيعتمد على السبب، فإن كان سبب التمزق حادثة أو فعلاً لا يعتبر فى الشرع معصية، وإذا كانت الفتاة ستلاقى عنتاً وظلماً بسبب الأعراف والتقاليد، كان إجراؤه واجبا، وإذا كان السبب أنها مطلقة أو زانية اشتهر زناها بين الناس فإنه يحرم إجراؤه، وإذا كان السبب الزنا لم يشتهر بين الناس كان الطبيب مخيراً بين إجرائه وعدم إجرائه كما يقول د. نعيم ياسين، وقد اعتمد المبيحون للترقيع على:
أولا: النصوص الشرعية الدالة على مشروعية الستر ورتق الغشاء معين على هذا الستر.
ثانيا: المرأة البريئة إذا أجزنا لها الترقيع أو الرتق قفلنا باب سوء الظن فيها فيكون دفعا للظلم عنها.
ثالثا: رتق الغشاء يحقق المساواة بين الرجل والمرأة فكما أن الرجل مهما يفعل الفاحشة لا يترتب على فعله أى أثر مادى فى جسده ولا يثار حوله أى شك فكذلك ينبغى أن تكون المرأة وتحقيق العدل بينهما مقصد شرعى.

وبالطبع أثيرت كل هذه الخلافات لموقع الفتاة البكر المفضل على الثيب التى لا تملك هذا الغشاء، فالبكر فى الثقافة الإسلامية جمالياً وجنسيا مفضلة عن الثيب التىسبقلهاالزواج،والحديث هنا يطول والاستتشهادات لا حصر لها ولا عد، ولكن يحضرنى هنا سؤال غريب وصل للمفتى السابق نصر الدين واصل عن حكم بعض الرجال الأرستقراطيين المتزوجين الذين يجرون عمليات ترقيع لزوجاتهم لاستحضار طقوس الزفاف! وهنا تظهر أهمية الغشاء الذى أضفنا إليه وظيفة الإمتاع، برغم أن فضه علمياً لا يحمل أية متعة، بل يحمل على العكس ألماً، ولكن المهم أن هذا الخلاف السابق ما بين مؤيدى الترقيع ورافضيه أثير فى مصر بقوة وعنف حين صدرت فتوى جواز الترقيع للمغتصبة، وهاج وماج الكثيرون على هذه الفتوى، وحكموا على المغتصبة بأن تجرس وتنفضح برغم أنها الضحية، ذلك كله حفاظاً على سلامة البضاعة والتأكد من تاريخ الصلاحية.

يقودنا موضوع ترقيع المغتصبات إلى نتيجة أخرى، وهى أن الاغتصاب أثبت لنا أن شرف المرأة فى مصر يخضع للتقسيم الطبقى ففى دراسة مهمة للدكتور أحمد المجدوب أستاذ الاجتماع على ثلاث حالات اغتصاب شهيرة شغلت الرأى العام المصرى، كتب المجدوب عن كيفية تعامل واستقبال هذا الرأى العام لتلك الحالات. القضية الأولى هى القضية الشهيرة باسم "فتاة المعادى"، وهى الفتاة التى اغتصبها أربعة من عمال البناء الذين لمحوا أثناء سيرهم ليلاً بعد انتهاء عملهم شاباً وفتاة يمارسان فعلا فاضحا، وهو الأمر الذى أثارهم جنسياً، فاندفعوا نحوهما لينحيا الشاب جانبا ويحلون محله الواحد تلو الآخر، وبحثت الشرطة على الفور عن الجناة، وتابعت الصحافة باهتمام مذهل وحكم مسبق حشده له الرأى العام، فصدر الحكم على وجه السرعة بالإعدام. أما القضية الثانية فهى قضية "فتاة إمبابة" التى اغتصبها سبعة رجال بعد بضعة شهور من حادث المعادى، والحكاية أن المرأة وزوجها كانا لدى محاميهما فى مكتبه بشأن قضية لهما وعند نزولهما مع المحامى ليلاً خرج عليهم سبعة رجال اختطفوا السيدة وأخذوها فى عشة وتناوبوا اغتصابها حتى الصباح، وبعد القبض على الجناة انتظرنا أن تتحمس الصحف لفتاة إمبابة كما تحمست لفتاة المعادى، ولكن هيهات فقد لزمت الصحف الصمت، ومن اهتم ونشر كتب بالبنط الصغير، وصدر الحكم بسبع سنوات لكل منهم برغم أن الحالة الثانية كانت أخطر وأقسى فقد كانت سيدة إمبابة تمشى مع زوجها ومحاميها وبكامل ملابسها، وعدد المغتصبين سبعة، ولكن الفرق بين الحكمين هو الفرق بين المعادى وإمبابة. أما القضية الثالثة فقد كانت "فتاة العتبة" التى كانت تنتظر الأتوبيس فى موقف العتبة وأثناء الهرج والمرج الذى يحدث عند قدوم الأتوبيس، امتدت يد أحد العابثين إلى ما تحت ثيابها فصرخت وسقطت على الأرض وسقط فوقها بعض الركاب الذين اتهموا باغتصابها، وأصبح جسد فتاة العتبة مباحا للجميع، وسألتها بعض الصحف: هل فقدت بكارتك؟ بالطبع كانت مثل تلك الأسئلة حلالاً على فتاة العتبة وحراماً على فتاة المعادى لأن الثانية بنت ناس والأولى بنت بيئة! وهكذا خضع الشرف فى مصر للتقسيم الطبقى والتمييز العنصرى والظروف الاقتصادية.

وتعد جرائم الشرف من الجرائم التى دار حولها الجدل بشدة فى الآونة الأخيرة، فمرتكبها هنا يتعامل معه القانون بشيء من التمييز والدلع بعض الشيء، فالقانون يحترم الباعث على الجريمة فى حالة قتل الأخ لأخته فى جريمة شرف مثلا، وذلك لأننا كما ذكرنا من قبل أن متولى الذى قتل شفيقة بطل فى نظر الفلكلور المصرى ومذنب نص نص فى نظر القانون المصرى. وهذه المسألة لم تقتصر على مصر فقد شملت كل البلاد العربية، وكانت أعنف مظاهرها فى الأردن كما ذكرنا من قبل، حيث تموت كل عام أكثر من عشرين فتاة نتيجة ما يطلق عليه جرائم الشرف، وقد قاد أمراء من العائلة الملكية الهاشمية فى الأردن مظاهرة ضمت نحو خمسة آلاف شخص توجهت إلى مقر البرلمان الأردنى للمطالبة بإلغاء المادة 340 من قانون العقوبات، والتى تتيح لمرتكبى جرائم القتل بحجة الدفاع عن الشرف الحصول على أحكام مخففة، وبعدها تحدى عبد اللطيف عربيات العضو الإسلامى البارز هناك فى مؤتمر صحفى، وأعلن أن حزب الجبهة المعارض مستعد لعمل استفتاء، وهو متأكد أن النتيجة ستكون فى صالح الإبقاء على المادة. وأكد إبراهيم زايد الكيلانى رئيس لجنة العلماء بالحزب أن إلغاء المادة مخالف للشريعة الإسلامية وسيشجع على الانحلال.

ومن الأردن إلى مصر التى ما زال فيها حتى الآن تمييز قانونى بين الرجل والمرأة فى جرائم الشرف خصوصا فى مواد عقوبات جريمة الزنا، فالمفترض أن الجريمة أخلاقية يعاقب فيها الرجل مثله مثل المرأة ولكن الواقع غير ذلك ولنقرأ نصوص القانون:

 نص المادة 237 من قانون العقوبات كل من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها هى ومن يزنى معها فى الحال، يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة للقتل العمد، أى أن الجناية نزلت إلى جنحة، ولكن إذا فاجأت زوجة زوجها فى حالة زنا وقتلته تعاقب بعقوبة الجناية، ولا تستفيد من التخفيف الذى استعمل مع الزوج. وقد برر رجال القانون ذلك بأنها طبيعة الرجل الشرقى الغيور، ولم يفترضوا أن المرأة هى الأخرى كائن بشرى غيور، بل هى أكثر غيرة من الرجل، وكأن الرجل مباح له الثورة على عكس المرأة التى لابد أن ترضى بقضاها، وبهذا من الممكن أن يحكم عليها بالإعدام على الجريمة نفسها التى يعاقب عليها الزوج بثلاث سنين سجناً‍!.
 نص المادة 273 لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها، إلا أنه إذا زنى الزوج فى المسكن المقيم فيه مع زوجته لا تسمع دعواها عليه.
 نص المادة 274 المرأة المتزوجة التى ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت!.

مما سبق نرى أن المشرع اشترط لقيام جريمة زنا الزوج أن تتم فى منزل الزوجية، ولابد أن تثبت عليه التهمة، أما الزوجة فعقابها فى جريمة الزنا يقع فى أى مكان وتعاقب عليها فى أى مكان، وذلك بالرغم من أن الجريمة واحدة، ولكننا نرى العقاب مختلفاً، فالمرأة تحبس لمدة سنتين والرجل ستة شهور، وهذا التمييز واضح وجلى، ونتساءل هنا: هل تلك من بين إجراءات القوامة؟، وإذا كان المرأة ناقصة عقل، فلماذا لا يخففون عنها العقوبة انطلاقا من مبدأ ليس على المجنون حرج !! أم أن المسألة اعتناق تفسيرات عندما تكون فى صالح الرجل، وإهمال تفسيرات أخرى عندما تكون ضده؟!.

وليست عقوبة جرائم الزنا هى التى يتم فيها التمييز بين الرجل والمرأة فقط، ولكن جريمة الدعارة أو تعود ممارسة الفحشاء هى الأخرى فيها تمييز واضح ومجحف بين الرجل والمرأة. فالرجل الذى يمارس الدعارة والفحشاء مع الأنثى يعتبر شاهداً، أما الأنثى التى كانت معه تعاقب بالحبس لمدة ثلاث سنوات. وهذا للأسف مثبت بحكم محكمة النقض بجلسة 3/6/1963 والذى يقول لما كان الحكم قد أقام الحجة بما أورده من أسباب سالفة على مقارفة الطاعنة الفحشاء مع الرجل الذى كان معها وقت الضبط، ووجودهما معا فى حالة تنبىء بذاتها على وقوع هذه الجريمة، واستظهر ركن العادة بالنسبة إلى جريمتى إدارة المحل للدعارة وممارستها بما استخلصه من شهادة شاهد من سابقة تردده عدة مرات لارتكاب الفاحشة معها، فلا تثريب على المحكمة إن هى عولت فى إثبات هذا الركن على شهادة الشهود، طالما أن القانون لا يستلزم لثبوته طريقة معينة فى الإثبات.

وذلك يعنى باختصار وبدون الدخول فى مصطلحات قانونية أن الذى مارس معها الدعارة أخذ برأيه كشاهد على تردده أكثر من مرة بفرض الممارسة فثبت ركن الاعتياد لممارسة الدعارة، أى أن الرجل أرضى مزاجه ثم ذهب إلى المحكمة معززاً مكرماً، كشاهد ويمكن يكون أتعزم على شاى وسندوتشات، بينما المرأة التى شاركته الفعل نفسه، والوقت نفسه تنظر إليه بحسرة من خلف القفص الحديدى، ولأننا نعشق الكسل فقد استرحنا عندما إختصرنا شرف المرأة فى مجرد غشاء، وهو أكبر وأعمق من ذلك بكثير، وبرغم رقة هذا الغشاء ودقته، فإنه غليظ فى مشاكله ومعقد فى الأساطير المنسوجة حوله، ولذلك سيظل عود الكبريت مولعاً لا نعرف هل هو يضيء لنا أم يحرق أيدينا ؟ هل هو نور أم لهب؟.

وسنظل نحن أيضا نردد طول العمر:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.

العنف ضد العانس المنبوذة

أعتقد أن لفظ العانس بما يحمله من دلالات فى مصر والمنطقة العربية هو من أشد أنواع العنف المعنوى الذى يمارسه المجتمع ضد المرأة، وأعتقد أن علم الأنثربولوجى (علم دراسة الإنسان) سيتوقف كثيراً أمام مجتمعنا ويقسم البشر هنا إلى ثلاثة أجناس بدلاً من جنسين، وهم الرجل والمرأة والعانس. فالعانس، خصوصا المصرية، كائن له خصائص مميزة يسبغها عليها المجتمع منذ أن تلتصق بها هذه الصفة المرعبة، فالمجتمع ينظر إليها نظرة هى مزيج من الشفقة والخوف والسخرية، والشفقة على حالها البائس الذى جعل القطار يفوتها، والخوف منها فهى فى نظر الجميع شخصية سيكوباتية مريضة ذات عين حاسدة، وقلب حاقد، ورغبة مدمرة فى إيذاء الآخرين الذين حازوا على سام الزواج، وانتصروا فى معركة الاقتران الدائم، والسخرية من عبطها وغلبها وحيلتها القليلة وفشلها فى الإيقاع بعريس لقطة أو الحصول على جوازة سقع.

وتصنع تلك النظرات قفصاً حديدياً تسجن فيه العانس مهما تتفوق فى حياتها العلمية والمهنية، فالمكتوب عليها هو أن تتحرك فى إطار القفص الضيق الذى تلونت قضبانه بالعيون المشفقة والخانقة والفضولية التى تتهمها على الدوام، بأنها تخاصم الجمال، وهذا ما طفش العرسان تطبيقا للمثل القائل: "لو كان فيها الخير ما كان رماها الطير"، ولا يسأل هؤلاء المشفقون والخائفون والساخرون أنفسهم مجرد سؤال، لماذا لا نعتبر العانس ضحية لحظة صدق مع النفس خيرت فيها بين الأذعان لرغبات الزبون العريس وبين احترامها لنفسها، ففضلت الاختيار الثانى؟. إن كثيرا من العانسات آنسات عوانس بإرادتهن، ولكنهن عندما اتخذن القرار اتخذنه فى البداية عن اقتناع ولكن رويداً عندما زحفت عليهن تجاعيد الزمن والناس وقررن الانسحاب لأن المجتمع أصابهن بفيروس الندم المزمن.

ستة ملايين امرأة وحيدة فى مصر بدون زواج.. هذا هو ما ذكرته أحدث دراسة صدرت عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، من هؤلاء ملايين ونصف المليون عانس، ومليون مطلقة، ومليون معلقة تنظر المحكمة قضاياهن، ونصف مليون أرملة. وبالطبع كل التعريفات السابقة محددة ومعروفة إلا العانس فسن الزواج الذى يحدد على أساسه التعريف مطاطة ومرنة. وتعريف العانس بداية لى عليه تحفظ، فالعنوسة ليست مسألة سن فقط ولكنها مسألة إحساس أيضاً أو بالأصح مسألة إحساس فى المقام الأول، يسيطر هذا الإحساس على الفتاة حتى ولو لم تتخط سن العشرين ربيعاً، فبمجرد تخرج الفتاة من الجامعة إذا كانت متعلمة، وقبل ذلك إذا لم تكن متعلمة تعليماً عالياً تبدأ الأسرة فى ممارسة استراتيجية الانزعاج والخضة، وينتابها الرعب على مستقبل البنت، فتبدأ الأم غالبا فى رسم ملامح الخطة، خطة الهروب من سجن العنوسة إلى شاطىء الزواج الميمون. أما عن ملامح وعناصر هذه الخطة فهى متشعبة وتختلف باختلاف الظروف، فبالنسبة للملابس على سبيل المثال تجس الأم النبض لتمشى مع التيار السائد، وعلى أساسه تطيل الملابس أو تقصرها أو تفرض الحجاب أو تنصح بالاستريتش !.

بعد مرحلة الملابس يأتى الدور على المرحلة التى تثير القلق والرعب فى قلوب وأوصال الأسرة، وهى مرحلة السؤال الخالد :كيف ستتعرف البنت على فتى أحلامها؟ وهذه بالطبع مشكلة عويصة ولكن الأسرة عندنا وجدت الحل الجاهز فى خطط منوعة ومهينه، فمنها ما يوضع بإحكام بحيث يقع العريس فى المصيدة ولكن بدون أن تكون البنت "مدلوقة" عليه أو بالبلدى "رامية جتتها عليه"، وليس أنسب من الأفراح للقاء وسط جمع غفير من الناس يسمح باستعراض الجسم والزى وخفة الدم إلى آخر العناصر الجاذبة. وبالطبع تكون الشاطرة من وجهة نظرهن هى التى تلقط رزقها وتكسب زبون أى عريس ! ثم تأتى بعد ذلك مرحلة الطناش والتى تتغافل فيها بعض الأسر عمداً عن لقاءات البنت مع العريس المنتظر، وتأجيل تكشير الأنياب أملا فى الزواج الأتى، وتأجيل الحمشنة حتى لا يفوت البنت قطار الزواج. وصدقونى أنا لا أصف هذه المراحل للإدانة ولكن فقط لإثبات حالة، ولوصف واقع لا يقبل للمرأة إلا أن تكون أنثى فقط وليست إنسانة لها هويتها وكرامتها ونقاط تميزها وتفردها!.

من المؤكد عزيزى القارىء أن يقفز إلى ذهنك هذا السؤال، لماذا نتكلم عن العانس ولا نتكلم عن العازب؟!

الرد ببساطة هو لأن المجتمع يعاقب العانس ويتسامح مع العازب، فالعرف والتقاليد منحت الرجل حقا فى أن يكون هو الباحث الطالب وسلبت من المرأة المهلة الممنوحة لها للاختيار وهى طويلة وممتدة بامتداد العمر كله منذ سنوات النضج حتى الشيخوخة، يبحث فيها كيفما يشاء ووقت أن يأتى له مزاجه أو تطق فى دماغه يرتبط، أما المرأة فلها تاريخ صلاحية محدد ومعين فقد كتبه المجتمع وختمه بختم الشركة المنتجة. وإذا تعدت المرأة السن القانونية أو انتهت صلاحيتها تهاجم حياتها مباحث التموين العاطفية، وتقلب حياتها رأسا على عقب باسم التقاليد.

أما أهم ما يجعلنا نتعرض لقضية العانس وليس العازب، فهو اختلاف النظرة إلى الزواج نفسه وتغير فلسفته من الرجل إلى المرأة، فالرجل عندنا يقول سأحقق ذاتى ثم أتزوج، ونسمع منه هذه العبارة المأثورة أنا بأكون نفسى، أما الفتاة فتقول سأتزوج لأحقق ذاتى، وهنا يكمن الفرق فتحقيق ذات الفتاة هو من وجهة نظرنا ونظرها فى الزواج وفى الزواج فقط، وليس فى العمل مثلاً أليس الزواج سترا وغطاء؟.

الزواج فى الغرب للمرأة هو لجوء للحب والتفاهم والإحساس بالأمان، أما عندنا فهو للهروب من كلمة عانس واعترافا بسيادة الرجل المطلقة على ساحة الحياة، وبنظرة سريعة على الأمثال العربية نستطيع أن نلمس ذلك الخوف وتلك السيادة. فمثلا نقول: "ضل راجل ولا ضل حيطة"، و "أقل الرجال يغنى النساء"، و "الراجل بالبيت نعمة ولو كان فحمة"، و "زوج من عود خير من قعود"، و "أبويا وطانى وجوزى علانى"، و "هات العريس وخد نصه"، و "اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك"، و "دور مع الأيام إذا دارت وخد بنت الأجاويد إذا بارت"، و "بنتى فى طبريا وهمها واصل ليا"، و "اقعدى فى عشك حتى ييجى اللى ينشك".. إلخ.

كل هذا وغيره قد قيل فى الفتاة التى تولد وتقذف من رحم الأم إلى الحياة وتحمل وشماً مزمناً، وهما دائماً، هو هم تزويجها، ولكن للأسف المبادرة ليست فى يدها، وهنا يتم اللجوء من أجل فك النحس لقراءة الفنجان ووشوشة الودع وفك الأعمال، فكلما زاد القهر تضخمت الخرافة، وبذلك تصبح المرأة كالسلعة، فهناك امرأة على الزيرو، وامرأة نصف عمر، وامرأة روبابيكيا، وهذه النظرة السلعية للمرأة هى التى تجعلها أسيرة المرآة تنظر إليها كل صباح حتى تطمئن هل زحفت التجاعيد؟ هل ما زلت مطلوبة؟ هل يحن على العريس المنتظر، أم أننى سأكون مثل أبطال مسرحية فى انتظار جودو، ينتظرون المستحيل الذى لا يأتى أبداً.

وتاريخ العنوسة طويل وممتد بطول وامتداد الحياة البشرية نفسها، لدرجة أننا نلاحظ بداية توثيق تلك النظرية الدونية للعانس على آثار بابل حيث تم العثور على تلك الكلمات منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام: "الفتاة التى تتزوج نملة أفضل من الفتاة التى تحيا وتموت وعلى قبرها كلمة عانس"، أما فى بلاد فارس فلم تكن الدولة تشجع الفتيات على البقاء عذارى، ولذلك سنت قانوناً عرف بقانون الزواج الإجبارى الذى بموجبه أرغم كل عازب على الاقتران لدى بلوغه سناً معيناً شاء أو رفض عن طريق لجنة تقوم بجمع الفتيات البالغات فى كل سنة، وتدعو الشباب لاختيار عرائسهم بعد تقسيم الفتيات إلى ثلاث أصناف:

الجميلة والمتوسطة والقبيحة، ثم تقسم بالتالى كل فئة إلى متعلمة وجاهلة، ثم تقف الفتيات فى صفوف وتعرض على الشبان وفق الشروط والتصفيات، وكانت الأسعار وقتها متهاودة، فالجميلة المتعلمة ثمنها ألف دينار يدفعها طالبها إلى اللجنة، أما الجميلة الجاهلة فخمسمائة دينار، وهكذا حتى نصل إلى ذيل القائمة حيث القبيحة الجاهلة والتى يبلغ ثمنها ألف دينار مع مراعاة أن من يدفع هذه المرة هو اللجنة نفسها؟ وأعتقد أن هذا التقسيم قد انتقلت عدواه من فارس إلى مجتمعنا، ولكن الفرق أنهم قديما كانوا صرحاء فى التصنيف، أما الآن فنحن نصنف ونسعر أيضا وكأننا فى مزاد ولكنه مزاد سرى. أما عشائر الأزتك وهم السكان الأصليون للمكسيك فكانت تقاليدهم تقضى بوجوب زواج الفتاة قبل سن الثامنة عشرة، ومن تحيد أو تخرج عن هذا التقليد يتم حلاقة شعرها دلالة على مهانتها، أما عند بعض طوائف الهنود فكان كبارهم يفرضون على من لم يزوج ابنته بعد بلوغها الثانية عشرة من عمرها أن يشرب إفراز حيضها شهراً بعد شهر ويتوقف فقط عند زواجها، وبالطبع كان الرجال يسارعون بتزويج بناتهم بمنتهى السرعة، أما أغرب حكايات العنوسة فهى العنوسة الجماعية التى يحكيها لنا شعراء اليونان عن شعب كله من الإناث كان يعيش على البحر الأسود ويسمى شعب الأمازون تحكمه ملكة ويحمى بلاده جيش من النساء، يركبن الخيل، ويضربن بالسيف، ولا تنقطع غاراتهم عن الجيران، وهن لا يسمحن لرجل بأن يقيم فى مملكتهن، ولكنهن وحفاظاً على بقائهن كن يهاجرن أفواجاً فى كل عام ويتصلن برجال الأمم الأخرى ثم يلدن فيقتلن الذكور ويستبقين الإناث.

كانت الخاطبة هى الحل السحرى لما ذكرناه من هلع ورعب أسرى نتيجة العنوسة، ولكن الآن تم ركنها على الرف وتم إسناد الوظيفة للجرائد وأبواب إعلانات الزواج فيها، وإعلانات الزواج هى الاسم المودرن لما كان يسمى قديما التشبيب، وهى ظاهرة كانت منتشرة فى الجزيرة العربية قديماً، فكان إذا تأخر زواج البنت وخيف كسادها كان يطلب إلى شاعر مشهور أن يشبب بها للترغيب فى خطبتها حتى لا يفوتها قطار الزواج أو باللغة القديمة جمل الزواج. ومن أشهر هؤلاء الشعراء الأعشى، وبالطبع كان لا يتم إلا فى نساء العامة أما نساء الخاصة ممن على رأسهن ريشة فيمتنع التشبيب بهن، وقد تعرض شعراء كثيرون للقتل نتيجة هذا التشبيب مثل الشاعر وضاح اليمنى الذى قتل نتيجة تشبيبه بزوجة الوليد بن عبد الملك.

قراءة ما جاء فى الجلسة الخاصة بصحة المرأة فى المؤتمر السكانى العالمى 1994 يؤكد صورة المرأة الإنسان وليست المرأة الصيد أو السلعة. قالت رئيسة المؤتمر ليس من المعقول ونحن فى نهاية القرن العشرين أن يظل هناك اختلاف فى توزيع السلطة بين الرجل والمرأة، وأن يبقى المفهوم السائد بأن الرجال أشد، وأن النساء خاضعات ودورهن مقتصر على الإنجاب فقط، صحيح أن أحد أدوار المرأة هو التكاثر لكن المشكلة أننا نغرس مفهوماً أساسياً فى أذهان النساء بأن الطريق الوحيد لتكامل المرأة هو أمومتها، وهذا خطأ فالمرأة تعد نفسها للزواج والاعتماد على ذاتها خارج إطار الزواج عن طريق سلاحى العلم والعمل فلقد انتهى زمن الزواج كسلعة.

إذا الزواج مشاركة ما بين كيانين متساويين، وليس بيزنس ما بين سمسار و دادة، ولأن المجتمع هو الذى أحدث الجرح ووضع الملح فيه كان لابد أن يفرز حلولا مزيفة لمشاكل العانس، أولها نداء الغريزة فكان حل الزواج العرفى الذى يمنح بورقته التى لا تساوى ثمن الحبر الذى كتبت به اطمئنانا كاذباً. والمأساة أن هذه الورقة يكتبها نحو عشرين ألف حالة سنويا، وتظلم فيها المرأة التى لا تجد فيها أمنا ولا أمانا بل تلاعباً بمشاعرها وحاضرها، ولهواً بمستقبلها وتكريساً لدونيتها، يدفعها إلى ذلك خوفها المرعب من بعبع كلمة آنسة أو عانسة، إنها تدفع ثمن شىء لم تكن فى أية لحظة مسئولة عنه، وتذهب ضحية عرف اجتماعى لم تكن هى صانعته، ولأنها تعيش فى مجتمع يؤمن بأن الزواج قسمة ونصيب، فكان عليها أن تظل واضعة يدها على خدها انتظارا لتلك القسمة، وتمنيا لذلك النصيب، ولكنها لم تكن تعرف أن القسمة هى قسمة يأخذ فيها الرجل كل الكعكة، ونصيب لا يصيب برذاذه الطائش وشظاياه الحارقة سوى جسد وروح امرأة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى