
«الرواية المتحفيّة» لجمانة الطراونة
تتناول الشاعرة والباحثة الأردنية جمانة الطراونة في كتابها الجديد «الرواية المتحفيّة» العلاقة بين المتحف والنص السردي، من خلال دراسة تحليلية لرواية «صابرة وأصيلة» للكاتبة العُمانية غالية آل سعيد، محاولةً تأصيل مفهوم «الرواية المتحفيّة» كنوع سردي يستند إلى موروث ماديّ وثقافيّ يمكن تمثيله بصريًّا داخل المتحف.
الكتاب، الذي صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، بالأردن (2025) في 128 صفحة، تضمّن مقدمة أكاديمية للناقد العراقي الدكتور سعد التميمي، أستاذ النقد في الجامعة المستنصرية ببغداد، أشار فيها إلى أن الطراونة «أسّست في هذا العمل مفاهيم نقدية جديدة، وقدّمت دراسة متفردة في موضوعها ومعالجتها؛ إذ تعرض الرواية شخصياتها كما تُعرض القطع في المتحف: بدقّة وحيادية، ومن دون مبالغات درامية، بل بإضاءة سردية بصريّة تمنح القارئ إحساسًا بأنه يرى الشخصيات كما يرى التماثيل أو الصور القديمة، يتأملها، يفكّ شفراتها، ويقارنها بالحاضر».
ويؤكد التميمي أن الكتاب يُعدّ «جهدًا نقديًا جادًا ينتمي إلى حقل النقد الثقافي الحديث، ويشكّل إضافة نوعية في الربط بين التراث والسرد، وبين الذاكرة والمادة من جهة، وبين الحكي والتوثيق من جهة أخرى، كما يؤسّس لاتجاه جديد في قراءة النصوص الروائية من منظور ثقافي بصري مادي، يعيد الاعتبار للتراث المحلي بوصفه منبعًا للهوية، ومصدرًا للإبداع، وسياقًا مفتوحًا للحوار الحضاري».
وفي مقدمتها للكتاب، تُعرّف المؤلفة مصطلح «الرواية المتحفيّة» على أنّه نوع سردي يستند إلى موروثٍ ماديٍّ، سواء أكان شخصيًا أو تاريخيًا، يُترجم بصريًا في شكل مقتنيات معروضة داخل متحف، فتتداخل حدود السرد الروائي مع الفضاء المتحفي. وترى الطراونة أن العلاقة بين الرواية والمتحف يمكن أن تتشكّل بعدة طرائق: فقد تُكتب الرواية أولًا، ثم يُؤسس لها متحف، أو يُنشأ المتحف وتُنسج الرواية استنادًا إلى معروضاته، أو تُستلهم الرواية من متحف قائم تدور فيه أحداثها. وتعيد «الرواية المتحفية» بذلك بناء الماضي بأسلوب توثيقي وجمالي في آن، حيث تُعامل الشخصيات والأحداث كقطع متحفية، وتُعرض بتأنٍ ودقّة، من منظور ثقافي أو تاريخي.
تتميّز الرواية المتحفيّة – بحسب الطراونة – بالسرد البصري، والإحالة إلى الذاكرة الجمعية، وتجسيد الأمكنة كأنّها قطع متحف حيّة، والعناية الفائقة بالتفاصيل المادية: كالأشياء، والملابس، والبيئات، والأماكن، بما يجعل القارئ يتجوّل في فضاء سرديّ شبيه بفضاء المتحف. كما يستند هذا النمط السردي إلى أحداث حقيقية، وشخصيات واقعية، وأرشيف حقيقي يُعرض بأسلوب أدبي بصري محايد، بعيدًا عن العاطفة أو التهويل.
تُركّز المؤلفة في دراستها على رواية «صابرة وأصيلة»، وهي الرواية الثانية لغالية آل سعيد، وقد صدرت عام 2008 عن دار رياض الريّس للكتب والنشر في بيروت. وتقارن الطراونة بين الرواية وبين المتحف الذي أنشأته الكاتبة تحت عنوان «متحف المكان والناس»، والذي كان يُعرف سابقًا باسم «متحف غالية للفنون الحديثة». يقع المتحف في منطقة مطرح التاريخية في العاصمة العُمانية مسقط، على مقربة من قلعتها الشهيرة، وعلى الكورنيش المطلّ على بحر عُمان، ويوثق الحياة اليومية في سلطنة عُمان خلال الفترة الممتدة من خمسينيات القرن العشرين حتى منتصف السبعينيات.
وترى المؤلفة أن غالية آل سعيد، وقد استشعرت التغيرات السريعة واختفاء كثير من ملامح الحياة العمانية التقليدية، أنشأت المتحف ليكون سجلًا أمينًا لذاكرة الناس والمكان، يجمع بين التوثيق البصري والحنين الثقافي.
ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين:
القسم الأول: يتناول متحف «المكان والناس» الذي افتتح عام 2011، ويتوقّف عند خصوصيته بوصفه متحفًا يعرض مقتنيات أصلية لا نماذج مقلّدة، ويقدّمها بأسلوب عرض حديث وجاذب.
القسم الثاني: يرصد تطوّر الرواية العربية ونشأتها، وتأثير القصّ القرآني فيها، ثم ينتقل إلى تحليل رواية «صابرة وأصيلة» من منظور «الرواية المتحفيّة»، متوقّفًا عند دور الرواية في توثيق تفاصيل الحياة العُمانية، واستلهامها الموروث، واستثمارها السردي للزمن والمكان، ضمن مقاربة تطبيقية بين الرواية والمتحف.
كما يتناول الكتاب قضايا ذات صلة، مثل:
– مفهوم التراث وأهميته في الثقافة الإسلامية، وارتباطه التأسيسي بالقرآن الكريم.
– دور حفظ التراث في تفسير الحاضر والمساهمة في التنمية المستدامة.
– جهود سلطنة عمان في توظيف التراث غير المادي في خدمة الثقافة والتنمية، ومبادراتها لإدراج عناصر من تراثها في القائمة التمثيلية للتراث الإنساني لدى اليونسكو.
– عرض لأبرز المتاحف العُمانية، مثل: متحف «عُمان عبر الزمان»، و«المتحف الوطني»، و«متحف التاريخ الطبيعي»، و«متحف قوات السلطان المسلحة»، و«متحف بوابة مسقط»، و«متحف الطفل»، و«المتحف العُماني الفرنسي»، و«متحف العملات النقدية»، و«متحف النفط والغاز»، وغيرها، إضافة إلى البيوت التراثية، بما يعكس اهتمام السلطنة بالتراث بوصفه ذاكرة الأمة وعنوان أصالتها.
يُعدّ كتاب «الرواية المتحفيّة» مساهمة نوعية في حقل الدراسات السردية الثقافية، ويطرح مفهومًا نقديًا جديدًا يعيد النظر في علاقة النص الروائي بالفضاء المادي، ويعكس وعيًا بأهمية المتحف بوصفه وسيطًا بصريًا وثقافيًا يسهم في إعادة سرد الهوية وتثبيت معالمها في الوجدان.