الزورق المنسيّ!
كَانَ البَحرُ هادِئًا وَالبَحَّارَةُ يَشرَبونَ فِي الحَاناتِ
وَيَغنونَ:
"فِي إِحدى المُدُنِ تَرَكتُكِ هُناكَ
أَنا لا أَعرِفُ أَينَها!"
وَيَقهَقهونَ
كَانَ الفَصلُ فَصلَ الخَريفِ وَكانَ البَحرُ خالِيًا مِنَ الأَمواجِ
وَعَلى الرِملِ كانَ أَطفالٌ يَلعَبونَ
لَم تَكُنِ النَوارِسُ أُمَهاتِهِم لَم تَكُن أُخواتُهُمُ الحَماماتُ
كانَ الأَطفالُ يَلعَبونَ وَيَصرَخونَ
وَفِي الحَاناتِ نَسِيَ البَحَّارَةُ أَينَ هِيَ البَحارُ
أَخَذوا يَرقُصونَ وَيَصرَخونَ
كَالأَطفالِ
وَعَلى الشاطِئِ زورقٌ مُنسِيٌّ
أَزرَقُ المِجذافِ
قُربَ قَميصٍ نِصفُهُ فِي الرِملِ
عَلى بُعدِ مِترَينِ مِن مَوجَةٍ لا تَموجُ
مِن صَندَلٍ مِن دونِ نَعلٍ
وَمِن ضَمائِرِنا الَتي تَرقُدُ فِي القُبورِ
زورقٌ مُنسِيٌّ
وَبَحَّارَةٌ نَسوا ما البَحرُ
وَأَطفالٌ يَلعَبونَ
كانَت هَذهِ هِيَ أَشياؤُنا المُبَعثَرَةُ
هُنا وَهُناكَ
اهتِماماتُنا الَتي لَم تَعُد
أَسرارُنا الَتي لا نَبوحُ بِها لِلرِمالِ
أَفكارُنا الَتي لَن تَتَشَكَلَ
فِي الأَبعادِ
شَفّافَةٌ شَفافِيَةُ العَبثِ الأَزرَقِ
الَذي تَلبَسُهُ المَومِساتُ
لِيَحمِينَ سِيقانَهُنَّ مِن بَردِ الحُبِّ
فِي مَساءاتِ يافا المَدينَةِ المَومِسَةِ المَدينَةِ البَتولَةِ ماخورِ العاشِقاتِ الطَيباتِ وَلَم يَكُنِ البَحَّارَةُ يَعرِفونَ
وَكَذلِكَ لَم يَكُنِ الأَطفالُ
كانوا يَرقُصونَ وَيَصرَخونَ
وَكَأَنَهُم يَحتَفِلونَ بِعيدِ المَوتِ
وَيَرقُصونَ وَيَغنونَ:
"فِي إِحدى المُدُنِ تَرَكتُكِ هُناكَ
أَنا لا أَعرِفُ أَينَها!"
وَيَقهَقهونَ
وَفِي العالَمِ الأَصداءُ
وَفِي الرُوحِ مَعاناةُ الرُوحِ
وَفِي القارِبِ المُنسِيِّ جَسدُكِ المُمَدَّدُ
بِانتِظارٍ
جَسدُكِ المَومِسِيُّ
جَسدُكِ البَتولِيُّ
هُناكَ قُربَ بَحرٍ بِلا أَمواجٍ
وَصَندَلٍ مِن دونِ نَعلٍ
وَضَمائِرِنا الَتي تَنامُ…