الشاعر عبد الله السيد شرف ونهر الذكريات ...
فور أن تسلمت نسخة من كتاب :" المختار من أشعار عبد الله السيد شرف " - الذي قمت بإعداده - ؛ وتصفحي صفحاته - بعد طباعته - وجدت زخمًا من ذكرياتي مع الشاعر ، الكبير ، الأثير .. تأخذني إلى أيام عزيزة إلى نفسي ؛ وتسيطر على جوانحي .
وجه عبد الله ، الملائكي ؛ بابتسامته ، النورانية التي تؤسر كل من يقابله ، أو يمكث معه ثوان قليلة . يبث الحب من قلبه ، الطهور إلى كل أحبابه لا يضن عليهم بما يستطيع أن يقدمه إلى أصدقائه أو زواره .
بيته في "صناديد" ؛ مفتوح لكل من يزوره ؛ لا يصد أحدًا أو يند عنه تصرف يضيق به ضيفه . يتحمل سخافات البعض ؛ من حيائه وأريحيته.
الحجرة التي يستقبل فيها زائريه ؛ تعمر- كل يوم الجمعة - بأصدقائه الشعراء والأدباء من كل محافظات مصر . يحوطهم بحبه وكرمه ، المفرط .
كان ينتظرني في " موقف أحمد حلمي " ، الأديب - الخلوق - " جمعة محمد جمعة " - صباح يوم الجمعة - كي نسافر سويًا إلى " صناديد " ؛ لنلتقي به ، ونقضي معه ساعات جميلة ؛ نأتنس بروحه الشفيفة . وفي أحايين كثيرة ؛ يفاجأ الحضور بقصيدة جديدة ؛ يشدو بها ؛ بصوته ؛ المميز . يصر أن يقرأ أصدقائه ؛ بجديدهم من إبداع .
يشجع - دومًا - المواهب الغضة ؛ ولا يجرحهم بنقد شديد اللهجة . حنون عليهم ؛ حتى لا يحبطهم أو يهدم موهبتهم الخضراء .
لم تقتصر زيارتي له على يوم الجمعة ؛ لكن عندما تسمح الظروف .أزوره في أيام أخرى ؛ دون ميعاد مسبق ؛ أجده بشوشًا ، مرحبًا بزيارتي . لا أستطيع الفكاك من كرمه - البالغ - ثم أفضفض ما يعتمل بداخلي من هموم أو مشاكل . أسترشد برأيه الراجح ، الفطن .
لا يشعرك أبدًا ، بهمومه أو آلامه ؛ الصبر والصبر ديدنه ؛ لا يتململ من قيده ومحبسه الذي كُتب عليه .
آخذ منه التفاؤل ؛ وأتعلم منه الصبر والتجلد في مواجهة المكتوب . على المرء أن يتحلى بالإرادة والصبر في مواجهة المنغصات الحياتية .
أحببت - عبد الله شرف - الإنسان والمبدع . لا تنفصم إنسانيته عن إبداعه الشعري. شعره له عبقه الخاص ؛ ينساب إلى حبة قلبي ؛ بيسر وسلاسة . كان شعره ؛ في البدايات ، يهتم بذاته وآلامه الخاصة ؛ ثم انفتح إلى الهم العام . يقرأ في كل زمان ومكان ؛ أي أنه عالمي الإبداع . والله هذا ما أراه ؛ وبحق .
شغله إنجاز موسوعة ؛ تضم شعراء مصر - منذ 1900 حتى 1990- بمجهوده المنفرد ؛ أخذ الكثير من وقته ؛ في تحقيق هذا الحلم ؛ لكنه جابه معوقات ؛ لنشر حلمه لم يستطع أن ينشر سوى نسخة مختصرة ، مقصورة على الشعراء المتوفيين فقط .. وترك الموسوعة بجزأيها في حوزة ورثته ؛ ورغم مرور أكثر من اثنى عشر عامًا على وفاته ؛ ما زالت قابعة وسط أوراقه ؛ تنتظر النشر .
لم تمنعه ظروفه ، الصحية من الحضور إلى الندوات والأمسيات الشعرية في القاهرة ؛ كان أول لقاء به ، بعد أول رسالة أرسلتها له ، في رابطة الأدب الحديث . تكبد أن يحمل إلى مقر الرابطة - في الدور الثالث - بمناسبة ، صدور ديوانه " تأملات في وجه ملائكي " ؛ قرأت الدراسات النقدية من بعض الحضور ؛ فوجئت أنه يبحث عني ؛ ويسأل : أين وائل .
من بدء تعارفنا، أصبح عبد الله شرف - رحمه الله - صديقي الحميم بل أخي الأكبر الذي أحبه وأجله .
لا أنسى ما حدث في إحدى أمسيات معرض الكتاب - الشعرية - بعد انتهاء الضيوف العرب من إلقاء قصائدهم على جمهور الحضور ؛ انسحبت كاميرات التليفزيون . خفف ضوء القاعة ؛ كان تصرفًا صادمًا ، لعبد الله ؛ لكنه لم يبتأس وشدا بقصائده الفارعة ،التي حازت قبول الحضور .
رحمة الله عليك يا عبد الله شرف .. ألم يحن بعد ، أن تصدر أعماله الكاملة في طبعة قشيبة ؛ تليق بمبدع كبير ، نفتقده في المشهد الأدبي المعاصر .