السبت ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
قرأت لكم
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

الصورة التلمودية لليهودية

في مقال سابق تطرقنا إلى إطار الصورة التلمودية لليهودية، وذكرنا بأننا سنتناول لاحقاً (بروتوكلات حكماء صهيون) إلا أننا أرجأنا ذلك حتى نضع جوهرالصورة الحقيقية داخل ذلك الإطار الذي نشرناه كما جاء في كتاب: (القدس من المنظور المعاصر) للأستاذ القرعي الذي يقول فيه:-
(إن مشكلتنا لم ولن تكون مع (اليهودية) التي جاء بها موسى- عليه السلام- فنحن المسلمين نؤمن باليهودية رسالة من رسالات السماء، بل لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن باليهودية كمعلم بارز من معالم طريق الدين الإلهي الواحد، وشريعة متميزة لبني إسرائيل.

ومشكلتنا ليست مع (توراة) موسى- عليه السلام- فقرآننا يعلمنا أنها تنزيل إلهي فيها هدى ونور. (إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ..) (المائدة /44).
ومشكلتنا ليست مع (الإنسان اليهودي). فحضارتنا الإسلامية هي التي جعلت من تعددية الشرائع والملل والشعوب والقبائل والأجناس والألوان والألسنة واللغات والقوميات والمناهج والثقافات والحضارات سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، ووضعت هذه السنة النبوية في الممارسة والتطبيق قروناً طوالا، تمتع فيها اليهود بكنف الحضارة الإسلامية وأحضانها كما لم يحدث لهم في أي وطن من الأوطان أو حضارة من الحضارات، فأثروا وتاثروا..

مشكلتنا ليست مع اليهودية (الدين) ولا مع التوراة وشريعتها، ولا مع اليهود، وإنما مشكلتنا هي مع (الصورة التلمودية لليهودية)، تلك الشروح- الدينية والدنيوية- الجامعة للتراث اليهودي والذي دوّنه الحاخامات على امتداد 5.. عام، فعكَسَ نفسية الشتات وأحقاد اليهود على الأغيار، ومثل الفكرية الانعزالية للجماعات اليهودية- أي فكرية اليهودية الأرثوذكسية على وجه التحديد- وكما تم تدوين التلمود في قرون عديدة فلقد تنوع أيضاً باختلاف أماكن التدوين، فمنه التلمود البابلي، والتلمود الأورشليمي.. هذه الصورة التي نسخت ومسخت توحيد اليهودية فحولته إلى وثنية أحلت (يهوه) محل الله، ثم جعلته إلهاً لبني إسرائيل وحدهم، من دون الشعوب الأخرى التي لها آلهتها المغايرة والمتعددة..

ومشكلتنا هي مع (اليهودية الصهيونية) التي جردت اليهودية من (عموم الدين) وجعلتها ذروة (العنصرية) فأصبح المولود من أم يهودية- بحكم وحق الولادة البيولوجية- من شعب الله المختار، حتى لو كان ملحداً، أو ابن زنا، فنحن بإزاء (مشروع استيطاني) غربي النشأة والطبيعة والمقاصد، تبلور أول ما تبلور في (اللاهوت البروتستاني) الغربي انطلاقاً من الفكر الأسطوري حول (رؤيا يوحنا).
نعم، إن الوظيفة الصهيونية تصل آفاقها واختصاصاتها إلى الإسلام ويقظته، والأمة الإسلامية وعالمها، ولا تقف عند حدود الوطن الفلسطيني، ولا عرب ما بين الخليج والمحيط..
فايران- مثلاً وهي ليست عربية- ليست خارج المخطط الصهيوني، فعندما كان يحكمها الشاه كانت ركيزة للصهيونية، وهي في ظل النظام الإسلامي في مقدمة أعداء الصهيونية..

وتركيا- وهي ليست عربية- يعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني إبان الانتخابات التي تقدم فيها حزب الرفاه فيقول: (نحن منزعجون لتقدم الرفاه، نحن حريصون على بقاء تركيا علمانية!).
ومن منابر البرلمانات الأوربية- (البرلمان البولندي في 29/5/1992م)- يعلن رئيس دولة الكيان الصهيوني: (إسرائيل تصدت في الماضي لخطر الشيوعية والاتحاد السوفيتي، وأن لها دوراً في المستقبل، بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وهو التصدي لخطر الأصولية الإسلامية على نطاق منطقة الشرق الأوسط كلها.. إن العالم يجهل الخطر الأكبر الذي يهدده، وهو الأصولية الإسلامية)..

بل إن مشاريع الصهيونية لتفتيت الكيانات القطرية لأمتنا منذ عقد الأربعينات من القرن العشرين لا تقف عند تفتيت الوطن العربي وحده إنما ترسم وتسعى لتفتيت الدول الإسلامية من باكستان حتى المغرب..
فخطة المستشرق الصهيوني (برنارد لويس) تتحدث عن ضرورة تفتيت العالم بأسره إلى ذرات طائفية وعرقية (إثنية) في باكستان وإيران ولبنان والسودان والعراق وشبه الجزيرة العربية ومصر والجزائر والمغرب وسوريا الخ.. الخ.. وذلك حتى يكون كل كيان من هذه الكيانات أضعف من إسرائيل، فتضمن تفوقها لمدة نصف قرن على الأقل..

كيف لا وقد صدر عن وزير خارجية إسرائيل أبا إيبان في باريس سنة 1967م وقبل أشهر قليلة من عدوان يونيو حزيران من تلك السنة حينما سئل عن أهم الدعامات للاستراتيجية الصهيونية الإسرائيلية التي تكفل بقاء إسرائيل في قلب المنطقة العربية الواسعة المعادية، فأجاب باختصار بليغ: إن أهم هذه الدعامات هي (بلقنة) المنطقة العربية، أي إبقاؤها كالبلقان مجزأة مفتتة!!..

نعم، لقد أخطأنا بعدم توفير القوة اللازمة لدعم الخطاب، واكتفينا بالخطاب الكلامي وحده، وبدون قوة لا يستطيع كل مؤرخي وبلغاء ومحامي العالم استعادة حق ضائع، لقد سفه الناس خطابنا لأننا هزمنا أمام قوة صغيرة وفي زمن قياسي، ولو أننا انتصرنا لأصبح خطابنا المذكور مثالاً يحتذى، كنموذج للاصرار والتحدي، فهذه روما التي يتغنى الأوربيون باصرارها على تدمير قرطاجة، وفرضها على مجلس نوابها أن يختتم كل متكلم كلامه بعبارة: (ومع ذلك لابد من تدمير قرطاجة) إلى أن دمرتها ونجحت في تحقيق هدفها، ولو فشلت في ذلك لكانت اليوم موضع اللوم والسخرية على هذا الحقد الشديد..

ولو رجعنا لمثال في تاريخنا الحديث لرأينا موقف الاتحاد السوفيتي القوي من الغزو الثلاثي لمصر عام 1956م، حيث وقف العالم مرتجفاً من تهديد مندوبها في مجلس الأمن بمحو باريس ولندن من سطح الكرة الأرضية إذا لم توقف فرنسا وبريطانيا عدوانهما، فأوقفتاه فوراً، في حين لم يستمع أحد لصوت روسيا الضعيفة المفككة المدينة في حرب العراق 199.م، فلا حول ولا قوة إلا بالله..

اليهود يحتفلون

ها هم اليهود وقد رأيناهم يحتفلون بذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء دولة إسرائيل، على أرض فلسطين العربية المسلمة، هذا الاحتفال الذي حرص الصهاينة الغزاة أن يقيموه في (القدس) أرض المسجد الأقصى المبارك، بل وأقامته الجاليات اليهودية في معظم بلاد العالم، وبالذات في أوربا وأمريكا، فضلاً عن احتفالات السفارات الإسرائيلية بهذه المناسبة حتى في البلاد العربية!!

والوجه الآخر لهذه الذكرى، هو مرور خمسين سنة على نكبة فلسطين، بل نكبة العروبة والإسلام والعرب والمسلمين في فلسطين! إنها ذكرى تشريد أكثر من أربعة ملايين فلسطيني من ديارهم في فلسطين، إنها ذكرى هدم البيوت، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وذكرى مصادرة الأراضي والممتلكات، إنها باختصار ذكرى الغزو والاغتصاب والاحتلال لبقعة مباركة من ديار العرب والمسلمين، وستبقى لثمة في عقيدة كل مسلم يرضى بالهوان ولا يعمل على استرداد الحق المغتصب وتحرير الوطن من رجس الاحتلال الصهيوني الغاشم، المدعوم من قوى البغي والاستعمار الغربي والاستكبار العالمي.

في مقالنا القادم- بإذن الله- نتناول بروتوكلات حكماء صهيون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى