الغدير والمقابر الجماعية
سلام على الرمم البالياتْ
إذ انتفضت تستعيد الحياةْ
تعانق شمس هجير العراق
وتغسل جرحاً بماء الفراتْ
تقبل كفَّ عجوزٍ طواه
الزمان وأرجله دامياتْ
وتحضنُ أُمَّ الوحيد التي
شهقت وارتمت فوق تلك الرفاتْ
ويحتار عقل اللبيب فيسأل
أين الحياة وأين المماتْ
فأشلاءُ من ظُنَّ ماتوا ولم تبـــــــــــقَ
منهم لدينا سوى ذكرياتْ
نراهم جميعاً لهم أعيُنٌ نا
ظراتٌ وألسنةٌ ناطقاتْ
يقصّون للناس ما قد جرى
حروفاً تعيها جميع اللغات
فلم يبقَ من ليس يدري
لماذا
وأين توارى أُلوف المئاتْ
وأيُّ ظلامٍ رهيبٍ مضى كان
يغشى العراق بأيدي الجناةْ
سلامٌ عليهُمُ يومَ استشاطوا
بوجه الزنيم سليل الطغاةْ
وعذراً لمولايَ إنيَّ يوم الغديــــــــــر
أُهيجُ بشعري نشيج البكاةْ
وفي اللوحُ قد خُطَّ عيداً كبيراً
بهِ تفرح الأنفس الزاكياتْ
ولكنَّ لولاهُ ما كان هذا الـ
نشيجُ وذاكَ اغتصاب المماتْ
وما انفجرت فوق تلك السيوف
كمثل العيون عروق الأُباةْ
ليبقى الغدير وتبقى الوصيــّــــــــــــة
ُ ذخراً لأجيالنا القادماتْ
ويبقى عليٌّ إمام الزمان
لهُ تشهد الصُم والناطقاتْ
ويشهَدُ مَن أنصفتهُ الجدود
وأنشأ في رحِم الطاهراتْ
تمر القرون وعهد الغدير
عصيٌّ كطودٍ على العاتياتْ
كأنه قُطب الزمان فكُلُّ
السنينِ على يومهِ دائراتْ
وتزحَفُ خلفَهُ تهوي الرؤوس
وتسقُطُ تيجانها ساجداتْ
وتمضي هباءً جميعاً ويبقى
وحيداً كحيدرةٍ في الثباتْ
ونحن على ضوءهِ سائرونَ
وفي كلّ يومٍ يزيدُ السراةْ
وبالأمسِ كُنّا نخافُ الضياع
تراقبنا الأعين الخائناتْ
فبعض تقرّبَ لله يوماً
أصابَ بهِ رافضيّاً فمات ْ
وبعض يقولُ بأنّا كفرنا
ولم يشفع الصوم مثل الصلاةْ
وما ذنبنا غير صدق الولاء
لآل الرسول وحفظ الوصاةْ
وحرب الطغاة ولاة الأُمورِ
من الطُلقاءِ إلى التُرّهات
كذاك الذي هان في جحرهِ
وتعبثُ في رأسهِ العابثاتْ
وأسفَرَ عن جُبنهِ خائفاً
ويسترحم الأرجل الراكلاتْ
وبالأمسِ قد كان من زهوهِ
يقول أعبدوني وويل العصاةْ
حرامٌ على أُمةٌ أسلمت
شواهِدُ تاريخُها من طُغاةْ
فأين الحقيقة فيما جرى
وهل أغفل الله أمر الولاةْ
يسنُّ الشريعةَ في مُملِقٍ
عليهِ الوصيَّةُ قبل الوفاةْ
ويتركها المصطفى وحدهُ ُ
ونؤمرُ بالسُنّةِ المُصطفاة ْ
أيُعقَلُ هذا ولوفي الخيالِ
أم إن المحالَ مِنَ الممكنات ْ
أما كان يوم الغدير الشهير
وذاك الهجير بتلك الفلاةْ
أما قام فيه الرسول الأمين
ينادي عليٌ سبيل النجاةْ
وحسّان ينشِدُ أشعارَهُ
وقد رددَّ الشعرَ كلُّ الرواةْ
حرامٌ على أُمّةٍ أسلمت
تعودُ لأعراقِها الجاهلاتْ
أما آنَ أن يسأل العقل هذا
السؤالَ متى لانَ صلبُ القناةْ
بيوم استهانت بعهد الغديرِ
وتحتَ السقيفَةِ قالَ الثُقاةْ
فكانَ الهوى مركباً للذينَ
أضاعوا الوجودَ ببعض الفُتاتْ
فأينَ عليٌّ وأينَ الجميعُ
وأين العقيقُ وأين الحصاة ْ
حرامٌ على أُمةٍ أسلمت
نواصِبُ فيها وفيها شُراةْ
فهل كانَ يحلمُ أن يرتقي
مقامَ الرسولِ بنوالآكلات ْ
فظلّت إلى يومنا نكتةً
لِفرطِ أساها من المضحكات ْ
فيا أُمةً أصبحت كالقطيع
وإن الذئابَ عليها رعاةْ
ويُفتي كثيرٌ من الواعظينَ
وجوباً بطاعةِ أمر الولاةْ
تُمَرَّغُ في الوحلِ من ضُعفِها
وتهتُكُ فيها جيوش الغزاةْ
وتقتلها غربةٌ في البلاد
فتبحَثُ عن نفسِها في الشتاتْ
أما آنَ أن تخرُجي من ظلامِ
القبورِ وأن تستعيدي الحياةْ
وأن تسمعي الحقَّ ممن رآه
بعين الحقيقةِ قبلَ الفواتْ
فلسطينُ ضاعت فهل تحسبينَ
ليومٍ تضيعُ بهِ الأُخرَياتْ
وهل تسمعين بهذا الضجيج
وتلك الطبول وتلك العواةْ
متى تحلمينَ بحلمٍ جميلٍِ
وصدامُ عندَكِ رمزَ التُقاةْ
وللمؤمنينَ يزيدٌ أميرٌ
وقد كانَ حقاً أميرَ الزُناةْ
وفي كلِّ مصرٍ نرى دميةً
أصبحت أمل الجائعين الحفاةْ
وتبقى السجونُ ملاذَ الذينَ
حياءً أبوا أن يسيروا عراةْ
فلا تذرفي دمعةً للعراقِ
رياءً فليسَ مِنَ الضائعاتْ
بلى هولم يشفَ من أمسهِ
بعدُ ما دامَ فيكِ بنوالنابغاتْ
وإيّاكِ أن تحسَبي أنه لقمةٌ
قد غدت في فم الجائعاتْ
فهذا العراق الذي تعرفينَ
لهُ العزم والهمم العالياتْ
ألا تعلمين بأنَ علياً
وأنّ الحسين لدينا الحياةْ
إذا رحلا عن تراب العراق
فنوحيه يا أتعس الأمهاتْ
ألا تنظرين شموخ النخيل
ألا تسمعين هدير الفراتْ
قديماً تعوّد نهج الكفاح
وما هان أونام للحادثاتْ
سيبقى العراق لأمرٍ عظيمٍ
به تنطق الزبر الخالداتْ
تدين له الأرض طوعاً
ويشرق فيها بأنواره الساطعاتْ
بأرض العراق ابتداء الحياة
وفيها الختام ونشر الرفاتْ
وفيها الحساب وفيها الخلود
فطوبى لمن عاش فيها وماتْ