الخميس ٢٧ آب (أغسطس) ٢٠٢٠
بقلم حياة محمود

القُلوب الهَرمة

"الشباب عماد الأمة”مقولة يعرفها الصغير و الكبير، و يرددها الكثير، مقولة شاخت منذ زمن في عصر ليس فيه لشباب الأمة عماد يبنون عليه أحلامهم، و لعل أقصى أحلامهم حياة طبيعية خالية من زوبعة هذا العالم الذي يعصف بهم من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال؛ لذا ليكون سؤالنا كيف يكون العماد من لا يملك عماد؟، كيف يكون العماد من تحمل مشاعره تجاعيد الفقر، النكبات، الفساد، المحسوبية، البطالة، و سيطرة القوي على الضعيف...الخ من الأحداث السوداوية المتتالية التي تعاصرها هذه الأجيال.

أجيالنا هذه رويداً رويداً دخلت أرواحهم في سن اليأس؛ لإنهم لم يجدوا أمامهم إلا التيه، أغلبهم بلا أحلام، أكثرهم بلا أهداف، أفضلهم جُل همه السخافات،صاحب الذكاء فيهم لا يحب العلم والعمل، المجتهد منهم منعته الواسطة من الوصول إلى مبتغاه، قويهم نائمٌ في سبات،ضعيفهم يسعى اليوم بأكمله من أجل لقيمات، غنيُهم غارقٌ في الملذات، فقيرهم يصارع بين العيش و الممات، وبين كل هذه الفئات لا يوجد حلقة وصل، ساد بينهم الشتات، لا يَجبر أحدهم كسر الآخر، ينظرون لبعضهم بحزنٍ و يأس،يلعنون سوء حظهم وظروفهم، لم يجمعهم أحد، هُدرت طاقتهم في هذا الزمان الغريب،سلكوا طريقاً مريب، السوء فيه يطيب و الخير شيٌ لا يُرى وإن صادفهم قالوا:ما هذا الشيء العجيب؟!.

ماذا يفعل الجسد الشاب و بداخله أرواح مسنة من ويل الزمان و الإرادة المقتولة؟، عماد الأمة هؤلاء ضاعت روح الشباب من داخلهم؛ لذا لا تستغرب حين تراهم قعود يعبثون في هواتفهم الذكية و يقولون لك:"ذهب الشباب فما له من عودةٍ"، الظلم لا يدهشهم بل أصبح من روتين أيامهم، يحفظون ملامح الويل جيداً، يمشون في حدود دائرة رسموها حول أنفسهم،يصادقون الفشل لكنهم يلاحقون النجاح، يبغضون الأمل لكنهم ما زالوا يذكرونه عن طريق الخطأ بألسنتهم، يتهافتون إلى المنكرات لكنهم يستمرون بالنظر خلفهم خوفاً و طمعاً بأن يعيدهم أحد أو شيء إلى مأمنٍ ما، يسبحون في بحر الضلال ويخرجون إلى شاطئه بين الحين و الحين ليبحثو في الرمال عن أحد معالم الحياة الطبيعية البسيطة، جناة هم أم مجني عليهم؟، هل هم من أوقعوا بأنفسم أم أُلقي بهم؟... مَن يعلم ذلك؟!.

أجل، هكذا أصبح عماد الأمة بتركيبة معقدة، قلوبهم تتوكأ على عصا خيباتهم الهشة، وتعلوها تجاعيد مشاعرٍ كانت أرواحهم أضعف من مجابهتها، قلوبهم هرمت من جرعة الحياة الزائدة،هرمت من الاِنتظار، من اللاشيء، ومن الفراغ الذي يجتاح طاقاتهم و يُذهبها، وكأنَّ جبالً شاهقة تحجب عن قلوبهم عنفوان الشباب، كأنهم في هذه الحياة منذ قرون،هرمت قلوبهم والجسد صغير.

لكن الأمة بحاجة إلى عمادها ؛ لكي تعلو و تبني صرحها، وتختار صفها من جديد،عودتهم بعودتها وبهم تعود في مقدمة الصفوف و تبني مجدها؛ لذا هم بحاجة ماسة إلى مَن يمد يد العون لهم ويعيد لقلوبهم الهرمة ربيع العمر و روح الشباب.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى