الأربعاء ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٤
بقلم أشرف شهاب

الكذب فى الحياة الزوجية: مقدرش أعيش من غيرك!

لا يجادل أحد فى مخاطر الكذب، ومدى تحريمه من جانب كل الديانات والمذاهب والأعراف. وأحيانا يجادل البعض بتصنيف الكذب إلى ألوان بيضاء وسوداء، أو رمادية حسب الغرض منها. والحياة الزوجية تعتبر أحد المؤسسات التى ينتشر فيها الكذب على نطاق واسع لأغراض عديدة. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود يستعرض فى التحقيق التالى قضية الكذب بين الأزواج.

من المعروف أن الكذب أصل كل الشرور، ولا غرابة فى ذلك، فهو يحجب الحقائق، ويزيف الأمور، ويستبدل الحق بالباطل. ولهذا كان الكذب أكثر العادات قبحا. ورغم التبريرات والمناقشات التى تدور بين وقت وآخر مدى مشروعية الكذب، يتم تصنيف الكذب وتقسيمه إلى درجات حسب قدرة كل واحد على الاجتهاد. والحياة الزوجية تعتبر أكثر علاقة اجتماعية من حيث الخصوصية، فهى حياة مشتركة بين زوجين يتقاسمان الفراش، ولا يمكن أن يدخل إليها طرف ثالث. ولذا فهى تحتاج إلى أكبر قدر من الصدق والتفاهم حتى تستمر بشكل سليم.

لكن بعض الأزواج و الزوجات يلجأون من وقت لآخر إلى الكذب بحجج مختلفة. ففى حالة سعيد محمود (موظف - متزوج) نجد أن الزوجة تلجأ إلى الكذب عبر المبالغة فى أحاديثها. فهى على حد قوله تتباهى بالحديث كثيرا عن أفراد أسرتها ومراكزهم المرموقة فى المجتمع. وتختلق حكايات وقصص عن مواقف لم تحدث فى الحقيقة. ويقول سعيد: "أهل زوجتى أناس بسطاء، وهم موظفون عاديون. وليس لهم علاقات لا فى أجهزة الدولة ولا حتى بين العائلات الكبيرة. و نظرا لإدراكى التام لطبيعتها الاجتماعية، اعتقدت فى البداية أن الموضوع مجرد مواقف عابرة، لكن تكرار هذه الحكايات والمبالغات جعلنى أتوقف، وأناقشها بهذا الشأن. وبررت هى موقفها بأنها مجرد تسلية ونوع من أنواع التشويق فى الحديث. ورغم تحذيراتى المتكررة لها، وتكرار وعودها بالتوقف عن هذه العادة، إلا أننى أجدها فى أوقات كثيرة قد عادت لسيرتها الأولى. ويوما بعد يوم بدأت أدرك أن هذه العادة متأصلة فيها لدرجة تصيبه باليأس من التغلب عليها.

ويبدو أن للكذب دوافعه، فهذه السيدة تحاول تجميل موقعها الاجتماعى، ولذا فهى لا تتمالك نفسها، وتكذ فى كل مناسبة لتضفى على أنفسها أهمية ومكانة اجتماعية ولو بشكل وهمى وفى عيون الناس فقط. ولكن فى القصة التالية سنجد أن الكذب يتخذ أشكالا أخرى. ويقول أشرف حليم إن الكذب ليس سيئا فى كل الأحوال. فهو يلجأ إليه كثيرا فى علاقته بزوجته. ففى بعض الأحيان يجلس مع أصدقائه على المقاهى وهو يعلم أن زوجته تتضايق من هذا السلوك، وعندما تسأله فإنه يختلق لها أى سبب لتأخره فى العودة إلى المنزل. وأحيانا عندما تتصل به على التليفون المحمول فإنها تسأله عن مكانه وهو يتضايق من هذا السؤال المتكرر فيجيبها بأنه فى مصر الجديدة مثلا رغم أنه قد يكون فى المهندسين (المسافة كبيرة بين المنطقتين). وهو لا يرى أى أضرار لهذا الكذب، وهو لا يتعمد به الإساءة لزوجته ولكن فقط للتخلص من عبء الأسئلة، وأحيانا لمجرد أنه يستمتع بهذا النوع من الكذب. وهو يعتبر أنه لا يقبل أن يكذب على زوجته أى أمر من الأمور الحيوية لأن الكذب فى هذه الحالة سيترك آثارا ضارة.

ومن الواضح أن الكذب من العادات المكتسبة التى يمكن أن يتعلمها الإنسان من أسرته أو من مجتمع الأصدقاء فى الشارع أو المدرسة. وإذا كان بعض الأطفال يلجأون إلى الكذب بدافع الخوف للمداراة على أخطائهم، وتفادى العقاب فإن بعض الزوجات يفعلنها. و تقول إيمان يحيى إنها لا تلجأ إلى الكذب على زوجها إلا عندما تكون قد تصرفت بشكل لا يعجبه. وتضطر إلى إخفاء الحقيقة عن زوجها حتى لا تثير غضبه عليها. وفى أحيان أخرى تلجأ إلى إخفاء الحقيقة ليس عبر الكذب ولكن عن طريق تفادى إثارة الموضوع، فمثلا لا تحكى له عن زيارتها لإحدى صديقاتها اللواتى لا يعجبن زوجها. أو لا تحكى له عن مشاجرات الأولاد. أى أنها حسب قولها لا تكذب وإنما هو مجرد الصمت والتجاهل للمواضيع التى لا تعجب زوجها.

إلا أن من أخطر أنواع الكذب فى الحياة الزوجية ذلك النوع الذى يخفى الحقائق أو ينتج بسبب تصرفات مريبة من جانب أحد الزوجين. فالزوج قد يكذب على زوجته فى موضوع علاقة نسائية أخرى خارج مؤسسة الزواج، ونفس الشىء يمكن أن يحدث بالنسبة للمرأة. وفى بعض الأحيان يمكن أن يؤدى هذا الكذب إلى الخيانة والتى يواجهها بعض الأزواج بارتكاب جريمة القتل. وإذا كانت الزوجة أو الزوج يمكنه أن يغفر لزوجته أى كذبة بسيطة فإنه بالتأكيد لن يقبل منها أن تخفى عنها الأمور الهامة التى يجب أن يكون على علم بها كزوج.

وتمتلىء ملفات المحامين بقضايا غريبة قادت الزوجين إلى الطلاق بسبب الكذب. فهذه كانت تأخذ بعض الأموال من جيب زوجها دون إذنه وعندما اكتشف الموضوع وواجها بشكه أنكرت. والأخرى كانت تتحدث فى التليفون بشكل مستمر أثار ريبته فشك فى سلوكها ولما واجهها أنكرت، لكنه اكتشف كذبها وقرر تطليقها. والأخرى قررت التوجه إلى المحكمة لخلع زوجها بسبب اعتياده الكذب على الجميع.

أما منال بدر فتختلف مع التبريرات التى يقدمها البعض للكذب على الأزواج. وهى تعتقد أنه لا مجال للكذب فى العلاقة الزوجية لأن الكذب "عمره قصير"، وسينكشف فى يوم من الأيام وبالتالى يضع الطرف الكاذب فى موقف محرج أمام الطرف الآخر. ولهذا فإن من الأفضل اللجوء إلى أسلوب الصراحة وعدم إخفاء أى شىء عن الطرف الآخر أى يجب ان يصبح كل طرف كالكتاب المفتوح أمام الطرف الآخر. وبهذه الطريقة تستقر الحياة الزوجية.

وتختلف معها ميرفت نجيب (مطلقة) التى ترى أن الكذبة البيضاء يمكن أن تضيف قليلا من البهارات إلى الحياة الزوجية فتجعلها غير مملة. فمثلا المجاملات الاجتماعية تعتبر نوعا من أنواع الكذب، فهل هى مرفوضة؟ لا.. لأنها تصلح العلاقات بين الناس وتجعل الحياة تسير بسلاسة. وبالتأكيد يكون الكذب فى هذه الحالة غير مرفوض.. فمثلا عندما يقول الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها أنها لا تستطيع الحياة بدونه.. أو أنها يحبها أكثر من نفسه! أو أنه سيموت لو تركته! أو أنها تقول له أنه كل شىء فى حياتها!.. كل تلك التعبيرات الاجتماعية اصبحت معتادة ولم يعد أحد ينظر إليها على أنها نوع من أنواع الكذب بسبب أنها ترضى غرور الطرف الآخر، رغم أننا لو دققنا فى حقيقة تلك الكلمات وما تعنيه لأدركنا أن كلا الطرفين يكذب على الآخر.. ولكن ما العمل.. كلاهما مجبر على الكذب على الآخر.. لأنه من غير المعقول أن تتقبل المرأة أن يقول لها الرجل أنه يستطيع الحياة بدونها.. أو الحوار الآخر الذى يدور بينهما.. بتحبنى؟ فيرد طبعا.. فتسأله: "قد ايه".. فيرد بالأسطوانة الكاذبة المعروفة بحبك أكثر من نفسى وأكثر من الدنيا دى كلها.. إنتى كل شىء بالنسبة لى.. ومن غيرك ما اقدرش أعيش... ومش عارف شكل الحياة من غيرك ها يكون إزاى.. إلى آخره من العبارات المعهودة المعروفة.. التى أصبحت جزءا لا يتجزأ من منظومة القيم الاجتماعية السائدة. ومن هنا ترى ميرفت أن هذه العبارات التى تقال بدون إحساس حقيقى تعتبر نوع من الخداع والخداع نوع من أنواع الكذب لأنه يؤدى فى النهاية إلى فشل الحياة الزوجية. ورغم رأيها المتشدد.. تقول ميرفت إنها تضطر فى بعض الأوقات إلى ممارسة هذه العادة حتى تستطيع التعايش مع المجتمع.

البعض يعتبر الكذب نوع من أنواع التجمل، والزوجة تلجأ إليه أحيانا لإرضاء غرور زوجها وأحيانا يلجأ الزوج المدمن على المخدرات أو الخمور إلى الكذب على زوجته لكى يتفادى المشاجرات الزوجية. والبعض تنكشف حقيقته بسرعة والبعض يكون متمكنا فى الكذب لدرجة تجعله يستمر فى كذبته لوقت أطول.. لكن بدون شك أن حبال الكذب قصيرة.. وخصوصا أن البعض منا لا يدركون أهمية النصيحة الشهيرة: "إذا كنت كذوبا فكن ذكورا".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى