المرأة
ينظر إلى وجهه في المرآة... ينتابه الرعب... انه لا يراه!.. بل لا يرى أي جزء من جسده... يتطلع في أنحاء بيته الصغير، يبصر كل شي بوضوح، يلمس ألأثاث، يضع يده على صدره فيشعر بدقات قلبه، ثم يعاود النظر في المرآة ولكنه لا يرى جسده ابدا..
يخرج من بيته مذهولا ، يشاهد شارع الحارة وهو مزدحم كعادته، يكلم احد المارة ولكنه لا يسمعه، يرفع صوته عاليا ولكنه لا يلتفت اليه، يسيطر عليه الذهول، يسارع بالعودة إلى بيته، أنفاسه المتقطعة تضطره إلى الاستلقاء على أريكته ولكنه سرعان ما يستقيم واقفا مرة أخرى ..
لماذا لا أرى جسدي في المرآة؟ ولماذا لا يراني احد؟ هل مت؟
لو حدث هذا لما كنت هنا ولغادرت هذه الفقاعة التي أعيش فيها.
يخرج إلى الناس في الشارع مرة أخرى..
هل أنا مجرد نسخة من ملايين البشر لذلك لا تروها وسط كل هذا الضجيج؟
إن مت هل ستشعرون بموتي؟
أيها الوجود هل ستموت معي ؟
هل سيتوقف الزمن لتوقف قلبي؟
لا شك أنهم سيشعرون بي إن مت لأني سأكون مختلفا عنهم؟ ولكن هذا إن كنت حيا فعلا أو ...
لعلهم هم الموتى وأنا الحي؟ لذلك لا يسمعون صوتي ولا يروني؟
يركض في كل الاتجاهات ....
– أنا ميت ولكني لا أزال اشعر بوجود جسدي ونبضات قلبي.
– ربما فقدته ولكني لم أدرك ذلك بعد.
يعود إلى بيته، يستلقي على فراشه، يحاول النوم عله يفيق ليجد أن كل ما مر به مجرد كابوس مروع ..
لا شك باني في حلم مخيف؟ سأنام واستيقظ لأجد نفسي كما كنت سابقا، مجرد شخص يرى ويرىَ، يسمع ويسمعَ، أو ليس هذا ما يجب أن يكون؟
يقف ...
أليست هذه هي الحياة؟
بصوت عالي..
أليس كذلك؟
يضحك بشدة ...
ثم ينتابه البكاء..
أليست الحياة أن أشاهد الناس ويشاهدوني وأتحدث معم ويكلموني؟
ماذا تريدون مني لكي تروني؟
أجيبوا أيها الأوغاد؟
يخلد للنوم، في اليوم التالي يخرج مسرعا لشارع الحارة، ينظر إلى كل شي حوله، يغطي إحدى عينيه فيرى بعين واحدة، فيطمئن إلى أن نواميس الدنيا هي الحاكمة..
ثم يتقدم ويحاول محادثة احد الأشخاص الواقفين ولكنه لا يشعر به، يدخل البقالة ويكلم صاحبها ولكنه لا يرد عليه..
يخرج منها ويقف بوسط الشارع ..
أجيبوا أيها الحثالة!
أي لعنة تحجبني عنكم أو تحجبكم عني؟
يرفع يديه إلى عاليا ويقول:
هل أنا نفس بلا جسد؟
أو روح بلا مأوى.
أم عمر بلا شباب؟
أم حياة بلا ربيع ؟
يرفع صوته عاليا قائلا:
– هل أنا حطام !!
ثم يقف على عتبة باب بيته ..
بعد قليل سأخرج من بيتي بلا ثياب؟
سأخرج عاريا كما جئت للدنيا أول مرة.
حاملا سيفي وعلى ظهري كفني!
هنا في هذا الشارع التعيس سأخوض معركتي الأولى والأخيرة ضد كل شي وضد اللاشي!
ينظر إلى الوجوه البائسة والأعين المرهقة، ينظر إلى الفتيات السائرات في كل اتجاه ...
أيها العذراوات أريدكم بعد إشهار سيفي أن تمرغوه بدماء لعنتكم الأبدية!، وان تغمضوا أعينكم عن جسدي الذي سيقف مجردا في لحظة شجاعة عاتية.
ثم يتطلع إلى رجال الحارة الجالسين في المقهى والواقفين الذين يتحدثون مع بعضهم البعض..
انتم أيها البؤساء، آمركم أن تلوثوا سيفي بعرق جباهكم ودموع قهركم المنسكبة على خدود الزمن اللامتناهي في آفاق الوجود.
يعود إلى منزله، يخلع ملابسه، يمسك بسيفه ويضع كفنه على ظهره ويخرج للشارع، يشاهده أهل الحارة وهو عاري، يشهر حسامه غير عابئ بأحد، يسقط على الأرض مضرجا بدمه، يجتمع الناس حوله، ينظرون اليه بحزن وحرقة، يتأكد إنهم يرونه ثم يغمض عينيه إلى الأبد.
