السبت ٢٣ شباط (فبراير) ٢٠١٩
دراسة حول موضوع:
بقلم أحمد المريني

المفاهيم الرياضية في الكتابة الصحافية

ملخص الدراسة

تسعى هذه الدراسة إلى البحث عن أشكال العلاقة بين الكتابة الصحافية والمفاهيم الرياضية، وفي أثناء ذلك، تطرح قضية للنقاش، وهي انفتاح الصحافة على التفكير الرياضي لتحقيق صحافة قوية. من خلال البحث عن دور الرياضيات في العلوم التجريبية والإنسانية، لإيجاد علاقة بين الصحافة والرياضيات، والوصول إلى نتائج تعمل على تقريب مفهوم المفهوم الرياضي.
وترصد الدراسة مختلف الخطوات والمراحل لكسب المفاهيم الرياضية، وتحدد أنواع المفاهيم الرياضية، كما تقف محددة مراحل التفكير العلمي في الكتابة الصحافية. وتختم هذه الدراسة نقاشها بالدعوة إلى توظيف الرياضيات في مجال الصحافة لتحقيق مجموعة من الأهداف، ومنها الوصول لتحرير صحفي يستجيب للشروط العلمية المتعارف عليها في الكتابة الصحافية، والمتمثلة في جوهر دقة التحرير الصحفي كمزيج إبداعي وموضوعاتي، ولغة تناسب الصحافة كوسيلة، وتتسق مع سمات جمهورها.

محاور الدراسة

تقديم

دور الرياضيات في العلوم التجريبية والإنسانية

أية علاقة ما بين الصحافة والرياضيات؟

مراحل التفكير العلمي في الكتابة الصحافية

مفهوم المفهوم الرياضي

أنواع المفاهيم الرياضية

خطوات لكسب المفاهيم الرياضية

الحضور المفاهيمي في الكتابة الصحافية

من المفاهيم الرياضية إلى الكفايات المفاهيمية في الكتابة الصحافية

خاتمة

لائحة المراجع والمصادر

الكلمات المفاتيح: المفهوم العلمي، التفكير العلمي، الكتابة الصحافية، العلوم التجريبية، العلوم الإنسانية، المفاهيم الرياضية..

لائحة المراجع والمصادر.

أساليب حديثة في تعليم الرياضيات، إبراهيم مجدي، مكتبة الأنجلو القاهرة، 1997.

الرياضيات مناهجها وأصول تدريسها، فريد أبو زينه عمان، دار الفرقان 1982.

تنمية المفاهيم والمهارات الرياضية، بدوي رمضان، دار الفكر عمان، رمضان 2003.

مناهج الرياضيات وأساليب تدريسها، إبراهيم عقيلان، دار المسيرة عمان، 2000.

معجم لمصطلحات مختارة في التربية، محمد طرخان عمان، معهد التربية – الأونروا 2001.

طبيعة الرياضيات 96/1 Math ، عبد الله قاطوني، عمان، معهد التربية – الأونروا1996.

أساليب تدريس الرياضيات 91/1 Math ، عبد الله قاطوني عمان، معهد التربية – الأونروا، 1991.

الرياضيات لجميع الأطفال وتطبيقاتها العملية، قاسم عمان النعواشي، دار المسيرة، 2005.

المفاهيم والمهارات العلمية والرياضية في الطفولة المبكرة د.عزة خليل، 2009.

دلالة الألفاظ، دكتور إبراهيم أنيس، المكتبة الأنجلو مصرية، 1967.

موقع منهل الثقافة التربوية، https://www.manhal.net/

المدخل في تقنية التحرير الصحفي، زاهر زكار، المكتبة المركزية، 1997

طرائق ونماذج تعليمية في تدريس الرياضيات د. عباس ناجي عبد الامير المشهداني‎، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع.‎

الحقيقة و الدقة أكاديمية، بي بي سي، معهد الصحافة
http://www.bbc.co.uk/academy/arabic/standards/truth-and-accuracy

عنوان الدراسة: المفاهيم الرياضية في الكتابة الصحافية

تقديم

لم يعد يُنظر إلى الصحافة كما في الماضي، أنها عمل أدبي أو فكري فقط. بل تحولت إلى علم قائم بذاته، لها وظائفها ومكوناتها. فهي مهنة لها سمات وخصائص تقنية وفنية وعلمية.. حتى صارت جهازاً كاملاً له إدارته الخاصة. ويرى باحثون أنه من بين الركائز التي يجب أن تؤطر مستقبل الصحافة عموما والمغرب على وجه خاص، مواصلة الانفتاح والاجتهاد في الإبداع والتجديد والتطوير والتنويع في الأساليب والأدوات التأثيرية الإعلامية الايجابية، وربط الإعلام بالمنظومة الحضارية والعلمية والفكرية.

تطرح هذه الدراسة موضوعا جديدا للنقاش والتفكير والتحليل لم يسبق من قبل.. وتقترح ملامح أولية نحو الانفتاح على صحافة متينة، تستمد قوتها من علوم تجريبية كالرياضيات، وتبحث عن أشكال العلاقة لربط الصحافة بالرياضيات. والسؤال الذي يواجه الباحث في هذا الصدد، هل صحيح ما اعتقده الفيلسوف والرياضي " فيثاغورس" وتلاميذه، أن كل شيء مرتبط بالرياضيات، ومن ثم التنبؤ بكل شيء؟ فهل الصحافة مرتبطة بالرياضيات؟ وما هي أوجه العلاقة بينهما؟.

دور الرياضيات في العلوم التجريبية والإنسانية

يستدعي النقاش هنا الخوض في المفاهيم الرياضيات في مستويات مختلفة، تتضمن عددا من المضامين، كالأعداد والعمليات الرياضية والمعادلات والأشكال الهندسية والرموز والصيغ الرياضية والعلاقات... ولا شك أن اطلاع الصحفي على هذه المضامين والمفاهيم الرياضية، يعد مقدمة لفهمها ليتمكن من استخدامها وعرضها وتطبيقها في أسلوب صحفي مهني محترف. وصولا إلى تقويم تحصيل المتلقي لهذا الأسلوب بالطريقة المناسبة، لتحقيق مزيد من الموضوعية والجودة في الكتابة الصحافية.

بداية يتوجب على الصحفي أن ينظر إلى المفاهيم الرياضيات، بأنها ليست مجرد عمليات روتينية منفصلة عن بعضها أو مهارات آلية. بل هي أنظمة وأبنية محكمة ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، ويمكن اعتمادها لتطوير مجال الكتابة الصحافية. نظرا لكون الأبنية والتراكيب المرتبطة بالصحافة تعد من المكونات الرئيسة للمعرفة الرياضية، يمكن اعتمادها في عملية التحرير الصحفي. كما تساعد في البحث عن ترسيخ الموضوعية والدقة في المعارف، في أثناء البحث عن المعلومات والأخبار التي يجمعها الصحفي وينقلها بأشكال مختلفة. غير أن تلك المفاهيم تحاط بسلاسل معقدة وبمفاهيم وأفكار أخرى مرتبطة بها، مثل التحقق والأمانة والصرامة... وهي قواعد أخلاقية صارمة تقيد العمل الصحفي..

ويرى باحثون أن للرياضيات دور بارز في التأثير على علوم المادّة كالفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء "البيولوجيا". كما يبرز دورها المتميز في تطوير العلوم الإنسانية. ويعد علم الفيزياء علما استقرائياً، يستطيع في أقصى حده التعبير عن القوانين بلغة رياضية، فتكون الرياضيات في مجال علوم المادة لغة تعبير أكثر منها منهج اكتشاف، وتوجد حالات عديدة استعملت الرياضيات كأسلوب اكتشاف وبرهنة.. فاللغة الرياضية توفر للقوانين العلمية مزيدا من الدقة، ومن أبرز الأمثلة على دور الرياضيات في علوم المادة، قياس سرعة الرياح، و قوة الزلازل، والضغط الجوي.

بدورها تستعمل علوم الأحياء اللغة الرياضية الرائجة في مجال العلوم الفيزيوكيميائية. رغم معارضة بعض العلماء ودعوتهم إلى الحذر وعدم إقحام الرياضيات في علوم الأحياء، قبل أن تجتاز الأخيرة بشكل دقيق هذه محطة التحليل الدقيق. و كان علم الوراثة من علوم الأحياء الأولى، الذي اتبع علوم المادة في مسارها الرياضي. فعلماء البيولوجيا يعتبرون الإحصاءات الرياضية بمثابة استقصاء وشرح متميز للمعطيات الطبية.

وبالانتقال إلى العلوم الإنسانية التي تضم علوم الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والنفس والأخلاق... تبرز العلاقة القوية بينها وبين الرياضيات. فتلك العلوم تعتمد على اللغة الرياضية لتطوير المفاهيم والمضامين، فالاقتصاد يقوم على التخطيط الذي يعد أسلوبا للسيطرة على اقتصاد البلد ومحوره الأساسي الرياضيات. ويركز علم الاجتماع على الاستبيان والجداول الإحصائية والخطوط البيانية أثناء دراسة لحالة ما.. أما في مجال التاريخ، فالرياضيات تجعل عملية التأريخ أكثر موضوعية ودقة من خلال تحديد الفترة الزمنية لحادثة ما وتدوين نتائجها. وتستخدم اللغة الرقمية في العديد من الدراسات لعلم النفس خاصة عند قياس الفروقات الفردية ونسبة الذكاء.

ارتباطا بذلك يرى " الدكتور إبراهيم أنيس" في كتابه " دلالة الألفاظ" أن أهل الرياضة "الرياضيات" من العرب القدامى يتخذون الألفاظ للتعبير عن معادلاتهم الرياضية كالخوارزمي؛ أحد علماء العرب من القرن الثالث الهجري الذي عثر له عن مخطوط بعنوان "الجبر والمقابلة".
ويتضح من هذا الكتاب أن الخوارزمي كان يستغني في تصنيف معادلاته الجبرية بالألفاظ، فكان يطلق على الرمز الجبري "س" وكلمة "الشيء" وسميت "س 2" بكلمة المال، وسمي العدد الخالي من مجهول جبري بالعدد الفرد أو المطلق. وأكد الدكتور إبراهيم أنيس أن الرياضيين هجروا ألفاظ اللغات وقنعوا برموزهم المشهورة، تخلصا من أي احتمال لسوء الفهم أو اضطرابه تبعا لاختلاف الدارسين في حدود الدلالة للألفاظ، بل اختلاف الألفاظ باختلاف اللغات في العالم، مذكرا أن رموزهم ومصطلحاتهم أصبحت بمثابة اللغة العالمية، فلا يصيبها الغموض والإبهام، وليست بينهم موضع الجدل أو النقاش.

أية علاقة ما بين الصحافة والرياضيات؟

في أثناء البحث في العلوم الإنسانية، تتناثر ثمة أسئلة ترتبط بشكل العلاقة بين الصحافة والرياضيات، ومنها، إمكانية الحديث عن علاقة ما بين الصحافة والرياضيات؟ وما دور المفاهيم الرياضية في الكتابة الصحافية؟ وهل دخلت الرياضيات إلى عالم الصحافة من خلال استعمال مفاهيم متماسكة منطقية، يجعلها سهلة للاستعمال؟ وهل يمكن تطوير الكتابة الصحافية ضمن مفاهيم رياضية موسعة؟

يصعب على كل باحث يعمل خارج علم الرياضات الإلمام بشكل عميق لأشكال العلاقة بين الطرفين. لكن يمكن القول أن الصحافة تحتاج كسائر المهن إلى استعداد طبيعي للممارسة الناجحة، نظرا لما تتوفر عليه من المعارف والمهارات والقيم التي يمكن اكتسابها وتطويرها تعليماً وتدريباً وتطبيقا. فالصحفي في حاجة إلى الدراسة والتكوين والتجربة العملية العميقة من خلال الانفتاح على العلوم الأخرى. يقول جوزيف بوليتزر الصحفي المجري الأصل، الذي أصبح ناشر"النيويورك ورلد"، ورئيس تحريرها، في أوائل القرن العشرين، أن الصحافة هي أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف وأعمقها، متسائلا عن إمكانية ترك هذه المهنة ذات المسؤوليات الكبيرة تمارس من دون أي تأهيل منتظم.

ويجزم" توم هولكنيسون" الذي عمل رئيسا لتحرير "صحيفة بيكتشربوست"، من 1940 إلى 1950، ومديراً لمركز الدراسات الصحفية في" جامعة كارديف البريطانية". أنه لا بد للجامعات من أن يكون لها دور في التدريب المهني للصحفيين في مجال الصحافة المتخصصة، ويؤكد اختلاف الصحافة عن سائر المهن الفكرية كالطب والهندسة والمحاماة، لكون العمل فيها لا يقتصر على لون واحد من الألوان المتعددة للمعرفة. بل هي مهنة تحتاج إلى ثقافة ذوي المهن الفكرية الأخرى.

ولا بد من التأكيد على أن تحديد الدقة تظل فكرة بسيطة، ولكنها في غاية الأهمية في عالم الكتابة الصحافية. فالدقة لا تعني مجرد الحصول على المعلومات المؤكدة الواردة في الأخبار، بشكل صحيح مثل الأسماء والأماكن وتواريخ الميلاد والتصريحات، بل هي في نقل أمين غير قابل للتأويل للآراء المختلفة التي عبرت عنها جهات مختلفة في مناسبات متعددة.
وهذا لا يتم إلا عن طريق اعتماد المنهج الرياضي القائم على الدقة، وذلك باعتماد أساليب مختلفة ومنها، دراسة القياس والحساب والهندسة والمفاهيم الحديثة نسبيا ومنها البنية والفضاء أو الفراغ والتغير والأبعاد. ومن ثم فهي تقوم على دراسة البنى المجردة للنص الصحفي، باستخدام المنطق والبراهين الرياضية والتدوين الرياضي في أثناء إعداد المادة الصحافية في محطاتها المختلفة. واحترام المراحل المسطرة في هذا الجانب.

وهذا كفيل بالوصول إلى الدقة المطلوبة في مجال عموم الكتابة الصحافية سواء الإخبارية أو التفسيرية أو الرأي. بحيث تنتقل الكتابة الصحافية إلى استلهام معادلات رياضية، فتتحول ثوابتها إلى خطوط بيانية. بواسطة استعمال مفاهيم تقوم على الهندسة والحساب والقياس، والأبعاد والتغيير والبنية والفضاء، كأن تعتمد دراسة واسعة وشاملة لجميع الأعداد وأنماطها المختلفة.

وفي أثناء ذلك يستحضر الصحفيون المفاهيم الرياضية في الكتابة الصحافية، ويعتمدون نماذج أو معايير خاصة لإتقان المفهوم الرياضي في رصد وتتبع ونقل المعلومات والآراء والحقائق والوقائع الصحافية، أو تحليل وتفسير الأحداث والوقائع...

والعملية تتضمن عدداً من الإجراءات التي يجب أن يقوم بها الصحفي في أثناء إنجاز عملية تحرير الكتابة الصحافية التي تستعين بالمفاهيم الرياضية. وتبرز مهنية وكفاية هذا الأخير في اختيار نموذج معين للمفهوم الرياضي من بين مجموعة من الأمثلة المطروحة المتنوعة، وتبرير عدم اختيار نموذج آخر للمفهوم، والتعرف على أوجه التشابه والاختلاف بين المفاهيم المتشابهة للقضايا المعالجة في بعض الخصائص. إن حسن اختيار المفهوم يعتبر من الإجراءات التي تدل على إتقان الصحفي للكتابة والتحرير وإدراجه على مستوى الشكل والمضمون.

كما يعتبر هذا النموذج أداة لا بد منها للصحفي المهني الناجح لإتقان العملية التحريرية في مختلف ألوانها، من خلال رصد الأخبار ومتابعتها والتعليق عليها وتفسيرها، وتبسيط المعلومات وتجسيدها وتقديم صور العالم وأحداثه، بشكل واضح ومجسد تكون خالية أو بعيدة عن التعقيد والتركيب.

إن اكتساب الصحفي لعدد من المهارات الرياضية، يؤكد على أهمية حضور المفهوم في كل مرحلة من مراحل الممارسة الصحافية. مستندا إلى طريقة ما أو إجراءات معينة، لاكتساب كفاياتها بسرعة ودقة وإتقان. فإتقان المهارة في الكتابة هي قدرة الصحفي على القيام بعمله، وتتصف هذه القدرة بالسرعة والدقة.

مراحل التفكير العلمي في الكتابة الصحافية

قبل التطرق إلى تعريف المفهوم وخطواته ومراحله، لا بد من الوقوف عند التفكير العلمي الذي يعد عملية عقلية بحثة لحل المشكلات. أو اتخاذ القرارات بطريقة علمية من خلال التفكير المنظم والمنهجي. وتتم مراحل التفكير العلمي لاتخاذ القرار عبر عملة تحديد المشكلة والهدف، وجمع البيانات والحقائق عنها والتنبؤ بآثارها المحتملة. ووضع الحلول البديلة للمشكلة. كما تبرز في مرحلة تقييم كل بديل من البدائل، وفي أثناء اتخاذ القرار الأنسب الذي يمثل أحسن مسار لتحقيق الهدف في ضوء الإمكانيات والموارد المتاحة.

ومن المراحل الأخرى المتبعة في اختيار المفهوم الرياضي، تلك المتعلقة بتجنب أخطاء التفكير العلمي، والابتعاد عن التمركز حول الذات. وتتمثل بقوة في استخدام التفكير للاستكشاف وليس للدفاع عن وجهة النظر الخاصة. وتبرز في الابتعاد عن القفز على النتائج، أو الخلط بين الفرضيات والحقائق. وفي ترك التعميم والمبالغة والتهويل أو التبسيط الزائد، وعدم اللجوء إلى استعمال القولبة. وينضاف لذلك تجنب اللجوء إلى الأطراف الثنائية أبيض/أسود، والبحث عن بدائل أخري. ويشترط في هذا السياق الحث على معالجة أسباب المشكلات وليس أعراضها. وتفادي أخذ الأمور على محمل شخصي، مع ترك الاستنتاج من التفاصيل وإهمال باقي الموضوع.

دراسات أخرى تؤكد على ضرورة الابتعاد عن التحيز و الاعتياد والاستيعاب الاختياري كأهم محطة من محطات مراحل التفكير العلمي في الكتابة الصحافية. وما يليها من تجنب الانسياق وراء زحام الأفكار دون إخضاعها إلى التحليل. وعدم السقوط في البحث عن حلول وبدائل غير تقليدية. وتدعو بالمقابل إلى تشجيع التفكير الابتكاري كهدف رئيس بغض النظر عن نتائجه. بحيث لا تنفي وجود الشيء لمجرد عدم العلم به. بل تحث على تجنب الاعتماد على الأمثال أو الأقوال المعروفة في اتخاذ القرار دون اعتبار لخصوصيات الموقف.

ولتحقيق ذلك، لا بد من اتخاذ عدد من الإجراءات لترسيخ التفكير العلمي الرياضي في عموم الكتابة الصحافية. وهذا يمر بمحطات عديدة تبدأ بالتعرف على الغرض من التفكير، وتحديد نمطه الملائم للموقف ومراحله، وما يليه من درجة الاستعداد لتقبل نتائج التفكير ولتغيير نمطه؛ إذا تغير الموقف أو مراحل التفكير. وصولا إلى قبول نتائج التفكير إذا حققت الأهداف في الوقت المحدد.

مفهوم المفهوم الرياضي

يمكن تفسير نشأة المفاهيم الرياضية بين حدود العقل ودور التجربة عبر المسيرة الطويلة للعلوم الإنسانية. فهي لم تنشأ دفعة واحدة بل نمت وتطورت بالتدريج عبر الزمن. وكانت التجربة البشرية في البداية المنطلق الرئيس للتفكير الرياضي. لكن الأخير استقل عنها وفارقها مع التحولات والتغيرات في مجال العلوم. وسبق أن بدأت المفاهيم الرياضية حسية تجريبية، ثم تطورت وأصبحت مفاهيم استنتاجية مجردة.

ويستنتج أنه لا يمكن اعتبار المفاهيم الرياضيات ذات نشأة عقلية فقط، فهناك جانب آخر مهم وضروري في نشأتها وهو الجانب الحسي التجريبي كما سبق. وكلاهما ساهما بشكل مهم في تطور علم الرياضيات. حتى صارت تمثل عالم العقل والتجريد. إذ لا يوجد حد يقف أمام العقل في ابتكار المفاهيم الرياضية والكشف عن العلاقات وتوظيفها.

هذه الازدواجية بين العقل والتجربة في موضوع أصل المفاهيم الرياضية، ترتب عنه اختلاف بين الفلاسفة والعلماء. بحيث صدر موقفان متعارضان، موقف عقلي يرجع أصل المفاهيم الرياضية إلى ابتكار العقل دون التجربة، وآخر تجريبي يرجعها إلى التجربة الحسية؛ رغم طابعها التجريدي العقلي. وخلال تصفح تاريخ تطور علم الرياضيات، يظهر أن المفاهيم الرياضية ليست محسوسات تجريبية ولا مفاهيم مجردة عقلية. والرأي الراجح يتمثل في تكامل الجانبين في موقف واحد، تكامل التجربة الحسية، والقدرات العقلية في نشأة المعاني الرياضية.
وعلى الرغم من هذا الاختلاف يظل المفهوم الرياضي الأساس لكل مكونات المعرفة الرياضية.

حيث تعتمد باقي مكونات المعرفة الرياضية على المفاهيم اعتماداً كبيراً، في تكوينها واستيعابها واكتسابها. ويشمل استخدام المعادلات الإعداد والاعتماد على القواعد والرموز والنظريات والبراهين، حيث تمثل إطارا فكريا يحكم العلاقات بين الأشياء. وتكمن نقطة بداية المفهوم في المعادلة أو الرمز، حتى قبل توفر بيانات القنوات كالمعادلات والرموز.. التي ستسهل مرور المعلومات بها وفق نسق رياضي سابق التحديد.

وقاد طال الاختلاف حتى العلماء في تعريفاتهم للمفهوم، لعدم وجود معلومات كافية عن تكوين المفاهيم واستخداماتها. ومن التعريفات الواردة في الموضوع، هذا التعريف الذي يعتبر المفهوم مجموعة من الأشياء المدركة بالحواس، أو الأحداث التي يمكن تصنيفها مع بعضها البعض؛ على أساس من الخصائص المشتركة والمميزة. يمكن الإشارة إليها باسم أو برمز. ويعرف بكونه مجموعة من الاستدلالات الذهنية المنظمة التي يكونها الفرد. ويحدد تعريف آخر المفهوم بأنه بناء عقلي أو تجريد ذهني. فهو الصورة الذهنية التي تتكون لدى الفرد نتيجة تعميم صفات وخصائص؛ استنتجت من أشياء متشابهة على أشياء يتم التعرض إليها فيما بعد.

ومن التعريفات الأخرى للمفهوم، كونه بنية عقلية تدل على مجموعة السمات المميزة التي تلتقي عندها أفراد صنف معين من الأشياء. إنه فكرة مجردة ناتجة عن الاستدلالات الذهنية المنظمة، التي يكونها الفرد من جراء تفاعله مع الأشياء أو الأحداث المتوافرة في البيئة.
أنواع المفاهيم الرياضية

توجد تصنيفات عديدة للمفاهيم الرياضية التي يمكن اعتمادها في الكتابة الصحافية، وفيما يلي رصد البعض منها استنادا إلى ما جاء في موقع "منهل الثقافة التربويةّ"، ومنها:

المفاهيم المجردة الغير الحسية التي لا يمكن ملاحظتها ومشاهدتها، كمفهوم العدد النسبي ومفهوم النسبة التقريبية.

مفاهيم متعلقة بالإجراءات المهتمة بطرق العمل، كمفهوم جمع الأعداد ومفهوم طرحها ومفهوم قسمتها ومفهوم ضربها.

المفاهيم الدلالية التي تستخدم للدلالة على شيء ما، مثل مفهوم العبارة الصائبة ومفهوم النسبة التقريبية.

المفاهيم الوصفية وتحدد خصائص معينة تتصف بها مجموعة من الأشياء، مثل مفهوم الاتصال ومفهوم الصدق في العبارات الرياضية.

المفاهيم العامة وتحوي مجموعة الإسناد لها على أكثر من عنصر، مثل مفهوم العدد الطبيعي ومفهوم دالة الدرجة الثالثة.

المفاهيم البسيطة، كمفهوم العدد الصحيح ومفهوم العلاقة بين طرفين أو أكثر.

المفاهيم المركبة وتتشكل في أكثر من مفهوم بسيط، كمفهوم العدد النسبي ومفهوم علاقة التكافؤ.

المفاهيم الربطية وتستخدم أداة الربط "و"، كمفهوم التقاطع، فتقاطع مجموعتين من الأفكار أو الأحداث عبارة عن عناصر تنتمي إلى المجموعة الأولى وإلى عناصر المجموعة الثانية.

مفهوم العلاقة ويشتمل علاقة معينة بين الأشياء، كمفهوم أكبر من، ومفهوم أصغر من في الأفكار/المتراجحات.

المفاهيم غير المعرفة، وهي المفاهيم التي تقبل بدون تعريف، ولكنه تحدد بعض خواصها، ولا يمكن إيجاد عبارة تصف المفهوم وصفاً محددأ، ومن أمثلتها النقطة، المستقيم، المستوى، الزاوية...

مفهوم الاحتمال ويدل على إمكانية وقوع أمر ما ليس" للصحفي" ثقة تامة بحدوثه، ويلعب الاحتمال دوراً أساسياً في الحياة اليومية بالتنبؤ لإمكانية وقوع حدث ما. والاحتمال يبحث في حساب الاحتمال المتمثل بالتكرار النسبي. أو في حساب الاحتمال بدلالة احتمالات أخرى معلومة من خلال عمليات مثل الاتحاد والتقاطع والفرق، أو عن طرق إجراء التقدير كالتوزيعات الاحتمالية.

مفهوم البرهان إثبات يستند على بديهيات معينة، لعبارة رياضية أو علاقة رياضية صحيحة منطقيا حكما في ظل هذه المجموعة من البديهيات. وهو عبارة عن حجة أو تعليل منطقي، ليس تجريبيا. لذا وجب البرهنة على صحة العبارة الرياضية في جميع الظروف و الحالات. وللبرهان الرياضي عدة طرق، ومنها البرهان المباشر والعكسي وبالتناقض، وكذا البرهان بالاختيار وبالاستقراء...

مفهوم المعادلة وهو عبارة عن تشابه أي تعبير رياضي مساو لتعبير رياضي آخر. وعندما يكتب الباحث/ الصحفي المعادلة سيكون لديه تعبير على الطرف الأيسر وآخر على الطرف الأيمن، بحيث يكون بينهما ما يساوي بين الأفكار والأحداث.. أي أن التعبيرين الصحفيين او أكثر هما مساويين لبعضهما البعض.

هذا جزء من المفاهيم الرياضية الكثيرة التي يمكن اعتمادها في الكتابة الصحافية، لكن تظل عملية إدراك الصحفي للمفهوم الرياضي ضرورية وواجبة، ولن تتحقق إلا إذا كان الصحفي يتوفر على مستوى دراسي فكري ورياضي، وعلى مستوى عقلي ولغوي، ومدى القدرة على تجريد المفهوم نفسه، وما يتبع ذلك من تكوين متواصل في مجال الصحافة.

خطوات لكسب المفاهيم الرياضية

لترسيخ المفاهيم الرياضية في الكتابة الصحافية، لا بد للصحفي أن يسلك خطوات عديدة في أثناء الكتابة الصحافية في أجناسها المختلفة، وهي كالتالي:

عرض مجموعة من القضايا والأحداث والأخبار.. التي توجد بينها خاصية مشتركة وخاصة في الكتابة الخبرية.

المقارنة بينها لاكتشاف الخاصية الاجتماعية والقانونية الثقافية.. المشتركة بين القضايا والأحداث.

إعطاء الخاصية الرياضية اسما معيان أو رمزا لها، كزاوية المعالجة ودائرة البحث والقوالب الهرمية المختلفة والمساحة والمعادلة...

إعطاء أمثلة ايجابية وأمثلة سلبية للمفهوم، للتأكد من وضوح المفهوم، وعدم الخلط بينه وبين غيره من المفاهيم.

تثبيت المفهوم عند الصحفي وتعميق فهمه له عن طريق ربط المفهوم بالتحرير الصحفي.
إتاحة الفرصة أمام الصحفي للاستخدام النشط للمفهوم من خلال الممارسة الصحافية.

استحضار المفهوم الذي يتوقف على مستوي نضج الصحفي ومستوى معرفته العلمية.

إن تصنيف المعرفة الرياضية إلى مفاهيم ومهارات يعتبر تصنيفاً عملياً قابلاً للتطبيق؛ في مجال تنظيم المحتوى الصحافي. ومن ثم يمكن اعتمادها وتطبيقها عمليا في مجال الكتابة الصحافية. وعموما فالمفاهيم الرياضية هي اللبنات أو الركائز الأساسية التي تُبنى عليها المعرفة الرياضية. ونظرا للعلاقة بين الرياضيات والصحافة، فإن اكتساب الصحفي للمفاهيم الرياضية يشكّل مرحلة لتطبيق ذلك في الكتابة الصحافية. وهناك عدد من الإجراءات أو التصرفات التي يقوم بها الصحفي لترسيخ المفاهيم الرياضية.

ومن خلال تتبع تلك الخطوات تظهر الحاجة إلى تلك المفاهيم، لأن الرياضيات من العلوم الغير قابلة للخطأ أو التغيير في أي حال من الأحوال، لكن مع إمكانية تطويرها. فلولا الرياضيات لما كان مفهوم تخيل اللامحسوس في موضوع تعدد الأبعاد، إذ تمكنت البشرية في تعاملها من تلمس الحياة في ثلاثة أبعاد فقط.

وبتطبيق تلك الخطوات؛ يحصل الصحافي على وسائل وعدة كاملة، لدراسة الأبعاد والتغيير والبنية والفضاء في عموم الكتابة الصحافية. فالمفاهيم الرياضيّة تتبنى بشكل واسع وشامل جميع البنى المجردة باستخدام عددٍ من البراهين الرياضيّة، من خلال دراسة التدوين الرياضي والمنطق. ومن ثم تساهم في وصول الصحافي إلى أهدافه أثناء التحرير وتحقيق أسلوب يتجاوب وتطلعات عموم القراء.

الحضور المفاهيمي في الكتابة الصحافية

تشكل المفاهيم أساس التفكير وأساس فعالية الذكاء في أغلب الأحوال، وبالتالي تمكن الصحافيين من اكتساب الخبرات المختلفة وتكامل تطورهم التحريري. وتعتبر المفاهيم الرياضية من أهم المفاهيم العقلية المعرفية، وتعد اللبنة الأساسية والدعائم التي تبنى عليها المعرفة الرياضية، وبالتالي فإن هناك أهمية لاستيعاب المفاهيم الرياضية، ودراسة البنية المعرفية لأي موضوع تبدأ بتوضيح المفاهيم التي تكونه، وتنميتها بالأساليب التدريسية المناسبة.

وللمفاهيم أهمية في البناء المعرفي وبناء منهج الكتابة وتخطيطها، فهي تعمل كخيوط أساسية في بلورة النسيج العام للتحرير الصحافي. إذ تساعد تلك المفاهيم الصحفيين على تطوير كتاباتهم وتحسينها، فهي تجعل عملية تطوير مناهج التحرير عملية هادفة وواضحة الأغراض، وتعمل على تسهيل عملية اختيار محتوى الكتابة الصحافية. حيث يكون المعيار الأساسي في هذا الاختيار مدى علاقة التحرير الصحافي بتشكل المفاهيم وتعلمهما واكتسابهاّ، وتعمل كذلك كمساعد في بناء منهج متتابع لكل مراحل التعليم المختلفة، وبذلك تحقق معيار الاستمرار والتتابع من حيث شروط التعلم الجيد واستمرار الخبرة والتتابع. إذ تساعد على ربط الحقائق والتفصيلات الكثيرة، وربط المواد الدراسية المختلفة بعضها ببعض وبذلك تحقق التكامل المعرفي.

يتفاوت استخدام المفاهيم الرياضية فيما بينها لدى الصحفي- بقصد أو بدون قصد - باختلاف الموقف الرياضي المعالج في الكتابة الصحافية. نظرا لوجود مفاهيم تستخدم أكثر من غيرها في فهم وتفسير وتكوين القوانين وحل المشكلات والقضايا المطروحة للعلاج وللرصد الصحفي. وبلورتها وتكييفها ضمن الأحداث و الأفكار والقضايا الإنسانية المختلفة، وتحوليها لمادة صحفية مطبوعة ومفهومة في قوالب فنية مختلفة؛ تحقق وظائف الصحافة من إخبار و تثقيف و توجيه و ترفيه.

كما تتفاوت قدرات الصحفيين في استخدام المفاهيم لدرجة نضجهم وتعلمهم لها، وتشير الدراسات أن المفاهيم تختلف في درجة عموميتها؛ طبقا لعدد المفاهيم المتضمنة فيها، وبقدر ازدياد عدد الصفات المميزة والضرورية لتعريف المفهوم، يصبح المفهوم أقل عمومية وتُحدد قدرة المفهوم بمدى تفسيره واستيعابه مفاهيم أخرى أثناء الكتابة.

ثم إن استيعاب المفاهيم عبارة عن عملية فهم كلمات وتعابير، من خلاله ربط الأفكار بالمفاهيم الجديدة والمعرفة السابقة، والقدرة على بناء معنى مفاهيمي جديد يصف الموقف المفاهيمي الحالي، ووصفه وتفسيره للآخرين.

وتوجد قواعد علمية لاستيعاب وفهم المنهج العلمى في الكتابة، لتمكين الصحافي من تحصيل المادة المطلوبة وفق قواعد موضوعية مهنية، تتكون من مجموعة من الحقائق والمفاهيم والمبادئ. ولكى يجيد الصحافي الكتابة المطلوبة لابد أن يركز على فهم الحقائق واستيعاب المفاهيم والمبادئ. فعملية الاستيعاب عند الصحافي تعد صورة شاملة ومتكاملة عن المنهج الرياضي الذي يقوم بدراسته، ويتولد لديه أسلوبُ استيعاب المفاهيم في مختلف الأجناس الصحافية.

وسينعكس ذلك على العملية التي يتم بمقتضاها وضع المادة الإعلامية في صورتها النهائية، التي يقرأها أو يسمعها أو يشاهدها المتلقي. والهدف من ذلك حسن عرض الموضوعات بما يحقق التميز في الأداء. وتغطية جوانب الحياة المختلفة بأسلوب شيق و بسيط لكافة الفئات. فضلا عن زيادة عدد القراء ورفع مستوى المنتوج الصحفي وقدرته على التأثير فيه وإمتاعه. بهدف جذب أنظار المعلنين ودفعهم إلى الإعلان عن سلعهم.

من المفاهيم الرياضية إلى الكفايات المفاهيمة

تعد الرياضيات مادة علمية دقيقة ومبنية بناءً محكماً قائمة على الاستنباط. فأي مفهوم من مفاهيمها النابعة أوليا من العقل، يعتمد على مدى استيعاب الصحافي لما سبق دراسته من مفاهيم أو موضوعات. ويتطلب ذلك اهتماماً بالغاً في أساليب وطرق تعلمها للوصول للهدف المطلوب. ومن تلك الأهداف تحقيق الدقة والموضوعية وفق قواعد منهجية في التعبير الكتابي.

فالدقّة والموضوعية في الكتابة، تروم معالجة الحقائق بطريقة غير متحيزة، تفسر الحقائق والبيانات على الأساس المنطقي الذي تشير إليه حقيقة الوقائع. وتفرض التخلي عن المشاعر والنزاعات الشخصية والتأثر السياسي، وتعتمد الصدق و الثبات في الوصف والتأويل و التفسير. فطلب الحقيقة المطلقة/ المجردة شيء صعب لاستحالة الوصول إليها.

ومن بين المعايير التي ينبغي الأخذ بها حسن اختيار الألفاظ، لنقل المعنى من ذهن الكاتب إلى ذهن القارئ عبر قناة سلسة تسهل وصولها. فالألفاظ المستخدمة تعلب دورا هاما في وضوح المعنى المقصود. بسبب التماسك والترابط بين تلك الألفاظ، ويتم ذلك عن طريق ترتيب الألفاظ ترتيبا سليما عند بناء الجملة ووحدة الفكرة.

هذا التماسك اللغوي البارز في أثناء التحرير يهدف إلى الإقناع، من خلال عرض البيانات التي تساعد على تقبل القارئ لها ووثوقه بها. ومن المبادئ الأساسية للإقناع، تبني الأمانة وعدم التحيز لجهة ما، ينبغي أن ينقل الصحفي الحقائق دون تحيز، فيفسر البيانات ويحللها بطريقة محايدة في جميع نواحي الموضوع، ويبين الجانب الإيجابي للموضوع وعكسه على قدم المساواة. وخلال مرحلة التقويم البنائي يتطلب من الصحافي الوقوف على الدقة الموضوعية والالتزام بها.

تستهدف بناء هذه القدرات المهنية في الصحافة والإعلام - التي تشهد تطوراً لافتاً في العقود الأخيرة، وتمكين الصحفيين من مراجعة القيم ومعايير الجودة العالمية في الصحافة. وهذه العلاقات إما أن تقود إلى تصنيف الأشياء بناءً على خواص مشتركة بينها وتميزها عن غيرها، أو تقود إلى اكتشاف علاقة بين صنفين أو أكثر من الأصناف المعرفية، بهدف إعداد الصحافيين إعداداً صحيحاً وقوياً لدورهم في الحياة المهنية الصعبة.

ولهذا يجب تنمية التفكير بأنماطه المختلفة عند الصحفي، لتكوين الحس بطبيعة العلوم وبالأخص الرياضيات، ودورها في التقدم العلمي والتكنولوجي وفي الحياة الإنسانية عموما. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إدراكهم للمفاهيم الرياضية وتنمية قدراتهم المعرفية، لاكتشاف العلاقات بين هذه المفاهيم ومختلف القضايا المطروحة في واقعها العملي، كما يشترط على الصحفي اتقان المهارات الرياضية في سياقات حياتية واقعية، لكسب أنماط من التفكير تمكنهم من فهم وتذكر المفاهيم العلمية المختلفة وإيجاد الحلول لها.

خاتمة

على سبيل الختم توخت هذه الدراسة من خلال توظيف الرياضيات في مجال الصحافة، تحقيق مجموعة من الأهداف الإجرائية والخاصة والعامة، انطلاقا ووصولا إلى تحرير صحفي يستجيب للشروط العلمية المتعارف عليها في الكتابة الصحافية، كأن يتضمن جوهر التحرير الصحفي. لكونه يعد جزء من عملية الإعلام ومزيجاً إبداعياً وموضوعاتيا، ولغة تناسب الصحافة كوسيلة، وتتسق مع سمات جمهورها.

والهدف الرئيس من إدراج المفاهيم الرياضية في الكتابة الصحافية، تزويد الجماهير بالأخبار الصحفية الدقيقة والمعلومات السليمة، من خلال عملية عرض فنية تساعد الجمهور الواسع على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشاكل. وتعبير موضوعي تراعي عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم. كما يرى " الدكتور زاهر زكار" الباحث في الدراسات الأكاديمية، في كتابه المدخل في تقنية التحرير الصحفي.

كما يهدف تيسير عملية الإقناع عن طريق عرض المعلومات والحقائق والأرقام والإحصاءات وما شابه ذلك. من خلال تقديم مادة مكتوبة ومطبوعة مقبولة عند جميع المستويات الثقافية المرتفعة والمتوسطة والمحدودة الثقافة.. لتحقيق التفاهم بين الصحفي وعموم المتلقي.
وهذا الأمر يتطلب دراية كافية عن تلك المفاهيم. لتحقيق الكفايات المطلوبة والدقة الكبيرة في نقل المعلومات بواسطة المفاهيم الرياضية التي تضفي الكثير العمق والجدية والمصداقية للصحيفة. ولا شك أن إدراج مفاهيم رياضية في فن التحرير الصحفي، سيساهم لا محالة في نجاح تجربة المنابر الصحافية بمختلف ألوانها في المغرب والعالم العربي ورواجها بين الجماهير الواسعة.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الدراسة، أنه ما دامت الرياضيات من العلوم غير القابلة للخطأ أو التغيير إلا في حال التطور مستقبلا. هل يمكن للصحافة وهي تتبنى المفاهيم الرياضية أن تتجاوز الأخطاء/ الهفوات.. التي تقع فيه بين الفنية والأخرى. ما دامت تلك المفاهيم تندرج في خانة العلم المُجردً والمُنظَّم والدقيق، يصل إلى أيّ نتيجةٍ من خلال عرض وتفسير وتحليل البيانات والأفكار؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى