الثلاثاء ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٩
بقلم نجيب طلال

المَـسرحي «محمد ديالنا» خارج الذاكرة

خـارج الـذاكـرة:

في غـضون هـذا الأسبوع، خلف رحيل الممثل والمؤلف والمخرج- محمد ديالنا - نوع مـن اللامبالاة وعـدم الاهْـتمام بوفاته حتى!! في الوسط المسرحي والثقافي بمدينة طنجة وغيرها، وهـذا يرسخ مفهوم زمن الخذلان؟ فحتى الذين يتكلمون عن الذاكرة للمسرح المغـربي، ومحاولة البحث عـن سبل أرشفتها، لم يكلفوا أنفسهم، ولو تمرير إشارة وفاة/ وفـاء في حق عطائه الإبداعي، عبر الصحُـف والصحُـف الإلكترونية. هُـنا صلب إشكالية ما يقـع في ذاكرة المسرح، بحَـيث كثيرا ما نجد إطنابا في النعي والمديح المنفوخ في مناقب وعطاء مبدع (ما) أو سياسي (ما) ذاك ليس حبا فيه بل ركوبا على جثته نحو سراديب معينة ومنافذ معلومة او ارضاء للجهة الداعمة لذاك او ذاك وهاته حقائق ملموسة في الاوساط الثقافية والفنية والسياسية. ومنتشرة في معظم مناطق الخريطة العربية، أما الذين كانوا يناضلون حق النضال والعطاء الصادق والفعال، وغير منخرطين في دواليب اللوبيات/ العصابات، المتهافتة على الموائد وفتات الجهات المسؤولة عن الشأن الثقافي والفني وغيره! فمآلهم النسيان والتناسي واللامبالاة. وهــذا واقِـع وَقـَـع للعَـديد والعَـديد من الفعاليات قبل الراحل المسرحي قيد حياته [محمد ديالنا] الفنان المتعدد المواهب من تمثيل وكتابة وإخراج وغناء وإنشاد المديح والذي تأثر به عن طريق عبدالسلام الشاوني، الذي كان رئيسا لجمعية الوعي القومي للمسرح، بحيث قـدم لمدينة – طنجة - ما يمكن تقديمه في فترته، رفقة بعض الشباب، الذين لا زال بعضهم قيد الحياة كعبد العزيز عاطفي الناصري ومحمد التمسماني ومصطفى الخامسي ومحمد الصنهاجي وابراهيم بلقاس وعبدالسلام بوحـديد وعبد المالك الأندلسي الذي يعـد الآن من المبدعين والعباقرة في فـن العيطة الجبلية.

ويعتبر محمد ديالنا من رموز المسرح الطنجي بدون منازع، إذ قـدم الكثير إلى المشهد الفني المغربي، حيث قضى سنوات في خدمة العمل المسرحي منذ1964 إذ رحاب ركح سيرفانتس أو سينما المبروك أو مسرح الكازار..... كانت شاهدة على حضوره الفعال، عبر العديد من الاعمال الدرامية والسهرات التي كانت من إنجازه واخراجه. ناهينا عن جولاته في شمال المملكة، ولاسيما أنه يعَـد أول مسْـرحي مغـربي قـدم عـرضا مسرحيا في فضاء قرطاج بتونس سنة 1973. ورغم أنه كان مبدعا بدون منازع، فإنه يختفي وراء الظل، يعطي ما لديه في صمت وسكينة، ولا ينتظر أن يأخـذ، ففي التظاهرات المسرحية، لمسرح الهواة، كان نشيطا دائما مع مجموعته، مشاغبا عبر الغناء، ولكن ما أن ينتهي التجمع يختفي، وعلى سبيل الذكر، أذكر أنني شخصيا بحثت عنه مرات ومـرات في بعض المهرجان، هو موجود ولا أثر له، وهذا ليس خجلا أو نوعا من الخوف، بل كانت لديه قناعة المشاهـدة والمواكبة ثم الصمت، وهذا السلوك كان يذكرني بالمسرحي الراحل عبد القادر بلمقـدم وأحد قيدومي إذاعة طنجة، إذ المؤسف لا يعـرفه العديد من المبدعين والفنانين الطنجاويين والمهللين ب ((الذاكرة المسرحية)) وهـذا مثال وقع للراحل (محمد ديالنا) أثناء الشروع في تأسيس الشبكة الوطنية للمسرح التجريبي بقاعة دار الشباب حسنونة (طنجة) كان حاضرا متتبعا. ولم ينتبه إليه أحـد. لكن الإشكالية الكبرى، فلو كان من نماذج (السحليات) يزحف هنا وهناك، لتمت الإشادة به، وحـولوه إلى نجم الساعة واللحظة، حتى من لدن الذين لا يعْـرفونه، وسيشحـذون أقلامهم الجوفاء، للكتابة عن خصاله وأعماله، ولتم اٌلإعلان عـن تكريمه في وفاته! علما أنه لم يكرم يومـا (ما)؟ من لدن جمعية (ما)؟ لأنه لو(كان) منخرطا في نقابة ما يدعى (المحترفين) لصهْـلل (بعض) منخرطيها بأوامر (نقيبها) ولتم إشعار القوم بيوم تأبينه. ولكنه لم يخـن مربعه، وظل مؤمنا بعطائه، فحتى أنه لم يفكر الانخراط في الشبكة الوطنية للمسرح التجريبي لأسباب تتعلق بفضاء المدينة. وليس في الإطار الذي تم نسفه من لدن أطراف و جهات لا علاقة لها بالمؤسسة!

داخـل الذاكــــــرة:

الراحل محمد ديالنا المزداد بمدينة فاس1946، ولظروف مهنية لأبيه، انتقلت أسرته لمدينة طنجة، التي عاش في كنفها وتشبع بروحها، فانخرط في عَـوالم المسرح، من خلال تأثره به في إحدى المدارس التي تعلم فيها جهة طنجة البالية، فعـشقه له دفعه للاتصال برئيسها – عبدالسلام الشاوني-الذي كانت له علائق بالأوساط الشعبية، ومحبوبا عند أهل طنجة في حجمها الذي كانت فيه إبان الستينيات من (ق، م) للانخراط في جمعية الوعي القومي للمسرح. فكانت انطلاقته كممثل سنة 1964 وقبلها حسب ما سمعته في عقود خلت، من لدن الفنان – محمد الصنهاجي- الـذي نسته مدينة طنجة، ونست جمعيته [ الستار الذهبي] أن الراحل كان منضويا تحت لواء الكشاف الملكي بطنجة، وهَـذا بكل أسف تاريخ مسكوت عنه في الحركة الكشفية المغربية لماذا؟ فالمهتمون بالشأن الكـشفي وتنظيماته، هم أحق بالبحث والإجابة.

إذ صحت رواية انخراطه في الكشفية، فعاداتها وسلوكها أثر فيه، بحيث كان نشيطا وخفيف الظل ويحترم الآخرين أيما احترام. فأول مشاركته كانت في مسرحية: نكرين الخير /هكذا شاء القدر/ من وراء الستار- وهذا العمل كتابة وإخراج لعبدالسلام الشاوني، وشاركتْ به في المهرجان الوطني (8/ الثامن) لمسرح الهواة سنة1966، ومن بين المشاركين في العمل – زكي قنديل/ مصطفى الخامسي/ محمد الحوزي/ أحمد العبدي/ عبد السلام البقالي/ البشير بن زكري/..../فمن هذا المهرجان والتكوين الذي تلقاه في ورشة التأليف، تحمس للكتابة. فكانت أول تجربة له بمسرحية (العاطى الله) ثم عمل (من المسؤول؟) وإن كان البعض ينسب العملين للفنان – الشاوني- كتابة وإخراجا، ما يهم أن هذا العمل أقصي للولوج للمهرجان الوطني (العاشر) سنة 1969 فتم اختيار (المسرح الادبي/ تطوان) ممثلا الجهة الشمالية. لكن في سنة 1970 تلقى تدريبا اقليميا بمدينة تطوان، على أساس التمكن من خبرة الكتابة المسرحية، وفي هاته الأثناء أسس جمعية – شموع المسرح – رفقة مصطفى الخامسي وعبد المالك الأندلسي ومحمد المرابط وعبدالسلام المرابط ومصطفى ايفا.... فأنجزت عمل (النقمة) لم يكن في مستوى العطاء وشروط المهرجان، فقرر إنجاز مسرحية – طبوزا والما لحلو- مع جمعية الوعي القومي، سنة 1972 من اخراج مصطفى الخامسي. مؤمنا منذ بدايته بأهمية وجدوى العمل الفني الجماعي لا الفردي. وفعلا نالت المرور للمهرجان الوطني لمسرح الهواة (الثالث عشر/ (13) سنة 1972 والذي نظم بمكناس، ولاسيما أن المنافس القوي أنذاك كانت جمعية – شباب المجد الطنجي- إذ في هذا العمل الذي نال فيه محمد ديالنا جائزة أحسن ممثل، مما أهلتهم لرحلة الى [ مهرجان افينيون/ فرنسا] رفقة مسرح الفصول (1) ونادي الكوميديا (2) لفوزهما كذلك بجوائز المهرجان. فكانت فرصة ثمينة للجمعيات (الثلاث) للتعرف على أكبر تظاهرة عالمية في النشاط المسرحي.

وبالعودة لمسرحية طبوزا والما لحلو فهي تعبر عن الواجهة الحقيقية للنضال النقابي، الذي كان يؤمن به الراحل [ محمد ديالنا ] في الإتحاد المغربي للشغل والشيء بالشيء يذكر نضاله السياسي، وللقارئ عليه أن يربط بين الخط النقابي والسياسي الذي كان سائدا في بداية السبعينيات من (ق، م) ولماذا اختار اسم (شموع المسرح) للجمعية التي أسسها، ولماذا تعامل مع المسرح العمالي الطنجي؟ ولماذا لم تسلط عليه الأضواء؟

فإيمانا بأن مسرح الهواة كان يعـد صوتا حقيقيا، ينبع من معمعان الحياة الشعبية والبسيطة للمواطن المقهور و المسحوق، ومعبرا بشكل أو آخر، عن المواقف السياسية والإيديولوجية للكاتب والمخرج، سواء بشكل ساذج أو سطحي، فمرحلة الفوران كانت حاضرة بقوة، وبالتالي فالعمل يكشف عن إدانة الإقطاع والإقطاعية، والوضعية التي وصلت إليه البلاد أنذاك من قهر وتسلط وشطط واستبداد، ف (طبوزا) اسم كاريكاتوري/ فنتازي. يعبر عن تلك الشخصية الإقطاعية التي مارست السطو والهيمنة على [ البئر ] (الما لحلو) في إحـدى القرى، مما يتولد الصراع بين وعملاء الإقطاعي/ ساكنة القرية الذين حرموا من البئر ومائه، ومع المتسلط مباشرة، لكن كل المحاولات لم تؤد للتنازل والمهادنة، لكن في ليلة خمرية، مصحوبة بحلم مزعج بينه وبين الأشباح، ينهزم الإقطاعي ويرضخ لمنطق القوة والغلبة، ليصبح البئر مصدر الحياة لكل الأطراف.

فبعـد هذ العمل ظهرت جمعية شموع المسرح – طنجة - بمسرحية – أسطورة 73 – تأليف: محمد ديالنا و اخراج مصطفى الخامسي، بحيث شاركت في المهرجان الوطني لمسرح الهواة (الرابع عشر/ (14) سنة 1973 الذي نظم في (طنجة) فمن بين المشاركين ع المالك الأندلسي/ مصطفى بلقاس/ عبد الكريم شوقي/ ومصطفى لإيفا /..... / فنالت (أمينة قمور) على ما أعتقد؟ جائزة أحسن ممثلة. وعلى إثر هـذا الفوز. اختيرت الجمعية أن تشارك بعملها في مهرجان قرطاج بتونس، وطبعا فالعمل ذو طابع قومي، يحكي الإنتصار العـربي في حرب رمضان المجيدة ضد إسرائيل.

فبعد هاته السنة، ظلت الجمعية تنتج أعمالا متميزة كلها من تأليف وإخراج – محمد ديالنا- بعدما اختير رفيقه – مصطفى الخامسي- سنة 1974 ممثلا في مسرحية (العين والخلخال) كمحاولة لإحياء فرقة المعمورة. فأنجز حسب ما أذكره: مسرحية: / شريك علول / النقمة/ مستشفى المجانين/ البطالون/ ارض وشمع/... وبحكم رفقته بالفنان والمطرب عبدالمالك الأندلسي، ساهم في تأسيس أول مجموعة (ونيس الحومة) موسيقية سنة 1983 على شاكلة النمط الغيواني.

لكن شاءت المجريات النقابية أن يلتقي الراحلديالنا بالمخرج الشهم – عبد العزيز عاطفي الناصري- في جمعية المسرح العمالي بطنجة سنة 1978، ليتم إنجاز مسرحية (سباق الانسان) التي شاركت في المهرجان (التاسع عشر/19) الذي نظم بمدينة فاس. بحيث العمل اشتغل على الرمزية بشكل مثير للغاية، الهدف من ورائه، كشف ذاك الوهم الذي يتسلط على الإنسان في سباقه نحو الأموال والعقارات والأراضي، لكي يصبح بورجوازيا/ ولكنه سيعيش في وحل البورجوازية المتعفنة، التي تقتل الإنسان وروحه الحقيقية، والعمل حسب ذاكرتي، كان يدين بطريقة غير مباشره الليبرالية الصاعدة (المتوحشة) وللتاريخ دلالته في سياق الوضع السياسي الذي تمظهر في أواخر السبعينيات من (ق، م).

وبعدهـذا التاريخ غابت طنجة عن الحضور إلا بعد سنة 1984 بعدما حاول محمد تيمد جمع شمل الجمعيات التي تفرقت، لعدة جمعيات. وللتذكير ف محمد ديالنا كان بدوره يسعى جمع شمل المسرحيين، و دعمه الكبير لكل الأصوات. وانفتاحه على كل الموهبة التي تبحث عن الضوء، فلم يكن مغرورا ولا نرجسيا. لأن قناعته الداخلية، سواء الإبداعية و النضالية، أنه يحمل رسالة فنية، يريد إتمامها. لكن هناك مسارات ورؤى خاصة لكل واحـد، كانت هي الحكم والمتحكم في أغلب الجمعيات الطنجية. رغم محاولته الحضور كعضو فاعل في الاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة منذ تأسيه سنة1975. ونعطي مثالا لاستمراريته في هَــذا الإطار فمثلا في سنة 1990 تقلد أمينا عاما رفقة الفنان ع السلام بوحديد وعزالدين الشنتوف وعبد الله ناصر وقاسم الزهيري هذا الأخير (الذي توفي ولم يهتم به أحد).

تـــــوثيق

الفصول مكناس بمسرحية – حبال، خيوط، شعَـر - تأليف وإخراج – محمد تيمد – جائزة (البحث المسرحي)

نادي الكوميديا مراكش بمسرحية - الضفادع الكحلة – تأليف: محمد شهرمان إخراج:ع العزيز الزيادي جائزة (النص والاخراج)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى