الأربعاء ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨
بقلم محمد غاني

الهزال الفكري

لم يتبادر الى تفكيري المتواضع و انا أجول بخاطري في شوارع التأمل و التدبر في حال امتنا اليوم الا مصطلح الهزال الفكري لأصف به الاجساد الفكرية القابعة داخل أجسام نسبة هامة من افراد شباب و شياب امتنا العربية الاسلامية، التي لا تعيش فقط حالة الوهن الثقافي بل نجدها ايضا تعاني من وطأة قحط روحي من جراء ابتعادنا عن معين الحضارة الخالصة النقية التي يأتمر فيها الضمير بنور القلب ووهج الضمير الحي.

ان محبة المقدس و المضي قدما في اتجاهه دون كلل هو المعنى العميق للعبادة، التي لا تعني في نظرنا الا معنى واحدا هو "الإفراط في المحبة لدرجة الامتثال للمحبوب دون شرط و بسرعة حتى دون التفكير في الموضوع". محبة تنير بضوئها طريق المحبين الذين عادة ما يستضيئون بضوء النجوم من عباد الله الأخيار، لكن اختراع الإبرة الممغنطة يحيلنا الى ما تنبه اليه الفيلسوف الألماني ألبرت شفايتسرمن حاجة ملحة اليوم قبل اي وقت مضى الى الإبرة الممغنطة التي تبقى محافظة على رتابتها في الاتجاه الى الجهة الشمالية بالسفينة، يعرفون من خلالها المنحى بالضبط الذي ينبغي قصده في رحلاتهم، فلا يضلون ابدا و لا يزيغون، هاته الإبرة الذي تجاوز بها ،عند اختراعها، جل البحارة التعويل على الاهتداء فقط بالنجوم، لانها احيانا تغطى بالسحب او بظلمة الليل الحالك فيتيه اصحابها وسط المحيطات ، مما قد يؤدي بهم الى الحتف والهلاك، نفس الأمر يدعو اليه ألبرت شفايتسر في كتابه الرائع فلسفة الحضارة، عند خوض بحر مشاكل الدنيا، فان الاهتداء في نظره الى صوت الضمير فينا يحتاج اكثر من اي وقت مضى، الى اختراع إبرة معنوية ممغنطة.

لعل إجماع الصالحين من الامة المهتدين بنوري العلم و الوحي هو الإبرة الممغنطة التي بتنا نفتقدها في عصرنا الراهن لطغيان الماديات على الصالح و الطالح من الامة، فيغلب على قراراتتنا تغليب المادي على الروحي فينا لعدم فهمنا العميق للأمور، و تثميننا لما نرى بأعيننا و عدم تقديرنا لما تمليه علينا بصائرنا، فما أسباب هذا الانحدار القيمي يا ترى و ما كيفية علاجه؟
يرى الفيلسوف الألماني ألبرت شفايتسر في نفس الكتاب السالف الذكر ان العمل الدءوب في ظل وعي بالسياق الإنساني في هذا الوجود، مع استحضار فلسفة أخلاقية عميقة، تكون وراء كل فعل او قول نصدره، هو ما يبعث الأمل في الحصول على السعادة الأخلاقية، و إلا فان كل ابتعاد عن هاته الرؤية الفلسفية الأخلاقية العميقة، سيبعدنا تمام البعد عن المغزى العميق لإنسانية الإنسان، و التي بالحفاظ عليها تبنى كل حضارة، و تنمو و ترقى كل امة في فكرها و ثقافتها وتراثها و تركتها و ميراثها.

ان الغذاء المتوازن لإبعاد الإنسان الروحية و الفكرية و الجسدية هو السبيل الى وقايته من هزال احدى الجوانب، و الذي بدوره يمكن ان يؤدي الى وهن ونحول و نخور الابعاد الأخرى، و لا سبيل الى النجاح في ذلك و البراعة في الأمر إلا بتنظيم الوقت و الجهد بالتخطيط الاستراتيجي الحاذق و التدبير الحصيف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى