الجمعة ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم أسعد السحمراني

الوسطية ضرورة

يتهدد إنسان اليوم مع بدايات القرن الحادي والعشرين مخاطر شتى منطلقها جميعاً الانحراف عن الطريق الوسطى، والجنوح إلى هذا الهوى أو تلك المصلحة، وممارسة الأفعال وقبلها تداول الأقوال في أطر متطرفة سمتها الغلو.
والانحراف بالمسار عن منهج الأمة الوسط يلمسه الباحث المدقق في كل جانب من الجوانب الحياتية، وفي كل ميدان من الميادين، وقد انعكس ذلك على مختلف مستويات وصيغ الاجتماع البشري اضطرابات وأنواعاً من القلق ذهبت بالاستقرار وزرعت الفتن والمخاوف هنا وهناك، بحيث لا نجد ساحة بمنأى عن المخاوف والقلق، ولا يوجد بلد في العالم قاطبة إلا وتحدق به المخاطر، وتغشاه أحداث تذهب بالأمن والإنماء وبكل ما هو موظف من أجل سعادة إنسان هذا المجتمع.
الوسط نقيض الغلو، والمعلوم أن كلا طرفي الأمر ذميم. والخير نقيض الشر، وفي الخير صلاح الاجتماع البشري، وعلى أساسه تنتشر الفضائل. وأمتنا حدد لها شخصيتها الله تعالى، فسماتها تنطلق من الوسطية والخيرية. وفي النص القرآني قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا". وقوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس".

الإنسان بطبعه ومزاجه يميل إلى الاعتدال ويطمئن للتوسط في الأمر كله، ويأنس مع الخير، وتنفر طباعه من الشر. ولأن أمة المسلمين حملت الرسالة الخاتمة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فإن مقومات شخصية هذه الأمة كانت منطلقاتها ومِلاكها الوسطية في المجالات كافة عبادات ومعاملات.

إن مراجعة مسار الحضارات، والهويات الثقافية للأمم، والمواقف والمحطات والماجريات في كل العصور والأمكنة تبيّن كيف أن الغلو في كل مرة ساد أو انتشر سيقود إلى ما لا تحمد عقباه. فالغلو في العبادات وأدائها يحمل مسحة نفاق وادّعاء ولا يتناسب مع جوهر الدين الحنيف. والغلو في استخدام ما تجود به الطبيعة من الماء إلى البيئة والهواء والثروة بكل أنواعها إنما هو تبذير، وهدر للإمكانات، وسيقود إلى الفوضى من جهة، وإلى الطمع والجشع من جهة أخرى. والغلو في استخدام القوة يتحول عدواناً وجرائم وينشر الرعب والخوف ويذهب بالأمن. والغلو في استخدام الحق يصبح تعسفاً وتكون نتائجه سلبية. والغلو في الحب يتحول هوساً وعشقاً مذموماً وتنطبق عليه قاعدة: "ومن الحب ما قتل". والغلو في الإنفاق يصبح تبذيراً والمبذرون إخوان الشياطين، كما أن الغلو في البخل والحرص على الملكيات والمال يصبح مرضاً يمنع المعروف، ويعطل فعل الخير.
وتطول القائمة كثيراً لو أكملنا المسار مع الغلو ولذلك نبه البلاغ الإلهي إلى أن المغالين سرعان ما ينحرفون عن جادة الصواب، ويسقطون في مهاوٍ يصعب الخروج منها، وبذلك يسوء حالهم دنيوياً، ولا ينالون مرضاة الله تعالى أخروياً. قال الله تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين".

إن هذه الآية الكريمة جاءت تذمّ التطرف، وتبيّن التقلب والتحول السريع في سلوك المتطرفين، لأن من يعبد الله على حرف ويقف عند السطح من الأمور وعند الشكل ولا يتجاوزه إلى الوسط وهو الخير والثبات، مثل هذا الإنسان يزيغ بصره عند الإغراء والوعود، وينهار خائراً عند التهديد والوعيد، وبالتالي لا يصمد في موقف، ولا يستقر على رأي. فالإيمان الحق والسير في النهج القويم لا يكون إلا مع الوسطية، ولا خير في التطرف.

لقد تطرّف قابيل في موقفه بعد أن قدّم مع أخيه هابيل قرابين لله تعالى، ووصل به حد التطرف إلى مد يده وسلاحه لقتل أخيه فقاده التطرف إلى الإجرام. وهكذا الأمر في مسيرة حياة الأفراد والجماعات، وفي سلوك الدول والأمم حيث يذهب التطرف بصاحبه باتجاه الإجرام، واستخدامات غير مبررة للقوة، مع توظيفات غير مشروعة للقوة، وضبط علاقات الدول والأمم وحتى الأفراد يحتاج منهج العدل والإعتدال، والمفهوم الوسط مع السلوك الوسط.

لقد بالغ كثيرون من أبناء العصر بالمكننة، واستخدام الآلات، ومنتجات التقانة بما في ذلك الحاسوب الالكتروني وسائر الوسائل وهي في جانب منها يسّرت العمل، وطوّرت أساليب الاتصال، وأنقصت الوقت الذي نحتاجه لإنجاز فعل معين. لكنها بالمقابل، ومع التطرف في الاعتماد عليها، أحدثت حياة لا حيوية فيها يسيطر عليها الجمود، وقد ترافق معها ضعف وتراجع في الإبداع والابتكار، وأحسّ فيها الكثيرون بهامشية دور الإنسان.

وبالغ كثيرون في سباق التسلح، واستخدام الأسلحة التقليدية وغير التقليدية وفجرت دول في عدوانها، فاستخدمت آخر ما أنتجته مصانعها ضد أكثر الشعوب فقراً وبؤساً في العالم فأحدث هذا الإجرام فجوة بين الأمم، وأنتج ذلك حاجزاً لا بل حواجز نفسية يصعب إزالتها، وقاد الأمر إلى مقاومة لن تتوقف قبل إنجاز التحرير ورد الحجر من حيث أتى، وبهذا يكون البعد عن منهج الوسطية في دنيا السلاح قد قاد البشرية جمعاء إلى أتون مواجهات يدفع ثمنها الجميع، لأن الحرب عندما تتوقد تحرق كل من يعيش في دائرتها، ولن ينجو أحد من خطرها. وقد نبه الحق سبحانه من مثل ذلك ففي الآية الكريمة قول الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أنّ الله شديد العقاب".

واليوم يبالغ كثيرون في تزيين الاستهلاك باستخدام الإعلان الذي بات يشغل حيّزاً كبيراً من ثمن السلعة مع ما يرافق ذلك من غش وتدليس، وهدر للثروة والمال على مستوى الفرد وإمكاناته، أو على مستوى الدخل القومي في كل أمة. وقد جرّ ذلك حالات إرهاق للميزانيات على مستوى الدولة وعلى مستوى المواطن، والتطرف والبعد عن الوسطية ليس فقط في الإنفاق والإسراف والتبذير، وإنما في إنتاج سلع ومقتنيات لا تدخل في الحاجات الأساسية كالغذاء أو المسكن أو الطبابة أو التعليم أو المسكن؛ أي أن التبذير وتبديد الأموال حاصل في وجوه للصرف تنشر الرذائل والمفاسد، وتسهم في التخريب والدمار بدل أن توظّف الإمكانات والأموال في التعمير والإنماء.

وهناك تطرف في استخدام الجماليات في دنيا الفنون حيث العبث بالقيم، والاستهتار بالمبادئ السليمة وبكل ما يحفظ كرامة الإنسان، ومن أراد معرفة ذلك فلينظر إلى الأزياء، وأنماط السلوك، وإلى التمثيل والرقص والغناء وسوى ذلك من أشكال التصرف حيث الفن الهابط الذي انحدر بالمستوى. وبات التعاطي مع الجماليات بين ناري التطرف: نار الجمود والحظر، ونار الاستهتار والإباحية؛ وهذا الواقع أصاب ميادين كثيرة وليس ميدان الفن فقط، ولا تكون إعادة الاعتبار للجماليات بغير المنهج الوسط في توظيف مظاهر الفن وأبوابه بما يلامس ذوق الإنسان، ويوافق وجدانه ويحرك انفعالاته إيجاباً.

والتطرف موجود في موضوع التعامل مع المرأة، وفي تكوين الأسرة، وتنميط العلاقات بين الرجل والمرأة. وبمقابل الحجز والنظرة الدونية للمرأة وما يرافق ذلك من سيادة للمفاهيم الذكورية، وتعطيل لدور المرأة، هناك تطرف آخر برز وتجدّد طرحه مع مؤتمر السكان في القاهرة في العام ١٩٩٤ ومؤتمر المرأة في بكين في العام ١٩٩٥. وقد تزامن المؤتمران مع بدايات طرح العولمة ليعطيا هويتها، حيث دعت وثائق هذين المؤتمرين إلى الإباحية والإجهاض والمثلية في العلاقات الجنسية وما إلى ذلك من مفاسد. وقد جاء المؤتمران ليضيفا تطرفاً إلى التطرف والمبالغة في المفاسد، مما زاد ويزيد في ردات الفعل، فالتطرف يولّد تطرفاً، والانفعال يولّد انفعالاً.

إن الوسطية تعني أن تسود منظومة تضع كلاً من الرجل والمرأة في الموقع المناسب انطلاقاً من الوظائف والكفاءة والحاجة والاختصاص، هذا مع سيادة قاعدة العفة ومحاسن الخلق، وبدون ذلك سيبقى الخلل سائداً في العلاقة الأسرية وفي تعاقب الأجيال وإعدادها إعداداً سليماً.

إن القائمة تطول إذا أردنا استعراض كل مظهر من مظاهر التطرف والغلو، ومدى تأثيراته السلبية على الإنسان فرداً ومجتمعاً، دولة ودولاً، أمة وأمماً. ولا استقرار أو أمن اجتماعياً وسياسياً وغذائياً وقيمياً... بدون وسطية، والوسطية لا يفيد أن يلتزمها طرف أو أمة أو شعب، ولا بد من وسطية تسود العلاقات والواقع وأوجه المعاش وميادين الحياة لتستقر أوضاع الأمم، وعندها يثمر ذلك الأمن والأمان.

نحو استراتيجية عالمية:

إن الوسطية منهج ضروري يحتاجه العالم أجمع كي تستقر العلاقات الدولية وتتوقف الصراعات بأشكالها كافة، ولا يفيد أن تتأصل الثقافة الوسطية في أمة دون غيرها، أو أن يلتزم الوسطية أتباع معتقد أو دين دون سواهم خاصة بعد أن ساد اليسر في التواصل والاتصال بين الشعوب والأمم، ولم يعد بمقدور أحد الانعزال أو الانغلاق، بل بات الانفتاح والتلاقح الفكري والتبادل في الإنجاز الحضاري من المسلمات التي لا يناقشها عالم خبير.

إن العالم أجمع يعاني - كما سبق القول- من النتائج المدمرة للفكر المتطرف والسلوك المغالي والسياسات العنصرية والاستبدادية أو الاستعمارية، والأمر محتاج لاستراتيجية عالمية يعمل الجميع على تنفيذها كي يقوم عالم تتحقق فيه كرامة الإنسان ويسوده العدل والوئام. إن استراتيجية عالمية في إطار شخصية ومنهج الوسطية تحتاج الخطوات التالية:

١- الواقع الإسلامي:

إن المسلمين تقوم شخصية أمتهم على الوسطية في المجالات كافة وهم وفق تحديد القرآن الأمة الوسط. فكيف السبيل للوصول إلى ذلك؟:

أ- إن علماء الأمة وفقهاءها يحملون أمانة كبرى، ويقومون بدور رسالي ولا يتمّ ذلك إلا إذا تصدوا لمناهج التكفير ولكل فرد أو مجموعة تعطي نفسها حق اتهام الآخرين أو تزعم أنها الفرقة الناجية. والثقافة المطلوبة هي تلك التي تنطلق من الإسلام الحنيف التي تشكل الرحمة فيه المرتكز الأساسي، كما أن الدعوة مع السماحة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأمر الإلهي في النص القرآني الذي جاء فيه: "فذكّر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر".

ب- إن تجديد الخطاب الديني أمر تحتاجه الظروف الحاضرة وهذا التجديد أصيل في الالتزام بالشرع وضوابطه، ولكن في الوقت عينه يجب أن يكون مرِناً حيوياً ومتجدداً في أساليبه وفي معالجة الحوادث والاستجابة للتحديات. فلا هو جامد متزمت تحت شعار التمسك بما كان عليه السلف، ولا هو خطاب يعتمد التفريط بالمبادئ والقيم متذرعاً بالحداثة والتحديث.

ج- تحتاج مجتمعاتنا مع بناء الشخصية الملتزمة بالوسطية إلى نشر ثقافة العدل المقترنة ببعدين أساسيين هما: العزة والسماحة، لأن هذين البعدين بهما تتحقق كرامة كل إنسان، وبهما تسود الحرية، ويقود ذلك إلى مجتمع ينتفي فيه الظلم والاستبداد والتسلط والاستعباد.

د- إن السلطات الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية تحتاج إلى بناء جذور الثقة مع أبناء مجتمعاتها، وهذا يحتاج الحرية أولاً، والحرية ثانياً، والعدل ثالثاً، والشورى والديمقراطية السليمة رابعاً وخامساً، لأن الغلو والتطرف يحصلان في غياهب السجون الظالمة، وفي ظل الحكم المستبد، وفي مناخ قمع الحريات.

إن حكام الأمة يجب أن يقتنعوا بأن الأحرار هم من يحمون المبادئ ويصونون الشرف والمبادئ والحقوق، وأما العبيد فمعروضون للبيع لمن يدفع أكثر، فليعملوا لأمة تحكمها دول عادلة لمواطنين أحرار.

هـ_ نحتاج لحركة إصلاح شاملة تتجاوز الموروثات الميتة وتلفظ كل وافد مسموم من الأجنبي، فحركات الإصلاح ومشروعات الإصلاح يجب أن تستنبت من أرض الأمة وتنمو في رحم معاناتها وخصائصها، لأن الإصلاح لا يستورد في حقيبة مسافر فلكل مجتمع ما يناسبه.

وهذا الإصلاح تحتاجه الأمة في مناهج التعليم والفلسفات التربوية كما تحتاجه في أنظمة الحكم السياسية. ونحتاج الإصلاح في أساليب العمل الاقتصادي بأن نوفر الأمن الغذائي والحياة الكريمة لكل مواطن، وهذا يعني أن يسود التخطيط والإنفاق في وجوه الإنتاج مع مقاومة ثقافة الاستهلاك التي ينشرها دعاة العولمة، لأن تربية متخلفة واقتصاداً يورث الفقر والبؤس هما من ينشر التطرف ويبعد بالأفراد والمجموعات عن الوسطية.

و- نحتاج استراتيجية إعلامية تنأى بالأجيال عن الإفراط والتفريط، فتصنع برامج وفقرات وتستقبل دعاةً ومفكرين ديدنهم الاعتدال والمنهج الوسط. لأن إعلاماً ماجناً ينشر المفاسد يولّد ردات فعل، كما أن إعلاماً سطحي المفاهيم يذهب بمن يتأثرون به إلى غلو وتشدد، وينتج شخصيات غير سوية ولا هي من النسيج المطلوب في النص القرآني: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا".

۲- الواقع الغربي وفيه الأمريكي:

إذا كان الأوروبيون عموماً ومعهم قيادة الولايات المتحدة الأمريكية يتحدثون عن الإرهاب، ويجنّدون لذلك الإعلام والأموال والجيوش وطاقات أخرى، فإن الأجدى أن يدرسوا سبب ما يحصل من رفض لبعض ما يعود إليهم أو مقاومة له. ويمكن أن نجمل ذلك في أن يضعوا استراتيجية تعالج ما يلي:

أ- إن الكتب والأدبيات والفنون في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية مشحونة بمضامين تنال من الإسلام رسولاً وشريعة وفقهاً وأتباعاً ومقدسات، ولا يمكن أن تستقر علاقات أو أن يحصل تعاون وودّ في مثل هذه المناخات. والمعلوم أن مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني التي صدرت في العام ١٩٦٥ دعت إلى علاقات سليمة مع المسلمين، وإلى تجاوز ثغرات في العلاقات مرّت في محطات تاريخية سابقة. ولكن هذه الإيجابيات لم تترجم إجراءات عملية، مما أبقى الفئوية والمفاهيم المغلوطة، وكان ذلك وسيبقى سبباً في التوتير وفي تعطيل مفاعيل منهج الوسطية.

فالأوروبيون مدعوون إلى تبديل وتعديل في النصوص ومضامين الكتب المدرسية وفي أساليب وسائلهم الإعلامية وفي ممارسات دولهم وإلا سيكون ما يمارسونه في غير صالح العلاقات العالمية.

ب- إن معظم أوروبا الغربية قد أسهمت في نشأة ودعم الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، وكان نتيجة ذلك اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها مع ما تبع ذلك من جرائم صهيوأوروبية وصهيوأمريكية لم توفر المقدسات ولا أية دولة عربية. وبالتالي لا يجوز أن نطالب أبناء أمتنا بالتزام الوسطية وعدم الوقوع في ردات الفعل إلا إذا توقف العدوان وخرج الاحتلال وعاد المشردون وكفّر المستعمرون عن خطاياهم في الماضي.

ج- يتصرف الأوروبي كما الأمريكي على أنه النموذج الواجب تقليده، وإن لم يلتحق المسلم والعربي وغيرهما بنمطه السياسي والاجتماعي يكون إرهابياً وغير ديمقراطي وضد حقوق الإنسان. وهذه مفتريات ومواقف غير محقة تحتاج المراجعة، فكل أمة لها ما يناسبها ولا يصحّ أن يفرض أحد نفسه نموذجاً أوحداً، وأبرز تعبير عن ذلك كان قول الرئيس جورج بوش: "إما أن يكون الشخص مع أمريكا أو أن يكون مع الإرهاب". وإذا كانت أمريكا هي الإرهاب كله سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في مختلف المجالات، فإن منهج الوسطية الإنقاذي للعالم كله تلزمه استراتيجة ليست مع الإرهاب، والطبيعي أن لا تكون مع أمريكا لأنها إرهابية.

تأسيساً على ما تقدم نطالب الغرب وأمريكا ان يراجعوا حساباتهم وأن يتراجعوا عن العدوان ودعم الصهيونية، وأن يسحبوا احتلالهم كي ينطلق مشروع علاقات عالمية يحقق مقاصد إنسانية نبيلة لا تكون بغير وسطية تؤسس شخصية تلتزم العزة والسماحة.

د- إن الدساتير الأوروبية لا تصنف الإسلام ديناً بل تعدّه ثقافة كما أنه يظهر عندهم بين حين وآخر أفعالاً تولّد التوتير مثل الكاريكاتور الذي نشرته صحيفة دانمركية، أو منع الحجاب في فرنسا وغيرها، يضاف إلى ذلك الإعلام المرئي الأمريكي الذي تظهر فيه مقابلات لقساوسة متصهينين مثل بات روبرتسون وجيري فالويل وغيرهما ممن يوجهون أبشع التهم والافتراءات إلى الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم. فهل يكون في ظل كل هذه الأجواء التي تدعو إلى فلسفة صدام الحضارات حوار ديني أو حضاري؟. إن الكرة في ملعبهم فليبدّلوا وإلا فستستمر النـزاعات وسيدفع سلوكهم المسلمين والعرب وكل الشعوب المظلومة دفعاً باتجاه التطرف ومقاومة الظلم. ولا يفيد أن يتعب الخطباء والمتحدثون والكتّاب في بلادنا أنفسهم في الحديث عن الوسطية إن لم يلتزم بها الآخرون في أمريكا والغرب وفي العالم قاطبة.

هـ- إن المواثيق الدولية في أغلب موادها ومضامينها معطلة من قبل العدو الإسرائلي ومن قبل الانحياز الأمريكي، ويتبع ذلك المزيد من التمادي في العدوان والاحتلال والتوسع وتهويد المقدسات ومنع حق العودة عن الفلسطينيين. وهذا يعطّل منطق التوسط والاعتدال ويجعل الجميع من أبناء أمتنا يعملون في إطار مدارس فكر المواجهة من رحمها قد يخرج حالات انحراف، ولا يمكن ضبط ذلك إن لم يتم وضع استراتيجية عالمية تقرر إلزام الجميع بالمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن، وأن لا يكون هناك تباين في المعايير. فمثل هذا الظلم يكون له مردوده السلبي والوسطية لن تجدي في وضع الحلول في ظل الانحياز والعنصرية والاغتصاب.

إن العالم اليوم يحتاج إلى استراتيجية ناشطة تحكم العلاقات بين الدول وتؤسس الوسطية في مختلف الميادين من أجل كرامة الإنسان المستخلف في الأرض، وهذه مسؤولية عامة تحتاج التعاون وتضافر الجهود وحشد القوى والطاقات ضمن استراتيجية يلتزمها الجميع، وبدون ذلك لا ينتظرنّ أحد إمكانية إرساء أسس الوسطية مع وجود الظلم بكل أشكاله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى