الأحد ١٢ أيار (مايو) ٢٠٢٤
بقلم محمد عزالدين

بعد ليالي ألف ليلة وليلة «الليلة الثانية بعد الألف»

"الف ليلة وليلة" من منا لم يسحره هذا الاسم؟ وما أكثر من سحرتهم تلك الحكايات! لقد بدأت - كما نعلم - بـ "شهريار" الملك الذى خال أن زوجته خانته فانتقم منها وقتلها وأقسم بعد ذلك بقتل كل نساء المملكة، وجاءت " شهرزاد" لتسحره بعالمها الخاص وحسن قولها حتى أنها أنسته كل ما أقدم عليه.

وفى الحقيقة إن "شهرزاد" لم تسحر "شهريار" وحده فقط بل سحرتنا جميعا معه، فقد انقضت حكاياتها الألف وانقضت معها لياليها ولم يفكر أحد منا قط بمصير "شهرزاد" بعد ذلك أو بأثر حكاياتها على "شهريار" وهل غيرته أم لا، وتناسينا كل هذا تماما ورحنا نبحث عن "خاتم سليمان" و "مصباح علاء الدين" لتحقيق أحلامنا وتغيير واقعنا دون أن نشعر لحظة بمدى هذا السحر الذى سحرتنا به "شهرزاد" في حكاياتها وأنستنا كل شيء عداها – الحكايات – لقد نقلتنا دون أن نشعر من الواقع المؤلم الذى نعيشه إلى دنيا السحر والجمال فأخذنا مغرقين في الأوهام لا في الأحلام .

لقد حلمنا كثيرا بتغيير واقعنا إلى الأفضل، ولكن لم تتعد حدود تحقيق أحلامنا مقولة "يا سلام لو كان معي مصباح علاء الدين لفعلت كذا وكذا و كذا ..."فرحنا نحلم بعالم المطلق في دنيا النسبي بعالم اللامحدود في دنيا المحدود، وهكذا لا يكون الحلم سوى بذرة وضعت في غير تربتها. فأنى لها أن تثمر؟!

لذا علينا أن ندرك أن حاجة الإنسان إلى الأحلام لا لشيء إلا أن روحه تنشد الكمال الذى يدله على النقص في عالمه، وتصبو إلى الرقى الذى يدله على الانحطاط، والنبل الذى الذي يدله على الخسة، فيحرك فيه ذلك دواعي التغيير والتطوير وإعادة الخلق وهى أمور كلها تتجه إلى الواقع ولا تتحقق فيه إلا من خلال تخطيط وفى تلك اللحظة فقط يتحول العالم إلى واقع ملموس ويخلق في الواقع واقعا جديدا.

ولكن أي حلم هذا ...؟

إنه الحلم الذى يحترم إمكانات الواقع، ويتأسس في حدود هذه الإمكانات بما لا يجاوز حدود الواقع، وتظله مظلة من القيم تكفل له تحققا أخلاقيا في أرض الواقع، وأيضا إرادة لم تنفصل عن عالمها ولا تغترب عن طبيعتها بلجوئها إلى "خاتم سليمان". إذن فإن (العلم، الأخلاق، الإرادة) لهى ركائز الحلم الذي يثري الواقع وينميه، وإن (معرفة، نسقا من قيم عليا، قرار) لهى ضوابط الحلم في الواقع أو الحلم من أجل الواقع.

فإن اقتناع المرء بواقعه لهو رهن بقدرته على تغيير حلمه لتغيير واقعه، يجب أن ندرك أنه لا يوجد "خاتم سليمان" لتحقيق أحلامنا، وعلينا أن نستبدل تلك الأوهام بالإرادة القوية صاحبة القرار فلها من القوة ما يفوق قوة مارد "مصباح علاء الدين" ملايين المرات، ويكفى أنها حقيقة بينما المصباح وهم، إذن فبأي شيء سنحقق أحلامنا؟! وعلينا أن نختار.

فيا رفاق لقد أضعنا فرصا كثيرة لتحقيق أحلامنا، وتأخرنا أكثر في تحقيق ما ينبغي تحقيقه من أحلام، وأعتقد أن هذا التأخر راجع إلى طبيعة هذه الأحلام ومدى ارتباطها بالواقع – كما أوضحت سالفا – لقد أضعنا ليلتنا الأولى مغرقين في الأوهام.

فهل سنضيع الليلة الثانية مغرقين في نفس الأوهام؟! علينا أن ندرك ان هناك أمما سبقتنا، وأمما ستسبقنا. ويبقى السؤال هل سنظل نحن كما نحن؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى