الأربعاء ٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم نوار العبيدي

بغداد قالت

امنحيني يا أرض العراق دقيقة

كي أبوس الأرض

وأصلي في مطار الشهداء

... والحقيقة

امنحيني فرصة

كي أنام كالصبي

في شوارعك العتيقة

وأطير عصفورا زهيا

نحو بابل

... والحديقة

امنحيني يا أرض العراق دقيقة

كي أفهم مغزى

الأساطير...

والحكايات الأسيرة

وأفكك معنى

القنابل... والأباتشي...

والهراوات الصديقة!

امنحيني يا أرض العراق حقيبة

كي أجول في شرايين بغداد

وابحث….

عن جسر تكسّر

بين دجلة والفرات

وأجمع فتات قنديل تحطم

... بالرصاصات الرفيقة

يا سمراء الغريقة في دمي

يا عيونا اكتوت دمعا

يا صهيلا في فمي

كيف أهديك زهورا

وهذا (العلج) يسبقني،

ويهدي للصبي

وردا مفخخا

بالكراهة، والشراهة

والحقد الندي

يا سمراء الغريقة في دمي

فجريني،،

وانثري - إن شئت- أشلائي

في عيونك

كي أنام لحظة بين أحفاد النبي

هذي دموعي كربلاء

هذي مآقي

هذي ضلوعي تلتوي

هذي دمائي

هذي شراييني تميد

وأحلام الصبا

وكل ما لي..

وما هو آت

يا كربلاء

يا أرض أبناء النبي

كيف بعد الذي جاء

لم تنهضي

ولم يأت الفناء؟!

يا بصرة الأبصار

يا جرح الندى

يا حبر البدايات

والنهايات

والغوايات

يا سفر الأنبياء

ماذا يقول رفاتك اليوم؟

يا للبكاء

كيف بأقدام (الغزاة) تدوسها؟

يا للسماء

كيف النجاسة تصهر ماءها العذب الزلال؟

يا ذا البلاء

يا بصرة الأبصار

لا تيأسي

في قلبك سر البقاء

...والحقيقة

امنحيني يا أرض العراق لحظة

أو دقيقة

فأنا بعد الذي كان

والذي جاء

لا أطيق العيش

ولو... ربع دقيقة

بغداد قالت:

سفر أنا يا سادتي

في الخافقين

يمتد طولا

سفر النوارس و الحمام

و العاشقين

سفر النجوم

إلى النهاية...

و البدايات الجميلة

سفر الشموس لظلها الأزلي

سفر القلوب إلى الأحبة

...لا لن تعود

يا ويل من شد الرحال إلي

بغداد قالت:

كل الذين تفلسفوا وتصوفوا

حطوا هنا

كل الذين أضاؤوا الشمس والنجم

دربوا هنا

كل الذين تفقهوا و تفيقهوا

صلوا هنا

حتى الذين تمايلت عماماتهم

سكروا هنا

أو الذين تمرغت أوصالهم عشقا

ماتوا هنا

بغداد قالت :

كل الذين خانوا أو صفقوا عبثا

سقطوا هنا

كل الذين تشتتوا ...

و تفرقت أفكارهم

و تشدقوا ...أو

تطايرت أعناقهم

و تمرغوا في السياسات الهجينة

و الدخيلة

عاشوا هنا

كل الذين،

و كل الذي،

و كل أولئك

و الذاهبون،

القادمون،

الواقفون،

الصامتون

كانوا هنا

........................

فغبارهم وأحلامهم

ووقع أقدامهم هنا

بغداد قالت:

كل أنا

يا للطحين

قسما يجلجل في السماء

لن يستطيع الغرب محو ذاكرتي

قولوا له:

إني باقية هنا

بغداد قالت:

سفر أنا يا سادتي

يمتد طولا في الزمان

لا ينتهي

سفر أنا

تعرفه البحار والبحور

كل المراكب و الشراعات نشيد

من حامو رابي إلى الخليل

وإلى الغزالي الجليل

حتى ولو شربت مدادهم المغول

أو سرق الحضارة والتماثيل العجول

بغداد قالت:

سفر أنا يا سادتي

سفر أنا يا سادتي

هل تشهدون؟...

لكن

كيف الخنازير

المنتنة البغيضة

أو القرود المحنطة الهجينة

تضحك اليوم علي

أو تقول:

صفر أنا...

صفر أنا...؟؟

يا ويلتي

هلك الزمان

فصدقوا أو...

فاستشهدوا

بغداد قالت:

كان الفراش زاهيا

يسابق ركض الصغار في الحقول

وعيونهم بلور

من هشيم كانت...

صافية تحدق في الريح

بغداد قالت:

كان القرنفل يستمد عبيره

من عمق أنملة الرضيع

من ياسمين يداه… كانت

نظيفة كالأقحوان

والنخل كلما يسمو

يمتد ظله الأزلي

نشوانا

تحت أقدام الصبايا

كالحنان

بغداد قالت:

يا رب، عندما جاؤوا

حرقوا الفراشة والنخيل

قذفوا الصبايا بالقنابل والحميم

فقؤوا عيون الصبية

قلعوا أصابعه الوليد

درسوا عظامه والضلوع

رفسوا جبينه الوضاء

حبسوا أنفاسه

والنشيد

يا رب عندما جاؤوا

جرفوا المدائن

والمآذن

والكنائس

قطعوا السبيل

سرقوا النضارة والجفون

والدمع بحر

واللطم يقتلع الخدود

يا رب

يكاد يقتلنا الهويل

يكاد يقتلنا الجنون

يا أيها الضجر المولد من دمي

يا أيها الغضب الملظى في فمي

فجر دماغي

أو كياني

وانتهي...

ما عادت السلوى تفيد

ما عادت البيانات

والشعارات البليدة

والهتافات العنيدة

و المريبة

تصنع حيا أو شهيد

يا أيها الغضب الذي

هزم الكرامة والشهيد

داس المآثر والقصيد

فجر دماغي – إن استطعت –

رصاصة

صهر دموعي جذوة

قطرا

من نحاس أو حديد

أنا لا أريد مرارة في الحلق

تخنقنا

أو ذبحة تصل الوريد إلى الوريد

كل الذي أرجوه

أن تشعل نارا في يدي

أرمي بها شبق الذي

يلوي ذراع حبيبتي

ويسوقها تحت النخيل

ويبول فوق جبينها

ويلطخ الرحم النبيل

يا غضبي

كل الذي أرجوه

أن تشعل لهبا في فمي

أحرق به وجه الذي

يبكي صراع أحبتي

دمعا تمسح بالمكاء

ثم يوقع موتنا

خلف الستائر

في الخفاء

يا غضبي

كل ذلك ما أريد

كل ذلك ما أريد

يا أيها الضجر المولد في دمي

هلا رحلت عني لحظة

لتحط هدهدا…

على العمامات المذهبة

الحرير

على اليافطات المزركشة

الموائد والنبيذ

هلا رأيت لحظة

كيف الغواني الصغيرات

تراقص في الظلام

شيخا ملوثا بالنفط

يعلوه المشيب

هلا رأيته

كيف يضحك

كالوليد

أو…

كالشريد

حين تدغدغه وتروي له الألغاز

أو حين تلمس بطنه
فتصير دمعه بترولا

وتحرقه كغاز

آه لو أعلموك

سر جنونهم

أو أعلموك بعرفهم

بأن النفط

ماء يلطخه السواد

يعلوه جسر ينتشي

بساق عاهرة طري

والنفط يجري تحتها

مثل واد

نحو بئر "ما لها من نفاد"

آه بها دمروا كل البلاد

يا حسرتاه على البلاد

يا أيها الضجر المولد في دمي

يا أيها الغضب الملظى

خذ – إن شئت عمري-

ولتغب

حبي لأرضي أجنحة تطير

قلبي شراع مسافر

نحو الخلود والأبد

نحو الخلود والأبد

يا وطنا تمرغ في النذالة

والحقارة

والنفاق

يا وطنا يقوده الحمقى

ويلعنه الرفاق

يا موطن النفط المعتق بالنبيذ

هي ذي أموالكم مطر

لا... لن تزول

وترابكم ذهب مصفى

أو عقيق

يا وطنا تمزق

قبل أن يصل الطريق

يا وطنا تدلى بلا حبال...

جيفة

....ولا صديق

يا موطن الخيل المدجج بالصهيل

هي ذي عروبتكم تبيد

و هذا سيف مجدكم العتيق

ينتحر على فخذ المهانة

كالشهيد

يا وطنا فقد الذكورة في الزقاق

حين فاجأه الحريق

فأضاع ثيابه

وما تحت الثياب

فتفقد أعضاءه الثكلى

وإذا بها.. تتلاشى

فوق خارطة الطريق

يا وطنا تمرغ في النذالة

والحقارة والنفاق

كل الشعوب تعلمت

أن الطريق إلى الشرف

... يضيق

وإذا أرادت مخرجا...

لا بد من دمها يراق

يا وطنا أكلت رجولته النساء

فلماذا يطحننا الطحين

لتعبث الأقدار فينا والسنين

كل الفضاءات الجميلة عندكم

بحر وصحراء وزيتون وتين

يا وطنا يتيه في السديم

عطشانا يتيه...

عريانا يتيه...

كيف نسب الغرب والمحتل القديم

وعوراتنا تترى في العراء

وسجوننا ملأى بالمهانة

... بالأنين

يا وطني الكليم

يا وطني الأليم

إني أحبك بعد ذلك كالوليد

كسر حدودك

والحديد

انهض

وفتش عن رجولتك

النشيد

ودع النعاس

فلا فرار

هذي كرامتك الكريمة

في المزاد

خذها ففي أوصالنا الجرحى بحار

من الأحلام

والحب المريد

يا وطني الكليم

هذا القصيد

ولك النشيد

نوار عبيدي كاتب وصحفي جزائري صدرت له عدة مؤلفات في الشعر والقصة والدراسات الأدبية والإعلامية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى