تحصين المجتمع من آفة الفساد
ان المجتمعات، وخصوصاً المجتمعات النامية التي يتفشى فيها الفساد بكل ألوانه وآفاته. فالواجب يقتضي تحصين المجتمع من آفة الفساد بكل الوسائل ومنها وضع قانون لتعارض المصالح.
وقد يكون مفيداً لتلافي مساوئ تعارض المصالح أن تسعى الحكومة بالتنسيق مع المجلس النيابي الذي قدم اقتراحا بقانون في هذا الشأن أن تتولى سلطة إدارية مستقلة المهام وتعمل على تطبيق القانون، وتكون لها صلاحيات التحقيق مع القيادات والعاملين في مسائل تعارض المصالح على غرار بعض المحاكم.
لا شك أن تضارب المصالح شكل من أشكال الفساد، والحد منه يعزز الديموقراطية وشرعية الدولة، ومؤشر على العمل بالقانون ومكافحة الفساد، والالتزام بالقيم والأخلاق الوظيفية. لذلك فإن تطبيق القانون في هذا المجال يجب أن يكون نافذاً لأشكال العقوبات منها الحبس أو الغرامات المالية العالية.
فالهدف من وضع نظام لتضارب المصالح لا يعني مجرد سن العقوبات، وإنما كذلك ردع من يخالف واجباته ومسؤولياته.
وخطورة الفساد الحقيقية ليست في كميات ما يتم استلابه من المال والادارة، بل في انه نقيض للعلاقات السوية بين الشخص ووطنه، فمن يسرق بلده وهو يعلم انه يضعفه ويصيبه في مقتل فإنه لا يمكن ان يكون منتميا،
فليس معقولا أن تكون سارقا فاسدا تهدم بلدك وبعد ساعات ترفع صوتك في الغناء والمديح والحديث عن الانتماء. وهذا ما يفسر تغير اشكال العلاقات بعد توقف اشكال المنافع وابواب السلطة والمال.
والفساد ليس مالاً تتم سرقته، لكنه تطور الى اشكال ومستويات, فهنالك الفساد السياسي الذي يؤدي الى هدر قيمة المؤسسات، او الى تجيير السياسة لتصبح في خدمة بعض المصالح, او الى صناعة اصحاب قرار في عالم السياسة دون كفاءة او قدرة. ومنه الاداري، فالقرارات الادارية التي تمنح مواقع وتعطي ألقابا أو تمنح تسهيلات وتراخيص دون وجه حق كل هذا جزء من منظومة الفساد.
لا نستطيع أن نحصر اشكال الفساد وأنواعه لكنه ثقافة وبنية اخلاقية، فالفساد لا يتوفر او ينمو وسط اصحابه إلا إذا أمنوا العقوبة او وجدوا غطاء، او كانت التشريعات ضعيفة وسهلة الاختراق, لكن الخطير أيضا ان يكون الفساد البسيط هو هدف الحرب للتغطية على الفساد الكبير، وأن تحمر الوجوه ويظهر الغضب، عندما يمارس مواطن صغير فسادا من النوع البسيط، بينما يجد الفاسد أو المفسد الكثير من الاستثناءات والحماية.
يمكن أن يوجد الفساد في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، ولكنّه يختلف من ناحية طبيعته ومدى تغلغله في المجتمع، ومعظم الحالات التي تظهر في البلدان الفقيرة تُبين أنّ الفساد عامل أساسي في الكثير من المجالات؛ كنقص المياه في معظم الميادين، وقطع أشجار الغابات بشكل غير قانوني،
وعدم العدل بين الناس، وتقديم الخدمات الصحية دون مساواة بسبب قرارات عامة فاسدة، والتي يمكن ان تؤدي لموت الكثير من الأشخاص، وتجاهل فرص تعليم الأفراد، وبناء طرق سيئة الجودة، وحدوث المجاعات ومكافحة الفساد ونشر وتعزيز ثقافة النزاهة من الأدوار المهمة التي تقع على عاتق الجامعات
وترتبط ارتباطاً وثيقاً بوظائفها؛ فالنزاهة قيمة دينية إنسانية أخلاقية وسلوكية مرتبطة بأمانة الفرد وأخلاقه تركز على الشفافية ومحاربة الفساد. تطبيق القانون الفعّال يعد أمراً ضرورياً لضمان معاقبة الفاسدين ومنع وجود الحصانة التي تسبب إفلات الكثير من العقوبات،
وإنّ التنفيذ الناجح مدعوم من قبل قانون قوي، ونظام محاكمة مستقل وفعّال، ويمكن للمجتمع المدني دعم هذا التنفيذ عن طريق تعزيز مطالبة المواطنين بمكافحة الفساد، والعمل على إنشاء مبادرات مراقبة تكشف عن وجود الفساد، والتقليل من خسارة الأموال، والتحسين من جودة الخدمات العاملة التي تقدمها الدولة، وتمكينهم من مساءلة الحكومات، مما يساعد في بناء الثقة المتبادلة بين المواطنين والحكومة
أن حماية النزاهة ومكافحة الفساد أساس مهم، وقد بادرت الدولة إلى وضع تدابير وطنية تكفل تحصين المجتمع ضد الفساد، وكشف مرتكبيه ومحاسبتهم، وتعزيز التعاون مع غيرها من الدول في سبيل مكافحته، وأنها تعد من أوائل الدول التي بادرت إلى مكافحة هذه الظاهرة والتصدي لها، موضحا أن المناخ الاستثماري بحاجة إلى جراحة مبدعيه مع حالات الفساد التي استشرت في مناح كثيرة،
وأن الفساد عقبة كؤود أمام الاستثمار الداخلي والخارجي. فرأس المال جبان كما يقال، وبالتالي نجد هروبا لرؤوس الأموال عندما لا تتوفر المكافحة الحازمة لحالات الفساد والإثراء غير المشروع.
إن مكافحة الفساد والقضاء على رموزه أساس لنهضة أي مجتمع، مضيفا أن الدولة بدأت عهدا جديدا في المواجهة بعد أن امتلكت الأدلة على تورط بعض الأسماء ومنها أسماء كبيرة في هذا الداء الخطير على اقتصادات الدول،
أن النجاح في هذه الحرب يبشر بكل خير لنهضة اقتصادنا الوطني الذي يسعى إلى جذب الاستثمارات الدولية في مختلف المجالات ضمن الرؤية الوطنية الطموحة، وأن عدم كفاءة مواجهة هذه الآفة في السابق أدى إلى استفحالها حتى أصبحت تهدد الاقتصاد الوطني برمته، فكان القرار الحازم الذي لم يستثن أحدا مهما كان اسمه كبيرا، وهو ما سيدعم المناخ الاستثماري.
أن كل دول العالم الراغبة في التقدم والرقي تضع مكافحة الفساد في مقدمة أولوياتها، خاصة إذا كانت ترغب في جذب استثمارات دولية، حيث إن رؤوس الأموال جبانة، والمستثمر يحتاج إلى طمأنة بسلامة وضع استثماراته، كما أنها تواكب عمل المحاكم التجارية وغيرها من المحاكم المتخصصة التي أنشأتها الدولة لتحسين الوضع الاستثماري.
إن منظمات المجتمع المدني لها دور مهم وفعّال في بناء المجتمع، يتأتى ذلك من خلال مكافحة الفساد المستشري في بعض المؤسسات العامة والخاصة، وبالتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للحد من ظاهرة الرشوة أو التزوير أو التزييف أو غيرها من حالات الفساد الموجودة في بعض المؤسسات الحكومية والأهلية، أما الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد فتأتي من خلال الوقاية وهي تأتي من بناء منظومة تشريعية وإدارية ومالية ورقابية وقيمية وثقافية، أو الردع ويأتي من بناء منظومة قانونية وتحقيقية وقضائية قادرة على تحقيق إجراءات رادعة وفاعلة،
كما تهدف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إلى تحقيق وتطوير التدابير القانونية اللازمة لتعزيز سيادة القانون وتفعيل قدرات الهيئات المتخصصة بتنفيذ إجراءات مكافحة الفساد واعتماد برنامج وطني لحماية المجتمع من جرائم الفساد ووضع آليات وضوابط لتحصين الاقتصاد الوطني من الممارسات السلبية والارتقاء بالمعايير الأخلاقية للوظيفة العامة وتفعيل مبادئ الخصخصة وتطوير المشاريع العامة وتحرير التجارة والاستثمار وإعادة هيكلية وظائف الدوائر الحكومية والخاصة وتحديد أدوارها،
كذلك من استراتيجية مكافحة الفساد إصلاح نظام الخدمة المدنية وإعادة العمل بوزارة الخدمة المدنية على وفق التطور الحاصل في مفهوم الوظيفة العامة، وكشف حالات الفساد بعد صدور أحكام القضاء ضدها وإعلانها للرأي العام وتبسيط وترشيد الإجراءات الإدارية وإجراءات التقييم الذاتي للمؤسسات بشكل دوري، وذلك لغرض تحقيق فعالية في توفير الخدمات للمواطنين،
كما تهدف استراتيجية مكافحة الفساد إلى تعزيز وتنمية الثقافة العامة والشفافية والنزاهة والمسؤولية وترويج أهمية تطبيق لائحة السلوك الوظيفي وكشف المصالح المالية في ترسيخ أدبيات الوظيفة العامة وتحسين كفاءة ونوعية الخدمات القانونية التي يقدمها نظام العدالة وتعزيز النظام المالي في إدارة الموازنات العامة من خلال اعتماد مبادئ الشفافية والكفاءة والفعالية،
والحرص على مشاركة المجتمع في صياغة وتنفيذ ومراقبة البرامج والمشاريع، كما تسعى استراتيجية مكافحة الفساد إلى إصلاح النظام التعليمي بما يُؤمّن نشر ثقافة مجتمعية تبدأ من المدرسة عبر تعليم النشء الجديد بمخاطر الفساد وزرع الفضيلة والأخلاق والتربية الصحيحة لخلق جيل واعٍ يفهم ويدرك جيداً مخاطر الفساد على المجتمع بشتى أشكاله وخلق بيئة مجتمعية تحرص عل نشر روح العدالة والنزاهة وبناء الوطن.