تشجيع القراءة في أوساط التلاميذ
لا أحد ينكر أن معضلة القراءة مستفحلة في بلادنا بشكل كبير جدا، وأن سوق الكتاب الثقافي كاسدة تقريبا، إذ يتفق الجميع على أن أي كتاب يطرح في الأسواق، مهما كانت أهميته، لا ينجح مسوقوه في بيع أكثر من مائتي نسخة في أحسن الظروف، اللهم إذا استثنينا بعض الحالات النادرة جدا، التي لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة، وقد لا ينطبق عليها هذا الحكم، وإذا ما حاولنا البحث عن أسباب هذه الظاهرة السلبية لمسناها في كثير من العوامل، التي تضافرت فيما بينها لتنتج هذا العزوف المقيت عن القراءة، فلقد علمنا العلوم الاجتماعية أن التفسير الوحيد لظاهرة ما غالبا ما يجانب الصواب، لذا لا مناص من البحث في تعدد الأسباب، وهكذا يمكن رصد أسباب ثقافية واجتماعية ونفسية واقتصادية تجعل من الإنسان المغربي كائنا غير قارئ، وأظن أن للتنشئة الاجتماعية والتربوية دورا هاما في هذا المجال, أقصد بذلك تدخل الأسرة والمدرسة في توجيه الطفل والتلميذ نحو استهلاك الكتاب. وإذا كنا كمغاربة نترعرع في أغلبنا داخل أسر تعاني من الأمية ولا يعرف الكتاب طريقا إليها، ناهيك أن تتوفر بيوتاتها على مكتبات خاصة تؤثث جزءا من الفضاء الداخلي للمنزل، فإن الرهان يبقى منصبا على المدرسة، باعتبارها المكان الوحيد تقريبا الذي يسعى إلى تعليم الطفل مبادئ القراءة والكتابة والحساب وبعدها مبادئ السلوك الجيد المتزن، ثم إكسابه المعارف والمهارات التي يحتاجها ليكون عنصرا فاعلا في وسطه وفي مجتمعه، قادرا على الاندماج فيه والمساهمة في رقيه وتقدمه.
يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية للسنة 2003 المخصص لإقامة مجتمع المعرفة إن نشر المعرفة (وفي صلبها إشكالية القراءة) رهين:
– بظروف التنشئة الاجتماعية (عائلة متسلطة أم متساهلة, محيط مرن أم قاس إلخ).
– بدور التعليم بكل أطواره من السنة الأولى إلى أطوار الدكتوراه (نوعية التعليم, السياسات التعليمية, طبيعة المواد الدراسية الخ).
– وسائط الإعلام والاتصال: دور الإعلام السمعي والبصري, الصحف والمجلات, الكتب, دور النشر, الارتباط بالشبكات الألكترونية بلوغا وتوظيفا, حجم الترجمة ونوعيتها الخ.
إن الدور الحيوي الذي تقوم به المدرسة المغربية في التربية والتعليم وإعداد النشء للمستقبل، لن يتحقق دون أن تسعى جاهدة لغرس فضيلة القراءة الحرة
لدى المتعلم بشتى الوسائل الممكنة، لأن هذا الأمر إذا لم يتحقق ستكون وزارة التربية فاشلة في تحقيق أهدافها، و في رأيي المتواضع يمكن النجاح في هذه المهة باتباع الخطوات التالية التي يمكن إغناؤها بخطوات أخرى حسب طبيعة المنطقة وخصوصيتها:
– تعويد التلاميذ على اقتناء القصص منذ المرحلة الابتدائية بمطالبة كل تلميذ بتكوينه لمكتبته الخاصة التي يجب أن ينال التشجيع عليها بنقط وجوائز محفزة.
– أن تنشأ مكتبات مدرسية في كل المؤسسات التعليمية بشتى أسلاكها ، وأن تكون زيارتها من طرف المتعلم إجبارية لقراءة الكتب أو استعارتها.
– تنظيم مهرجانات سنوية للقراءة داخل المؤسسات، يجند الجميع لإنجاحها في جو احتفالي، يحبب للمتعلم عادة القراءة، وتجعله ينتظر في كل سنة انعقادها بشغف.
– تنظيم مسابقات في القراءة بشتى أنواعها، إلقاء و قراءة صامتة و تلخيصا ومقارنات بين الكتب وغير ذلك.
– جعل مادة القراءة الحرة مادة رسمية، بحيث تخصص ساعة أو ساعتين في الأسبوع للطفل لممارسة هذا الطقس القراءة تحت إشراف أستاذ شغوف بالقراءة.
– دعوة المؤلفين إلى المؤسسات بشكل دوري للقاء بالتلاميذ ومناقشتهم وتوقيع الكتب لهم.
– زيارة معارض الكتب الوطنية والجهوية والمحلية وتعويد التلميذ على شراء الكتاب الثقافي.
– تنظيم ورشات الكتابة لصالح المتعلمين، مما يجعل أحلامهم تتقوى في إمكانية أن يصبحوا كتابا في المستقبل، وهذا مما يحفزهم على الإقبال على القراءة.
طبعا لا يمكن أن نجزم بنجاعة كل هذه الخطوات في جعل القراءة عملة رائجة في أوساط المتعلمين، لكنني أعتقد أنها يمكن أن تكون خطوة أولى في رحلة الألف ميل، وأن التعويل كل التعويل على الإرادة السياسية لدى الفاعلين في السياسة الثقافية للبلد.