الأحد ١ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم محمد جمال صقر

جدارية محمود درويش

أعوام ١٩٨٤ و١٩٩٨ و٢٠٠٨، عَجَزَ عن عَمَلِهِ قلبُ محمود درويش؛ فخضع للجراحة المفتوحة ثلاثَ مرات، نجا من الأوليين، ثم كانت الثالثة هي الثابتة؛ رحمه الله، وطيب ثراه! لقد بَغَتَه في المرة الأولى خطرُ الجراحة، ثم وَجَدَ في المرة الثانية أَثَرَ الموت؛ فلما نجا ثُمَّ حضرَته المرةُ الثالثة قاسَها على الأوليين؛ فأخّر إلى ما بعدها تكملةَ بعض أعماله، ووثّق عقدَ بعض مواعيده؛ فحالَ دون أمَلِه أجلُه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

بعدما زال عنه أثر الموت عام ١٩٩٨، انقطع عام ١٩٩٩ لنظم قصيدة طويلة، يحكي فيها قصة معاناته، ويتأمل أحواله، ويفرح بنجاته، ويوصي أحبابه، سمّاها "جدارية محمود درويش"، زعم زاعمٌ أنها منسوبة إلى جدار ما بين الحياة والموت الذي يبنيه للفنان فنُّه ويخلِّد ذكرَه، ولا يمتنع مع ذلك أن تكون مشبهة بالرسمة الفنية التشكيلية التي تُبسط على الجدار المحيط كله، فيرتع منها الفنان كل مرتع، ويتملَّأ بها أفق الناظر، ويتسرَّى همه!

وقد نشرتها له كتابًا عام ٢٠٠٠، مكتبةُ رياض الريس البيروتية، ثم ضمَّنتها غُرةَ عام ٢٠٠٩ (بعد أربعة أشهر من وفاته)، ما سمته "الأعمال الجديدة الكاملة"، بعدما سبقتها "كلمة" -أظنها مجلة تونسية- إلى نشر الجدارية وحدها في أربعينِهِ (اليوم الأربعين من وفاته)! وقد قابلت بين النشرتين؛ فوجدت بنشرة "كلمة" من إسقاط الأسطر وإقحام ما ليس منها وتشويه التشكيل والترقيم وإهمال التقسيم، ما لا مزيد عليه للشامت؛ فكيف بالمعزي!

ثم وجدت لمحمود درويش بشبكة المعلومات، لقاء تونسيا طويلا، ألقى فيه جداريته كلها، فتأكد لي ما رأيته بينها وبين المعزوفة السيمفونية التي تؤدى في لقاء واحد طويل كذلك، من تواز فني، تتجاريان فيه تشعُّبًا وتكاملا. وخطر لي أن أقابل بين نشرتي القصيدة الإلقائية الصوتية والكتابية الورقية؛ فوقفت من فروق ما بين إلقاء الشعر العربي الحديث وكتابته عموما، وما بين ذلك عند محمود درويش خصوصا- على ما يستحق أن تفرد له المقالات!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى