الأحد ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

حزب التحرير الإسلامي المغربي حقيقة أم وهم؟

ما يعرف عن "حزب التحرير الإسلامي" المغربي قليل جدا، قياسا لما هو معروف عن غيره من تنظيمات وشبكات الحركة الإسلامية المتشددة.

فهياكله التنظيمية وأسماء قادته وأساليب تجنيده واستقطابه للأتباع ومصادر تمويله وأنماط علاقاته مع التنظيمات والشبكات المشابهة الأخرى، لا تزال لغزا ومادة للجدل بالمغرب.
ظهر اسم حزب التحرير لأول مرة بالمغرب في السنوات الأخيرة لعقد الثمانينات، وتأكد وجوده بالمغرب في السنوات الأولى من الألفية الثالثة عبر جملة من المنشورات المتداولة من خلال شبكة الانترنيت وبعض المناشير التي تم توزيعها بداية بشمال المملكة ثم بباقي المدن الكبرى.
فهل تمكن من بناء نفسه وتقعيد هيكلته التنظيمية بالبلاد، أم مازال مجرد مشروع في طور التأسيس؟

على سبيل البدء:

إذا كان "حزب التحرير الإسلامي" مشرقي المولد، فقد بدأت تصل منشوراته الأولى إلى المغرب في منتصف الثمانينات. كما أن الاتصالات الأولى بالمغاربة تحققت بداية من خلال بعض الطلبة المغاربة، بجامعات ومعاهد أوروبا وببعض المغاربة، الذين تمكنوا من الوصول إلى أفغانستان وبعدها إلى باكستان هروبا من الحرب التي شنها الغرب على حركة طالبان.
ومن أول المنشورات التي وصلت إلى المغرب نشرة سرية بعنوان "الخلافة"، كان قد أصدرها حزب التحرير الإسلامي بتونس.

وإذا كانت الاستقطابات الأولى تمت خارج المغرب، منذ منتصف الثمانينات، وعلى امتداد التسعينات، فإن "الحزب" ظل راكدا بالمغرب، ولم يعرف بداية نشاطه إلا ابتداء من 2001. وعموما ظلت المهمة المرحلية هي تقوية الصفوف بربط الاتصال فيما بين المستقطبين خارج المملكة وجلب عناصر جديدة بالداخل. إذ اقتصر الأمر على عرض أفكار الحزب على أشخاص بشكل فردي في نطاق محدود جدا تجمعوا في حلقات محدودة العدد بتطوان، الدار البيضاء ومكناس، مع تواجد عناصر متفرقة بسلا والرباط وفاس ووزان وأسفي ومراكش. وكانت المهمة هي صهر هذه العناصر قبل الانطلاق لحمل الدعوة إلى الناس، وكل هذه الخطوات تمت في السرية.

واعتمادا على شذرات المعلومات المتوفرة والتقاطعات بين جملة من الأخبار من هنا وهناك، يبدو أن "حزب التحرير الإسلامي" المغربي يعتمد شكل تنظيم هرمي مكون من خلايا أو حلقات تكون جسما محليا أو إقليميا أو جهويا أو على صعيد المدينة، كما هو الأمر بالدار البيضاء وتطوان ومكناس. وعلى رأس كل وحدة تنظيمية "نقيب"، غالبا ما يكون على اتصال بدرجة تنظيمية أعلى تضم النقباء، يترأسها "عميد" أو "معتمد"، وهؤلاء "العمداء" أو "المعتمدين" يعملون باستقلالية تحت قيادة أمير أعلى للتنظيم، مازال لم يتأكد اسمه أو تواجده ضمن المعتقلين إلى حد الآن، وهو الذي على اتصال بكادر الحزب "الأردني" الذي جاء إلى المغرب، بتكليف من الأمير العالمي، لإعادة هيكلة الحزب بالمغرب وتفعيل نشاطه.

ومهما يكن من أمر إن قيام "حزب التحرير الإسلامي" المغربي كان، حسب أدبيات الحزب الأم العالمي، استجابة لفحوى الآية الكريمة: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وهذا بغية إخراج الأمة من الانحدار والتقهقر اللذان وصلت إليهما. ومن أجل تحريرها من أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ومن سيطرة اليهود والدول الكافرة ونفوذها. وفي نظر أعضاء "الحزب" لن يستقيم لها ذلك إلا عبر العمل لإعادة دولة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، حتى يعود الحكم بما أنزل الله.

العمود الفقري:

حسب جملة من المؤشرات قد يكون المدعو "ع. ع"، المغربي الحامل للجنسية البريطانية، اضطلع بمهمة التنسيق بين فرع الحزب بالمغرب وبعض فروعه بالديار الأوروبية. كما يعتبر من مؤسسي الحزب بالمغرب بمعية بعض من تابعوا دراستهم العليا بأوروبا، وآخرين رجعوا من أفغانستان بعد قضاء مدة بباكستان. وحسب أحد المصادر المطلعة، كان "ع. ع" على علاقة بأمير الحزب بالأردن "عطا بن خليل أبو رشتة"، وظل الارتباط قائما بينهما عبر شبكة الانترنيت، كما كان على علاقة بمغاربة أعضاء بالحزب، يقيمون بالأراضي الإسبانية وجبل طارق، علما أن بريطانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة، التي سمحت بالنشاط العلني لحزب التحرير على ترابها قبل طرد أحد قاداته بعد انفجارات لندن.

وبالرجوع إلى البيانات المكشوف عنها بخصوص الأشخاص الذين شملهم الاعتقال، لاسيما بمدن الدار البيضاء ومكناس وتطوان، والذين تجاوز عددهم 15 شخصا، يبدو أن أغلبهم تابعوا دراستهم العليا خارج البلاد، لاسيما في المجالات العلمية، أو سبق لهم أن قضوا مدة زمنية بإحدى الدول الأوروبية. فضمن معتقلي الدار البيضاء موظف بشركة بالقطاع الخاص، تكون بالخارج وصاحب عيادة للتداوي التقليدي بالأعشاب، تابع دراسته العلمية بأوروبا وآخرون يقطنون "بسباتة" و"حي البرنوصي" في الدار البيضاء سبق لهم أن قضوا مدة خارج المغرب، هذا إضافة لمهندسي مكناس و "م. هـ" الأستاذ الجامعي المتخرج من فرنسا.
كما أن "ع. ع"، البريطاني الجنسية و "ع. م" أحد أبناء مدينة تطوان، يعتبران من العناصر البارزة في "الحزب".

وخلافا لباقي مكونات الحركة الإسلامية المتحركة في السر، إن عناصر "حزب التحرير" الذين تم اكتشافهم إلى حد الآن ليسوا من المهمشين أو المنحدرين من أوساط فقيرة، وإنما أشخاص يحتلون مواقع دائمة ومرموقة وسط المجتمع، وأغلبهم من ذوي التكوين العالي والمؤهلات العلمية والمهنية، وهذا مؤشر من شأنه أن يؤكد، أن الزعيم الأول من عناصر حزب التحرير الإسلامي المغربي تم استقطابهم بالخارج.

ومن الملفت للنظر أن أعضاء هذا الحزب، لا يتميزون لا بمظهرهم ولباسهم وتصرفاتهم عن باقي الناس، على غرار الجماعات الإسلامية الأخرى، فهم غير ملتحين ويرتدون اللباس العصري الحديث كباقي جل المغاربة ويعيشون حياتهم بشكل عادي جدا.

العلاقة مع الخارج

أضحى الآن من المؤكد، أن "حزب التحرير الإسلامي" العالمي يتوفر على شبكة نشرت خيوطها في مختلف البلدان العربية والإسلامية وفي صفوف الجاليات العربية والمسلمة في العالم، لاسيما بالديار الأوروبية.

وتشير المعلومات المتوفرة لدينا، وما تم تسريبه من فحوى التحقيقات الجارية مع المعتقلين. ومن المعطيات التي تمكنت "المشعل" من استقائها من معارفهم أن بعض عناصر "حزب التحرير الإسلامي" المغربي، كانت تربطهم علاقات بأعضاء الحزب ببريطانيا، ربما عن طريق "ع. ع"، ومع أعضاء الحزب بسوريا والأردن عن طريق اردني دأب على السفر إلى أوروبا وباكستان وتركيا وأزبكستان، وقد يكون هذا الشخص هو الذي اعتقل بالأراضي المغربية.
وتفيد بعض المعطيات التي نتوفر عليها، أن الأمير العالمي كلفه عبر حزب الأردن، هذا الأردني، وهو أحد كوادره، بإعادة إحياء وتفعيل نشاط عناصر الحزب بالمغرب، لاسيما إعادة الاتصال بمن تم استقطابهم بالخارج لتقعيد الهيكلة الداخلية للحزب وتعيين المسؤولين على وحداته عبر التراب المغربي وقيادته القطرية وتقوية علاقتها مع شبكته العالمية.

بخصوص العلاقة مع الجيش والتمويل

يبدو أن "حزب التحرير الإسلامي" المغربي نهج نفس الخطة التي نهجها حزب التحرير الإسلامي بالأردن وتونس، وهي السعي لتوصيل الدعوة لعناصر بالجيش عبر بيانات موجهة إليهم كسبيل من سبل اختراق المؤسسة، اعتبارا لدورها وموقعها في مختلف البلدان العربية والإسلامية.

أما بخصوص التمويل، يعتقد أن المصادر التمويلية تتمحور بالأساس على الاعتماد على أثرياء من الشرق الأوسط أو أشخاص يقيمون بأوروبا، وجزئيا على أثرياء أو أصحاب مشاريع تدر أرباح مهمة بالمغرب.

ماذا عن أفكار "الحزب"؟

يدعو "حزب التحرير الإسلامي" المغربي إلى إقامة الخلافة الإسلامية سلميا في المرحلة الأولى، ويرفض الديمقراطية الغربية، كما يعتقد أنه لا توجد الآن أي دولة إسلامية حقيقية، ويقر بأنه يدعو إلى نشر أفكاره عبر الدعوة ولا يتبنى سياسة العنف، ويجعل من العقيدة الإسلامية أساسا لتفكيره والأحكام الشرعية مقياسا لأعماله وسيرة الرسول نبراسا لطريقته.
إستراتيجية حزب التحرير الإسلامي المغربي

لقد أخذ هذا الحزب على نفسه الاضطلاع بمهمة التحرير الشامل، بدءا من تحرير الأمة، مما تعاني من سيطرة للأفكار والآراء والمشاعر والأنظمة الدخيلة على الصعيد الداخلي، وصولا إلى تحرير العالم من خلال دولة إسلامية هي دولة الخلافة الراشدة التي تقوم بهذه المهمة.
انطلق الحزب من مسلمة عقدية وهي أن الإسلام قادر على توحيد الأمة بعد أن تفرقت، وله الطاقة القادرة على تحديد القضية المركزية والتي تحل من خلالها جميع قضايا المسلمين، فالحل في نظر الحزب يكمن في الخلافة بكل ما تعنيه تفصيلاتها، ومن خلالها يرى الحزب حل مختلف معضلات العالم حتى الاقتصادية منها مهما استعصت.

وعلى صعيد تقييم الوضع، يعتبر "حزب التحرير" أن المغرب يعيش الآن في تجاذب بين مشروعين مجتمعين، مشروع منبثق من دين الأمة وعقيدتها، وهو مشروع الخلافة الإسلامية (التي أضحت في نظره قاب قوسين أو أدنى) من جهة، ومن جهة أخرى مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا الذي تبشر به أمريكا وله مدافعون كثر بالمغرب.
أما بخصوص الوضع الاقتصادي، يعتبر الحزب في بلاغاته ورسائله "أن الحكم ظالم ولا يحسن الرعاية"، وتقوم السياسة الاقتصادية على الربا والمكوس، كما تعتمد البلاد على سياسة سياحية لا تجلب إلا سياحة الجنس واللواط، ويعتبر أن السياسة الخارجية مازالت ترتكز على موالاة الكفار واليهود.

كما يقر الحزب أن الاضطلاع بالمسؤولية في المغرب، واحتلال مواقع في دواليب صنع القرار لازالت مغنما بامتياز وليست أمانة. وهذا لأن عبقرية ساسة المغرب في نظره، لم تتفق إلا على ما أوصت به أمريكا في مشروعها للشرق الأوسط الكبير، بتعميم السلفات الصغيرة لمحاربة الفقر. فالحزب يرى أن الحكومة بالمغرب لا تجد حدا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية إلا في ركوب الحرام، بفرض المزيد من الضرائب، وتشجيع الربا، وتحويل البلاد إلى قبلة للسياحة الجنسية للشواذ ومرضى القلوب، طمعا في جلب العملة الصعبة.

بخصوص منشورات الحزب

وزع "حزب التحرير الإسلامي" المغربي جملة من المناشير وأقراص مدمجة في الدار البيضاء ومكناس وسلا والرباط والعرائش وطنجة وتطوان، وكلها تدعو لإقامة الخلافة الإسلامية الثانية وإلى الجهاد داخل المغرب، كما وجه رسالة إلى علماء المغرب، مما جاء فيها.. "[...] في خضم ما تخططه أمريكا لبلاد المسلمين أرادت للمغرب أن يكون دولة نموذجا في مشروعها الشرق الأوسطي الكبير، فكان لها ما أرادت حيث عمل المغرب تحت أوامرها لإعادة هيكلة الحقل الديني.

وعمد إلى أصوات الحق يبعدهم تباعا عن المنابر والكراسي العلمية، كما سارت وزارة التربية الوطنية في تغيير المناهج التعليمية وإفراغها من مضامينها الإسلامية/ بحيث تتوافق ومراد بوش...".

وفي عيد الفطر لسنة 2005 وزع الحزب بمدن الشمال منشورا دعا فيه إلى إقامة الخلافة الثانية، وقد اعتبرته جهات كثيرة أنه يروج لأفكار إرهابية.

إستراتيجية "حزب التحرير" المغربي المعلنة

إن إستراتيجية "حزب التحرير" المغربي المعلنة تتمحور حول فكرة أنه حزب سياسي مبدؤه الإسلام، والسياسة عمله، من خلالها يعمل بين الأمة ومعها، لتتخذ الإسلام كقضية جوهرية أولى لها، وليقودها لإعادة إقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله إلى الوجود.

لذلك يعتبر القائمون عليه بالمغرب أن طريقتهم لتحقيق هذا الهدف، هي الطريقة نفسها التي خطاها النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثناء السنوات الثلاث عشر، التي قضاها في مكة يدعو إلى الإسلام، ومن ثم هجرته إلى المدينة وإقامة دولة الإسلام فيها، فخلال هذه الفترة ظل الجهاد منحصرا في الكفاح السياسي ضد النظام القائم باعتماد الصراع الفكري ضد عقائد الشرك.
ويقر قاداته بالمغرب، أنه لم يسبق لهم أن قاموا بأي عمل قد يوصف بالعنف ضد أي جهة، وأن لا علاقة لهم، لا من قريب ولا من بعيد، بأحداث 16 ماي الدموية بالدار البيضاء ولا بأي شكل من أشكال العنف.

وإذا كانت بعض الجهات، تعتبر أن "حزب التحرير الإسلامي" المغربي يتحرك بوجهين ويلعب على حبلين، وجه خفي راديكالي متطرف ووجه يعتمد الدعوة السلمية لإقامة دولة إسلامية، فإن هذا الأخير – حسب قاداته – ظل ينكر هذا الإدعاء، جملة وتفصيلا، لأنه يقتدي برسول الله الذي لم يستعمل العنف في مرحلة الدعوة المكية.

ومن الأحاديث التي يكثر "حزب التحرير" المغربي الاستشهاد بها، الحديث القائل:
"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم تكون ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوية تعمل في الناس بسنة النبي ويلقى الإسلام جراءه في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئا إلا أخرجته".

وبذلك يقول القائمون على "حزب التحرير" المغربي إنهم يعتمدون على الفكر فقط لتحقيق غايتهم. ويعتبرون أن طريقة "الحزب" في العمل ليست ناجمة عن قلة الوسائل البشرية أو المادية، وإنما أخذ على عاتقه، ليظل وفيا لمبادئه المستوحاة من الخطوات التي سار على هداها الرسول، قبل هجرته إلى المدينة.

ومن هذا المنطق تقر قيادة الحزب أنه حتى في الديار الأوروبية، لم يسبق لأعضائه هناك، أن قاموا بأي عمل يتعدى صفتهم كأعضاء حزب سياسي، يدافع عن الإسلام والمسلمين ويعمل معهم للمحافظة على الهوية الإسلامية، ولجعلهم مرتبطين بهموم الأمة وقضاياها المصيرية.
وعموما تنبني إستراتيجية "حزب التحرير الإسلامي" على ثلاث مراحل، على غرار ما قام به الرسول (ص)، في المرحلة الأولى يتم التركيز على الدعوة السرية واستقطاب عناصر يؤمنون بضرورة إقامة الخلافة حق الإيمان، وتهتم المرحلة الثانية بالدعوة وسط الأمة لإقامة الخلافة، أما المرحلة الثالثة ترتكز على الإقرار بشريعة الله في المجتمع، وذلك عبر مساندة الجيش.
أعضاء حزب التحرير، أناس كباقي الناس

لا يتميز أعضاء "حزب التحرير الإسلامي" والمرتبطين به عن باقي الناس في المظهر ونمط العيش.
يرتدون ملابس عادية كجميع الناس، وليس لديهم لباس خاص كما هو الحال بالنسبة للمغاربة الأفغان والمحسوبين على تيارات الحركات الإسلامية المتطرفة.

إنهم يرتدون سراويل وقمصان وبدلات وربطات العنق، ويحلقون ذقونهم ويهتمون بأناقة مظهرهم الخارجي، ويفسرون هذا بكونهم يميزون بين الحضارة والتاريخ، كما يعتبرون أن حزبهم ليس سلفيا، لذلك فهو لم يحرم الاستنساخ ولم يمانع أطفال الأنابيب، ويرون في المرأة أما وعِرْضًا يجب أن يصان وليس فرضا أن تغطي وجهها. وفي نظرهم يمكن أن تكون قاضية ومنتخبة ومشاركة في تدبير الشأن المحلي والعام.

وبخصوص موقفهم من الحكام، يعتبرون أنه لا تجوز محاربتهم إلا إذا أظهروا كفرا واضحا للعيان، وبالتالي وجب إبعادهم عن الحكم. أما الملك فهو مستثنى من هذه القاعدة لورود الأحاديث الموجبة لطاعة الحاكم ولو ظلم ولو أهدر الحقوق، ما لم يأمر بمعصية.

المشروع المجتمعي "لحزب التحرير الإسلامي" المغربي

يهدف "حزب التحرير الإسلامي" المغربي إلى تقعيد الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهذا يعني، في منظور أعضائه، إعادة المغاربة إلى العيش عيشا إسلاميا في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، التي هي دولة الخلافة.
وهي الدولة التي ينصب المسلمون فيها خليفة يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.
هذا هو المشروع المجتمعي الذي يريد "حزب التحرير الإسلامي" المغربي تحقيقه من أجل تغيير الواقع، هذا الواقع الذي يرى أنه مازال يفرض على المسلمين العيش في دار الكفر باعتبار الحكم بغير ما أنزل الله.
والطريق إلى تحقيقه تم عبر ثلاث مراحل، مرحلة التثقيف لإيجاد واستقطاب أشخاص يؤمنون بالفكرة وهم الذين يكونون نواة الحزب، وتأتي مرحلة التفاعل مع الأمة حتى تتخذ الإسلام قضية لها، وأخيرا مرحلة استلام الحكم وتطبيق الإسلام تطبيقا عاما وشاملا.

الخطة التنظيمية "لحزب التحرير الإسلامي"

على المستوى التنظيمي يبدو أن "حزب التحرير الإسلامي" المغربي لازال في مرحلته الأولى رغم أن أول التابعين له بالمغرب ظهروا منذ 1987 على الأقل، وبالرغم من تواجد مغاربة يحملون إيديولوجيته منذ 20 سنة، إلا أن شبكة الحزب التنظيمية، مازالت لم تقعد بعد، الشيء الذي دفع "حزب التحرير" الأردني، الذي يحتضن الأمير العالمي للحزب يهتم بالمغرب ويبعث له أحد كوادره للاضطلاع بمهمة تفعيل عناصر الحزب بالمغرب وبنائه تنظيميا.
فعلى الصعيد التنظيمي مازال اهتمام المغاربة منصب على بناء الجسم وتكثيف الروابط بين الأعضاء وتثقيفهم في حلقات بمدن الدار البيضاء ومكناس وتطوان وسلا، وخلق علاقات مع أفراد في فاس والرباط وأسفي وطنجة والعرائش.

وظل هدف المرحلة الحالية هو الثقافة الحزبية المركزة والتحسيس غير المباشر (عبر مناشير وكتابات) لوجود الحزب بالمغرب، ويدخل مجيء الكادر الأردني في هذا الإطار قصد المرور إلى المرحلة القادمة، وهي حمل أفكار الحزب إلى الناس.
وما هذه الخطوة إلا المرحلة الأولى في خطة الحزب التنظيمية، والتي تتلوها المرحلة الثانية الخاصة بتكوين كتلة الحزب وانخراطه وسط المجتمع للتعريف بأفكاره وما يدعو إليه، وهي المرحلة التي يدعوها "الحزب" بمرحلة التفاعل مع الأمة لتحميلها الإسلام والتعريف بأفكار الحزب وسط المغاربة حتى يتخذونها أفكارا لهم والعمل بها في واقع حياتهم لتوفير الشروط لإقامة دولة الخلافة.

في هذه المرحلة سينتقل الحزب إلى مخاطبة الجماهير، مخاطبة جماعية لاستقطاب الشخصيات القادرة على حمل الدعوة وخوض غمار الصراع الفكري والسياسي، وبموازاة مع ذلك تنوي الخطة التنظيمية البحث عن السبل لاستغلال فضاء المساجد والجمعيات وتنظيم محاضرات وتجمعات عامة ونشر مقالات ونشرات وإصدار كتب لشحد الوعي العام بخصوص قضية الأمة الأولى، إقامة الخلافة.

أما بخصوص الصراع السياسي، اعتمدت خطة "الحزب" التنظيمية على التركيز في المرحلة الأولى على التشهير بالدول الكافرة (وعلى رأسها الولايات المتحدة)، التي لها سيطرة ونفوذ على المغرب، ومكافحة الاستعمار بجميع أشكاله الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وكشف خططها وفضح مؤامراتها لتخليص الأمة من سيطرتها وتحريرها من أي أثر لنفوذها.
وعلى الصعيد الداخلي ركزت الخطة التاكتيكية للحزب، على كشف قصور القائمين على الأمور والتشهير بهضمهم للحقوق والتقصير في أداء واجباتهم وإهمالهم لشؤون الأمة والتنديد بمخالفتهم لأحكام الإسلام.

وعموما يبدو أن "حزب التحرير الإسلامي" المغربي اعتمد الخطة التي اتبعها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحذافيرها، أي الاقتصار، في المرحلة الإستراتيجية الأولى، على الأعمال السياسية وعمل تجاوزها إلى ممارسات على الميدان ضد من يقفون أمام دعوته (وهي الشبيهة بمرحلة مكة التي اقتصرت على الدعوة)، وهذا في انتظار المرحلة الإستراتيجية الثانية (مرحلة ما بعد الهجرة إلى المدينة في عهد النبي)، مرحلة العمل على استعادة الأمة الإسلامية لسابق عزها ومجدها، تحقيقا لقوله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".

هذه هي المعالم الكبرى لخطة "حزب التحرير الإسلامي" المغربي، والتي لم يتحقق منها الآن إلا الخطوات الأولى المرتبطة بالمرحلة الإستراتيجية الأولى.

الأمير العالمي لحزب التحرير العالمي

يتزعم حزب التحرير الإسلامي، على الصعيد العالمي حاليا، الأمير عطا خليل أبو رشتة، الأردني الجنسية والفلسطيني الأصل، مهندس مدني أصبح أميرا منذ منتصف أبريل 2003.
كان يعمل بالأردن، اعتقلته السلطات الأردنية أكثر من مرة قبل اضطراره للعيش في السرية.
في نظر أعضاء "حزب التحرير الإسلامي"، يعتبر أبو رشتة حاليا، أميرا للأمة الإسلامية في العالم أجمع، وقد بايعوه بهذه الصفة، إذ لم يعد يظهر للعامة لأسباب أمنية ولا يعرف أحد مكانه أو في أي بلد هو مستقر الآن، اعتمد السرية التامة، ويعتقد أنه يعيش في الشرق الأوسط ويتصل برفاقه عبر العالم بواسطة الانترنيت، وهذا باعتبار أن حزبه غير شرعي في جميع البلدان العربية والإسلامية، وكان قد سمح له بالنشاط العلني في بريطانيا قبل حظره بعد انفجارات لندن التي تورطت فيها عناصر سبق وأن انشقوا عن الحزب.

النواة الأم لحزب التحرير الإسلامي النشأة والانتشار

ما هو مؤكد عن تنظيم "حزب التحرير الإسلامي"، أنه تأسس في البداية، بالقدس سنة 1953، على يد الشيخ الفلسطيني تقي الدين النبهاني، الذي توفي في ظروف غامضة سنة 1979 في بيروت، بعد أن أمضى أواخر حياته متنقلا بين الأردن وسوريا ولبنان، والذي يرى مؤسس الحزب أن نكبة فلسطين، ما كانت لتحصل لو كانت دولة الخلافة الإسلامية قائمة وشرع الله مطبق. ووفق هذا المنظور اتخذ الزعيم الأول مسألة إحياء الخلافة هدفا مركزيا وإستراتيجيا، وعبره استطاع جذب أتباع ببلاد الشام ومصر وصولا إلى شمال إفريقيا، كانت انطلاقته من مدينيتي القدس والخليل منذ أن طرح مؤسسة مشروع عودة الأمة الإسلامية إلى عهدها الأول، عبر بعث حمية الإسلام وفتح باب الاجتهاد كباب يحل للمسلمين، وللعالم أجمع، معضلاته ومشاكله المستجدة.

حاليا ينتشر "حزب التحرير" في مختلف البلدان الإسلامية، بل في كل الأماكن التي يوجد فيها المسلمون، لكنه ظل محظورا ومطاردا من قبل معظم أنظمة الحكم في البلدان العربية والإسلامية.

كما تعرض أعضاؤه للسجن والتعذيب، بل بعضهم كانوا ضحية للتصفية الجسدية. للحزب الآن تواجد في 44 دولة عبر العالم، ونشاطه مرخص له في كل من السودان ولبنان واليمن، منذ الثمانينات غطى البلدان من أقصى الشرق (أندونسيا وماليزيا) إلى أقصى الغرب (المغرب وتونس) مرورا بالهند وباكستان وأفغانستان وتركيا ووصولا إلى شمال القارة الإفريقية، كما اهتم الحزب بالمهاجرين العرب والمسلمين بالمهجر، وكانت البداية من بريطانيا، وهناك برز أحد البريطانيين من أصل باكستاني، "كليم صدقي"، الذي أسس "البرلمان الإسلامي في المملكة المتحدة" وأرسل كتابا إلى الملكة "إيزابيت" لمطالبتها باعتناق الإسلام، وهي الرسالة التي عرفت بـ "اسلمي تسلمي"، كما نشط الحزب في صفوف المهاجرين بألمانيا وبالدانمارك بفضل "فادي عبد اللطيف". ومن وجوه الحزب البارزة حاليا بانجلترا، هناك "عمر بكري" الذي استقر بلبنان بعد طرده من تراب المملكة المتحدة.

يرتكز "حزب التحرير الإسلامي" حاليا على اعتبار أن باكستان تشكل المنطلق لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وذلك بفعل وضعها الجيوسياسي ومواردها الاقتصادية، وخصوصا بفعل قوتها النووية، ومن المعلوم أن الحزب يمكن من التسلل إلى المجتمع الباكستاني، وأصبح له الآن تأثير واضح واتسعت قاعدة أتباعه، لاسيما في صفوف المتعلمين، هذا ما كشفت عنه آخر التقارير المخابراتية الأمريكية والبريطانية، وقد ظهر الحزب علنيا بباكستان منذ سنة 2000، ولم تستبعد المخابرات الأمريكية تورط هذا الحزب في المحاولتين الفاشلتين، لاغتيال الجنرال مشرف في نهاية 2003، علما أنه (الحزب) ظل يتهم مشرف بخيانته لحركة طالبان، وبتأييده غير المشروط لحملة بوش ضد القاعدة والحرب على العراق.

كما أنه سبق للناطق الرسمي "لحزب التحرير الإسلامي" في بريطانيا، "عمران وحيد"، أن صرح علنا، بأن آسيا الوسطى تشكل أرضا خصبة لأجندة تنظيم حزبه، وقد كشفت التقارير المخابراتية عن وجود ما يناهز 60 ألف شخص تابعين للحزب بباكستان وأفغانستان، من ضمنهم أغلبية العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان وبينهم مغاربة، لاسيما في ظل حكم حركة طالبان التي وفرت له خلفية آمنة لتقوية صفوفه، لكن بعد سقوط طالبان في أكتوبر 2001، هرب أتباع الحزب إلى باكستان وإيران وبعضهم عادوا إلى بلدانهم لمواصلة جهادهم من داخلها.
تظل القضية المصيرية بالنسبة "لحزب التحرير الإسلامي" هي إعادة سيادة الحكم بما أنزل الله عن طريق إقامة دولة الخلافة، وتنصيب خليفة للمسلمين يبايع على كتاب الله وسنة رسوله ليهدم أنظمة الكفر ويضع أحكام الإسلام مكانها موضع التطبيق والتنفيذ، وبذلك يحول بلاد الإسلام إلى دار الإسلام، والمجتمع فيها إلى مجتمع إسلامي ليحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد. على هذه الأطروحة تنبني كل إيديولوجية حزب التحرير الإسلامي في جميع الأقطار التي يتواجد فيها حاليا، بما فيها المغرب.

ويرى "حزب التحرير الإسلامي" أن على المسلمين أن يتخلصوا من الحدود القومية التي تفصل بين الدول، وأن يعودوا إلى دولة إسلامية واحدة التي تعرف بالخلافة، تمتد من أندونسيا شرقا إلى المغرب غربا.

ويرى أغلب المحللين أن هذه الفكرة من شأنها أن تمكن الحزب يوما من منافسة الحركات الإسلامية الحالية.

من الأحداث التي أبرزت حضور حزب التحرير الإسلامي عبر العالم، أعمال التخريب في بعض من مناطق العالم على خلفية قصة تدنيس القرآن الكريم في قاعدة غوانتنامو.
لازال "حزب التحرير الإسلامي" حاليا يعتمد كثيرا على شبكة الويب (الانترنيت) في نشر دعوته وأفكاره، وقد أحصينا أكثر من 150 موقع على الشبكة العنكبوتية بين مجلات إلكترونية ومنتديات الحوار الخاص بالمنتمين للحزب والمتعاطفين معه عبر العالم، كلها تروج لأفكاره ومعتقداته، والمتمحورة كلها حاليا حول فكرة مركزية مفادها، أن الإسلام هو الحل وهو المخرج، باعتباره يختزل حل مختلف أزمات الأمة الإسلامية، في إقامة دولة الخلافة لكل المسلمين والمطبقة لأحكام الشريعة.

وتعتبر جريدة "الوعي"، في صيغتها الورقية والإلكترونية، لسان حال الحزب عبر العالم.
حزب التحرير بعيون الآخر

"زينو بارن"، عضوة بارزة بمعهد هيدسون، ومن أكبر الخبراء الغربيين بخصوص "حزب التحرير الإسلامي" تقول: "قبل أعوام قلائل كان الناس يسخرون من عناصر حزب التحرير، ولكن اليوم، وخصوصا منذ تصريحات أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وغيرهما من الجماعات الإسلامية التي أضحت تردد إحياء الخلافة بدأ الناس يأخذون أقوالهم مأخذ الجد".
ويقول "ستيفن وولف": إن إحياء الخلافة هي نقطة اتفاق بين الأصوليين وبين المسلمين الأكثر اعتدالا، علما أن فكرة تأسيس حكومة على مبدإ الخلافة لها أصول تاريخية ولها شرعية إسلامية ليست موجودة في جوهر أنظمة الحكم الغربية المستندة عليها الأنظمة العربية والإسلامية حاليا عبر العالم".

لكن "حزب التحرير" على خلاف تنظيم القاعدة، يرى أنه يستطيع إقامة نظام الخلافة بصورة سلمية عبر إقناع الزعماء السياسيين والعسكريين، بأن إعادة إقامة هذه الخلافة واجبهم الإسلامي الأول، وما إن يدعو هؤلاء الزعماء حزب التحرير إلى السيطرة على الحكم فإنهم يفعلون ذلك عن طريق انقلاب عسكري، فإن الحزب سوف يكرر عند إذن نفس العملية في دول أخرى قبل تحقيق ارتباط بينها لتكوين خلافة إسلامية.

ويرى هذان الخبيران أن التطلع إلى الخلافة والنظر إليها كمخرج تكرس بفعل حالة اليأس التي صار إليها العالم العربي والإسلامي اليوم، ويضيفان أن الخطر يكمن في أن "حزب التحرير" يدفع أتباعه إلى الأصولية والتعصب، مما يمكن أن يحولهم فيما بعد بشكل تدريجي إلى مقاتلين، وإذا كان ليس بالضرورة، أن كل من هو منضم أو سوف ينضم إلى هذا الحزب سوف يصبح جهاديا عنيفا، فإنه يمكنه أن يمدهم بقوة عقائدية، وهنا بالضبط تكمن خطورته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى