

حمروش

يطلّ علينا الكاتب المقدسيّ جميل السلحوت بروايته الأخيرة: "حمروش" (رواية للفتيات والفتيان، 71 صفحة، وتشمل الصفحات 61-71 سيرته ومسيرته وتعداد إصدارات الكاتب؛ سيرة ذاتية، وروايات، وروايات لليافعين، وقصص للأطفال، وأدب السيرة، وأبحاث في التراث، وأبحاث، وأدب ساخر، وأدب الرحلات، ويوميات، ورسائل ، وعداد وتحرير الكتب التسجيلية لندوة اليوم السابع، الصادرة عن أ. دار الهدى – عبد زحالقة، كفر قرع)، وسبقتها روايات لليافعين ومنها: "عشّ الدبابير"، "البلاد العجيبة"، "اللفتاويّة"، "كنان يتعرّف على مدينته"، وغيرها.
يروق لي أن أبدأ محادثاتي مع الأديب "كيفك شيخنا؟"، وله دور كبير في إحياء الموروث الشعبي عبرَ كتاباته، على أنواعها، وهذا الأمر يُحسب له.
يصوّر الكاتب خوف أهل البلدة (وخاصّة كبار السن منهم) من مغارة "مسكونة"، مما يثير الرعب لكلّ من يمر بجوارها وخاصّة في ساعات الليل، فالأشباح والأرواح تسكنها، وتقوم برعاية رجل صالح يُعرف بحمروش، مدفون في قلب المغارة، وهذا الولي نجده بالبراري في كثير من قرانا وبلداتنا.
ونجد الطفل سعيد نقطة الضوء في آخر الممر، فبراءته الفطريّة ترفض الخرافات والخزعبلات التي يؤمن بها الكبار، ويردّدونها ويحفظونها عن ظاهر قلب ويتناقلونها من جيل إلى جيل، يسخر منها ويكفر بها، ولا يخافها كالكبار، فكان من الطبيعي أن يستأنس بعائلة عبده النوري وزوجته صبرية وصغارهم حين قرروا السكن والإقامة في تلك المغارة "المسكونة" بأريحيّة، دون خوف أو وجل.
لحضور النوَر إضافة وإضاءة على السرد، فها هو السلحوت يعرّف القارئ على الغرابيل (الغربال – المُنخُل) والكرابيل (الكربال – مِندَف القطن) التي يبيعها النوري، يصنعونها من جلود الدواب: البقر والحمير والبغال والخيول، "نسلخها ما وجدناها نافقة نأخذ جلودها ونعتني بدباغتها وتجفيفها، ثم عمل منها سيورا (خيط من الجلد يستخدم لربط الأشياء مع بعضها) وتبييض الأواني النحاسية، وكذلك الأمر بالنسبة للنوريّة/ صبرية ودورها الأساسي في حياة العائلة؛ تقرأ الطالع بالكف أو بالفنجان، وتفتح بالودع، وتداوي النساء من أجل الحبل بأن تبصق في أفواههن (قرأتها سابقاً في كتابات جميل السلحوت)، وكذلك الأمر بالنسبة للشعوذات والخرافات.
تنتهي الرواية بزلزال يصيب المنطقة، يحطّم الأسطورة المتداولة حين يُهدم قبر حمروش؛ وتظهر جمجمة حمار مدفون هناك، لا أكثر ولا أقلّ، لا رجل صالح ولا غيره، "حمل سعيد جمجمة حمروش وعاد إلى البيت"، انتصار العقل على الجهل والخرافة.
تناول الكاتب صراع الأجيال بحنكة، فهو يعوّل على سعيد وأبناء جيله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، الابتعاد عن الخرافات والأساطير والتحرّر من سيطرتها على العقول، رغم أنه جاء في النهاية: "قاد محمد العيسى مجموعة من الرجال إلى المغارة، ورأوا الهيكل العظمي للحمار، فاحتاروا بتفسير ذلك، وليخرجوا من هذا المأزق قرّروا أن يغلقوا باب المغارة بجدارٍ؛ ليحاصروا الأرواح التي تسكنها".
وظّف السخرية السوداء القاتلة ليصوّر الوضع البائس لتقاليد وعادات وأفكار بالية، أكل عليها الدهر وشرب فجعل الطفل سعيد يقرف حين شاهد النوريّة/ صبرية تبصق في فم إحدى النساء كوسيلة علاجيّة جعلته يستفرغ ليؤكد موقفه الواضح من الشعوذة والمشعوذين، تلك الآفة المستشرية وأثرها على مجتمعنا وتحطيمها للكثير من القيم والألفة الأسريّة والاجتماعية، لنصل إلى النتيجة الحتمية مفادها أن الشعوذة والسحر دجل وتضليل وإياكم اللجوء لهما بأيّة حال من الأحوال، ويكمل مسيرته في محاربة الجهل والتخويف والترهيب، كما استعان بالأمثلة الشعبيّة لإيصال رسالته.
ملاحظات لا بدّ منها:
وجدت الكاتب يكرّر نفسه في عدّة مواضيع طرقها وحكايات في كتاباته السابقة، وهناك فقرات مكرّرة (ص. 48/49 على سبيل المثال لا الحصر).
وكذلك الأمر بالنسبة للإطالة في تِعداد السيرة والمسيرة، أكثر من 15% من صفحات الكتاب.
قرأت القصّة بنسختها الإلكترونية، ولا علم لي بمدى مطابقتها للنسخة الورقيّة.
*** مشاركتي لندوة اليوم السابع المقدسيّة يوم الخميس 27.02.2025