
حوار ومؤانسة مع الأديب رابح خدوسي
وأي قاسم مشترك يجمع بين شؤون الأدب وشجون التربية وهموم النشر؟.. تساؤل جوهري واجهني وصافحني قبيل محاورة ومؤانسة أديبنا المتميز: رابح خدوسي، وهو يحمل محفظة كبيرة مثقلة ببصمات ربع قرن من جهوده المثمرة في حقول التعليم والأدب والنشر.
يمتد مساره الأدبي عبر عدة محطات، تولى أثناءها مناصب حيوية حساسة، من مفتش التربية والتعليم، إلى مدير عام دار الحضارة للنشر، مرورا بمنصب أمين وطني باتحاد الكتاب الجزائريين، وأيضا بمؤسسة مفدي زكريا.
يكتب الرواية والقصة والمقالة، ويهتم بثقافة الطفل والتراث، ويحاضر فيهما داخل وخارج الوطن، وكتاباته منشورة بعدة صحف وطنية ومجلات عربية.
من أبرز مؤلفاته: الضحية- احتراق العصافير- الغرباء- حكايات جزائرية- مذكرات شاهد- رحلات إلى مدن الجمال... بالإضافة إلى إعداده لموسوعة الجزائر في الأمثال الشعبية، وموسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، إلى جانب كتبه العديدة الملونة الموجهة للأطفال والفتيان.
صافحوا معي بكل محبة وتقدير أديبنا المتميز رابح خدوسي قبيل الاستمتاع بجلسة الحوار والمؤانسة.
1ـ المتتبعون للمسار الأدبي والتربوي لأديبنا رابح خدوسي يتساءلون: أين هو الآن ضمن الحركية الثقافية الجزائرية؟.
– هو في دربه سائر كما عرفه الجميع، لا تعيقه الزحمة و لا تثنيه الحواجز .. يقرأ.. يؤلف ..ينشر..يحاول أن يضيء شموعا في العتمة…
2 ـ لنبدأ بمسألة النشر في الجزائر، ماذا عن رصيد الكتاب الأدبي والفكري ضمن منشورات دار الحضارة؟.
– جلّ منشورات دار الحضارة ثقافية ابتداء من كتاب الطفل إلى المجلدات والكتب الفاخرة ، سيما بعد ابتعادها عن برمجة الكتب المدرسية, ولا أقول أكثر لأنني مهتم بالتأليف بعد أن عدت إلى قلمي وأسندت مهمة النشر لغيري...
3 ـ مشاركتكم في معارض الكتاب، ماذا أفدتم واستفدتم في هذا المضمار؟.
– أهم ما تقدمه معارض الكتب في رأي هو التعارف بين عائلة الكتاب من مؤلفين وناشرين وقراء، ضف إلى ذلك ما يحدث من ندوات فكرية واتفاقيات للنشر وجديد للإصدارات، فالمعارض أعياد يسعد فيها الجميع، وقد كان لنا في هذه المناسبات حضور مميز في مجال التواصل مع الزوار أو عقد لقاءات واتفاقيات....
4 ـ كيف تقيّمون تجربة المشاركة الجزائرية في معارض الكتاب خارج الوطن؟.
– لحد الآن محتشمة رغم الإقبال المعتبر على بعض العناوين الجزائرية في مجال الأدب والتراث والتاريخ ، لكن العميلة تحتاج إلى خطّة محكمة وتحضير عميق وتمثيل جيّد.. وهنا أرى أن التعريف بالكتاب الجزائري ناقص جدا و لا يؤهله وضعه الحالي إلى مستوى التنافس في السوق الدولية، وهذا دور وسائل الإعلام والناشرين أيضا.
5 ـ إذا عدنا للمجال التربوي من خلال كتابكم عن المدرسة والإصلاح، ما هي استنتاجاتكم الميدانية؟.
– إن ما ذكرته في كتابي "مذكرات شاهد" 100يوم في اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، وما رصدته فيه من تناقضات في المفاهيم التي بني عليها الإصلاح وفي رؤية الواقع الجزائري من زاوية واحدة ، بدأ يظهر جليا في إخفاقات الإصلاح المعتمد كالمناهج الدراسية المريضة وتردي المستوى الدراسي لدى المعلم والمتعلم، والعنف المدرسي ،،ورغم القوانين المرفقة بهذا الإصلاح المزعوم التي حوّلت مدارسنا إلى سجون وثكنات ..سيظل الفكر التربوي هو الغائب الأكبر في مؤسساتنا التربوية، وكان ينبغي أن يكون كالدورة الدموية في الجسم..ولكن ما دامت التربية في الجزائر في خدمة الإدارة والسياسة فلا أمل يرجى من هذا الإصلاح أو القائمين عليه، ماداموا يصرّون على تدجين أبنائنا ويمارسون يوميا فكر القوة عوض قوة الفكر.
6 ـ انتاجاتك الإبداعية في الرواية والقصة القصيرة، أي رصيد أضافته لخزانتنا الأدبية؟.
– الجواب لدى القراء والنقّاد والحكم للمستقبل.
7 ـ تعتمد كتاباتكم الأدبية على مخزون لغوي خصب، ترى كيف تتعاملون مع اللغة في إبداعاتكم الأدبية؟
– اللغة عندي أساس الكتابة الإبداعية، لا أتصوّر مبدعا أو مثقفا يحمل هذه الصفة وليس في لسانه وقلمه سحر الكلمة وروعة البيان، فالكلمات مفاتيح سحرية للنص الإبداعي، والأسلوب اللغوي روح هذا النص وبهاؤه.. ومن هنا فاللغة عندي ليس أداة إبداعية فحسب بل هي بمثابة مقوم فنّي من مقومات النص الأدبي وهي صاحبة الجلالة في مملكة الإبداع. فاللغة مستويات ولكل جنس أدبي أدواته اللغوية ،فمثلا لغة الرواية منبسطة ،ـ منسرحة ولغة القصة مكثفة مركّزة سيما القصة القصيرة جدا التي كتبت مؤخرا مخطوطا في رحابها ، أما الكتابة للأطفال فلغتها تنبض بروح البساطة والعمق في آن واحد ، وفي المذكرات واليوميات أحرص على الدقة في اختيار الألفاظ الدقيقة الواضحة السهلة التي تضفي أسلوبا علميا متأدبا كما ورد في كتاب المدرسة والإصلاح (مذكرات شاهد) وفي أدب الرحلة تجتمع جميع الأوصاف السابقة وتدمج في فضاء الأساليب الأدبية المعروفة مع الحرص على انتقاء الألفاظ ومراعاة العلائق بينهما كالترادف والتضاد ما يوفر المتعة خلال مخاطبة العقل والعاطفة في العبارة الواحدة ، وبالتالي ما يضمن الوعاء المناسب للفكرة ، فاللغة رحم للأفكار ومبنى يتسع به المعنى ويستقيم المقال. ولكل متلق فهم حسب مستوى قراءته لمفردات اللغة وظلالها.
8 ـ رحلات إلى مدن الجمال، كتاب مفيد وممتع، هل هو دعوة للاهتمام بأدب الرحلات؟.
– وهو دعوة ضمنية إلى الاهتمام ببعض الأجناس الأدبية الأخرى ،وقد كتبت هذه الانطباعات عن رحلات إلى بعض المدن العربية والأوروبية ولا أرغب أن أكون ابن بطوطة الثاني .. وهذا الكتاب الذي ذكرته هو ضمن ثلاثية (مذكرات شاهد، انطباعات عائد، يوميات (سيصدر لاحقا).
9 ـ اهتماماتكم بالموسوعات التي صدرت عن دار الحضارة، هل هو سد لفراغ تعاني منه المكتبة الجزائرية؟
– صحيح .. وكذلك هو مشروع أشتغل عليه .. فيما يسمى بالحفاظ على الذاكرة الثقافية للجزائر ..مثلا موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين التي نستعد لانجاز الطبعة الثانية منها في 7 مجلدات بإضافة آلاف الأسماء ( وهنا أدعو جميع من يملك معلومات عن أي مؤلف جزائري وأعماله لإرسالها لدار الحضارة قصد إدراجها في الموسوعة) وكذلك موسوعة الأمثال الشعبية الجزائرية وسلسلة حكايات جزائرية ... وكل هذه الأعمال ترجمت إلى الفرنسية وعرضت في معارض كتب دولية...هذه الكتب أردت من خلالها بناء الذاكرة الوطنية المهتمة بفعل التدمير والنسيان والزمن.. لأن الذاكرة هي الحاضر و المستقبل، ولا مستقبل لمن لا ماض له كما يقال.
10 ـ كلمة ختامية من القلب إلى القراء..
– محبتي الخالصة إلى قرائي الأعزاء الذين داوموا على اقتناء كتاباتي لمدة تزيد عن ربع قرن..وبفضلهم نشرت من مجموع أعمالي مئات الآلاف من النسخ.