الجمعة ١٢ أيار (مايو) ٢٠٢٣
بقلم جورج سلوم

خجل

لا أذكر كيف سرقني النوم، ولكني صحوتُ الآن لأراكِ نائمة بجانبي.

أوّاه من خجلي ممّا فعلتُ بكِ!

لا .. لا تستيقظي الآن، فأنا أخجل من عيونكِ التي قد تعاتبني عمّا اقترفت، وأخجل من خفق أجفانك التي قد تبكّتني عمّا ارتكبت، وأخجل من دموعك التي تخجل عن أن تسيل، وأخجل من خجلكِ الذي يتوارى ويتخفّى فلا يتبدّى لأنّ كبرياءكِ الكاذب يخنقه.

أنا لم أكُ يوماً خجولاً مع الغير، ولم أغضّ الطرف إلا إزاءكِ، أنتِ يا مَن اتّهمتني بالخجل. لكنك كنتِ سعيدةً بخجلي، متماديةُ نحوي أنا المتراجع أمام تقدّمك، متطاولة عليّ أنا المنكمش عنكِ، متدانية منّي إثر تباعدي عنكِ، فمنك الكرّ ومني الفرّ، حتى خجلتُ بأمري وخجلَ الأمرُ عليّ.

ولعبْنا لعبة التخجيل التي آثرتِ إلا أن نلعبها معاً، بحرب العيون المحملقة وتحدّي من يُبقي عينَه مفتوحة أمام سهام عين الآخر، فخسرتُ طبعاً وأغمضتُ قبلك، وانكسرَتْ عيني، وتهدّل جفني كستارة مثخنة بالهموم، فأنّى لي بمواجهة سهام لحاظك. ثم حرب الأيادي المتصافحة، فسحبتُ يدي من قبضتكِ الكهربائية، وخجلتُ من شحناتكِ الطاغية، تدغدغني وتشعلني. وكنتِ تضحكين وتطلبين المزيد، وكان المزيد أشدّ هولاً، لا بل وأكثر لذّة!

ثم طلبتِ أن نخلع ملابسنا وجهاً لوجه تدريجياً وبطريقة التسلسل مع مراقبة ردّة الفعل، ويا لها من لعبة مخجلة! بكشفِ عينٍ مقابل عين وإظهار سنٍّ مقابل سن والبادي أظلم، وأنتِ كنت البادئة والفاتحة، الفاتحة التي لم تسبقها بسمَلة لكنها تفرض هيبتها. فبدأتِ بتحرير شعرك من حجابه، واكتفيتُ أنا بكشف رأسي من عقاله مذهولاً من روعة انفلات القيود عن المخفيّات الأسيرة، وكنتِ كالطاووس البديع الملوّن عندما ينفش ريشه وكنتُ كالديك المنتوف إلا من عرفه الذي تضرّج احمراراً. وضحكنا ضحكَ طفلين معاً، وشتّان ما بين الثرى والثريّا، عندما يفوح العطر من الشعر المنثور كواحةٍ من ضفائرَ مسترسلة مقارنة بناصيتي الصحراوية الجرداء.
فأطرقتُ برأسي على عيوني المغمَضة، وانكمشتُ تحت قوقعتي كالسلحفاة الخجولة، وهل أدفن رأسي في الرمال كالنعامة الخجلى؟

ثم بدأتِ بتقشير نصفكِ العلوي، كقطعة الشوكولا المغلّفة تسيل اللعاب قبل أن نذوق حشوتها الحلوة، وسايرتكِ، وكم حاولت أن أهرب من استكمال لعبتك، ولكنك كنتِ تنهرين خجلي وضعفي وتردّدي وتراجعي وجبني.

 قف مكانك أيها الخجول ولا مجال للانسحاب

نعم، صار الانسحاب صعباً، لأننا انغمسنا في المستنقع حتى نصفنا، وتبللت فينا الأجساد، لكن النجاة من الغوص ما زالت ممكنة

قلت:

 تكفينا هذه الجولة، وأنا الذي خسرت وكان جوابكِ بأنّ الخطوط الحمراء قد تجاوزناها، وعبرنا الحدود، وصرنا في حقل الألغام التي قد تنفجر إن تقدّمنا أو تراجعنا، فلا بد من العبور إلى الشطّ الآخر مهما كانت النتيجة.
وها أنا استيقظت الآن مرميّاً على الشط الآخر كالغريق الخجول الذي تمّ انتشاله في بلاد الأغراب، خجلاً من عريه، خجلاً من استثقال نفسه عليهم كلاجئ، خجلاً من ذكر اسم بلاده التي لفظته، مع أنه يحفظ القصيدة التي مطلعها، نعم عربٌ ولا نخجل!

صحوتي المبكّرة هذه كصحوة الضمير بعد ذنبٍ ينتظر التوبة والاستغفار والاستعطاف، فلا تستيقظي لأني على فعلتي في استحياء.

أنا أشعر بالبرد وأنا معكِ تحت لحافكِ الدافئ نفسه، ولا أدري لماذا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى