دراسة حول محمد الماغوط
الملخص
کانت حیاة الماغوط قاسیة، مغلقة بالفقر و الشتات و الحزن، ثم ان تجربة السجن قبل بلوغه العشرین غیرته بشکل جلی من مجرد فلاح بسیط الی کائن آخر یسکنه الرعب و تتقاذفه الکوابیس السجن و السوط کانا معلمی الاول، و جامعة العذاب الابدیة التی تخرجت منها، انسانا معذبا.
تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة.
هو شاعر کبیر، لم یکن موقف شاوول مجانیا، بل کان مبنیا علی خبرة کبیرة بالشعر و محیطه، ثم انه رای اجیال متعاقبة، و الحقیقة ان صورة الماغوط اصبحت تتسع شیئا فشیئا مع تعاقب الاجیال،کاَنَّ حرکة شعر الرائدة لم تنتج، فی العمق و فی الجوهر، سوی الماغوط، رغم ان جسده الشعری کان اضخم بکثیر من الحیز الذی کان یشغله فی غرفة شعر ثم انه لم یکن یتبنی الخیار الایدیولوجی الذی کان یتبناه زملاوه، فقط کان یتبنی خیاره الشعری لم یکن الماغوط من الاساس معنیا بتلک الایدیولوجیات یسارها و یمینها... کان اکثر حریة و مزاجیة و اکثر میلا الی التحرر من اغباء تلک المعاییر الناجزة فی السلوک و الشعر.
عمل الماغوط لم یقصر علی الکتابة فی مجلة شعر، بل عمل صحفیا فی عدة صحف محلیظ کجریدة تشرین، و عمل فی مجلة(المستقبل) ایضا و (الجندی) و غیرها . و صارت مقالاته الساخرة مصدرا مهما لعشاقه من القراء للتخفیف عن همومهم و آلامهم.
کتاباته کثرت و کثر معها قرّاء و معجبوه، و صار اسم الماغوط علماً یرفرف بین الاوساط الادبیة فی سماء سوریا و البلدان العربیة الاخری،حتی وصلت شهرته الی خارج الحدود، فنال العلمیة بجدارة
الکلمات الدلیلیة:محمد الماغوط، الشعر،المسرحیة،الحزن
حیاته
:
محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري
‹‹فی یوم شتائی بارد، ولد الشاعر محمد الماغوط فی شباط 1934م. فی سلمیة،القریة التابعة لمحافظة حماة السوریة›› [1]
‹‹التی لم تکن مدینة کما هو معروف عنها،بل کانت قریة نائیة لکنها باسلة، و قد هدمت مئة مرة و هی معقل القرامطة›› [2]
‹‹السلمیة...هی احدی القری السوریة التی تصدعت بحالات التخلف العدیدة التی شملت باقی القری و المدن السوریة. فکانت قریة نائیة لکنها باسلة، استمرت فی الحیاة و تجفیف الاحزان ، و هی تنتظر الازهار بشقائق النعمان التی تذکر اهلها بجماجم الاجداد المحطمة تحت حوافر الرومان» [3]
یقول الماغوط حول بلدته:
‹‹-یحدها من الشمال الرعب
– و من الجنوب الحزن
– و من الشرق الغبار
– و من الغرب الاطلال و الغربان» [4]
‹‹غادر الماغوط بلدته عند تخوم بادیة حمص و هو فی الرابعة عشر من عمره،ای فی عام 1948م.متوجها الی دمشق، و هناک کان یدرس الهندسة الزراعیة فی مدرسة خرابو فی الغوطة،حیث کان دخوله الیها لیس لشئ ،الا بسبب تقدیم انواع الطعام و الشراب فیها بشکل مجّانی» [5]
‹‹کانت هذه المدرسة فی ذلک الوقت،اعدادیة و لیست ثانویة، و کما هو معروف عنها فقد خرّجت الکثیر من الشخصیات الهامة و الفاعلة فی تاریخ سوریا المعاصر. و لما اکمل محمد الماغوط المراحل الاعدادیة، اتسعت آفاقه الذهنیة رویدا رویدا. و فجاة احسّ ان لیس اختصاصه الحشرات الزراعیة بل الحشرات البشریة، لهذا السبب هرب منها و عاد الی سلمیة» [6]
بعد هذه الرحلة التعلیمیة القصیرة لم یتابع بعدها الماغوط دراسته الاکادیمیة،بل اکملها بالاعتماد علی نفسه.
عندما رحل محمد الماغوط من دمشق متوجها الی بیروت، کان لقاءه هناک قد تم مع ادونیس و زوجته خالدة سعید.تعرّف بعدها بالشاعرة شقیقة خالدة (سنیة صالح)، و کانت البدایة یسودها تبادل اعجاب شعری فیما بینهما، و شیا فشیا تطورت العواطف و اکتملت لتصبح جیاشه، فتکللت بالزواج فی خریف 1962م. کانت سنیة صالح الحب الاول و الاخیر للماغوط. کان یحب زوجته کثیرا و یحترم شعرها،فکان یعتبرها شاعرة ملهمة و مبدعة، و یذکر ان دیوانها(ذکر الورد) بانه قمة شعریة. لقد کتبت قصائدها و هی علی فراش الموت. و لشدة حبه ایاها فقد وصفها فی مسرحیة (الارجوزة).
لم تکن سنینة زوجة له فقط؛ انما کانت بمثابة امه الثانیة و مرضعته و حبه، و فی نتاجاته کان رایها مهما جدا بالنسبة للماغوط.
توفي في دمشق في 3 أبريل 2006م.
شخصیته:
نکتشف ان ملامح شخصیة الماغوط قد تکونت و تبلورت منذ طفولته فی قریته سلمیة التی نشا و ترعرع فیها،حیث انعکثت هذه الملامح فی قصائده و نتاجاته الادبیة فیما بعد.
یقول الماغوط: ‹‹طفولتی فی ضیعة سلمیة بقدر ما کانت بائسة و نمّت فیّ احساس التمرد الذی کان سببه المفارقات الموجودة: امراء و فلاحین، مقابر خاصة بالامراء و مدارس خاصة لاولادهم و غیر مخصصة لابن الفلّاح.کل هذه اتت لی بعزة النفس و التمرد» [7]
ان محمد الماغوط ، غالبا ما کان یحب ان یصف نفسه بالبدوی، و یحب ان یتصف کثیرا بالحیاة البدویة، فتلمس حنینه الی الایام
‹‹لذا، فقد قال عنه الناقد صبحی حدیدی: و لسنا نعرف شاعر قصیدة نثر غاص الی قاع الشعر کما فعل الماغوط .فی تلک الاثناء کان الشعر بصفة عامة و بتاثیر قوی من ادونیس، ان یتقدم بلغة معقدة و صعبة و ذی افق صوفی متعال» [8]
‹‹محمد الماغوط لم یکن منحازا لایِّ من الفریقین او لایة جهة، لانه لم یکن یرغب فی الانتماء الفکری لای مدرسة مهما کانت ادِّعاتها وطنیة. حتی و هو فی الحزب السوری القومی لم یکن انتماء فکریا بل جاء اختیاره له لانه کان الاقرب من غیره من الاحزاب الاخری الی بیته. بل کان منذ بدایاته یشن حربا ضروسا ضد ما تراکم عبر اجیال و اجیال من تقالید و سنن و شرائع توارثتها الاجیال ابا عن جد» [9]
یقول محمد الماغوط عن مسرحیته العصفور الاحدب (کتبت العصفور الاحدب لاننی کنت مختبئا فی غرفة نصفیة، ای عندما تقف یضرب راسک السقف. کنت فیها کالاحدب و فی هذه الغرفة کتبت ایضا (غرفة بملایین الجدران) [10]
یقول عنه لوی آدم: ‹‹والواقع ان ذات الماغوط کانت ممزقة، لانها فی حالة مواکبة دائمة لواقع الوطن و الشعب و ما کان حالهما فی ذلک الوقت من تمزق و تشرذم و معاناة و اضطراب و لذلک نجد ذات الماغوط انعکاس لذات الوطن و الشعب، ولکن رغم کل هذه المتاهة کان النور الداخلی العمیق، نور الارادة العظیمة الساکنة فی وعیه، هو الذی ینیر الدرب المظلم» [11]
یقول :
‹‹یا الهی....ماذا فعلوا بهذه الامةکم شردوا من شبابهاو اهانوا من شیوخهاواغتصبوا من نسائهاو روَّعوا من اطفالهاو حطوا من کرامتهاو سجنوا من احرارهااستغلوا فقراءهاو ابتزوا اغنیاءها» [12]
سئل الماغوط،لماذا انت دائم الحزن، اجاب و بکل صدق و بساطة:النشاة تلعب دورا کبیرا، فانا عشت فی البرد و الوحل و بین المقابر و نشات وسط تقالید غسل العار. کل یوم کنا نستقیظ علی خبر امراة مذبوحة» [13]
اول قصیدة کتبها الشاعر محمد الماغوط ، کانت فی السجن و عنوانها (القتل) و التی کانت المنفذ الحقیقی الی عالم الکتابة و النشر و الشهرة من بعد ذلک. و بعدها و فی السجن ایضا کتب الماغوط مسرحیته المشهورة(العصفور الاحدب) و کتب کذلک (غرفة بملایین الجدران)، و اللتان اخذتا صدیً واسعا و عمیقا فی نفوس الملایین من المتابعین له،قرَّاء و نقَّاد.
الجوائز التي نالها الماغوط خلال حياته:
جائزة "احتضار" عام 1958.
جائزة جريدة النهار اللبنانية لقصيدة النثر عن ديوانه الأول "حزن في ضوء القمر" عام 1961.
جائزة سعيد عقل.
صدور مرسوم بمنح وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة للشاعر محمد الماغوط من بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية.
جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر عام 2005.
آثاره:
من آثاره الادبیة
– حزن فی ضوء القمر: القصیدة التی کتبها فی وداع دمشق(دار مجلة شعر-بیروت 1959).
– غرفة بملایین الجدران:شعر(دار مجلة شعر-بیروت 1960).
– الفرح لیس مهنتی:دیوان شعر(منشورات اتحاد الکتاب العرب-دمشق1970).
– العصفور الاحدب:اول مسرحیة یقوم بتالیفها1960.
– المهرَّج:مسرحیة –(مثلت علی المسرح1960،طبعت عام1998 من قبل دارالمدی-دمشق).
– الارجوحة:روایة کتبها عام1974 و نشرت عن دار ریاض الریس للنشر.
– ضیعة تشرین:مسرحیة(لم تطبع-مثلت علی المسرح1973-1974).
– غربة:مسرحیة(لم تطبع – مثلت علی المسرح1976).
– کاسک یا وطن:مسرحیة(لم تطبع-مثلت علی المسرح1979).
– حکایا اللیل:مسلسل تلفزیونی.
– وین الغلط:مسلسل تلفزیونی.
– الحدود:فیلم سینمائی.
– التقریر:فیلم سینمائی.
– شقائق النعمان:مسرحیة لم تطبع.
– وادی المسک:مسلسل تلفزیونی.
– ساخون وطنی:مجموعة مقالات (1987-اعادت طباعها دارالمدی بدمشق2001).
– خارج السرب:مسرحیة(دارالمدی – دمشق1999-مثلت علی المسرح باخراج الفنان جهاد سعد).
– اعمال محمد الماغوط:تتضمن :شعر – مسرح- روایة.
– سیاف الذهور:نصوص حرة.
– المسافر:فیلم سینمایی.
– شرق عدن غرب الله:نصوص حرة(دارالمدی بدمشق.2005
– البدوی الاحمر:اختار الماغوط قبل رحیله باشهر اسم(البدوی الاحمر) عنوانا لاخر مولفاته(دارالمدی بدمشق2006).
– نشر مقالاته فی عدة مجلات و صحف، منها:
– تشرین
– مستقبل
– الدنیا
– الجندی
نموذج من کتاباته:
– ‹‹فی اعماقی مهرجانات الم
حیاتی ظلام فی ظلام
وثمة فراشة تتخبط حولی بجنون
ثمة اظافر مدببة تنفذ فی اوراقی
ثمة کوابیس و اطلال و غربان تغطی جبینی
ایة احلام سعید ستکون علی وسادتی؟» [14]
– ‹‹لم یعد لی من مرتجی سوی الله
و لکن من کثرة ما رکعت الی الطغاة
لم اعد اعرف کیف ارکع الی الله» [15]
– ‹‹اننی شاعر مومن بالعقاب و الثواب
عقدنا اجتماعات سریة
و علنیة
ثنائیة و جماعیة
فلم تصل الی نتیجة
و هنا اکتشفت لم الله ناجح فی عمله
لانه بلا مستشارین» [16]
النتیجة:
يعتبر الماغوط احد أهم رواد القصيدة النثرية في الوطن العربي، وهو شاعر في كل نصوصه وفي كل تفاصيل حياته، يحتفظ بطفولة يندر مثيلها، يسافر في كل يوم إلى نفسه وذكرياته، يذلل أحزانه وأوجاعه ويستعيد صور أحبته وأصدقائه وعذابات عمره.. ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصوصه حاملة صورة الماغوط وحريق روحه واكتشافاته التجريبية في الحياة واللغة.. فهو مدهش مفرد الأسلوب والموهبة، وأصدقاء شعره في جيله وكل الأجيال اللاحقة يتبارون في الاحتفال والاحتفاء به شاعراً وأديباً وكاتباً كبيراً.
الإنساني بكل معانيه وأشكاله.. لغته مشتعلة دائماً بقارئها، تلسعه كلماتها كألسنة النيران، ترجه بقوة، فيقف قارئ الماغوط أمام ذاته، ناقداً، باكياً،ضاحكاً،مسكوناً بالقلق والأسئلة.
اننا نحترم الماغوط لانه من القلائل الذین سبحوا ضد التیار العتیق اعذبة اکذبة، فلم یکن یکتب سوی حیاته و حیاة اشباهه لم یغبر جلده، و لم یلهث خلف البریق، حتی فی کتاباته کان صافیا الی درجة التکدر المطلق، لم یستعر معطفا من احد، و انما وضع اسماله علی الورق، لایمکن ان نصف نصوصه ضمن اطار البوح و التشظی و الاحتراق... و ما الی ذلک من الکلمات التی تبدو سطحیة و هجینة و مبتذلة امام عمق وقوة ما یکتب
كتب الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية والرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي وهو في كل كتاباته حزين إلى آخر الدمع.. عاشق إلى حدود الشراسة، باحث عن الحرية التي لا تهددها جيوش الغبفي قصائد ومسرحيات وأفلام الماغوط، يقدم الشاعر والكاتب والأديب الكبير نفسه عازفاً منفرداً، وطائراً يحلق خارج السرب، لا يستعير لغته من احد، ولا يأبه إلا لنفسه في انتمائه وعشقه وعلاقته بالناس والأمكنة.
الماغوط وفي لعذاباته.. قوي الحدس.. شجاع في اختراق حصار الخوف واعين الرقباء، منحاز إلى الحرية والجمال والعدل.. وله طقوسه في حب الوطن وعشقه له.. وتجد في مسيرته الثرة السلمية ودمشق وبيروت محطات حميمة في دفاتره وفي حياته الشخصية والابداعية.
المصادر و المراجع:
1-آدم،لوی، محمد الماغوط(وطن فی الوطن)، دارالمدی،دمشق،الطبعة الاولی2001م.
2-جریدة البعث،دمشق،العدد12847، 2006م.
3-د.خورشا،صادق،مجانی الشعر العربی الحدیث و مدارسه،منشورات سمت،طهران،الطبعة الاولی،1381ه.ش.
4-صویلح،خلیل،اغتصاب کان و اخواتها،دارالبلد،دمشق،ط1، 2001م.
5-الماغوط،محمد،اعمال محمد الماغوط،دارالمدی،دمشق،ط1 ، 1998م.
6-الماغوط،محمد،الاعمال الکاملة،دارالعودة،بیروت،ط لا، تا لا.
7-الماغوط،محمد،البدوی الاحمر،دارالمدی،دمشق،ط1 ، 2006.
8-مجلة الناقد،العدد36، 1999م.
9-مجلة الوسط،دمشق،العدد 37، 2000م.
مشاركة منتدى
29 آب (أغسطس) 2015, 09:57, بقلم د. نجمة حبيب
خير الكلام ما قل ودل. وهذه المقالة قالت الكثير بكلام قليل