الاثنين ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم محمد زكريا توفيق

دعوة لمشاهدة راشومون

حتى لو لم تكن قد سمعت عن الفيلم الياباني راشومون للمخرج أكيرا كوروساوا 1950، ربما تكون على علم بموضوعه. هو بنية درامية تسمى "تأثير راشومون". تعرفها ساحات القضاء؛ عندما يتقدم شاهدان أو أكثر للشهادة في قضية لتفسير نفس الحدث. كل من منظور مختلف. تذكرنا بقصة عميان هندستان والفيل.

عميان هندستان قد وجدوا فيلا في طريقهم. قال أحدهم إنه جدار عندما لمس بطنه؛ الثاني ثعبان عندما مسك خرطومه؛ الثالث رمح عندما وضع يده على نابه؛ الرابع معبد بعد أن لمسه رجله؛ الخامس مروحة بسبب شكل أذنه؛ أما الأخير فلم يجده سوى حبل عندما شد ذيله. التباين في وجهات النظر، يمنع معرفة الحقيقة.

لذلك، موضوع الفيلم غير عادي. يبين روايات مختلف لحدث واحد. عن قصة قصيرة مقتبسة ل أكوتاجاوا 1922، بنفس العنوان. تدور أحداثها في القرن الثاني عشر، في مدخل مدينة كيوتو. تحكيها شخصيات الفيلم، وتقدم روايات مختلفة عن حادثة قتل قاطع طريق لزوج واغتصاب زوجته في الغابة.

بدون علم أكيرا كوروساوا، أوصت المنتجة الإيطالية، جوليانا ستراميجولي، بإدراج الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي. ففاز بجائزة الأسد الذهبي عام 1950، وجائزة الأوسكار الفخرية لأفضل فيلم أجنبي في العام التالي. في السنوات التي تلت ذلك، أصبح الفيلم ملهما للكثير من صناع الأفلام، وبات يصنف بصفة دورية من بين أعظم عشرة أفلام أنتجت حتى الآن.

يجلس حطاب وكاهن تحت مظلة في مدخل مدينة راشومون اليابانية اتقاء المطر. ينضم لهما رجل ثالث من عامة الناس. يخبرانه بقصة محزنة شاهداها. لقد عثر الحطاب على جثة ساموراي مقتول منذ ثلاثة أيام. أما الكاهن، فهو يؤكد أنه رأى الساموراي يسافر مع زوجته في وقت سابق من ذلك اليوم.

استُدعي الحطاب والكاهن إلى المحكمة لسماع شهادتيهما. ثم تصل الشرطة ومعها أحد قاطع الطرق رهن الاحتجاز، بسبب اعترافه بجريمة قتل. هنا يقوم كل منهم برواية الحدث من وجهة نظره وكما شاهده.

حكاية قاطع الطريق:

قاطع الطريق، سيء السمعة، تبدأ روايته بخداع ساموراي، كان يسير هو وزوجته في الغابة. جعله يعتقد أن هناك أسلحة قديمة قيمة مدفونة أعلى الجبل، ثم ربطه بشجرة وحاول إغراء زوجته.

حاولت الزوجة في بادئ الأمر المقاومة والدفاع عن نفسها ببسالة بخنجر صغير مرصع بالأحجار الكريمة. لكنها استسلمت في النهاية. لكي تتغلب على الشعور بالذنب والعار، توسلت الزوجة لقاطع الطريق القيام بتحدي زوجها في مبارزة بالسيف حتى الموت، حتى لا يوجد رجلان أحياء شاهدان على عارها.

يدعي قاطع الطريق الشهامة ويوافق على طلب الزوجة، وبالتالي يكون مقتل الساموراي بعد هزيمته في مبارزة بالسيف وليس غدرا. أثناء المبارزة، هربت الزوجة إلى الغابة.

في النهاية، تستفسر المحكمة عن الخنجر باهظ الثمن الذي تركته الزوجة وراءها. فيقول قاطع الطريق أنه قد نسي الأمر برمته وسط كل هذا الارتباك. ثم يعقب بأنه لا بد أن يكون أحمقًا، لأنه سمح لمثل هذه الجائزة القيمة بالإفلات من قبضته.

حكاية الزوجة:

وقفت زوجة الساموراي لكي تشهد في المحكمة. لكن روايتها مختلفة بشكل ملحوظ. تدعي أن الإغواء كان في الواقع اغتصاباً. وبعد أن غادر قاطع الطريق المكان، ذهبت إلى زوجها تطلب المغفرة، فلم تتلق منه سوى صمت بارد. بعد أن فكت قيده، توسلت له كي يقتلها حتى تتخلص من عارها.

لكن الزوج يستمر في احتقار زوجته، وأخذ يحدق فيها باشمئزاز وكراهية. مما أحزنها لدرجة أنها أغمي عليها وهي لا تزال قابضة على خنجرها. عندما عادت إلى وعيها، وجدت زوجها ميتاً والخنجر غائرا في صدره. حاولت الانتحار، لكنها فشلت في ذلك.

ثم قامت المحكمة بإحضار روح القتيل الساموراي عن طريق وسيط لسماع روايته. كالتالي:

حكاية روح الساموراي:

قالت روح الساموراي من خلال الوسيط أن قاطع الطريق بعد اغتصاب زوجته، طلب منها الهرب معه. وافقت الزوجة، إلا أنها توسل له أن يقتل زوجها؛ حتى تعفي نفسها من ذنب معرفة رجلين مختلفين في آن واحد.

طلب الزوجة الغريب روع قاطع الطريق، وجعله يذهب للساموراي وهو لايزال مقيدا، ليسأله هل يقتل زوجته أم يعفو عنها. هذا العرض حرّك الساموراي وجعله يغفر لقاطع الطريق. لكن الزوجة كانت قد هربت. بعد فشله في اللحاق بها، عاد لكي يطلق سراح الساموراي. إلا أن الساموراي أخذ خنجر زوجته وقتل نفسه. شخص آخر قام لاحقاً بإزالة الخنجر.

بعد المحاكمة، تعود الحكاية إلى بوابة المدينة حيث يقول الحطاب للرجل الثالث أن كل رواية قيلت في المحاكمة، هي عبارة عن كذبة كبيرة. هو متأكد من ذلك لأنه شاهد كل شيء بنفسه، إلا أنه لم يتقدم للشهادة لأنه لا يريد التورط في القضية.

قصة الحطاب:

Rashomon (Film) Characters
GradeSaver

Rashomon (Film) study guide contains a biography of director Akira Kurosawa, literature essays, quiz questions, ...

يقول الحطاب أن قاطع الطريق قد ناشد الزوجة أن تتزوجه، لكنها اختارت انقاذ زوجها. السبب هو أن الزوج لم يكن على استعداد لمحاربة قاطع الطريق لأنه لا يريد المخاطرة بحياته من أجل امرأة مدللة مثل زوجته.

ثم أخذت الزوجة تتهم كلا من زوجها وقاطع الطريق، تتحدى رجولتهما، وتحرضهما على القتال للفوز بها. تقاتل الرجلان على مضض، مما أدى إلى مبارزة أقل شرفا بكثير مما وصف بالروايات السابقة.

السبب الذي جعل قاطع الطريق يفوز، هي ضربة عشوائية عن طريق الحظ، ألقت بالساموراي على الأرض وجعلته يتوسل لحياته قبل أن يقتله قاطع الطريق. هذا جعل المرأة تهرب في رعب. لكن قاطع الطريق فشل في اللحاق بها. بعد ذلك، عاد وأخذ سيف الساموراي وغادر المكان.

بعد قصة الحطاب، يسمع الثلاثة عند البوابة صوت طفل يبكي. يكتشفون سلة بداخلها الطفل معه تميمة. يتهم الحطاب الرجل الثالث بسرقة التعويذة من الطفل عديم الحيلة، فيرد الرجل باتهام الحطاب بسرقة الخنجر من جثة الساموراي بعد مقتله. وهذا هو السبب الذي جعله يهرب من أداء شهادته بالمحكمة. ثم يقول، إن سلوك كل رجل نابع فقط من مصلحته الذاتية.

يحمل الكاهن الطفل، ويرفض إعطائه للحطاب في بادئ الأمر، بسبب الشك في نيته. لكن الحطاب يهدئ من روعه ويخبره بأنه لديه ستة أطفال، ولا ضرر من زيادتهم واحدا. هنا تتغير مخاوف الكاهن صوب الحطاب، ويستعيد إيمانه بوجود الخير، وثقته في الإنسان.

ملاحظات على الفيلم:

قصة فيلم راشومون، تدور حول حكاية واحدة. مع ذلك، هناك عدة روايات لما حدث في اليوم الذي قتل فيه الساموراي. هذا الفيلم يبين كيف يمكن تشويه الحقيقة وحجبها أو فقدها، عندما يكون اعتمادها على الراوي فقط.

لا يوجد هنا شيء موضوعي يمكن أن يستخدم كدليل إثبات. مجرد حكايات غير مكتملة تم تجميعها من هنا وهناك. مجرد وجهات نظر جزئية مختلفة. التباين بين الروايات، مما يبطل قدرة المحكمة على تطبيق العدالة، ويجعل المشاهد غير قادر على اكتشاف معنى وحقيقة ما حدث.

لاحظ كوروساوا أن البشر غير قادرين على أن يكونوا صادقين مع أنفسهم. كل رواية تحاول تشويه الحقيقة، لكي تبرئ الراوي وتجعله أفضل من باقي الناس. قاطع الطريق يصف نفسه بالشجاعة والذكاء ويبرئ نفسه. الزوجة تصف نفسها بأنها ضحية الاغتصاب. روح الساموراي تبرئه وتجعله ضحية لخيانة زوجته. الأنا هي المنشور الحقيقي الذي من خلاله يحكي كل منهم شهادته.

إخفاء الحطاب لسرقته للخنجر وهروبه من الإدلاء بشهادته أمام المحكمة، يدل على مدى هشاشة الاعتراف والشهادة في القضايا الجنائية، وعدم قدرتهما على كشف الحقيقة. لذلك لا يجب أن تؤخذ كدليل إدانة بالمحاكم. وهذا ما كان ينادي به الفيلسوف البريطاني بيرتلاند راسل.

البحث عن الحقيقة هو موضوع الفيلم منذ الجملة الأولى للحطاب: "أنا لا أفهم... أنا فقط لا أفهم. " بالرغم من هذه الروايات المتباينة، يعتقد الكاهن أن الحقيقة يمكن الوصول إليها. لأن الإنسان جيد في الأساس.

هو قد وثق في الحطاب بعد تردد، وأعطاه الطفل لكي يقوم بتربيته، وهو يقول: "إذا لم نثق في بعضنا البعض، تكون الحياة على هذه الأرض جحيماً". الطفل يمثل الإنسانية جمعاء.

الفيلم يمكن مشاهدته بجودة عالية مترجما باللغة العربية من هذا الموقع

https://www.shahidpro.tv/watch.php?vid=b81a8358f


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى